في ذكر المغفلين من الأئمة
عن أبي العيناء قال: كان المدني في الصف من وراء الإمام، فذكر الإمام شيئًا فقطع الصلاة وقدَّم المدني ليؤمَّهم، فوقف طويلًا فلما أعيا الناس سبَّحوا له وهو لا يتحرك، فنَحَّوْه وقدَّموا غيره فعاتبوه فقال: ظننته يقول لي احفظ مكاني حتى أجيء.
وعن محمد بن خلف قال: مَرَّ رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ: «الم غلبت الترك.»، فلما فرغ قلت: يا هذا إنما هو غُلِبَتِ الرُّومُ، فقال: كلهم أعداء لا نبالي من ذكر منهم.
وعن مندل بن علي قال: خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسَحَر، فمَرَّ بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذِّن الصلاة فدخل يصلي فافتتح الإمام الركعة الأولى بالبقرة، ثم في الركعة الثانية آل عمران، فلما انصرف قال له الأعمش: أما تتقي الله، أما سمعت حديث رسول الله ﷺ: «من أم الناس فليخفف، فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة»؟ فقال الإمام: قال الله عز وجل:وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ فقال الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل.
وعن المدائني قال: قرأ إمام «ولا الظالين» بالظاء المعجمة، فرفسه رجل من خلفه فقال الإمام: آه ضهري. فقال له رجل: يا كذا وكذا خذ الضاد من ضهرك واجعلها في الظالين وأنت في عافية. وكان الراد عليه طويل اللحية.
قال الجاحظ: أخبرني أبو العنبس قال: كان رجل طويل اللحية أحمق جارنا، وكان أقام بمسجد المحلة يعمره ويؤذِّن فيه ويصلي، وكان يعتمد السُّوَرَ الطِّوال ويصلي بها، فصلى ليلة بهم العشاء فطوَّل فضجوا منه وقالوا: اعتزل مسجدنا حتى نقيم غيرك، فإنك تطوِّل في صلاتك وخلفك الضعيف وذو الحاجة. فقال: لا أطول بعد ذلك فتركوه، فلما كان من الغد أقام وتقدَّم فكبر وقرأ «الحمد»، ثم فكَّر طويلًا وصاح فيهم: إيش تقولون في عبس؟ فلم يكلمه أحد إلا شيخ أطول لحية منه وأقل عقلًا، فإنه قال: كَيِّسَة مر فيها.
وقرأ إمام في صلاته: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه خمسين ليلة. فجذبه رجل وقال: ما تحسن تقرأ، ما تحسن تحسب؟
وتقدم إمام فصلى فلما قرأ «الحمد» افتتح بسورة يوسف فانصرف القوم وتركوه، فلما أحسَّ بانصرافهم قال: سبحان الله! قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فرجعوا فصلُّوا معه.
وقرأ إمام في صلاته: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فلما بلغ قوله: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ أُرْتِجَ عليه وجعل يردد حتى كادت تطلع الشمس، وكان خلفه رجل معه جراب فضرب به رأس الإمام وقال: أما أنا فأذهب وهؤلاء لا أدري إلى أين يذهبون.