في ذكر المغفلين من القُصاص
فمنهم «سيفويه» القاص، كان يُضرب به المثل في التغفيل.
عن محمد بن العباس بن حيويه قال: قيل لسيفويه: قد أدركت الناس فلِمَ لَمْ تحدث؟ قال: اكتبوا حدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم بن عبد الله مثله سواء. قالوا له: مثل إيش؟ قال: كذا سمعنا وكذا نحدِّث.
عن ابن خلف قال: جاء يومًا رجل من عرس فسأله سيفويه ما أكل؟ فأقبل يصف له فقال: ليت ما في بطنك في حلقي.
وقال ابن خلف: قال عبد العزيز القاص: ليت أن الله لم يكن خلقني وأني الساعة أعور. فحكيت ذلك لابن غياث فقال: بئس ما قال، وددت واللهِ الذي لا إله إلا هو أن الله لم يكن خلقني وأني الساعة أعمى مقطوع اليدين والرجلين.
وروى أبو العباس بن مشروح قال: كان سيفويه اشترى لمنزله دقيقًا بالغداة وراح عشاء يطلب الطعام فقالوا: لم نخبز؛ لم يكن عندنا حطبًا. قال: كنتم تخبزونه فطيرًا!
وحكى أبو منصور الثعالبي أن رجلًا سأل سيفويه عن الغسلين في كتاب الله تعالى فقال: على الخبير سقطت، سألت عنه شيخًا فقيهًا من أهل الحجاز فما كان عنده قليل ولا كثير.
وقف سيفويه راكبًا على حمار في المقابر فنفَر حماره عند قبر منها، فقال: ينبغي أن يكون صاحب هذا القبر بيطارًا.
وقرأ سيفويه: «ثم في سلسلة ذرعها تسعون ذراعًا.» فقيل له: قد زدت عشرين! فقال: هذه خلقت لبغاء ووصيف، فأما أنتم فيكفيكم شريط بدانق ونصف.
وقرأ قارئ بين يديه، كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا فقال: ماذا لقي القوم واللهِ من أجل صلاتهم بالليل!
وقرأ القارئ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فقال: هؤلاء خلاف نسائكم الفجار.
قيل لسيفويه إن اشتهى أهل الجنة عصيدة كيف يعملون؟ قال: يبعث الله لهم أنهار دبس ودقيق وأرز ويقال: اعملوا وكلوا واعذرونا.
وعن محمد بن خلف قال أبو أحمد التمار في قصصه: لقد عظم رسول الله ﷺ حق الجار حتى قال فيه قولًا أستحي واللهِ أن أذكره.
قال ابن خلف: قصَّ قاص بالمدينة فقال: رأى أبو هريرة على ابنته خاتم ذهب فقال: يا بنية لا تتختمي بالذهب فإنه لهب. فبينا هو يحدثهم إذ بدت كفه فإذا فيها خاتم ذهب فقالوا له: تنهانا عن لبس الذهب وتلبسه! فقال: لم أكن ابنة أبي هريرة.
عن محمد بن الجهم أنه قال سمعت الفراء يقول: كان عندنا رجل يفسر القرآن برأيه فقيل له: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فقال: رجل سوء واللهِ. فقيل: فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، فسكت طويلًا، ثم قال: من هذا عجبت!
وعن عبد الرحمن بن محمد الحنفي قال: قال أبو كعب القاص في قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا. فقالوا له: فإن يوسف لم يأكله الذئب! قال: فهو اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
قال حكاها الجاحظ عن أبي علقمة القاص قال: كان اسم الذئب «حجونا».
عن العلاء بن صالح قال: كان عبد الأعلى بن عمر قاصًّا فقصَّ يومًا، فلما كاد مجلسه ينقضي قال: إن ناسًا يزعمون أني لا أقرأ من القرآن شيئًا وإني لأقرأ منه الكثير بحمد الله، ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فأرتج عليه فقال: من أحب أن يشهد خاتمة السورة فليحضرنا إلى مجلس فلان.
حكى أبو محمد التميمي أن أبا الحسن السماك الواعظ دخل عليهم يومًا وهم يتكلمون في أبابيل فقال: في أي شيء أنتم؟ فقالوا: نحن في ألِف أبابيل هل هو ألف وصل أو ألف قطع؟ قال: لا ألف وصل ولا ألف قطع وإنما هو ألف سخط، ألا ترون أنَّه بَلْبَلَ عليهم عيشهم! فضحك القوم من ذلك.
جاء رجل إلى قاص وهو يقرأ: يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ، فقال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
قال الجاحظ: سمعت قاصًّا أحمق وهو يقص حديث موسى وفرعون، وهو يقول: لما صار فرعون في وسط البحر في الطريق اليابس قال الله للبحر: انطبق. فما زال حتى علاه الماء فجعل فرعون يضرط مثل الجاموس نعوذ بالله من ذلك الضراط. قال: وسمعت قاصًّا بالكوفة يقول: واللهِ لو أن يهوديًّا مات وهو يحب عليًّا ثم دخل النار ما ضرَّه حرُّها.
قال بعض القصاص: يا معشر الناس، إن الشيطان إذا سُمِّيَ على الطعام والشراب لم يقربه فكلوا خبز الأرز المالح ولا تسموا فيأكل معكم، ثم اشربوا الماء وسموا حتى تقتلوه عطشًا.
كان أبو سالم القاص يقص يومًا قال: يا ابن آدم يا ابن الزانية أما تستحي من الملك الجليل حتى تقدم على العمل القبيح؟!
وسُرِقَ باب أبي سالم القاص فجاء إلى باب المسجد وقلعه، قالوا: ما تصنع؟ قال: أقلع هذا الباب فإن صاحبه يعلم مَن قلع بابي.
سُئِلَ بعض الوُعَّاظِ: لِمَ لَم تنصرف «أشياء»؟ فلم يفهم ما قيل له، ثم سكت ساعة فقال: أنت تسأل سؤال الملحدين؛ لأن الله يقول: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ.
قال بعض الأشياخ إنه كتب في رقعة إلى بعض القصاص يسأله الدعاء لامرأة حامل، فقرأ الرقعة، ثم قلبها وفي ظهرها صفة دواء قد كتبه طبيب وفيه قنبيل وخشيزك وأفتيمون ونحو هذا، فظنها كلمات يسأل بها فدعا وجعل يقول: يا رب قنبيل يا رب خشيزك ويا رب أفتيمون … إلى أن نهى ما ذكر.