الزهر والحب
كان للطبيعة في الأسبوع الماضي يومها المشهود عندنا في «شم النسيم»، وكان ذلك اليوم عيدًا من أعيادها في هيكلها القديم الذي لا تنصل له صبغة، ولا يخفى له مَعلمٌ ولا يزال مأمومًا مطروقًا على تعاقب الآلهة وتناسخ الأديان وتبدُّل المصلين، وكان خليقًا من الناس بعبادة أجمل وأطهر من عبادتهم التي يحيونه بها، ولكنهم أذالوه كما يذيِّلون كل قداسة وأضافوا إليه كما يضيفون إلى كل دينٍ، وخلطوا السوق فيه بالهيكل كما يخلطون أسواقهم بهياكلهم في كل زمانٍ، وجعلوه مائدةَ بطونٍ منهومة، وكان أولى أن يستقبلوا منه نزهة أرواح وأفكار وفرحة قلوب وأبصار.
وكان في الأسبوع الماضي معرضٌ لأزهار الربيع جمع فيه العارضون ثروة من الألوان والعطور وذخرًا من البشاشة والرواء، ومحفلًا من الأرواح الباسمة والخواطر الناعمة التي ترِفُّ حول الرياحين رفيف الفراش حول المصابيح، والتي تعجب وأنت تناجيها وتحس قربها وتستروح منها أُنس محضرها، أهي تحية تبثُّها أنت في الزهر أم هي تحية يبثها الزهر فيك؟! وكنت أشهدها وأتنقل فيها من خميلةٍ إلى خميلة، أو من طائفةٍ إلى طائفة، فيُخيَّل إليَّ أننا في موعد حسان تُقبِل إليه كل حسناء بزينتها وتفتنُّ فيه بفتنتها، وتبرز للعيون بجمالين من الوشي والصباحة وسُكرَين من النشر والهوى، ويلج بي هذا الشعور ويتسرب في مناحي النفس وجوانب الخيال حتى لأستغرب من الأزهار سكوتها وسكونها، وأحسبه وُجُومًا منها وإطراقًا … فيبعد الشبه بينها وبين الحِسَان اللاعبات الضاحكات المُبديات للزينة إبداء النعمة والسرور، المتبرجات بالجمال تبرج المرح والدلال، الطائعات فيما يبهجن به العيون من شارات الحُسْنِ وسمات السعادة دلائل العطف والإقبال، وأرى كأنما تلك الأزهار المجلوبة من كل روضةٍ معرض من معارض الجواري الأسيرات اللواتي يجلبهن باعة الجمال والشباب من كل رجاءٍ من الأرجاء، وينتزعونهنَّ من أحضان الأمهات والآباء، ويغرون — بما يسبغون عليهن من الحلي النفيسة والمطارف الغالية — أنظار المساومين الغافلين عما وراء هذه المحاسن من الحسرات والآلام! وأين الزهرة في الآنية من الزهرة في روضتها الأريضة على غصنها النضير؟! تلك حبيسة مجلوبة مكفوفة الأمل محدودة الحياة، تذكرها فتذكر ثمنها وتاجرها، وتتفرج عليها كما تتفرج على السلعة التي تُقدِّرها بمقدار سعرها، وهذه طليقة عزيزة تغازل الشمس وتلاعب الهواء وتدين بدين الحب والأمل وتُقدِّرها أنت بمقدار ما منحتك من السرور والإعجاب، وتنشدها في روضها كما تنشد المليكة الجالسة على عرشها، فهي الزهرة كما خلقتها الطبيعة، وهي البشرى التي تنطق بها الحياة في صوتٍ من الأوراق والألون ومعنى من النضارة والنماء، وكذلك يُعشَق الزهر وكذلك يُعبَد الجمال.
أما الزهرة في الآنية فتلك مخلوق مسكين في الطريق الوسط بين الزهرة المصنوعة من الورق والزهرة المؤثلة في الرياض، وهي بأن تثير الإشفاق والرثاء أحرى منها بأن تثير الإعجاب والرجاء، وكما أن الرقَّ يسلب الإنسانية معناها ويُحيِل الإنسان الكريم الرشيد آلةً للكدِّ والسخرة، كذلك رقُّ الآنية يسلب الزهرة معنى التطلع والاستبشار ويُحيلها آلةً للزينة والتعلل، لا تكاد توحي إلى النفس من فرح الحياة إلا بقدر ما يُلصَق بها من ذكريات الرياض والفضاء.
•••
والربيع ربيعٌ في النفوس لا فيما تراه من زخرف الأرض والسماء، يحيينا بأزهارٍ خفية تتفتح في ضمائرنا أجمل وأبهج وأَحَب إلينا من هذه الأزهار التي تتفتح في الرياض، ويَحْبونا بخصب في القلوب أغنى وأوفر من ذلك الخصب الذي ينبت منه الشجر ويزكو فيه الثمر، ويصب في جوانحنا من حمياه كئوسًا دهاقًا كالتي يسكر بها الطير فيصدح، ويحتسي منها النسيم فيخفق، ويعب فيها الفضاء فيصفو ويتألق، ولولا الربيع الذي يشرق في النفوس لما أشرق الربيع في أرضٍ ولا سماء، ولولا الطيور التي تهتف لنا في الخواطر وترفرف في فسحة الأمل لما أطربتنا الطيور التي تهتف على الأغصان وترفرف في الأجواء، ولولا الرياحين التي تتفتق عنها أكمام القلوب وترويها أفاويق الحياة لما أنِقنا لريحانةٍ تنجم بها ناجمة على الأرض وتسقيها غادية في الفضاء. فما يعجبنا ربيع الأرض ولا يسحر عيوننا ويحرك أشجاننا إلا لأنه صدى الربيع الذي في النفس ونغمة من نغماته ونفحة من نفحاته، أو لأن الربيعَين معًا — ربيع النفوس وربيع الرياض — صدى قدرة عظيمة مكنونة في كل شيءٍ متغلغلة في كل مكانٍ، ونفحة من نفحاتِ ربيع سرمديٍّ حافل بالنور والخير والجمال.
وكثيرًا ما يسأل السائلون: ماذا يعجبنا من الأزهار والرياحين؟ وكأنهم إذ يسألون ذلك السؤال يحسبون أنها خُلِقَت لِتُعجبهم وتسرَّهم، فيحيِّرهم ويضني عقولهم أنهم لا يعرفون كيف يكون ذلك الإعجاب والسرور … وما خُلِقَت زهرةٌ واحدة من هذه الأزهار لنا ولكنها خُلِقَت لنفسها، وما لبست تلك الألوان والمحاسن لتروقنا ولكنها لبستها لأنها لا محيص لها عن لُبسها، وإنما السر في كل ما يخامرنا من السرور بها أن للزهرة في الطبيعة معنًى يوافق معنًى في نفوسنا، ويكون ظهوره دليلًا على السرور الذي شاع في الأكوان قاطبةً — وشاع في نفوسنا أيضًا — لا خالقًا لذلك السرور ولا سابقًا له في الوضع والترتيب، فنحن لهذا نبتهج حين يبتهج الزهر، ونشعر بنمو الحياة فينا حين تنميه الحياة، ونتوافى على موعدٍ واحد من مواعد الطبيعة التي تعدُّها لإمتاع أبنائها جميعًا بخير ما عندها من الهدايا والألطاف، ونحن حين يشيع في نفوسنا الفرح بالحياة، ويستخفنا الطرب بالوجود نستجمل كل شيءٍ نراه — ولا نستجمل الزهر وحده — وننظر إلى الموجودات كافةً نظرةَ الخالدين الذين لا يرون فيها قبحًا ولا يحسون فيها نقصًا؛ لأنهم ينظرون إليها بعينٍ تنزهت عن الاحتياج الفاني والاعتبار الموقوت، فلا يلمحون فيها إلا كيانًا كاملًا مطلقًا سكران ملء السُّكْر بنعمة الوجود.
لماذا نطرب للزهر؟ عجبًا! ألا نقول لماذا نطرب وكفى …! فإننا لا نطرب للزهر ولا الزهر ولا الزهر يطرب لنا، وإنما نحن جميعًا نكرع من مَعينٍ متقارب ونشرب الطرب بأقداح متشابهة. وهل تظن أن الزهر أولى بأن يكون جميلًا بهيجًا محبًّا محبوبًا حيًّا ناميًا منا نحن الأحياء الشاعرين في أوان الربيع؟! أيضوع الزهر ولا تضوع أرواحنا؟! أيتفتح الزهر ولا تتفتح قلوبنا؟! أينمو الزهر ولا تنمو شواعرنا؟! أيجمل الزهر ولا تجمل حياتنا؟! أيطرب كل شيء تحت السماء ولا نطرب نحن حتى يجيء الزهر فيطربنا بألوانه وأعطاره وما يترقرق فيه من ماء النضارة والشباب؟! ذلك ما ليس يخطر ببال … وأحسب لو أن الربيع بقي لنا وخلا وجه الأرض من كل ناجمةٍ ونابتةٍ لما نقصت نشوتنا بجمال الحياة شيئًا، ولا افتقدنا في خارج نفوسنا دليلًا من دلائل الغبطة والشوق، ولا غاب شيء من تلك الدنيا التي تشتمل عليها الضمائر والقلوب.
•••
بيد أننا إذا نظرنا إلى الأسباب القريبة نجد للزهر جمالًا يلقانا به من عنده قد يضاعف شعورنا بالجمال أو يوقظ فينا شعورنا الساهي في غمضة الإغفاء، وليس يلحظ هذا الجمال إلا نفوسٌ يسري الشعور إلى عروقها الدقيقة، وينبض في أوتارها البعيدة ويكبر الهمس الضعيف فيها كما يكبر الصدى في بعض القباب المتجاوبة، هذه النفوس قد مَرَنَتْ على الإحساس ودربتْ على الجليل والدقيق منه، واتصلت مسالكها من أظهر منافذ الإحساس إلى أخفاها ومن أخفاها إلى أظهرها، فتهزها النغمة الخفية حين ينام غيرها على قرع الطبول، وتجوبها الإشارة الطفيفة حين تمتنع منافذ غيرها على غير الدفع والاقتحام، وكأن لبصائر هذه النفوس مجاهر وأبواقًا تُجسِّم بها الصغير وتُقرِّب بها البعيد فتبصر حين يُغمض غيرُها عينيه، وتسمع حين يوصد غيرها أذنيه، أو كأن لها أثيرًا روحيًّا يجتذب الأصوات من أبعد الأبعاد كما يجتذب الأثير كلمات المتكلمين من وراء البحار السحيقة، والسامعون لها في مواضعها يحسبونها قد ضاعت مع الريح.
فللزهرة رسالة إلى هذه النفوس تنقلها من قريبٍ، وهي في الوقت نفسه توميء إلى أبعد آماد الطبيعة وأعمق قراراتها، وهي تصغي إلى تلك الرسالة فتسمعها على درجاتٍ متفاوتةٍ من الوضوح والفهم، فإن سمعت أصواتها فمثلها في ذلك كمثل الذي يسمع نبضات البرق بعلامات الحروف دون أن يهتدي إلى فك رموزها وتركيب ألفاظها، وإن زادت على ذلك فقد سمعت العلامات وفكت الرموز وركَّبت الألفاظ وخلصت منها إلى المعاني والأسرار، وهي في الحالتين تتلقى من الزهرة حياةً قد يحتاج غيرها إلى كل عُدَدِ الربيع وجنوده؛ ليتلقى بعضها أو يحس قُربها، ثم هو لا يتلقى ذلك البعض ولا يحس ذلك القُرب إلا على صورةٍ غليظة شوهاء محرومةٍ من دقة التفصيل ووضاحة التمييز.
وربما تسنَّى لنا أن نحصر بعض صفات الجمال في الزهرة إذا حصرنا عناصرها التي تبدو لنا من قريب؛ فالزهرة لون وشكل وعطر ولا تعدو صفات الجمال التي تشوقنا منها أن تكون في عنصرٍ من هذه العناصر، أو في مدلوله الذي يدل عليه، فأي تلك العناصر أغلب في جمال الزهرة؟ وما المعنى الجميل من الألوان والأشكال والعطور التي تروقنا في الأزهار؟
فأما اللون فهو النور في أصباغه المختلفة، وهو أول ما يلفتنا إلى الزهرة ويبهر أنظارنا منها، والنور إن رجعنا به إلى أصوله الأولى مادة كل شيءٍ ومنبع كل حياة، أوَ لم يظهر للباحثين أن جميع ما في هذا الكون من الأجسام يتركب من خلايا، وأن جميع الخلايا تتركب من ذرات، وأن جميع الذرات تتركب من كهارب، وأن الكهارب إنما تستمد وجودها من الإشعاع والإنارة، أو إنما هي النور الذي صحَّ فيه على هذا الوصف قول الصوفية إنه هو المرئي والرائي، وإنه هو الوجود والهادي إلى الوجود؟ وإن رجعنا بالنور إلى مظاهره السطحية فهو جِلاء الأبصار وغِذاء الأرواح يربو به الجسم، وتترعرع فيه الحياة ويُداوى به ما ليس يُداوَى بغيره من الأدواء.
فهو في أصوله البعيدة ومظاهره القريبة لا عجب أن يبهر أبصارنا ويسحر نفوسنا ويشرح صدورنا، ولا بدع أن يكون مصدر كل جمال ومبعث كل روعة ولباب كل سرور، ولستُ أشك لحظةً في أن شعورنا بالنور — أو قُل بالحركة الأولى والحرية الأولى — هو أصل كل شعور بالجمال في نفوسنا، وأن فرح العين بطلعة النور الرفيق عليها لا يختلف أي اختلاف عن فرحها بطلعة الزهر المتبرج في أصباغه ونقوشه، وأن من شواهد ذلك أن جمال الزهر يكاد يتمشى على ترتيب الطيف الشمسي في أذواق المعجبين بالأزهار. فتروقهم الألوان على حسب ما عندهم من السرعة والبطء في الانتباه، ونرى الذين يكفيهم القليل من التنبيه يميلون إلى الألوان القريبة إلى الظلام ويتدرجون في ذلك على حسب اختلافهم في دقة الإحساس وسرعة الالتفات، والمتخاطبون بلغة الأزهار يرمزون إلى قوة الإحساس الجميل الذي تمثله الزهرة وِفاقًا لترتيب لونها في ألوان الطيف الشمسي، فمن الوردة الحمراء المتوهجة التي يُمثِّلون بها اتقاد الحب واضطرام آلامه، إلى البنفسجية الحزينة الساكنة التي يمثلون بها الوداعة والسوداء مجال واسع لتفاوت الإحساس بالزهر على درجات التفاوت في ألوان النور وامتزاج الأصباغ والنقوش.
أما شكل الزهرة فقد يعجبنا منه التنسيق البديع أحيانًا كما يعجبنا التنسيق في كل شيء، ولكن الذي يعجبنا منه حقًّا — فيما أعتقد — هو الدلالة التي يُرمز إليها لا التنسيق الظاهر الذي قد يتفق لبعض الأزهار وقد لا يتفق، وأول ما تدل عليه الزهرة الغضارة ثم اللهفة التي ترافق في الذهن ذكرى زوالها السريع، فكأنما هي بشكلها الغضير الرقيق رمز إلى فرصة العيش التي تنادي الناس باغتنامها، وتذكرهم بسرعة فراقها، ومن هنا كانت في شعر الأمم كلها رمزًا إلى الشباب وإلى كل أملٍ جميلٍ نتلهف عليه.
وأما الرائحة فقد يخلو منها بعض الأزهار فلا يفوته شيء من الرواء والبهجة، وقد تعجبنا الرائحة في الزهرة كما تعجبنا في سواها، وهي بعدُ لغزٌ يقول النباتيون والمشرِّحون إنه مجهول الغرض في الزهرة كما أنه مجهول الغرض في جسم الإنسان، فإن صح ما يقولون فقد يكون الشك محيطًا بغرضها، ولكن أي شك يا ترى يمكن أن يخالجنا في أثرها الذي تُحدِثه في نفوسنا؟ فإن أقل ما يُقَال فيها: إنها منبه لطيف للذهن يحرك القريحة ويسلس الأحلام ويرسل أعنة الخواطر، وهي كالمنبهات في جميع خصائصها تلطف فتسر وتشتد فتؤلم، وهي إذا اقترنت بالذكريات المحبوبة واجتمعت إلى ما في الرياض من صفاءٍ وإشراقٍ ونضرةٍ في الألوان والأشكال تمَّ بها جمال الربيع.
ثم إن الزهرة بلونها وشكلها ورائحتها رمز إلى هوًى في النبات يتلاقى في أغواره العميقة بهوى مثله في الإنسان، هي رمز الحب! هي وسيلة التزاوج بين القريب والبعيد من النجوم والأعشاب والأشجار والأدواح، وهي لهذا حبيبة إلى العشاق توحي إليهم أسرارًا لا توحي بها لكل ناظر.
ولكني لا أريد هنا أن أزعم كما يزعم النشوئيون وغيرهم من الباحثين أننا نرى الأشياء جميلة؛ لأننا ننظر إليها بعين الحب أو بعين العاطفة الجنسية كما يقولون، فقد يكون العكس أقرب إلى الصواب، وقد تكون العاطقة الجنسية نفسها أداة من أدوات التكوين تنهض بنا في طلب الجمال والكمال.
وإلا فما هي تلك العاطفة الجنسية؟ أهي شيء مقصور على الإنسان؟ أهي شيء مقصور على الحيوان؟ أهي شيء مقصور على النبات؟ أهي شيء مقصور على الجماد؟ كلا، بل هي شيء شائع في جميع هذه الكائنات وفيما هو أخفى منها عن العيان والتقدير؛ شائع حتى في الكهارب التي تتعانق سالبة وموجبة لتستوي بها الذرة الدقيقة التي لا تُدرَك إلا بالحساب، وهي حيثما وُجِدَت مظهر للرغبة في التمام والدوام وهما أعلى ما يتصوره العقل من صفات الجمال في الكائنات، فما من كائنٍ في هذا العالم إلا وهو يسعى سعيه الحثيث إلى أن يتم بصنوه المتمم له ويلتمس الدوام بواسطة الاتصال به، وما من صفةٍ مبثوثةٍ في الكائنات هي ألصق بطبيعة التكوين من صفة الرغبة في الكمال والدوام.
فليست العاطفة الجنسية هي التي تخلق الرغبة في الجمال، وإنما الرغبة في الجمال هي التي خلقت العاطفة الجنسية بمظاهرها المختلفة في الكائنات، ولقد تعوَّدنا أن نحسب العلاقة بين الذكر والأنثى أصلًا للحب بجميع صنوفه وألوانه، ولكنَّا إذا واجهنا الحقيقة من وجهةٍ أعم وأعمق تبين لنا أن هذا الحب بين الذكر والأنثى هو فرع طاريء من أصلٍ إلهيٍّ قديمٍ شامل للموجودات مستقر في طبيعة الوجود هو حب الكمال والدوام، وليس الحب بين الذكر والأنثى غاية في ذاته وإنما هو واسطة من وسائط ذلك الحب الأصيل.
والزهرة يا صاح، الزهرة النحيفة التي تطويها في يدك قد تروي لك من فخامة هذه الأسرار ما تمتليء به آفاق الأرض وأبراج الشموس والأقمار، فإذا أخذتها بين إصبعيك فاذكر أنها رمز الحب، وإذا ذكرت الحب فاذكر أنه — في كل ما يحيط بنا من الظواهر والخفايا — هو رمز الجمال الإلهيِّ والخلود السرمديِّ.