شروق من الغرب
«وإذن فستقرأ في هذا الكتاب صفحاتٍ تُصوِّر لك نفسًا اكفهرَّ فيها الأفقُ وتَلبَّدت سماؤها بالغُيوم، كما تُطالِع فيه كيف راحَت تلك النفس — في ظُلماتها — تُرسِل من غربها شعاعًا، كأنه البَصيص الخافت يَنفُذ خلال الرماد؛ راحت تُرسِل شعاعها ذلك الضئيل الخافت، قبل أن ينطوي ظلامُها في ظلام الغَيب.»
بعد نيِّف وأربعين ربيعًا أشرقَت فيها شمسُ الحياة، شعَر «زكي نجيب محمود» أن خريف عُمره قد حَل، وأن أوراقَ العُمر تتساقط أمام عينَيه، وأن شمسَه في طريقها إلى الأُفول نحو الغرب، فأشرقَ علينا بخواطرَ أدبيةٍ يَستعيد فيها مواقفَ مرَّت بحياتِه، ويَستذكِر إحساسَه بها، وكيف أصبحَت ذكرى يُطِل عليها الآن بعد أن أصقلَته الحياة، وغذَتْ روحَه الفلسفة، وتَذوَّق من جَمالياتِ الأدب ما أضفى على روحِه جَمالًا على جَمال؛ فجاءت خواطرُه قِطعًا فنِّية مُفعَمة بحِكمة الفيلسوف، وجَمالية الأديب، تُبحِر في معاني الحياة، وتَتأمَّلها لتُقدِّم لنا رؤيةً جديدة قوامُها الإنسانيةُ والرحمة! ففي خاطرة «يوم الميلاد» يُكسِب هذا اليومَ معانيَ عميقة لنُدرِك أننا سائرون إلى نُقصان، وفي خاطرة «بغير مِرآة» يُبرِّئ النرجسيةَ من المعنى السلبي الذي أُلصِق بها … وغيرهما من الخواطر المحمَّلة بمعانٍ إنسانيةٍ ساميَة.