التطور الاجتماعي للشخصية
غاية المجتمع الأمثل هو إيجاد الفرد الأمثل؛ أي: الفرد الذي يمتاز بالشخصية المثلى؛ ولذلك نحتاج إلى أن ننظر في الأطوار التي ترتقي إليها أو تتغير فيها الشخصية التي هي جماع النمو النفسي والذهني والجسمي.
تمر الشخصية في عشرة أطوار يتداخل بعْضُها في بعض، وهي تَبْلغ إِينَاعَها قبيل الخمسين وتستقر على ذلك إلى الشيخوخة.
-
(١)
فمن الميلاد إلى إتمام سنتين ينحصر النشاط في طلب الطعام والرفاهية.
-
(٢)
ومن سن سنتين إلى خمس سنوات يواجه الطفل أخطار المشي والمصادمات، فينشد الاحتماء.
-
(٣)
ومن سن ٣ سنوات إلى ٧ يشرع الطفل في التحفظ وضبط عواطفه.
-
(٤)
ومن سن ٥ سنوات إلى ١٣ سنة يتفتح ذكاؤه فيتكلم ويفكر ويحتال.
-
(٥)
ومن سن ٧ سنوات إلى ١٥ سنة ينافس ويغار.
-
(٦)
ومن سن ١٣ سنة إلى ٣٠ سنة يلتفت إلى الجنس الآخر.
-
(٧)
ومن سن ١٥ سنة إلى ٣٠ سنة يفكر في كسب العيش.
-
(٨)
ومن سن ٣٠ سنة إلى ٤٠ سنة تبرز فيه الرغبة في النمو والطموح.
-
(٩)
ومن سن ٤٠ سنة إلى ٥٠ سنة تنتظم له قيم ومقاييس روحية واجتماعية.
-
(١٠)
ومن سن ٥٠ إلى ٧٠ ترسخ هذه القيم والمقاييس فيكره التغير.
ونعني أنه في هذه الفترات من العمر تبرز صفات كل فترة أكثر من غيرها من الصفات التي قد تضعف ولكنها لا تزال موجودة؛ فالالتفات إلى الجنس الآخر (رقم ٦) قد يبقى إلى سن الستين أو بعد ذلك، ولكنه يبرز ويطغى على الشخصية فيما بين سن ١٣ و٢٠ سنة.
وعندما نتأمل هذه الانتقالات والتغيرات نَعْرِف أن كلا منا يمتاز بشخصية متطورة، وأن أحدنا في سن الثلاثين قد يكون شخصًا آخر في سن الخمسين.
والشخصية تتكون بالمجتمع، والإنسان بلا مجتمع حيوان بيولوجي لا يختلف عن الحيوان إلا من حيث الذكاء الفطري، وهذا الذكاء الفطري لا قيمة له ما دام الإنسان منفردًا؛ إذ هو يبقى خامًا أخضر غشيمًا حتى يَعْتَمِله المجتمع ويُقَوِّمه ويوجهه، وحتى تُنَبِّهه كلمات اللغة وتُوَجِّهه.
- (١)
عند الميلاد يتقرر ذكاؤنا من حيث المقدار، كما يتقرر مزاجنا من حيث الاتجاه، فقد يولد أحدنا ذكيًّا أو بليدًا أو متوسطًا، وقد يتقرر له منذ ميلاده عمر طويل أم قصير، وصحته قوية أم ضعيفة، ثم هو يولد بعاهة تُحْدِث له مركَّب نقص، أو قد يولد سويًّا، ثم هو قد يولد انبساطيًّا اجتماعيًّا أو انطوائيًّا انعزاليًّا.
ولكل من هذه الحالات أثر في الشخصية.
- (٢)
ثم هناك التربية التي نحصل عليها في البيت منذ الميلاد؛ فإنه يتوقف شيء كبير من الأخلاق على الرضاع؛ هل هو بمواعيد يتعلم منها الطفل ضبط نفسه، أم هو يجري اعتباطًا، فينشأ هو بعد ذلك نزويًّا عاطفيًّا لا يضبط نفسه، ثم هو يتأثر تأثرًا مختلفًا إذا كان قد دُلِّلَ أو اضْطُهِدَ أو عومل بالإنصاف، ومركب أوديب (صورة أمه في نفسه) سيؤثر في علاقاته الجنسية المستقبلة، ثم معاملة أبويه أحدهما للآخر، ثم مكانه بين إخوته هل هو الأكبر أم الأصغر؟ وهل عاش مع بنات أو أولاد، وهل كانت أمه مع أبيه أم مطلقة منفصلة، ففي كل هذه الحالات تتأثر الشخصية وتنمو في قالب معين.
- (٣)
ومن هذه الظروف التي تقرر شخصيتنا أيضًا ظرف المراهقة، حين تلتهب العاطفة الجنسية وتغمر كياننا، فبعضنا يقضي هذه الفترة في يُسْر؛ يختلط بالفتيات ويجتاز مراهقته وهو سوي سليم، وبعضنا يقضيها في عسر وضَنْك فيعجز عن التصرف السليم ويقع في العادة السرية ويسرف فيها ويخرج منها مثخنًا، وقد يَحْدُث في هذه الفترة شذوذ سيئ.
- (٤)
ثم هناك المدرسة وما تحدث من مزاملة أو مزاحمة، وما يصيب الصبي ثم الشاب من نجاح أو فشل؛ فإن لكل هذا أثره الحسن أو السيئ في الشخصية.
- (٥)
ثم هناك الزواج، وهل كان موفقًا قام على الحب والاحترام، أم اتضح أنه غلطة، وأن قصارى ما يرجى منه تسوية، وهل هو بلا أولاد أو بأولاد، وهل الزوجان في خلاف وعربدة أم في وفاق وزمالة؟ فلكل هذا أيضًا أَثَرُه في الشخصية.
- (٦)
وأخيرًا هناك سنتان أو ثلاث سنوات تقع عند المرأة عند الثامنة والأربعين أو حواليها، وعند الرجل في الثامنة والخمسين أو حواليها، ونعني بها الركود أو الضعف الجنسي، وهي الوقت الذي نسميه خطأ بسن اليأس، وفي هذه التسمية أثر سيكلوجي سيئ في المرأة؛ لأن هذه السن هي سن الحكمة وليست سن اليأس، وهذا الانتقال من الشباب إلى الشيخوخة كثيرًا ما يؤذي الشخصية، بل أحيانًا تكون أخطاره عظيمة — وخاصة عند المرأة.
وكلنا يعرف أمارات الشخصية السيئة في الفتاة الصامتة السمينة التي لا تعرف الرشاقة، بل تعتمد على جمال تمثالي، أو في ذلك الشاب البارد الذي يسكت طويلًا وينطق سخيفًا، ونعرف ذلك «البارد» الذي نتجنبه ونتوقى لقاءه؛ لأننا نُحِسُّ جموده كأنه قد صيغ من خَشَبٍ إذا لطمناه لم يرن.
وللشخصية أساس من بناء الجسم، وخاصة من الغدد الصماء التي تقرر المزاج والقوام والنحافة والقد، إلخ، فنحن نستظرف القد النحيف والتقاسيم المتناسبة، ونستثقل الجسم المتكتل الذي يسعى وكأنه يسير القرفصاء، ولكن ٩٠ في المائة من الشخصية نفسي وليس جسميًّا، والظرف والرشاقة والبِشْر والخفة والروح من صفات النفس، وهي ثمرة المجتمع أكثر مما هي من صفات الجسم، أو ثمرة الغدد، ولو كانت الشخصية من صفات الجسم فقط لكان من العبث الكلام عنها والبحث عن ترقيتها، وأنا أرجو القارئ الذي يبغي التوسع في هذا الموضوع أن يقرأ كتابي: «الشخصية الناجعة» و«محاولات سيكلوجية».
- (١)
أن يكون للإنسان اهتمامات متعددة تَشْغَل ذِهْنَه ونفسه وتزيد صِلاته بالمجتمع، فيجب أن تكون له حرفة يُحْسِنها، يكسب منها العيش ويكسب الكرامة الاجتماعية، ويجب أن تكون له هواية يقضي فيها فراغه، ونعني هواية يرتقي بها ويستغل بها الوقت، لا أن يقتله. ثم يجب أن تكون له اهتمامات اجتماعية في عمل البر أو الاشتغال بالسياسة أو الدفاع عن مبدأ أو نحو ذلك، وهذه الاهتمامات هي شرط أساسي للسعادة الفردية وللطيبة الاجتماعية.
- (٢)
ويجب أن يُؤْثر الحياة الزوجية على العزوبة؛ لأن مسئوليات العائلة والزواج تُرَبِّي شخصيته؛ فالمسئولية هي فيتامين الشخصية.
- (٣)
يجب أن يُمَرِّن نفسه على تغليب وجدانه بالمنطق والنظر الموضوعي على عواطفه، ويتجنب النظر الذاتي في المشكلات.
- (٤)
يجب أن يَنْشُد فلسفة صالحة ويستقر عليها.
- (٥)
يجب أن يجعل المستقبل جزءًا من الحاضر، ولكن يجب أيضًا ألا يضحي بالحاضر من أجل المستقبل.
وبالطبع هناك الشخصية المريضة التي لم نذكرها؛ لأننا خَصَّصْنا لها فصولًا أخرى.