السوري في مصر

يؤخذ من تاريخ العلائق بين مصر وجاراتها التي أوردناها في هذا المختصر ثلاثة أمور جديرة بالاعتبار، وهي:
  • أولًا: أن الاتصال بين مصر وسوريا كان مضطردًا منذ أقدم أزمنة التاريخ إلى اليوم، وكان الاتصال بين مصر وسوريا أكثر منه بين مصر وأية جارة أخرى.
  • ثانيًا: أن مصر وسوريا تتعاونان في الضيق، فالسوري يلجأ إلى مصر في زمن الاضطهاد وسوء الأحكام، فيقيم فيها زمنًا ثم يعود إلى بلاده أو يتخذها وطنًا له ويهجر وطنه، كذلك كان يفعل المصري إذا وقع عليه ضيق أو اضطهاد في بلاده.
  • ثالثًا: أن السوريَّ الذي توطَّن مصر منذ عهد يوسف الصديق أو قبله أو بعده بأجيال أخلص الخدمة لمصر واشتهر فيها بذكائه وعلمه وحسن إدارته، وكثيرًا ما تمتع بجميع حقوقها الوطنية ونال الحظوة عند ملوكها وأمرائها وأصحاب الكلمة فيها.

هذا وتاريخ سوريا ومصر حافل بالشواهد على أن السوريين في بلادهم بوجه عام والفينيقيين بوجه خاص كانوا ولا يزالون يحرصون على صداقة المصريين وإدامة السلام بين سوريا ومصر؛ لأن مصلحة القطرين وراحتهما تقضيان بذلك، وأن الغزوات التي قام بها الفاتحون من سوريا على مصر كانت معظمها أو كلها كالغزوة الحاضرة من غزاة أجانب على سوريا آشوريين وفرس ويونان ورومان وبدو وأتراك، ولم يكن للسوريين أقل مأرب فيها بل كثيرًا ما نصروا مصر ضد غزاتها الأجانب.

حقًّا إن مصر والشام شقيقتان متجاورتان متساويتان في العظمة والكرامة، ولا يليق بهما ولا يصلح لهما إلى التواد والوئام، وإن من يوقع الشقاق بين هاتين الشقيقتين أو يقف في سبيل اتصالهما وتصافيهما تلعنه الطبيعة والتاريخ، حتى إن بلاد التيه التي اعترضت بين البلدين قد مسختها الطبيعة مسخًا فصيَّرتها قاعًا بلقعًا وتيهًا ضعضعًا.

•••

والسوريون المتوطنون مصر في هذا العهد ثلاث طوائف: يهود ونصارى ومسلمون.

أمَّا «اليهود»: فهم أقدم السوريين المعروفين في مصر، وربما اتصل نسب بعضهم بجماعة الحبر أونياس الثاني أو أرميا النبي الذين أتوا مصر فرارًا من الظلم كما مرَّ.

وفي تعداد سنة ١٩٠٧ الأخير بلغ عدد اليهود في مصر ٣٨٦٣٥ نفسًا، ويقدَّر عددهم الآن بنحو ٤٥ ألف نسمة، وكثير منهم من أصل أوربي، وتقدَّر ثروتهم بنحو خمسة عشر مليون جنيه، وأكثرهم صيارفة وتجار، ويتولى بعضهم وظائف الحكومة، ومن هؤلاء:

يوسف قطاوي باشا: عضو في الجمعية التشريعية.

مارك بك بيولويس: مراقب الحسابات في وزارة الحربية.

فكتور هراري باشا: مدير عموم الحسابات في وزارة المالية سابقًا.

وما زال اليهود في مصر من أول عهدهم إلى الآن عنصرًا منفردًا قائمًا بذاته للفارق بينهم وبين أهل البلاد في الجنس والدين واللغة، وأشهر أُسر اليهود وأقدمها في مصر: قطاوي، وسوارس، ومُصيري، ومنشَّى، ورولو، وأجيون، ويعبيس، وعُرَيبي، وجاليكو، وغيرهم.

•••

أمَّا السوريون «المسلمون»: فأكثرهم نزلوا مصر للاتجار في البضائع الشامية، وقد مرَّ ذكر بعضهم، فالقديمو العهد منهم اختلطوا في الزواج بالعنصر الإسلامي من السكان الأصليين لعدم وجود الفارق في اللغة أو الدين أو الجنس، وامتزجوا بهم حتى إن كثيرين منهم لم يعد يمكن إرجاعهم إلى أصلهم السوري، وأمَّا الحديثو العهد فما زالوا متميزين عن السكان الأصليين، ويمكن الرجوع إلى أصلهم، ومن هؤلاء غير ما ذكرنا من تجار البضائع الشامية: خالد باشا لطفي، وأُسر: عبد القادر باشا حلمي، وإبراهيم بك وفا، ومصطفى باشا الحلبي، وسعد الله حلابو، وطليمات، والأسرة الرافعية: وقد بلغ عددها هذا العام نحو ٣٤٠ نفسًا، ومنهم جميل أفندي الرافعي الموظف بحكومة السودان، ومن أدباء السوريين المسلمين بمصر:

السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ورفيق بك العظم سنة ١٨٨٣ صاحب تاريخ أشهر مشاهير الإسلام، وحقي بك العظم سنة ١٨٩١، وحسن بك خالد نجل السيد أبو الهدى الصيادي، ومحب الدين أفندي الخطيب، وفؤاد أفندي الخطيب الشاعر اللبناني، وللسوريين المسلمين بالقاهرة جمعية خيرية أسست سنة ١٩١٣.

وأمَّا «السوريون» النصارى المتوطنون مصر الآن، وهم من نعني بالعنصر السوري عند التخصيص، فهم من مهاجري اللاذقية وطرابلس وبيروت وصيدا وصور وعكا وحيفا ويافا وغزة ولبنان وحلب وحماة وحمص والشام وبعلبك والقدس الشريف.

ومنهم من توطَّن مصر قبل المغفور له محمد علي باشا الكبير بزمان طويل، فإنهم أتوا إلى مصر تجَّارًا أو موظفين، وهم أسر معدودة وقد باد بعضها أو كاد، وأشهر هذه الأُسر:

زنانيري، وفخر: قيل أتوا مصر منذ نحو ٣٠٠ سنة، وجيعة، وحجَّار، ورزوق، وسرور، وصاصي، وقصيري، وكحيل: قيل أتوها منذ نحو ٢٠٠ سنة، وبحري، وسابا، وسكاكيني: قيل أتوها منذ نحو ١٥٠ سنة.

ومن السوريين النصارى من توطنوا مصر في عهد محمد علي باشا وبعده إلى الثورة العرابية وأشهرهم أُسرات: أبو شعر، أرقش، أنطونيوس، أيوب، بابازوغلي، بسترس، تاجر، تقلا، تويني، حموي، خلاط سنة ١٨٨٠، خياط، دبانة، دهان، رطل، زغيب، الزند، سرسق، شدياق، شديد، شكور، شميل، صعب، صفير سنة ١٨٧٠، صيدناوي، طحان، ظريفة، عازوري، عمون، عنحوري، عيد، عيروط، فركوح، قرداحي، قطة، لطف الله سنة ١٨٥٢، مشاقة، ناصر، ناصيف، نحاس، نوفل، هاشم.

ومنهم وهم الفريق الأكبر من هاجروا إلى مصر بعد الثورة العرابية سنة ١٨٨٣، وهم أسرات: أديب، بركات سنة ١٨٩٢، بستاني، جمَّال، جميِّل، حداد، خازن، داغر، زيدان، شحادة، شقير سنة ١٨٨٤، صروف، غانم، غرزوزي، غناجة، متري، مرشاق، معلوف، مغبغب، مكاريوس، موصلي، نمر، وغيرهم.

وقد بلغ عدد السوريين النصارى في مصر حسب الإحصاء الرسمي الأخير ٣٣٩٤٧ نفسًا، ولكن هذا الإحصاء ناقص جدًّا؛ لأن كثيرين من السوريين قيَّدوا أنفسهم عثمانيين؛ لأنهم لم يتجنسوا بالجنسية المصرية بعد، والمعلوم في بطركخانة الروم الكاثوليك في مصر أن الروم الكاثوليك وحدهم يزيدون عن هذا العدد، ثم إن عدد الروم الأرثوذكس والموارنة معًا لا يقلون عن الروم الكاثوليك، وعليه فعدد السوريين النصارى في القطر المصري لا يقل عن سبعين ألف نسمة، وتقدر ثروتهم بنحو خمسة وعشرين مليون جنيه، وللسوريين في مصر القاهرة ناديان عموميَّان:

«النادي الشرقي»: على مثال الأندية الأوربية، وهو جامع لأعيانهم وكبرائهم.

و«نادي الاتحاد السوري»: وهو جامع لنخبة شبَّانهم، وغايته: «توثيق روابط الإخاء بين السوريين كافة على اختلاف المذاهب والأديان، والقيام بكل عمل خيري أو أدبي، وتنظيم حفلات خطابية، ومنع القمار وكل مناقشة دينية أو سياسية في مركز الجمعية منعًا باتًّا.»

وللسوريين في القاهرة أيضًا أربع جمعيات خيرية: جمعية لكل من طوائف الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والموارنة، والبروتستانت.

وفي طنطا جمعية خيرية جنسية جامعة لجميع أفراد السوريين على اختلاف المذاهب والأديان تدعى «جمعية الاتحاد والإحسان السورية»، وهي خير مثال للجمعيات العنصرية في هذا القطر وفي كل قطر.

ولقد كان العنصر السوري في مصر اليد الطولى في النهضة الحديثة، فمنهم التاجر والمزارع والصانع والكاتب والصحافي والمؤلف والشاعر والخطيب والطبيب والمحامي والمهندس والموظف، ولهم في القطر أهم المجلات والجرائد العلمية والأدبية والسياسية، وهذه هي أشهر مجلَّاتهم العلمية والأدبية مع سني إنشائها وأسماء منشئيها:
  • المقتطف (سنة ١٩٧٥)، الدكتور يعقوب صروف والدكتور فارس نمر.

  • الهلال (سنة ١٨٩٢)، إميل أفندي زيدان ومؤسسها المرحوم والده.

  • العمران (سنة ١٩١٠)، عبد المسيح بك أنطاكي.

  • مجلة سركيس (سنة ١٩٠٧)، سليم أفندي سركيس.

  • فتاة الشرق (سنة ١٩٠٦)، السيدة لبيبة «ماضي» هاشم.

  • اللطائف المصورة (سنة ١٩١٤)، إسكندر أفندي مكاريوس.

  • الحقوق: المحامي إبراهيم أفندي الجمَّال، ومؤسسها المرحوم أمين شميل.

  • الاستقلال (سنة ١٩٠٢)، المحامي نجيب بك شقرا.

  • وهذه أشهر جرائدهم السياسية مع سني إنشائها وأسماء منشئيها:

  • الأهرام (سنة ١٨٧٥)، جبرائيل بك تقلا، ومؤسساها المرحومان والده بشارة باشا تقلا، وعمه سليم بك تقلا.

  • المحروسة (سنة ١٨٧٦)، إلياس أفندي زيادة، ومؤسسها عزيز بك الزند.

  • الاتحاد المصري (سنة ١٨٨١)، إدجار روفائيل مشاقة، ومؤسسها المرحوم والده.

  • المقطم (سنة ١٨٨٨)، صروف ونمر مكاريوس.

  • الأخبار (سنة ١٨٩٦)، الشيخ يوسف الخازن.

  • البصير (سنة ١٨٩٧)، رشيد بك شميل.

  • السودان (سنة ١٩٠٠)، صروف ونمر.

وكل هذه الجرائد تصدر بالقاهرة، ما عدا البصير والاتحاد المصري فإنهما تصدران بالإسكندرية، والسودان بالخرطوم، ومن مجلاتهم وجرائهم العلمية والأدبية السياسية التي ظهرت حينًا ثم احتجبت:
  • الشفاء: الدكتور شبلي شميل، وهو من أقدم كتاب العصر وأقدرهم.

  • البيان والضياء: الشيخ إبراهيم اليازجي الكاتب اللغوي الشهير.

  • مجلة الزهور: الشيخ أنطون جميل.

  • الجامعة: فرح أفندي أنطون.

  • اللطائف: شاهين بك مكاريوس.

  • الفلاح: سليم باشا حموي.

  • الجوائب المصرية: خليل أفندي مطران، وهو من أكبر شعراء العصر.

  • الرائد المصري: نقولا أفندي شحادة.

  • المشير: سليم أفندي سركيس.

  • الشرق: طانيوس أفندي عبده.

  • لسان العرب: الشيخ نجيب الحداد.

  • الرأي العام: إسكندر أفندي شاهين.

  • مجلة الروايات الجديدة: نقولا رزق الله.

وممَّن يجمل ذكره هنا: «سليمان أفندي البستاني» مترجم الإلياذة، فإنه أقام بمصر عدة سنين، وطبع فيها إلياذته قبل أن تولى منصب الوزارة في الآستانة.

وللسوريين النصارى من الرؤساء الروحانيين:
  • المطران يوسف دريان: النائب البطريركي الماروني بمصر.

  • المطران مكاريوس سابا: النائب البطريركي الكاثوليكي بمصر.

  • المطران بولس أبو مراد: مطران دمياط للروم الكاثوليك.

وفيهم من أرباب الثروة في القاهرة:
  • حبيب باشا لطف الله وأولاده ميشال بك وحبيب بك وجورج بك، وحبيب باشا سكاكيني، وأسرة قسطندي بك كحيل. وفي الإسكندرية: خليل باشا خياط، وأسرات: سرسق، وبترس، وغزيب، وكرم، ودبانة. وفي الزقازيق: الكونت سليم شديد. وفي المنصورة: أسرة الكونت خليل صعب.

وفيهم من أرباب الشركات الزراعية:
  • نجيب شكور باشا: مدير شركة الغربية والمباحث.

  • جورج بك عيد: مدير الشركة الزراعية الصناعية.

  • ومن أصحاب البنوك في مصر القاهرة:

  • الكونت قريصاني: صاحب ومدير البنك الفرنساوي.

  • الدكتور ألفريد عيد: مدير صندوق الرهنيات.

ولهم من المحلات التجارية المشهورة في مصر القاهرة:
  • محل جدعون إخوان: تجارة قومسيونجية.

  • محل جرجس براهيمشا: تجارة مانيفاتورة، بالحمزاوي.

  • محل حاطوم: تجارة أنتيكات، بالسكة الجديدة.

  • محل حنا بك صباغ وشركاه: تجارة جلود إفرنجية.

  • محل حسيب وتوفيق غبريل: تجارة قومسيونجية.

  • محل خوام إخوان: تجارة مجوهرات وأنتيكات، بخان الخليلي.

  • محل سليم وسمعان صيدناوي وشركاهم ليمتد: تجار حراير وأصواف بمصر والإسكندرية.

  • محل سليم حداد، تجارة مكنات الكتابة وموبيلات أميركية، بشارع المناخ.

  • محل شحادة إخوان: تجارة جزم أمريكية وقمصان وغيرها، بشارع المناخ.

  • محل شيحا: تجارة أنتيكات، بشارع المناخ.

  • محل مرشاق إخوان: تجار قومسيونجية.

  • محل موسى وجبرائيل صيدح: تجارة أغلال، بشارع محمد علي.

  • محل نجيب غناجة: تجارة أدوية، في مصر والإسكندرية وطنطا وأسيوط.

  • وفي الإسكندرية: محل كرم: تجارة خشب، ومحل الخواجات أبو شنب: تجارة قومسيونجية.

  • وفي طنطا: محل فركوح، ومحل الخواجات ناصر.

  • وفي الخرطوم: محل عزيز كفوري، تاجر ومزارع كبير.

ولهم من المكاتب الشهيرة في القاهرة:
  • مكتبة هندية (سنة ١٨٨٣)، أمين أفندي هندية، بالسكة الجديدة.

  • مكتبة الهلال (سنة ١٨٩٦)، جورج وإبراهيم زيدان، بالفجالة.

  • مكتبة المعارف (سنة ١٩٠١)، نجيب أفندي متري، بالفجالة.

  • المكتبة الشرقية (سنة ١٨٨٩)، إبراهيم أفندي فارس، كلوت بك.

  • وفي الإسكندرية: مكتبة غرزوزي لجورج أفندي غرزوزي.

وفيهم من الأطباء في القاهرة وبينهم شعراء وخطباء وكتَّاب الدكاترة:
  • إبراهيم شدودي، أديب زيات، أمين أبو خاطر، أمين معلوف، جان أنطاكي، خليل مشاقة، روفائيل كساب، شبلي شميل، شكري مشرق، صابر بسيط، عبد الله البستاني، عبد الله ملُّوك، يوسف بحري «وله معمل كيماوي»، يوسف كحيل.

  • وفي الإسكندرية: أسعد حداد، ونقولا فياض.

  • وفي الفيوم: يوسف غبريل.

  • ومن الأطباء في خدمة الحكومة المصرية الدكاترة: إسكندر القيِّم، إسكندر عطية، ألفريد غرزوزي، إيليا خير الله، حنا رحمة، عبد الله شقير.

ومنهم في الجيش المصري من رتبة يوزباشي فصاعدًا:
  • اللواء سليم موصلي باشا، والبكباشي صموئيل أفندي خوري، والصاغات: أسعد أفندي أيوب، أسعد أفندي معلوف، سليم أفندي غصن، الأمير فريد شهاب، منصور أفندي الحاج، واليوزباشية: أنيس أفندي عجيمي، سليمان أفندي الصليبي، عزيز أفندي شحادة، قيصر أفندي الخوري، نجيب أفندي الحداد، نسيب أفندي البارودي، يوسف أفندي مبارك، يوسف أفندي درويش، يوسف أفندي مزهر.

ومنهم في المصلحة الطبية الملكية السودانية:
  • الدكتور سليم أفندي عطية حكيمباشي أم درمان، والدكتور سليم أفندي الصايغ، والدكتور جورج أفندي حداد، ومن الأطباء الذين خدموا الجيش والآن بالمعاش: الدكتور يوسف بك شدياق، والقائمقام نعمة الله بك طحَّان، والصاغ أسعد أفندي راشد، ومن أطباء الأسنان السوريين في القاهرة:
    • الدكاترة: إدوار غرزوزي، أسعد عطية، أمين بهيت، رشيد حدَّاد، خليل جريصاثي، نقولا بيطار، نقولا واكيم، وفي الإسكندرية: أسعد حداد.

    • ومن أطباء العيون في القاهرة: إبراهيم نشاطي، إلياس صليبي، حبيب غانم.

ومن المحامين السوريين في القاهرة:
  • إسكندر بك عمون، إلياس بك دبانة، أنطون بك سلامة.

  • حبيب بك غانم، الدكتور سليم بك البستاني، سليم بك رطل.

  • لطفي بك عيروط، نجيب بك البستاني، نجيب بك شكور.

  • الأمير خليل أبو اللمع، إدوار أفندي قصيري، إلياس أفندي جيعة.

  • إميل أفندي بولاد، إميل أفندي جهشان، أمين أفندي البستاني.

  • أنطون أفندي يزبك، ألفونس أفندي زينية، حبيب أفندي رطل.

  • زكي أفندام خوام، سامي أفندي جريديني، جبرائيل أفندي أصفر.

  • عبده أفندي داود، كميل أفندي أدَّة، لويس أفندي أسمر.

  • ميشيل أفندي صيدناوي، ميشيل أفندي ناصيف وأخواه فيليب وجورج.

وفي الإسكندرية:
  • أنطون بك سلامة، نجيب بك أيوب، إسكندر أفندي لكح.

  • ألفونس أفندي كعيكاني، أنطون أفندي أرقش، يوسف أفندي السودا.

وفي طنطا:
  • حبيب بك زين، جرجس بك حاوي، قسطنطين بك سعادة.

  • نقولا بك أرقش، بديع أفندي قربه، خليل أفندي نعمة.

وفي القاهرة من المؤلفين والكتاب والشعراء والخطباء ما عدا أصحاب الجرائد المتقدم ذكرهم، وكثيرون منهم بارعون بالإنكليزية والفرنساوية وبعضهم بالروسية:
  • خليل بك ثابت، خليل بك سعادة، سليم بك شميل.

  • سليم بك مكاريوس، ماريوس بك شميل، إبراهيم أفندي نجَّار.

  • أسعد أفندي داغر، أشيل أفندي صيقلي، إلياس أفندي فيَّاض.

  • أيوب أفندي كميد، خليل أفندي زينية، داود أفندي بركات.

  • رشيد أفندي ثابت، سامي أفندي قصيري، سليم أفندي عبد الأحد.

  • سليم أفندي قبعين، شحادة أفندي شحادة، لبيب أفندي جريديني.

  • نجيب أفندي شاهين، نجيب أفندي ظريفة، نقولا أفندي حداد.

  • وديع أفندي أبو فاضل، وديع أفندي البستاني، يوسف أفندي البستاني.

  • الآنسة سعدى سابا، الآنسة مي.

  • وفي طنطا: إبراهيم أفندي حنا.

ومن أرباب الوظائف الكبيرة في القاهرة:
  • سعيد باشا شقير: مدير عموم حسابات السودان، وهو شاعر مجيد وكاتب قدير.

  • عزيز باشا كحيل: مستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية.

  • عبد الله باشا صفير: وكيل مدير عموم الأمن العام بوزارة الداخلية.

  • ميشال بك لطف الله: عضو السوريين في الجمعية التشريعية.

  • يوسف بك خلاط: مدير قلم المطبوعات بوزارة الداخلية.

  • عبد الله بك عازوري: سكرتير وزير الحربية.

  • عزيز بك أبو شعر: مدير الأقلام الإفرنجية بوزارة الأشغال.

  • جورج بك فيلبيدس: مدير قلم الضبط والربط بمحافظة مصر.

  • سليم بك باخوس: ناظر القسم المالي بمحافظة مصر.

  • ميشال بك خوري: مفتش قسم أول بمصلحة التلغراف.

  • جورج بك خوري: مدير حسابا بمصلحة السكة الحديد.

وفي الإسكندرية:
  • جورج باشا زنانيري: سكرتير عام مصلحة المحاجر.

  • ميشال باشا أيوب: سكرتير عام مصلحة الجمارك.

  • فتح الله بك صوصه: مدير حسابات بمصلحة الجمارك.

  • جبرائل بك حداد: مدير قلم مراقبة الصحف.

وفي الخرطوم:
  • شاهين بك جرجس: السكرتير العربي للسردار وحاكم السودان العام.

  • إبراهيم بك ديمتري: سكرتير مفتش السودان العام.

  • صموئيل أفندي عطية: سكرتير إدارة المخابرات بالخرطوم.

وكان منهم في الوظائف الكبيرة إلى عهد قريب جدًّا:
  • السير يوسف سابا باشا: مدير عموم مصلحة البوسطة المصرية، ثم وزير المالية.

  • إداور باشا إلياس: مفتش في وزارة الداخلية.

  • أنطون باشا مشاقة: سكرتير عموم مصلحة الصحة العمومية.

  • أوغست باشا أديب: مدير عموم حسابات المالية بمصر.

  • بطرس باشا مشاقة: مراقب الخزينة المصرية.

  • فريد باشا بابازوغلي: سكرتير عام وزارة الأشغال العمومية.

  • قسطنطين باشا قطة: السكرتير الأول لمجلس الوزراء.

  • نجيب باشا سيور: سكرتير عام مصلحة الدومين.

  • يوسف باشا مسرَّة: رئيس إدارة السكة الحديد المصرية.

  • إسكندر بك عمون: قاضي بمحكمة الاستئناف.

  • حبيب بك دبانة وأخواه نجيب بك ويوسف بك: في قلم قضايا وزارة المالية.

  • جبران بك مسكات: مدير قلم الضبط والربط بمحافظة مصر.

  • جبران بك ناصيف: قاضي في المحاكم الأهلية.

  • سليمان بك ناصيف: رئيس قلم بوزارة الحربية.

  • طنوس بك شحادة: رئيس قلم بالحربية.

  • نجيب بك عنحوري: مدير قلم قضايا.

ومن أرباب الصنايع والفنون الجميلة:
  • في فن الطباعة: نجيب أفندي متري، صاحب مطبعة المعارف ومكتبتها بمصر، وهو أشهر من اشتغل بهذه الصناعة من الشرقيين، ليس في مصر وحدها بل في الشرق كله، ومئات الكتب التي تخرج من مطبعته — ومنها تاريخ سيناء هذا وتاريخ السودان — تشهد له بالتفوق بهذه الصناعة، لا سيما بنظافة الطبع وإتقانه حسب أصول الصناعة، وقد علمنا أن محل مكملان الإنكليزي الشهير في لندن جعله وكيلًا لمطبوعاته العربية والإنكليزية التي تدرَّس في المدارس الأميرية في القطر المصري، وقد عهد إليه طبع هذه الكتب في مطبعته، وكان إنشاء مطبعة المعارف سنة ١٨٩٠، وقد صدر هذا التاريخ والمؤلفون العديدون الذين طبعوا كتبهم فيها سيحتفلون بيوبيلها الفضي في ٢٨ أبريل سنة ١٩١٦ اعترافًا بما لها من الخدمة لهم وللطباعة في مصر.
  • وفي فن التصوير الشمسي: وداد أفندي شقير، ابن المرحوم شاكر شقير الشاعر المشهور، وهو صاحب محل فوتوغرافي بشارع نوبار باشا بالقاهرة، وقد نال شهرة عظيمة بصناعته في الخرطوم، وانتقل إلى مصر من عهد قريب.
  • وفي فن التمثيل: جورج أفندي أبيض، وعزيز أفندي عيد.
  • وفي فن الموسيقى: سامي أفندي الشوا، وهو من أشهر الضاربين على الكمنجة في الشرق.
  • وفي فن الزراعة: الخواجة حبيب بولاد، وهو أول من أوجد الري الصيفي بمصر.
  • وفي فن التصوير باليد: سليم أفندي حداد، وهو مخترع آلة الكتابة العربية. وفيليب أفندي واكد: مخترع آلة أخرى للكتابة العربية.
  • وفي الخط العربي: إلياس أفندي علَّام، ونجيب بك هواويني المحامي، وممَّن امتاز بالخط العربي «فرنسيس صفير»، وقد توفي سنة ١٩١٤ وترك من خطه مآثر جميلة — رحمه الله.

وممن توفاهم لله في هذا القطر من التجار والموظفين الكبار والأدباء الذين ساعدوا في تأسيس النهضة الحديثة في مصر ويستحقون أجمل الذكر المغفور لهم:

روفائيل عبيد (سنة ١٨٦٦)، بشارة باشا تقلا (١٩٠١)، عزيز بك الزند (١٩١٠)، سليم بك نقاش (١٨٨٤)، نقولا بك توما (١٩٠٥)، الشيخ أمين الحداد (١٩١٢)، سمعان كرم (١٨٨٨)، الدكتور بشارة زلزل (١٩٠٥)، جورج كرم (١٩١٢)، سليم بك تقلا (١٨٩٢)، الشيخ إبراهيم اليازجي (١٩٠٦)، الدكتور حبيب كرم (١٩١٣)، إلياس صالح (١٨٩٥)، سليم بك صيدناوي (١٩٠٨)، سليم باشا حموي (١٩١٣)، أمين بك الشميل (١٨٩٧)، شاهين بك مكاريوس (١٩١٠)، جورج بك زيدان (١٩١٤)، الشيخ نجيب الحداد (١٨٩٩)، ملحم بك شكور (١٩١٠)، نقولا رزق الله (١٩١٥).

(١) مستقبل سوريا بعد الحرب الحاضرة، ومستقبل السوري في مصر

هذا وقبل الحرب الحاضرة كان السوريون في مصر بعضهم متجنِّسًا بالجنسية المصرية والبعض الآخر باقيًا على العثمانية، أمَّا الآن وقد فصلت مصر عن الدولة العثمانية وأصبحت تحت الحماية البريطانية، فلا بدَّ أن يُسنَّ قانون خاص للتجنس بالجنسية المصرية البريطانية، وإذ ذاك فالسوريون الذين كانوا باقين على التابعية العثمانية إمَّا أن يتجنسوا بالجنسية المصرية وإمَّا أن يتجنسوا بالجنسية التي تستقر عليها سوريا، على أن قرارهم النهائي بهذا الشأن يتوقف على مستقبل سوريا بعد الحرب، فإن كانت الجنسية التي تستقر عليها مما يروق لهم تبعوها وإلَّا اختاروا لهم تابعيَّة أخرى.

أمَّا مستقبل سوريا فلا يزال بيد الأقدار ولا يعلم أين تضعه، ولا أستطيع التبسط بهذا الموضوع كما أريد؛ لأنه موضوع سياسي حرج إلى الغاية، خصوصًا في الأحوال الحاضرة، فلم يبقَ لي إلَّا الكلام عنه من الوجهة التاريخية، ويقال بالإجمال: إن السوريين من مسلمين ومسيحيين ويهود كلهم أو جلُّهم على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم السياسية متفقون على أمور أربعة:
  • الأول: السخط على الاتحاديين سرًّا وجهرًا لدخولهم في الحرب الحاضرة.
  • الثاني: الميل الصادق إلى الحلفاء في هذه الحرب.
  • الثالث: إنشاء حكومة جديدة على مبادئ اللامركزية الشوروية، تضمن لهم الأمن والراحة والنجاح في بلادهم، مع المحافظة على لغتهم وتقاليدهم وعاداتهم ووحدتهم القومية.
  • الرابع: شعورهم بالحاجة إلى دولة من دول الحلفاء العظام يستعينون بها على تنظيم حكومتهم الجديدة، ولكنهم يختلفون في كيفية إنشاء الحكومة وتنظيمها، ثم في نوع المساعدة التي يتطلبونها ومقدارها.
نعم إن هناك فئة لا يهمهم الاحتفاظ بقوميتهم ما دامت البلاد ممتَّعة بأسباب الأمن والراحة والرقي، ولكن هؤلاء هم فئة قليلة جدًّا، والسواد الأعظم من أهالي سوريا من مسلمين ونصارى ويهود متمسكون بقوميتهم ولغتهم وعاداتهم كل التمسك، وأهل الخبرة منهم يقولون: إنه لا يكون للسوريين كلمة نافذة ولا مكانة سياسية ولا شأن ولا مقام ولا راحة ولا سلام في بلادهم أو خارج بلادهم إلَّا إذا احتفظوا بقوميتهم واتحدوا في الرأي والعمل على اختلاف المذاهب والأديان، وأهم الأسباب التي تدعو إلى اتحادهم ثلاثة:
  • (١)

    أن يتخذوا أساس المعاملة المصلحة العامة الوطنية ليس إلَّا.

  • (٢)

    أني يتذكروا أنهم كلهم من أصل واحد عربي أو سامي، وأنهم كانوا عربًا أو ساميين قبل أن كانوا سوريين وقبل أن كانوا يهودًا ونصارى ومسلمين.

  • (٣)

    أن يحافظوا على لغتهم العربية؛ لأنها لغة راقية، ولأنه لا شيء يقرِّب العناصر المتنافرة مثل الإجماع على لغة واحدة.

على أن أهل الخبرة والعقلاء من السوريين يعلمون حق العلم أنهم — سواءٌ اختلفوا أو اتفقوا — فإنهم لا يقوون على ردِّ أية دولة من الدول العظام إذا طمعت بهم، ولكن السوريين وهم أول من غرس أصول التمدن في العالم لا يخشون أن تطمع بهم دولة من الدول المتمدنة.

وفوق ذلك فإن السوريين واثقون بأن الغلبة في الحرب الحاضرة للحلفاء، وهم لم يشاركوا الحلفاء في أميالهم وعواطفهم فقط، بل كثيرون منهم شاركوهم بالفعل وبذلوا لهم أتعابهم وأموالهم ودماءهم، ولم يزالوا معهم كل ذلك إلى اليوم وسيبقون كذلك إلى أن يحرز الحلفاء النصر الأخير قريبًا إن شاء الله.

وعليه ولما كان الحلفاء قد جاهروا بأنهم يحاربون للمدنية والحرية واستقلال الأمم الضعيفة، وكان لهم الكلمة الأولى في مستقبل سوريا بعد كلمة أبنائها؛ فالسوريون واثقون كل الثقة أنهم مهما اختلفوا هم أنفسهم في كيفية إنشاء حكومتهم المقبلة، فإن الحلفاء لا يسمحون بأن يكون مستقبل سوريا مما لا ترضى به نفوس الأحرار العقلاء منهم أو لا يكون فيه رقيهم وراحتهم وكرامتهم على اختلاف الأجناس والأديان.

وفي كل حال فإن أقلَّ ما نؤمله أن يعاد لذلك الشيخ الجليل لبنان المحبوب حدوده الطبيعية، عملًا بقاعدة ترك القديم على قدمه، وتبقى له تلك الامتيازات التي منحته إياها الطبيعة وأيدها التاريخ منذ قديم الزمان.

•••

بقي علينا بحث اجتماعي في غاية الأهمية للسوري المهاجر إلى مصر وهو «أمِن مصلحة السوري المهاجر استيطان مصر والتجنس بجنسيتها وهجر وطنه الأصلي بتاتًا أم لا؟»

إن في مصر أمورًا كثيرة تحبب للسوري المهاجرة إليها واستيطانها أهمها؛ أن لغة مصر هي لغتنا وجنسها جنسنا وعاداتها عاداتنا، وهي على ليلة من بلادنا فضلًا عن أن مصر بلاد غنية واسعة الأطراف وافرة الخيرات، وتحتاج على الدوام إلى أيدٍ كثيرة نشيطة مخلصة كالأيدي السورية.

إلَّا أن هناك أسبابًا وجيهة تحمل السوري على التردد في استيطانها أهمها: أن هواء مصر شديد الوطأة على الأجناس الطارئة عليها من البلاد المعتدلة الحرارة، وسوريا من الجملة، فإن المشاهدة والاختبار يدلاننا على أن اللون والنشاط والصحة التي نراها في المهاجر الجديد من سوريا لا تراها في المهاجر القديم، بل أن كثيرًا من الأسرات السورية التي هاجرت إلى مصر منذ أجيال لا يزيد عدد أعضائها الآن على عدد الأصابع، ومنها من انقرض بالمرة، خصوصًا الذين قطعوا علائقهم بتاتًا مع سوريا، وعليه ترى حكم الرأي الغالب أن استيطان مصر ليس من مصلحة السوري.

ثم إن السوريين النصارى الذين يهاجرون إلى مصر هم مضطرون بسبب الفارق في العنصر والدين وعدم الاختلاط بالزواج مع سائر العناصر أن يبقوا عنصرًا منفردًا كاليهود والأرمن والقبط، ومهما كثروا في البلاد فإنهم يبقون عنصرًا ضعيفًا بالنسبة لعناصر الأمة المصرية، فإذا لم ترتق نظامات مصر ارتقاءً تزول أمامه فوارق الدين والعنصر في أبناء الوطن الواحد؛ ليتمكن أفراده النابغون — من كل جنس ودين — من نيل ما تتوق إليه نفوسهم الكبيرة من المنزلة الرفيعة في الحياة القومية أو السياسية كان لك سببًا آخر في «أن استيطان مصر والتجنُّس بجنسيتها ليسا من مصلحة السوري.»

ولكن الناس في حياتهم الاجتماعية قلما ينظرون إلى المستقبل البعيد، فهم يطلبون غالبًا النفع القريب العاجل ويتركون المستقبل لله، وقد رأينا أنه لأسباب تجارية أو سياسية أو اجتماعية توطَّن مصر أسرات من السوريين في كل عصر من عصور التاريخ، وستبقى هذه الحال إلى ما شاء الله خصوصًا ما دام الحكم في سوريا على غير المرام.

لذلك لا يضرُّ السوريين الذين يهاجرون إلى هذه البلاد لأي سبب كان أن يطلعوا على اختبار وطني محب جاوز الخمسين، وقد قضى منها فوق الثلاثين سنة في مصر، وضمَّن اختباره هذه الكلمات العشر:
  • (١)

    أنتم أحفاد الحثيين الذين عاصروا الفراعنة العظام وساووهم — وهم في أوج عزهم — بالكرامة والمجد، أنتم أحفاد الفينيقيين الذين كانوا أول من اخترع الاختراعات واكتشف الاكتشافات وساد البحار وبذر بذار التمدن في جميع الأقطار، أنتم أنصار إبراهيم وموسى والمسيح ومحمد الذين كانوا أول من نادى بوحدانية الله وهذب الأخلاق وشاد الأديان التي تسود العالم الآن.

    فلا تستحيوا بأصلكم السوري ولا تحاولوا الانتساب إلى الأصول السائدة الآن، فإن ذلك — فضلًا عن أنه غير مستطاع — فهو اعتراف منكم بضعة أصلكم، وهو من فضل الله غير وضيع، ولكن لا يمنعنَّكم ذلك من التشبه بالكرام والامتزاج بهم والتودُّد إليهم وتحدِّي طرقهم القويمة وعاداتهم الحميدة ومبادئهم الشريفة من أي جنس كانوا.

  • (٢)

    ليكن ارتباطكم بوطنكم الأصلي حيًّا ما أمكن لتبديل الهواء وتجديد الدم بالزواج، فإن ذلك هو السبيل الوحيد لتخفيف وطأة الهواء في مصر عليكم وعلى أولادكم، واطلبوا الزواج الباكر فإنه فيه حفظًا لصحتكم وإنماءً لنسلكم، وأفسحوا للرياضة البدنية جانبًا من وقتكم فإن العقل السليم في الجسم السليم.

  • (٣)

    أنتم في مصر عنصر ضعيف، فاستعينوا على ضعفكم بقوات ثلاث: العلم الشريف والمال الحلال والخلق الحسن، واحذروا آفات ثلاثًا: المسكر والمنكر والقمار.

  • (٤)

    لا تحترفوا إلا الحرف الراقية النافعة الحرَّة كالطب والهندسة والأدب والمحاماة والزراعة والصناعة والتجارة، واطرقوا باب التجارة قبل كل باب، فإن السوري تاجر في طبعه، ولا تحسبن الاشتغال بالربا تجارة، بل لنبتعد عنه ما أمكن ولو حلله القانون، فإن الربا لا يشرِّف صاحبه ولا يرقِّيه ولو أغناه.

  • (٥)

    إني مع اغتباطي بمركزي الحالي في الحكومة لا أنصح بالتهافت على الوظائف، فإن موظفي الحكومة من السوريين هم أقلهم حظًّا في النجاح، وربما كان مجموع ثروتهم في القطر كله لا يساوي ثروة تاجر أو مزارع واحد من تجارهم أو مزارعيهم الكبار.

  • (٦)

    أتقنوا ما استطعتم من اللغات الأجنبية الراقية الغنية بالعلوم والآداب كالإنكليزية والفرنساوية، فإنها تنفعكم في معاملاتكم التجارية والاجتماعية والعلمية والسياسية، ولكن قبل كل شيء أتقنوا لغتكم العربية واحتفظوا بها كل الاحتفاظ للأسباب الآتية: (أ) لأنه عار على الإنسان أن يتقن لغة الغير ويهمل لغته، فإن ذلك يكون بمثابة اعتراف منه بانحطاط لغته، والحال ليس كذلك في لغتنا العربية؛ فإنها من أقدم لغات العالم وأرقاها وأغناها شعرًا ونثرًا. (ب) لأن جامعة اللغة هي أفضل جامعة للعناصر المتحدة في المصلحة والغاية. (ﺟ) لأن اللغة العربية هي أجمل صلة بينكم وبين مواطنيكم المصريين الذين بحق يقدِّسون هذه اللغة. (د) لأن العربية هي لغة جنسكم العربي، ومن لا يرجع بنسبه إلى أصل عربي فلا بدَّ له من التسليم بأن العربية هي لغته ولغة أجداده منذ الفتح العربي الأخير، أي منذ ١٣٠٠ سنة على الأقل، وهي الصلة الوحيدة التي تربطه بآثار أجداده الأدبية وقرائح أفكارهم كل تلك الأجيال.

  • (٧)

    إن أبناء الوطن الواحد أو العنصر الواحد كأبناء الأسرة الواحدة، متضامنون في الخير والشر، فإذا نبغ منهم فرد صالح أصلح سمعة المجموع كله، وإذا قام فرد طالح أساء إلى المجموع كله، وعليه فالفرد الصالح من مجموعنا النافع بماله أو علمه أو أدبه ينفع كل فرد منا بالتضامن، والفرد الطالح يضرُّ كل فرد منَّا بالتضامن عينه.

    لذلك كان أول واجب علينا كعنصر خاص أن نكرِّم نوابغنا ونجلَّ أفاضلنا عرفانًا للجميل، وأن نبذل الجهد في تقويم المعوَّج منا احتفاظًا بكرامة مجموعنا، وكل عنصر قصَّر في هذا الواجب لن ينال احترام الغير «ومن لا يُكرِّم نفسه لا يُكرَّم.»

  • (٨)

    إن لكل مجموع من الناس حاجات عامة لا بدَّ منها لراحة المجموع وكرامته، كإنشاء المعابد والمدارس والمستشفيات ونحوها، وهذه الحاجات لا يمكن غير أهل الثروة واليسار القيام بها لما تتطلبه من النفقات الباهظة، ولأن العامة قلما تفوز بغير الكفاف في جهاد الحياة، فإذا قصَّر أصحاب الثروة منكم عن القيام بالواجب عليهم حفظًا لكرامة المجموع كانوا جناة على المجموع، فإياكم أن توجهوا إليهم التكريم الذي اعتاده الناس لأهل الثروة في كل بلاد، بل أنبذوهم هم وما لهم نبذ النواة.

    فمن يكُ ذا فضل ويبخل بفضله
    على قومه يُستغنَ عنه ويُذمم

    وفي كل حال فلنتحد كافة وعلى الخصوص جمعياتنا الخيرية الطائفية للقيام بحاجاتنا الضرورية، ولا سيما التي فيها حفظ كرامتنا بين سائر العناصر، كملاجئ العجزة والإحسان إلى المعوزين والفقراء، فإن الأفراد الضعيفة تكوِّن مجموعًا قويًّا، وتكون قوة المجموع وفائدته بقدر عدد أفراده وغيرتهم على كرامة المجموع.

  • (٩)

    لا تدعوا الاختلافات المذهبية التي أورثتكم الشقاق والشقاء في بلادكم ترافقكم إلى دار هجرتكم فتكدر صفاءكم وتحرمكم لذة التمتع بالألفة الجنسية، وليكن عندكم في كل بلدة نزلتموها نادٍ تجتمعون إليه، ولتكن الأندية في جميع البلاد مرتبطة بنادٍ عام في العاصمة، ثم ليكن لهذا النادي ارتباط بالأندية السورية في جميع أقطار العالم؛ ليكون لكم من ذلك جامعة معنوية تعوِّض عن وطنيتكم الأصلية التي فقدتموها.

  • (١٠)

    أطيعوا السلطان وقانون البلاد، وما دمتم على جنسيتكم فاعملوا لنفع الأمة التي أضافتكم، واحرصوا على كرامتها كل الحرص في كل قول تقولونه أو كل رأي ترتئونه أو كل عمل تباشرونه، ومتى تجنستم بالجنسية المصرية أصبحت مصلحة مصر مصلحتكم وعزُّها عزَّكم ورقيُّها رقيَّكم، ولا يُطلب منكم لوطنكم الأصلي إذ ذاك إلَّا العطف عليه والتردد إليه صيفًا كلما أمكن مراعاة لصحتكم وصحة نسلكم.

    وإذا — لا سمح الله — اعترضت مصلحةُ سوريا مصلحة مصر وأنتم متجنسون بالجنسية المصرية؛ فالواجب والضمير يقضيان عليكم بتفضيل مصلحة مصر، ومن لم يكن هذا شأنه فليس له أن يتجنس بالجنسية المصرية، ثم من لم يكن من المهاجرين نافعًا لمصر في أي عمل باشره، فليس له أن يقيم فيها بل «الطريق التي جاء منها فليرجع منها.»

هذا ولا بدَّ أن تسنَّ حكومة مصر قانونًا خاصًّا للمهاجرة إلى مصر، وقانونًا آخر للتجنس بجنسيتها، فلا تسمح بالدخول إلَّا لمن تراه صالحًا لها، ولا تقبل في جنسيتها إلَّا من ترى الخير والمصلحة في تجنسه، ثم متى منحته الجنسية تمنحه معها كل الحقوق التي لأهل البلاد، كما أنها تفرض عليه كل الواجبات بلا فرق ولا تمييز في الدين أو الجنس، فإن إعطاء المستوطن الجديد قسطه من الحقوق المدنية هو في مصلحة مصر كما هو في مصلحة المستوطن، في حين أن حرمانه الحقوق المدنية كلها أو بعضها يفقد الأمة إخلاصه وغيرته ولا يكسبها شيئًا.

ولقد عرف المصريون القدماء هذه الحقيقة فأعطوا المهاجر المستوطن جميع الحقوق المدنية بدون استثناء شيء منها كما قدمنا.

وهذه أميركا التي أصبحت الآن من أقوى أمم العالم وأرقاها — وقد تألفت من عناصر شتَّى — لا يقيم المهاجر فيها إلَّا سنين معدودة حتى يصبح فردًا من أفراد الأمة الأميركية، له أن يتمتع بجميع حقوقها كما أن عليه جميع واجباتها، بل له أن يرشح نفسه لجميع مناصبها، ولابنه أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية عينها مهما كان مذهبه أو جنسه، وذلك — أيها النبلاء الذين يهمهم مصلحة مصر — سرُّ نجاح الأمة الأميركية وقوتها.

•••

والآن فإني أوَّد أن أختم كتابي هذا بأبيات ختمت بها مهمتي على حدود سيناء سنة ١٩٠٦، وأنا لا أرمي إلى غرضٍ سياسيٍّ البتة، بل هي أماني طبيعية هاجتها فيَّ عاطفة الشعر، فقد هاجرتُ إلى هذا القطر السعيد غير متجاوز العشرين، وأصبحت الآن وقد تجاوزت الخمسين، ولم ألقَ من هذا القطر وأهله الكرام إلَّا ما أذكره بالشكر والثناء، فأنا أحنُّ إلى وطني الأول وأحب الخير كل الخير لوطني الثاني، فانقسم قلبي بحبهما شطرين، وقد وددتُ الخلاص من هذه القسمة فقلت:

هجرتُ الشام ومهدَ الصبا
وجئتُ الكنانة مهدَ العلى
شطرتُ فؤادي شطر النواة
فشطرٌ لذاك وشطرٌ لذا
فشطرٌ يحنُّ لتلك الربوعِ
وشطرٌ لهذي الربوع فدى
هناك مراتعُ عهد الشباب
ولكنَّ صفو الحياة هنا
فليتَ رجوم الحدود تزولُ
ويذهب ذاك «القرارُ» سُدى
وليتَ الشآم تعانقُ مصر
عناق الإخاء إلى «المنتهى»
نعوم شقير
مصر القاهرة في ٢٧ مارس سنة ١٩١٦
fig140

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤