خلاصة تاريخ سوريا
اشتهر في سوريا قديمًا ستة شعوب كبيرة، ترجع في أنسابها إلى أربعة أصول، وهم: الآراميُّون، والكنعانيون، والحثيون، والعبرانيون، والفلسطينيون، والفينيقيون، وكلهم هاجروا إليها من جزيرة العرب أو العراق إلَّا الفلسطينيين.
- الآراميون: أمَّا الآراميون فهم على رواية موسى نسل آرام بن سام بن نوح، وهم فروع شتَّى منهم الجبابرة والعمالقة الساميون، وقد اشتهر لهم ملك في دمشق الشام، وهم أقدم سكان سوريا في ما نعلم، وفي رأي البعض أنهم هم المعروفون على الآثار المصرية «بالرَّتنو»، وقد مرَّ بنا أن المصريين القدماء اطلقوا اسم «الآمو» على جميع سكان سوريا الساميِّين، ومنهم «الهيروشايتو» أو أسياد الرمال سكان بلاد التيه والعريش، «والمونيتو» سكان بلاد الطور.
- الكنعانيون: أمَّا الكنعانيون فقيل إنهم نسل كنعان بن حام بن نوح وأولاده الأحد عشر، والمشهور أنهم هاجروا إلى سوريا من رأس خليج العجم مما يلي بلاد العرب في القرن الثالث والعشرين قبل المسيح، أي سنة ٢٢٥٠–٢٣٠٠ق.م، وقد انتشروا في شمال البلاد وجنوبها وسواحلها الغربية وسكنوها مع الآراميين، وكان لهم شأن مع العبرانيين كما هو معلوم في التوراة.
- الحثِّيون: وأمَّا الحثيون فهم على رواية موسى فرع من الكنعانيين نسل حث بن كنعان، وهم فريقان: الحثِّيون الجنوبيون، وقد سكنوا مع الكنعانيين في جهة الخليل، ومنهم العمالقة الحاميون، وكان لهم شأن مع العبرانيين، والحثيون الشماليون سكنوا شمال سوريا مع الرتنو، فتوطَّنوا أولًا جبل أمانوس المعروف بجبل اللكام ثم تقوَّوا تدريجًا وأسسوا ملكًا عظيمًا، وكان لهم شأن كبير مع مصر كما سيجيء.
- العبرانيون: أمَّا العبرانيون ويقال لهم: الإسرائيليون واليهود، فهم نسل إبراهيم الخليل، وقد مرَّ بنا ذكر تاريخهم منذ هاجر إبراهيم من أرض العراق، ثم ذكر تغربهم في أرض مصر ورجوعهم إلى سوريا عن طريق سيناء إلى أن أسسوا ملكًا في أورشليم، وكان لهم شأن عظيم مع مصر، وسنأتي على خلاصة تاريخهم منذ تأسيس ملكهم إلى اليوم.
-
الفلسطينيون: أمَّا الفلسطينيون فأسفار موسى لا تبحث في أصلهم، ولكن جاء في
عا٩: ٧: «قال الرب: ألم أصعد إسرائيل من أرض مصر والفلسطينيين
من كفتور؟» ويتبين من قول أرميا النبي (ص٤٧: ٤) أن كفتور هذه
جزيرة.
وذُكر في تاريخ مصر أن قومًا من آسيا الصغرى وجزيرة كريت أو قبرص هاجموا مصر برًّا وبحرًا في أوائل القرن الثاني عشر للمسيح، وكان على مصر إذ ذاك رعمسيس الثالث من ملوك الدولة العشرين، فانتصر عليهم وأسر السواد الأعظم منهم، وأسكنهم في جنوب بلاد كنعان في التخوم الفاصلة بين مصر وسوريا في غزة وضواحيها، فتناسلوا هناك وتقووا برًّا وبحرًا حتى أقدموا على مهاجمة صيداء سنة ١٢٠٠ق.م، وكانوا أكبر أعداء بني إسرائيل، وقد حصلت بين الفريقين وقائع شتَّى مشهورة في التوراة، وبقوا حتى اندمجوا في سكان جنوب سوريا، فألفوا معهم شعبًا واحدًا.
-
الفينيقيون: أمَّا الفينيقيون الذين نالوا تلك الشهرة الواسعة في تاريخ
سوريا، فهم سكان فينيقية، وهو الاسم الذي أطلقه اليونان على سواحل
سوريا الغربية وما جاورها من جبل لبنان، والظاهر أن أول من سكن هذه
السواحل الآراميون، ثم لما هاجر الكنعانيون إلى سوريا سكنوها معهم
إلَّا ساحل لبنان بين طرابلس وصيداء، فالمشهور أن سكانه بقوا
آراميين صرفًا، ومعلوم أن تمدن الفينيقيين قديم جدًّا ولكنه زها
منذ عهد الدولة التاسعة عشرة المصرية أي منذ ٢٠٠٠ق.م.
وللفينيقيين الفخر في أنهم أوَّل من اخترعوا الملاحة، واحتكروها قرونًا لم يكن لهم فيها مبارٍ، فكانوا في تلك الأعصر القديمة أسياد البحار كالإنكليز في هذا العصر، وقد بلغت سفنهم أقاصي البلاد المعمورة، فكانوا يتجرون مع الهند شرقًا وبلاد اليونان وآسيا وإيطاليا وإسبانيا وجزائر بريطانيا غربًا، وقد بلغوا البحر الأسود وبحر البلطيق شمالًا، وطافوا بأسطولهم حول أفريقيا كما هو مشهور في التاريخ.
وكان لهم سفن صغيرة متينة واسعة القعر تأتي الشطوط المصرية، وتذهب صُعدًا في النيل إلى مصر العليا، وترى الآن على جدران أحد القبور في الكرنك صورة تمثل سفنهم عند وصولهم إلى ثيبة، هذا ولم تكن تجارة الفينيقيين تقتصر على البحر، بل كانت لهم أيضًا تجارة في البرِّ، فكانت قوافلهم تنتاب العراق ومصر وجزيرة العرب.
وأمَّا مصنوعاتهم التي اخترعوها واتجروا بها ونالوا منها الغنى الوافر، فأهمها: الأرجوان، والزجاج الشفاف، وآنية النحاس الأصفر، والآنية الخزفية، وصياغة الجواهر الكريمة، وصنع العاج، وكلها من الاختراعات الفنية الجميلة التي كانت تزهو بها قصور الملوك والعظماء في تلك العصور، ولكن أهمَّ ما اخترعوه وخلَّد لهم الفخر في التاريخ «الحروف الهجائية» وهي أُس الحروف الهجائية لجميع لغات العالم، وقد كانوا ينقلون حروفهم هذه مع مصنوعاتهم إلى جميع البلاد العامرة ويتجرون بها.
ثم إن تجارتهم الواسعة دعتهم إلى تأسيس مراكز ومهاجر في جزر البحر المتوسط وشطوطه كقبرص ورودس وصقلية وبعض جهات إسبانيا، وأهمُّ مهجر لهم مدينة «قرطاجة» التي قامت على أنقاضها مدينة تونس في شمال أفريقيا، أسسوها في القرن التاسع قبل المسيح، وأقاموا فيها مملكة قوية ناوأت رومية في عزِّ مجدها في عهد بطلها هنيبال الكبير، ودامت إلى أن تغلب عليها الرومان وخربوها سنة ١٤٦ق.م.
ولم تكن فينيقية قديمًا على صغرها حكومة واحدة، بل كانت كل مدينة مع ضواحيها وقراها حكومة صغيرة قائمة بذاتها، ولكن كثيرًا ما كانت تلك المدن تعترف بالزعامة لأقواها، وقد تولى هذه الزعامة بالتناوب مدينتان عظيمتان وهم:
صيداء: من سنة ٢٢٠٠–١٢٠٠ق.م ثم صور من سنة ١٢٠٠–٥٧٤ق.م.
أمَّا صيداء فقد احتكرت التجارة في الشرق برًّا وبحرًا إلى سنة ١٥٠٠ق.م.
وكان اليونان في هذا العهد قد أصبحوا مملكة قوية، فنافسوها في الأرخبيل الرومي وأجلوا الفينيقيين عن جزائره، وانتهز الفلسطينيون فرصة ضعفهم فاستولوا على مدينتهم صيداء وخربوها سنة ١٢٠٠ق.م.
هذه هي أهم الشعوب التي سكنت سوريا في القديم، وكلها تقريبًا فروع لأصل واحد ساميٍّ كما رأيت، ومع ذلك فقد دلَّ تاريخها القديم والحديث أنه لم يقم فيها في عصر من عصور التاريخ مملكة واحدة عامة جمعت كلمة أبنائها كلهم على اختلاف الفروع، وذلك لتنوع طبيعة أرضها وقلة وسائل الاتصال والتعارف بين جهاتها، فتنوعت الطبائع وتشعبت الأغراض والأديان، فكان ذلك باعثًا لإضعاف المجموع وانقسامه.
ثم بالنظر لموقع البلاد الجغرافي بين الشرق والغرب أصبحت عرضة لكل فاتح أو غازٍ برًّا أو بحرًا، وبالنظر لانقسام أهلها كان الفاتحون يفتحونها بلادًا بلادًا بلا كبير عناء.
وقد تناوبتها دول مصر والعراق والغرب منذ أقم أزمنة التاريخ فافتتحها أولًا البابليون، ثم المصريون في عهد الدولة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، ثم الآشوريون على يد شلمناصَّر سنة ٧٢١ق.م، ثم اليونان على يد الإسكندر سنة ٣٣٢ق.م، وقامت بعده فيها دولة السلوقيين، وكان بينها وبين البطالسة في مصر حروب يأتي ذكرها، وبقيت إلى أن افتتحها الرومان سنة ٦٤ق.م، ثم العرب المسلمون سنة ٦٣٨ب.م، وجعل الأمويون فيها دمشق الشام عاصمة المملكة العربية سنة ٦٦١م، ثم قام العباسيون سنة ٧٥٠م فنقلوا عاصمة المملكة العربية إلى بغداد كما مرَّ.
وفي هذا العهد تداولت سوريا دول مصر والعراق، فكانت تارة تابعة لمصر وتارة لبغداد، أو قسمًا تابعًا لمصر وآخر لبغداد إلى سنة ١٠٧٦م، إذ استولى عليها الأتراك السلجوقيون، وكانوا السبب في إثارة الحروب الصليبية التي أنهكت سوريا نحو ٢٠٠ سنة وملك الصليبيون أجزاءً منها كما مرَّ.
وقبيل نهاية هذه الحروب غار التتر على بغداد سنة ١٢٦٠م فافتتحوها، ثم أتوا سوريا فخربوها وأعملوا بأهلها السيف، فطردهم منها قطُز أحد المماليك البحرية بمصر، وملكها إلى الفرات وبقيت بيد المماليك الحربية ثم المماليك الجراكسة، إلى أن افتتحها الأتراك العثمانيون على يد السلطان سليم الفاتح سنة ١٥١٦م، وما زالت بيدهم إلى اليوم.
وتُقسَّم سوريا الآن إداريًّا إلى أربع ولايات: حلب، والشام، وبيروت، والقدس، ومتصرفية لبنان، وسكانها مزيج من الآراميين والكنعانيين واليهود والسمرة والفلسطينيين واليونان والرومان والعرب والصليبيين والأتراك والإفرنج وغيرهم، وقد اندمجت هذه الأجناس بعضها ببعض حتى أصبحت جنسًا واحدًا يعرف بالجنس السوري، ولكن الأديان والمذاهب ما زالت تميز أهلها، فهم في المذهب نصارى: روم أرثوذكس، وروم كاثوليك، وموارنة، وبروتستانت، وغيرهم، ومسلمون: سنيون، وشيعيون متاولة، ونصيرية، ودروز، ويهود قرَّاءون وربَّانيُّون، وسمرة.
ويُقدَّر عددهم بنحو ثلاثة ملايين كما يأتي:
٣٠٠٠٠٠٠ | المجموع |
٩٠٠٠٠٠ | في ولاية حلب |
٨٥٠٠٠٠ | في ولاية الشام |
٥٠٠٠٠ | في ولاية بيروت |
٣٥٠٠٠٠ | في ولاية القدس |
٤٠٠٠٠٠ | في متصرفية لبنان |
منهم نحو نصف مليون بدوًا ومليونان ونصف مليون حضرًا، أو نحو مليونين إلَّا ربعًا مسلمين، ومليون إلَّا ربعًا نصارى، ونصف مليون من سائر الطوائف.
أمَّا المسلمون فأكثرهم سنيَّة، وأمَّا النصارى فمنهم نحو ٣٠٠ ألف روم أرثوذكس، و٣٠٠ ألف موارنة، و١٥٠ ألف روم كاثوليك، و٢٠ ألفًا بروتستانت، وهناك ١٥٠ ألفًا من الدروز، و١٠٠ ألف من النصيرية، و١٠٠ ألف من اليهود، و١٠ آلاف من الإفرنج.
أمَّا اليهود فهم في ولايات القدس وحلب وبيروت والشام، والنصيرية في جبلهم في ولاية بيروت شرق اللاذقية، وفي ولاية حلب، والدروز ثلثاهم في جبل حوران من ولاية الشام، والثلث الآخر في قضا الشوف من جبل لبنان، والنصارى في كل الجهات، لكن أكثر الموارنة في لبنان.