في معادنها
(١) معادن بلاد الطور
-
الفيروز: وهو أشهر معادنها، ويوجد في جبال وادي المغارة وسرابيت والصهو في
قلب بلاد الطور، وقد عدَّنه فيها قدماء المصريين من أيام الدولة
الأولى إلى الدولة العشرين، وتركوا هناك أنصابًا وصخراتٍ
هيروغليفية في غاية الأهمية، وسنأتي على ذكرها في باب
التاريخ.
وأوَّل من فكَّر في تعدين الفيروز من الإفرنج في القرن الغابر الماجور مكدونلد من ضباط الإنكليز المتقاعدين، جاء وادي المغارة سنة ١٨٥٤، وبنى له منزلًا في سفح الأكمة التي سكنها المعدنون القدماء، وأقام فيه هو وامرأته خمس سنوات يشتغل في المعدن، فلم يصادف النجاح الذي كان يرجوه، فعاد إلى مصر وتوفي فيها سنة ١٨٧٠.
وفي ٢٧ يناير سنة ١٩٠٠ رخَّصت الحكومة المصرية لشركة إنكليزية يرأسها المستر مورنج في تعدين الفيروز في سيناء، ثم نُقلت هذه الرخصة في أول أغسطس من تلك السنة إلى شركة إنكليزية أخرى تُدعى «إجبشن ديفلوبمنت سنديكت»، فاشتغلت هذه الشركة في المعدن نحو سنة، فوجدت أنَّ دخلها منه لا يفي بنفقات التعدين، فتركت العمل وأُلغيت الرخصة في ١ يناير سنة ١٩٠٣.
وقد عاث بعض عمال الشركة في الصخرات الهيروغليفية المشار إليها، فكسَّروا بعضها وشوَّهوا البعض الآخر أمل وجود الفيروز فيها، فخاب أملهم، ولم يبقَ إلَّا ضررهم، فنقلت مصلحة الآثار المصرية أهمَّ ما بقي من تلك الآثار النفيسة إلى متحفها في القاهرة محافظةً عليها كما سيجيء.
وما زال الطَّوَرة يستخرجون الفيروز على قلة من معادنه، ويبيعونه في السويس والإسكندرية ومصر، وعدد المشتغلين منهم الآن لا يزيد عن ٢٠٠ رجل، ولا يزيد دخلهم منه عن ٢٠٠٠ جنيه في السنة، وكان عدد المشتغلين فيه قبل مجيء الشركة الإنكليزية نحو ٦٠٠ رجل، ودخلهم نحو ٦٠٠٠ جنيه في السنة.
وترى الفيروز منثورًا في جباله ظاهرًا باطنًا كالنجوم في سمائها، فيتتبعه المعدِّنون إلى باطن الجبل، وكلما توغلوا فيه تركوا عمودًا من أصل الجبل لئلا يهوي عليهم، فيتكون من ذلك مغاور قائمة فيها العمد كالهياكل، وفي جبال الفيروز الآن عدة مغاور قديمة وحديثة، وأكثرها في وادي قُنَيِّ؛ ولذلك سُمِّي بوادي المغارة كما مرَّ، مررت بهذا الوادي في ١ أبريل سنة ١٩٠٧، فوجدت نفرًا من الطورة يعدِّنون الفيروز في مغارة قديمة في جنب الوادي الأيمن، فكانوا ينقرون في الجبل نُقرة بالإزميل والمطرقة، ثم ينسفونه بالبارود، فتنشق منه صخرة يكسرونها بالمطرقة قطعًا صغيرة، وينتقون منها الفيروز ويتجرون به، وقد سألت هؤلاء المعدنين عن نتيجة عملهم، فقالوا وهم يخفون بعض الحقيقة: قد يشتغل الواحد منا الشتاء كلَّه فما يزيد دخله عن جنيهين.
-
والنحاس: ويوجد في وادي النصب الغربية في عرض شمالي ٨ ٢٩°، وطول شرقي ٥٥ ٥٠°، وقد عدَّنه فيه قدماء المصريين، كما تدلُّ آثارهم الباقية
هناك إلى اليوم، ويوجد النحاس أيضًا في وادي السمرا على نحو أربع
ساعات غربي ميناء النبك، وفي علو سند على نحو ساعتين شرقي النبي
صالح، وفي جهات أخرى.
وقد اهتمَّ محمد علي باشا بالبحث عن معادن سيناء، فأرسل الدكتور روبل الألماني لهذه الغاية سنة ١٨٢٢، فأتي معدن النحاس في وادي النصب، ولكنه لم يعدِّنه، وفي سنة ١٩٠٤ استخرج المستر وَنَر الإنكليزي مثالًا من النحاس في وادي السمرا وأرسله إلى أوروبا، وفي المعرض الجيولوجي في مصر نموذج منه.
- والمنغنيس: ويوجد في بلاد الطور في كثير من جبالها وأوديتها، وقد تقدم أنَّ القدماء عدَّنوه في وادي المالحة، وأنَّ شركة إنكليزية تعدِّنه اليوم في وادي أم بجمة من فروع بعبعة وترجو منه خيرًا.
- والحديد: قيل يوجد في شرق بلاد الطور في جبل الحديد، وفي غربها قرب وادي النصب، في ملتقى الأرض الكلسية والأرض الرملية، والظاهر أنَّ تعدينه غير رابح لكثرة نفقاته.
- والذهب: وقد ذكر بعض البدو وجوده في مغارة في وادي طُرَيفية من فروع الزلقة كما مرَّ، وهذه الرواية لم تثبت علميًّا بعد، ولكن العلم لا ينفيها؛ لوقوع ذلك الوادي في منطقة مصر الشرقية التي تُنبت الذهب ومشابهته لها في التربة.
- والفحم: قيل وُفق بعض الباحثين إلى عرق من الفحم في بعض الجبال في الزاوية الشمالية الشرقية من بلاد الطور، ولكن لم تُعلَن خصائص ذلك الفحم إلى الآن.
- والبتروليوم: ويقال بإمكان وجوده في غرب بلاد الطور على الشطوط البحرية بين وادي غرندل ومدينة الطور.
-
والينابيع الكبريتية: وقد تقدم أنَّ في جبل حمَّام موسى وجبل حمَّام فرعون ينابيع
كبريتية حارَّة، يستحم الأهلون بها استشفاءً من أمراض الجلد
والروماتزم والكبد، وأنَّ المغفور له عباس باشا الأول بنى حمَّامًا
على أحد ينابيع حمام موسى وتهدَّم، ففحصت الحكومة ماءه سنة ١٨٩٣
بقصد ترميمه، ولكن الفحص لم يشجع على ذلك، وهذه نتيجة الفحص
الكيماوي في اللتر الواحد:
جرام ١٠٫٩٣ رواسب ٤٫١٩ كلور ٢٫٠٥٩ حامض كبريتيك ٠٫٧٦٤ أكسيد المغنيسيوم ١٫١٠١ أكسيد الكلسيوم أو الكلس ٦٫٩١٣ كلوريد السوديوم أو ملح الطعام
(٢) معادن بلاد التيه والعريش
- والكبريت: ويوجد على قلة في «جبل المُكَبْرَت» على درب الحج المصري شرقي بئر القريص، وبدو هذه الأيام يستخرجون منه مقادير قليلة ويستعملونه دواءً لجرب الإبل، وأراني المستر ترافر من رجال «شركة سنديكا القاهرة» حجرًا كبريتيًّا استخرجه من جبل جَمسة في مصر الشرقية تجاه مدينة الطور.
- والملح: وهو كثير في جميع جهات الجزيرة، ولا سيما في بلاد التيه وبلاد العريش، يُرى فيها صرفًا أو ممزوجًا بالتراب، وقد رأيتهم يستخرجون منهُ مقادير كبيرة من سفح جبل كلسيِّ على خمسة أميال شرقي نخل، وفي بلاد العريش على شاطئ البحر المتوسط عدة سباخ معروفة بأسمائها، تتحلَّب إليها مياه البحر في الشتاء، وتجفُّ في الصيف فيتخلَّف عنها من الملح النقي الصالح للاستعمال ما لا يقل وزنه عن خمسين ألف طن، وقد كانت الحكومة المصرية تضرب عليه الضرائب، وكان التجار والمتسببون يصدرونه إلى الشام ومصر، ثم تركته للأهلين في عصر العباس خديوي مصر الحالي رأفةً بهم.
-
والحجارة: ومعظم جبال سيناء الجنوبية من الحجر الغرانيت المحبب أحمر وأسود
ورمادي، وفي بلاد الطور حجر أخضر يتخلله خيوط ذهبية دقيقة، كان
المصريون القدماء يصنعون منه الكئوس وأدوات الزينة، وقد رأيت في
جبل طور سيناء وجبل المسان في نقب العقبة نباتات طحلبية متحجرة
بغاية الجمال، وفي بعض جهات بلاد الطور الحجر الذي يصلح لعمل
الرحى.
ومعلوم أنَّ جيولوجية البلاد لم تُدرس الدرس الكافي بعد، وربما أظهر البحث العلمي الكافي في جبالها وأوديتها معادن تغني مصر وسيناء معًا، وفي بلاد الطور الآن عدة شركات، عدا شركة المنغنيس في أم بجمة، تبحث عن البتروليوم والفحم والحديد والنحاس والمنغنيس وغيرها.