في آثار سيناء حسب مداتها
لم يقم في سيناء في عصر من العصور مملكة أو أمة تركت لها أثرًا في التاريخ، ولكن تملكها المصريون القدماء، وعدَّنوا فيها الفيروز والنحاس والمنغنيس منذ عهد الدولة الأولى إلى الدولة العشرين، وساد بها النبطيون مدة، ثم تملكها اليونان فالرومان فالبيزنتيون فالعرب المسلمون الذين تملكوا مصر على التعاقب كما سيجيء مفصلًا في باب التاريخ، وكان سكان سيناء الأصليون العمالقة وغيرهم يسكنون في أكواخ من الحجر الغشيم والطين، فلما جاء العرب أبادوا السكان الأصليين أو أذلوهم، وسكنوا في خيام من الشعر أو أغصان الشجر إلى اليوم.
وقد تركت كل أمة ملكت سيناء آثارًا تقدَّم ذكرها ببعض الإسهاب في مواضعها في الفصول السابقة، ونعيد ذكرها هنا سردًا حسب مداتها لزيادة الإيضاح، وهي تجتمع تحت خمس رءوس كبار:
(١) آثار السكان الأصليين
وهي أربعة أنواع من المساكن: «النواويس، والقصَر، والدوَّارات، والمغاور». أمَّا «النواويس» فهي أكواخ متينة جدًّا من الحجر الغشيم والطين، مبنية على شكل حلزوني، وأكثرها في بلاد الطور وجبال التيه الجنوبية، وأفضل ما رأيت منها نواويس نقب حبران.
وأمَّا «القصَر» فهي أكواخ من الحجر والطين أصغر حجمًا من النواويس، ولم أرَ منها إلَّا في وادي الملَّاحة أحد فروع حبران، وقد تقدَّم وصفها.
وأمَّا الدوَّارات فهي دوائر أو زرائب من حجر غشيم، كالدوَّارات التي يصنعها البدو الآن من الحجر وأغصان الشجر، فيسكنون فيها هم وبهائمهم، وترى بقايا دوَّارات السكان الأصليين في كل جهة في الجزيرة.
وأمَّا «المغاور» فأكثرها في جبال بلاد الطور وجبال التيه، وما زال العرب يستخدمونها في زمن الأمطار إلى اليوم.
(٢) آثار المصريين القدماء
وأهمها هيكل لعبادة الآلهة هاتور والإله سبدو في سرابيت الخادم، وصخرات هيروغليفية في سرابيت الخادم ووادي المغارة، وآثار تعدين النحاس في وادي النصب والفيروز في وادي المغارة، وخرائب مدينة الفرما وقلعتها عند فم فرع البليوسي، والتلُّ الأحمر عند القنطرة.
(٣) آثار النبطيين
وهي صخرات عليها كتابات بالنبطية على الطرق التجارية وفي جوار المعادن والأماكن المقدسة، ومعظمها في بلاد الطور في أودية حبران، والنصب، والحمر، وفيران، والمكتَّب، والمغارة، وضواحي جبل سيناء وجبل سربال وغيرها.
(٤) آثار اليونان والرومان والبزنتيين
وهي آثار مدائن وقلاع وآبار وأحواض وهرابات للماء وسدود في الأودية، وكنائس وأديرة ومناسك في الجبال منذ القرن الثاني للمسيح أو قبله إلى القرن السابع.
ومنها في بلاد الطور: دير طور سيناء القائم إلى اليوم، وخرائب أديرة وكنائس وبروج ومناسك في جبل سيناء وجبل سربال ووادي فيران، وخرائب دير وكنيسة في وادي الطور، وكنيسة عامرة في مدينة الطور.
وفي بلاد التيه: هرابات للماء في جوار جبل الحلال، وهرابة للماء وقلعة في جبل المغارة، وبرك ماء وسدود في أودية بيرين والقديرات والعوجا ومايين، وخرائب مدينة فخمة وقلعة وكنيسة في وادي العوجا.
وفي بلاد العريش: خرائب مدينتي رفح وأم عمد، وفيها أعمدة غرانيتية وآبار وهرابات للماء والحبوب، وخرائب قلعة وبئر في «خربة الرطيل» في الجورة شرقي العريش، وخرائب مدن عسلوج، والشيخ زويد، واليزك، والبردويل، والخوينات، والفلوسيات، والقلس، والمحمدية على شاطئ البحر المتوسط بين رفح والفرما، وبئر نقع شبانة على الدرب المصري، وقلعة لحفن وبئر لحفن ورجم القبلين على وادي العريش قرب مدينة العريش.
(٥) آثار الإسلام من عرب وأتراك
وهي آثار قلاع، وجوامع، وقبور أولياء، وصخرات عربية، وأنقاب في الجبال.
ومنها في بلاد الطور: جامع وخرائب قلعة في مدينة الطور، وجامع في دير طور سيناء، وجامع على طور سناء، وخرائب قلعة في جزيرة فرعون.
وفي بلاد التيه: النواطير الثلاثة، وقلعة نخل، ونقب دبة البغلة، ونقب العقبة، وصخرات عربية في النقبين المذكورين، وقلعة العقبة، وكلها على درب الحاج المصري، وقلعة الباشا قرب عين سدر، وقلعة مبعوق وأم رُجيم في وادي الراحة.
وفي بلاد العريش: جامع وقلعة في مدينة العريش، ومدينة القنطرة، وتل حبوة، وبئر الدويدار، وبئر وخرائب قلعة في قَطْيَة، وبئر العبد، وبئر المزار، وخرائب برج وبركة في الخروبة، وكلها في طريق العريش، وقلعة الطينة وقلعة البلَّاح وتل هُرُبَّة، وتل الحير، وتل الفضة، وتل الذهب في جوار الفرما.
وقد وجد الباحثون في آثار سيناء القديمة كثيرًا من أصناف النقود النحاسية والفضة والذهب من عهد الرومان البزنتيين والإسلام، وعثرت في أثناء أسفاري في سيناء من سنة ٥–١٩١٣ على كثير منها.
وأهم الآثار التي تركها العرب المسلمون (سكان البلاد الحاليين) قبور وقبب أولياء تزار، تعدُّ بالعشرات في جميع الجهات، «ورجوم» (مفردها رجم) وهي حجارة أو كوم من الحجارة أو أتلام أو دوائر في الأرض للدلالة على وقائع مشهورة، وكل هذه القبور والرجوم ذكرت في مواضعها في الفصول السابقة.
هذا وقد أحدثت فيها نظارة الحربية من ضروب الإصلاح ما سنبيِّنه في محله.
وفي سنة ١٩٠٥ أرسلت نظارة الأشغال المصرية العلَّامة فلندرس بتري من علماء الآثار إلى وادي المغارة وسرابيت الخادم، فنقَّب في آثار الفراعنة فيهما، وأحضر إلى المتحف المصري ما خاف عليه من عبث البدو، ويحسن بمصلحة الآثار العربية أن تُعنى بالصخرات العربية في درب الحاج وقلاع الباشا ونخل العريش وغيرها.