في السفر إلى سيناء ولوازمه
(١) فصل السفر
تقدم أنَّ سيناء، وعلى الأخص بلاد الطور من أفضل البلاد للسياحة والنزهة، وأن أجمل الفصول التي يحسن السفر فيها إلى سيناء هو الربيع من أواسط فبراير إلى أوائل مايو، وأول الشتاء من أول أكتوبر إلى أواسط نوفمبر، وفي غير هذين الفصلين فالهواء إمَّا حارٌّ جدًّا أو باردٌ جدًّا.
(٢) منافع السفر
وقد نصحت للمتعبين من كثرة الأشغال وجلبة المدن أن يفسحوا لأنفسهم ردحًا من الزمان يتنزهون به في سيناء، والآن فإني أعيد النصح للقراء الكرام، وأخصُّ منهم إخواني المصريين أصحاب سيناء، فإنهم يملكون قرب بلادهم بلادًا واسعة الأطراف، وهم قلما يزورونها أو يعلمون شيئًا من أمرها، مع أنَّ الإفرنج يدخلونها أفواجًا كل سنة قصد الصيد والنزهة وزيارة الدير، أو البحث عن المعادن، أو التنقيب عن الآثار، أو السير في طريق موسى وتطبيقها على رواية التوراة أو غير ذلك، فإذا لم يستهونا غرض من هذه الأغراض لزيارة سيناء فلنزرها قصد الراحة والصحة، لا سيما وأنها بلاد عربية محضة، يعيش الإنسان فيها على الفطرة كأنه معاصر لإبراهيم وموسى، وله عقل الشيوخ وقلب الأطفال، بلاد تتجلى فيها الطبيعة بأبهى مظاهرها حتى إنه لا يمكن العاقل السليم الشعور أن يقف على قمة نقب حبران، أو قمة جبل سربال، أو جبل موسى، أو سرابيت الخادم، أو نقب الراكنة، أو جبل الحلال، أو جبل لحفن، ويرى ما تمثله الطبيعة هناك من المناظر البهجة الفسيحة في ذلك الجو الصافي الجاف، حيث الهواء يدلُّ دائمًا على الربيع والشمس على الصيف؛ إلَّا وينشرح صدره مما يراه، ويسمو بفكره إلى السماء، ويقول مع داود النبي: «ما أعجب أعمالك يا الله! كلها بحكمةٍ صنعت»، فإلى سيناء، إلى سيناء، بالصفاء والهناء، وإليكم إرشاد من خبير يسهل لكم الأسباب.
(٣) إذن الدخول
أوَّل ما يجب على طالب السفر إلى سيناء الحصول على إذن الدخول إليها من مدير المخابرات في نظارة الحربية بمصر القاهرة.
فإذا كان مصريًّا، فليقدم الطلب رأسًا إلى مدير المخابرات، ويبين فيه اسمه وعنوانه في مصر مع ذكر الجهة التي ينوي السفر إليها، والطريق التي يسير فيها، والغرض الذي يسافر لأجله، وإن كان معه أسلحة فليبين نوعها ومقدار الطلقات التي تصحبها، ثم إنه لا بدَّ له من ذكر أسماء الرفاق وعدد الخدم.
وإن كان الطالب أجنبيًّا، فليقدم ذلك عن يد قنصله، أو يد شركة من شركات التسفير المعروفة في مصر، إلَّا إذا كان معروفًا لإدارة المخابرات، فيقدم إليها الطلب رأسًا.
وبعد الحصول على إذن الدخول إلى سيناء من إدارة المخابرات، فإن كان غرضه زيارة دير سيناء، فليستأذن في الدخول مطران الدير أو وكيله في مصر أو السويس، وإلَّا منعه الأقلوم هناك عن الدخول.
وإن كان غرضه تعدي الحدود إلى سوريا لزيارة العقبة أو البتراء أو القدس الشريف، فلا بدَّ له من الحصول على الإذن في ذلك من السفارة العثمانية في القاهرة، وإلا منعه الضباط العثمانيون على الحدود من استمرار السفر.
وإن كان مراده البحث عن المعادن، فليأخذ الإذن في ذلك من قلم المعادن التابع لقلم المساحة بالجيزة، أو كان مراده التنقيب عن الآثار فليستأذن مصلحة الآثار بمصر.
هذا، وأكثر السياح والمسافرين إلى سيناء يستخدمون التراجمة، أو شركة كوك أو غيرها من شركات التسفير لتدبر لهم ما يلزمهم من إبل وخيام ومأكل ومشرب وغيرها بأجرة معينة في اليوم، ومنهم من يعتني بذلك كله ويدبره لنفسه.
(٤) الدليل
وأول ما يجب الاهتمام به قبل الشروع في السفر انتقاء الدليل الذي يعرف طرق الجزيرة، وأمكنة مياهها حق المعرفة لخطر السير فيها بلا دليل خبير كما بيَّنا في باب الطرق.
(٥) إبل الحملة وهجن الركوب
ثم يجب الاعتناء التام بانتقاء الهجن للركوب والجمال لحمل الأمتعة ولوازم السفر، فيجب على المسافر أن يتفقدها بنفسه، ويتحقق أنها سليمة من المرض أو الجروح، وأن سروجها وأحزمتها متينة، وأن هجن الركوب لينة الظهر سهلة المراس، وإلَّا فإن هجينًا قاسي الظهر، صعب المراس، أو جملًا ضعيفًا، أو سرجًا غير محكم يؤخر المسافر في مسيره ويسلب راحته.
وأمَّا الخيل فلا تصلح للسفر في بادية سيناء؛ لقلة مياهها وطول مسافاتها، وعدم صبر الخيل على العطش والحر، بخلاف الإبل فإنها تصبر على العطش أيامًا كما مرَّ.
ولا بدَّ في تدبير الدليل والإبل اللازمة للسفر من الاسترشاد بإدارة المخابرات في مصر، أو وكالة الدير في مصر أو السويس، أو وكيل الحربية في السويس أو القنطرة؛ لأنهم يعرفون نوب القبائل، وأدلة الطرق، وغير ذلك مما يلزم لراحة المسافر؛ حتى إن تراجمة السياح لا يعقدون الشروط مع أصحاب الإبل إلَّا بحضور وكيل الدير في مصر أو السويس، وقد تقدم ذكر تلك الشروط مع أجر الإبل في جميع بلاد سيناء بالإسهاب في الفصل السابق.
(٦) الخيام والأثاث
هذا، ولا بدَّ للمسافر من خيمة يتقي فيها حر الشمس في النهار والبرد في الليل، فليس في طرق سيناء أشجار أو صخور يستظلُّ بها إلَّا نادرًا.
وأصلح الخيام وأخفها للسفر الخيام المنسوبة للضباط المصريين، ولا بدَّ لمن أحب الترفُّه في السفر من أربع خيام: خيمة لمنامه، وخيمة لأكله وشربه وجلوسه في النهار، وخيمة لمطبخه وخدمه، وخيمة صغيرة للمستراح.
ومما يلزمه من الأثاث أبسطة يفرشها في خيمة النوم، وسرير سفري، وفرشة وحرامات أغطية، وكراسي سفرية، وفيها كرسي طويل يستريح عليه في النهار، وطاولة للمائدة، ومغسلة، وكلها من الأثاث الذي يمكن طيُّه ويسهل حمله، وصحون وملاعق وشوك، وصناديق ذات طبقات، وعيون مختلفة الحجم لحفظ الآنية الزجاجية والصيني، يجعل لها حلق ليسهل حملها، وخيش لحزم الخيم والصناديق الجلدية؛ لأجل صيانتها من العطب في السفر.
(٧) الملبس
وأمَّا الثياب فليس من الحكمة اختيار الثياب الدقيقة؛ لأن الشمس تخترقها إلى الجسم، فيشعر صاحبها بالحرِّ أكثر مما لو لبس الثياب المتوسطة في ثخانتها.
ويحسن بالمسافر لبس برنس أبيض يقيه حرَّ الشمس والعفار، وأحسن منه عباءة من وبر الإبل، فإنها تقيه حرَّ النهار كما تقيه برد الليل.
ولا بدَّ للمسافر في جبال سيناء وسهولها من جزم متينة تتحمل أنياب الحجارة الغرانيتية ورمال الصحراء، ومن أحسن الجزم التي جرَّبتها في سيناء وظهرت جودتها في التجربة جزم «مخزن نيويورك» لأصحابه «شحادة إخوان» في شارع المناخ قرب الأوبرا الخديوية بالقاهرة.
أمَّا لبس الرأس «فالكوفية والعقال» أو «العرقية والعمامة» أو برنيطة فلين خفيفة واسعة يجعل لها «زناق» يعقد تحت الذقن؛ لئلا ينسفها الريح، ويحسن ربط «شاشة» حول البرنيطة يتدلى منها عذبة على مؤخر الرأس، ويحسن فوق هذا كله حمل مظلة زيادة في التحوط، وأمَّا الطربوش فلا يصلح لبسه إلَّا في المساء، فإن لبسه في الحرِّ قد يسبب ضربة شمس أو ضربة حرٍّ، ولا بدَّ من قص الشعر قصيرًا قبل السفر؛ لأنه ليس هناك من يحسن قص الشعر إلَّا في المدن، وذلك نادر.
(٨) المآكل
يتيسر للمسافر شراء بعض أنواع الفاكهة والخضر كالبطيخ والرمان والعنب واللوز والبلح والبامية والملوخية والبصل في مدن الطور ونخل والعريش في فصولها، وقد يتيسر له في هذه المدن شراء البيض والفراخ واللحم والبن والشاي والسكر وبعض اللحوم والفواكه والخضر المحفوظة بالعلب، ولكن الأفضل أن يتزود المسافر مئونته من مصر حتى البيض والفراخ والفاكهة والخضر، ويمكنه حفظ البيض أسابيع بوضعه في الملح على ما هو مشهور، وأفضل فاكهة يتزودها من مصر ويستعذبها جدًّا في السفر البرتقال والليمون والتفاح، ويمكن حفظها في السفر بوضعها في أقفاص من الجريد والاعتناء بتحميلها، وإذا طال مكث المسافر في سيناء، فلا بدَّ من تعيين هجَّان يذهب إلى الطور أو السويس أو القنطرة، ويأتيه برسائله، وما يلزمه من فاكهة وخضر ومئونة، وتروج في سيناء كلها النقود المصرية على أنواعها، وفي العريش تروج النقود الشامية والمصرية، وأمَّا عملة الورق فغير معروفة عندهم.
(٩) المشرب
ثم إنَّ أكبر صعوبة يجدها المسافر في سيناء «الماء»؛ فإن المسافة بين ماء وآخر تختلف من يوم إلى ثلاثة أيام أو خمسة، ومتى وصل الماء وجده آسنًا أو مسوسًا، إلَّا في بلاد الطور الغرانيتية، فإن هناك ينابيع صالحة للشرب، وبكل حال يحسن بالمسافر أن يصحب معه مرشح باستور؛ لترشيح الماء قبل شربه أو استخدامه للطبخ، وإذا أحب زيادة التحوُّط فليشرب المياه المعدنية، وأفضلها ماء أفيان، وماء أبولينارس، وقد يستغنى عن المياه المعدنية بإغلاء مياه سيناء بعد ترشيحها ومزجها بشاي خفيف مع السكر والحامض.
هذا، ومن أهم ما يجب على المسافر في بادية سيناء الاحتفاظ بالماء، وذلك بوضعه في براميل من خشب أو فناطيس من حديد محكمة السدِّ والاعتناء بتحميله، وجعله بعناية رجل مسئول لا ينفق منه إلَّا بمقدار ما يكفي الركب للوصول إلى ماء جديد، ويلذ في بادية سيناء شرب الماء مبرَّدًا، وأفضل وسيلة لتبريده وضعه في قِرَب نظيفة لا رائحة لها، وأمَّا المياه المعدنية فتبرَّد بوضع زجاجتها في أدلٍ من جلد أو صفيح ملآنة ماء وتعريضها لمجرى الهواء في الظلِّ.
(١٠) الأدوية
وأمَّا الأدوية فقلما يحتاج إليها المسافر في برية نقية الهواء صافية الجو كبرية سيناء، ولكن لا بدَّ من أخذ مجموعة من الأدوية المركبة أقراصًا أو حبوبًا تختار بإرشاد الطبيب، وتحفظ في صندوق خصوصي من حديد، فإذا لم يحتج إليها المسافر فربما احتاج إليها رجال حملته، أو البدو الذين يلتقيهم في طريقه، وأهمُّ الأدوية التي تلزم:
الكينا للحمى، وحبوب خلاصة الكسكارة لمنع الإمساك، وزيت الخروع أو عرق الذهب، أو ملح إنكليزي للدوسنطاريا وتنظيف المعدة، ومسحوق دوفر والكلورودين أو سلسيلات البزموت لمنع الإسهال ووجع المعدة، وكلورات البوتاس لالتهاب الحلق، وفناستين للتعريق ووجع الرأس، والسليماني لغسل الجروح، ومسحوق البوزيك وحمام للعين لغسل العيون، وروح النشادر للسع العقرب، وعصير الليمون لمنع الإسقربوط، والكونياك في زجاجة بغلاف من قش لمنع المغص، وحزام صوف لتدفئة المعدة والأمعاء، ونفتالين لوقاية الثياب والكتب من العث، وثرمومتر طبي، ومقص ونسالة وقطن وأربطة لضمد الجروح.
وقد رأيت في مخزن الأدوية لنجيب أفندي غنَّاجة صناديق صغيرة خاصة للسفر رخيصة الثمن، في كل منها مجموعة مما يلزم المسافر من الأدوية والأدوات الطبية، ورأيت له قطرة دعاها «قطر الندى» أعلنها بهذين البيتين:
(١١) معدات شتى
ومن المعدات التي تلزم المسافر: ساعة معصم، ونظَّارة مكبرة لتقريب الأبعاد، ونظَّارة ملونة لتوقي الغبار، وبوصلة لمعرفة جهة السير، وثرمومتر لمعرفة حرارة الجو، وبارومتر لمعرفة علو الجبال، وسنارة لصيد الأسماك، وبندقية لصيد الطير والحجل، وأخرى لصيد التيتل والغزال، على أنَّ صيد التيتل سيكون مقيدًا بشروط بعد الآن، فإن نظارة الحربية شارعة في إصدار قانون لحمايته حتى لا يصاد منه إلَّا عدد معلوم في السنة منعًا لانقراضه.
ومما لا غنى للمسافر عنه: إبر وخيطان وأزرار ودبابيس تجعل في محفظة من قماش، ودفاتر مفكرات، وحبر وأقلام حبر أميركية، وأوراق ومغلفات، وبعض الكتب التي لا تحتاج إلى كدِّ الفكر ككتب السياحات، ولا سيما ما يتعلق بسيناء.
ومن أشهر المكاتب التي تبيع هذه المكتب والأدوات في مصر القاهرة: مكتبة المعارف لصاحبها وصاحب مطبعة المعارف الشهيرة «نجيب أفندي متري» بأول شارع الفجالة، ومكتبة الهلال المنسوبة إلى مجلة الهلال الغراء بجانبها، ومكتبة هندية بشارع الموسكي.
ومن المعدات التي تلزم المسافر على هجينه: كيس صغير يضع فيه شيئًا من الطعام الناشف، وزمزمية ماء، وخرج يضع فيه بعض الكتب والأوراق والأغراض التي تهمه، وفوق الخرج عباءة أو حرام ومخدة صغيرة حتى إذا ما انقطع عن الركب برهة من الزمن كان عنده شيء من الطعام والشراب، وما يلزم لراحته حتى يجتمع بالركب.