في محاكمهم
(١) درجات القضاء
ثم إن درجات القضاء عندهم ثلاث، لكل درجة قاضٍ، فثلاثة من كبار عرب وثلاثة من المنشد وثلاثة من القصَّاص وثلاثة من العقبي وثلاثة من الزيادي وثلاثة من الضريبي، إلَّا المبشع فإنه واحد.
فالأول منهم بمنزلة المحكمة الابتدائية، والثاني بمنزلة محكمة الاستئناف، والثالث بمنزلة النقض والإبرام، فيرفع المتقاضيان أمرهما إلى الأول بحضور القاضيين الآخرين أو بغيابهما، فإذا لم يرضيا بحكمه رفعا الأمر إلى الثاني، وإذا لم يرضيا بالثاني رفعا الأمر إلى الثالث، وحكمه نهائي نافذ، إلَّا إذا كان حكم الثاني كالأول فلا ترفع الدعوى إلى الثالث، بل ينفذ الحكم على علاته، ومن أقوالهم: «حكم اثنين يأكل حق واحد.»
(٢) الكفيل
والحق في تسمية القضاة للمدَّعي، ولكن لا بد من رضاء المدعى عليه بهم، وبعد الاتفاق على القضاة يسمى المدعى عليه «كفيل وفا» أي كفيلًا يفي الحق الذي يحكم به القاضي، والمدعي «كفيل دفا» أي كفيلًا يضمن التعدي على المدعى عليه في أثناء الدعوى.
(٣) الضمانة
ويشترط في الكفيل أو الضامن: الصدق والوفاء، والرجل الصادق الوفي لا يُطلب منه ضامن ولا كفيل، بل يؤمنه البدو على مالهم بلا شاهد.
(٤) الرِّزقة
وإذا مَثُل المتداعيان أمام القاضي؛ جعل كل منهما عنده رهنًا لرسم الدعوى المعروف «بالرزقة»، وذلك بأن يضع سيفه أو بندقيته أو جمله أو يسمي كفيلًا يضمن وفاء الرزقة، فمن خسر الدعوى قام بدفع الرزقة، وتختلف «رزقة» القاضي بحسب أهمية الدعوى من نعجة إلى ثمانية جمال، وأكبرها الرزقة التي تؤخذ في القضايا الخاصة بالنساء «وقطع الوجه».
(٥) الشهادة
وشاهد واحد يكفي عندهم لإثبات الدعوى، لكن يشترط في الشاهد أن يكون «التقي النقي اللي تدوَّر على عيبه ما تلتقي»، ولا تقبل شهادة رجل أتى أمرًا منكرًا كأن يكون أتى امرأة جاره أو فرَّ من القتال أو ترك نجدة رفيقه أو نحو ذلك، ولكن تقبل شهادة اللص على اللص، وشهادة المرأة وشهادة الولد البالغ كشهادة الرجل، وإذا أراد أحدهم أن يُشهِد أحدًا على شيء وقع بحضوره عقد له عمامته وقال: «هذه شهادة معك تضوي وياك في المراح وتمشي في المسراح توكلةً وأمانة»، وللشاهد أجرة ينقده إياها الطالب قبل تأدية الشهادة تعرف «بالآكال» وهي في قضايا الإبل خمسة «بنتو».
(٦) الحلف أو اليمين
- الخطة والدين: وهي دائرة ترسم على الأرض برأس السيف، ويرسم في وسطها صليب، فيقف الشاهد في مركز الدائرة ووجهه إلى الكعبة ويحلف «بست كلمات أولها الله وآخرها الله» ثم ينطق بالشهادة، وهذا الحلف خاص بقضايا الإبل وغيرها من القضايا الهامة.
- والحلف بالرأس: وهو أن يضع المدعي يده على رأس المدعى عليه ويحلِّفه «بثلاث كلمات أولها الله وآخرها الله» ثم يسأله أن يقول الحق.
- والحلف بالحزام: وذلك بأن يضع المدعي يده في حزام المدعى عليه ويحلِّفه «بثلاث كلمات أولها الله وآخرها الله» ثم يسأله أن يقول الحق.
- والحلف بالعود: وهو عند القصَّاص: يأخذ الشاهد عودًا في يده ويقول: «وحياة هذا العود والرب المعبود ومن أخضره وأيبسه رأيت كذا.»
(٧) الحلف بالردن
هذا وفي الجريرات السواركة الآن رجل يدعى جريرًا، يعتقد به أهل الجزيرة أنه من أهل الكشف والصلاح، فيأتون إليه من كل الجهات ويحلفون بردنه، وكثيرًا ما يأتي الخصوم ويتقاضون عنده، وهو يتفرس في المتهم، فإذا توسم البراءة في وجهه أذن له في أن يأخذ ردنه ويحلف به بقوله «بالله العظيم (ثلاث مرات)، وحياة ردن الشيخ جرير إني بريء.»
وظهر بين السواركة حديثًا رجل آخر يدعى «أبو نجر» يدَّعي الكشف والصلاح، فتبعه الناس وصاروا يحلفون بردنه كما يحلفون بردن أبي جرير.
(٨) التفويل
وإذا كان أحد المتقاضيين قاصرًا؛ فلوليه أو وصيه رفض الحكم وطلب إعادة الدعوى بقوله: «أضربه على زوره وأرده عن شوره وأني مفوِّل» ويعرف ذلك عندهم «بالتفويل».
(٩) الفلَج
هذا وإذا اتفق خصمان على ميعاد يحضران به للقضاء، وغاب أحدهما حق للقاضي الحكم غيابيًّا، إلَّا إذا ظهر بعد ذلك أنه غاب لعذر شرعي مقبول، فينقض الحكم، ويعرف نقض الحكم عندهم «بالفلَج».
(١٠) الغُرْم بالمال
ومادة الأحكام عند جميع قضائهم الغرْم بالمال، فليس عندهم حبس ولا ضرب ولا قتل لا في القضايا الجنائية ولا المالية، وهذا خلل كبير في شريعتهم كما سيجيء.