الفصل الأول

جوني كارسون وتمثيله الإيمائي

فلْنتعرَّضْ لطريقةِ توظيفِ لقطة ردِّ الفعل في العرض التليفزيوني الأمريكي برنامج الليلة  Tonight Show الذي يقدِّمه جوني كارسون وذلك قبل أن نعالج الفيلم السينمائي، أو بالأحرى لنمهِّد له على نحوٍ أفضل. والحقُّ أنَّ هذه اللقطة، هي المحرِّك لاستعراض جوني كارسون؛ لأنَّها المحورُ الذي تدور حوله شعبيته، بل وفكاهته.
وهناك ميزةٌ مزدوَجة لاستهلال فكرتنا حول لقطة ردِّ الفِعل، من خلال تحليل برنامج الليلة؛ فمن جهةٍ يتيح لنا ذلك إمكانية لفْتِ الأنظار إلى استعارة التليفزيون لإحدى البِنى الأساسية للفنِّ السينمائي التي أتاح التمكُّن منها تحقيقَ انطلاقةِ الفيلم الكلاسيكي. وفي جهةٍ أُخرى، سيُهيِّئ ذلك للقارئ فرصةَ التأكُّد من فرَضيَّةِ لمَن نقدِّم هنا ما يُثبتها. ونقصد بذلك أنَّ أحاديث كارسون مع ضيوفه هي النموذج والمثال الأعلى، وكذلك المعيار الذي يحرص على الاقتداء به مقدِّمو البرامج في التليفزيون الأمريكي والكندي المتخصِّصون في عقْدِ الندوات وتوجيه الأسئلة لضيوفهم.

ولا يمكن التحدث عن جوني كارسون دون أن نُقحم فورًا، وفي المقام الأول، إد ماكماهون، زميله الشهير منذ ٢٥ سنة. فماكماهون يؤدِّي بالذات مهمَّة التشريفاتي الذي يُبرز جوني، وهو الوجه المقابل الذي لا غنى عنه وصاحب العصا السحرية الذي يُطلِعنا على المعجزة ويدفعها إلى المقدِّمة ويُتيح لها فرصةَ التألُّق وتسليط الأضواء عليها حتى نهاية العَرض.

فلْنحلِّل المشهدَ الذي يتمُّ فيه تقديم برنامج الليلة. وتعود أهمية هذه الدراسة لكون ذلك المشهد أحدَ النماذج التي أُحكِمت بنيتها إلى أقصى حد؛ فالمشهد يبدأ بلقطةٍ تصوِّر إد ماكماهون وهو يعلن بطريقته التقليدية الشهيرة: «والآن أيها السيدات والسادة … هاكم … جوني!» ويظهر إد في هذه اللقطة في وضعٍ جانبي، بينما تتَّجه عيناه نحو اليسار خارج الكادر. وعندما ينطلق اسم جوني تُشير إصبَعه إلى الخارج كأنَّه حاوٍ ينبِّهنا إلى الموضع السِّحري الذي ستنبثق منه المُعجِزة. والجملة التي ينطق بها إد مصحوبةٌ بقرعِ الطبلة إلى أن يرِدَ اسمُ جوني، فتصدح موسيقى الأوركسترا ويدوِّي صُراخ المتفرِّجين وتصفيقهم. وعندئذٍ نشاهد لقطةً لسِتار المسرح وحده، تستغرق أربع ثوانٍ (مائة صورةٍ فيلميَّة) وتضفي تلك اللقطةُ على المشهد الخاص بمقدِّمة الفيلم عنصرًا سرديًّا، له أهميةٌ كبرى في توظيف الخيال، وهو ما سنتعرَّض له فيما بعدُ.

ويظهر أمامنا جوني كارسون عندما تفتح السِّتار، فتنطلق الموسيقى بقوة (علمًا بأنَّها خارج إطار الشاشة، وستظلُّ كذلك حتى نهاية العَرض). وهكذا يبدو أنَّ كلَّ ما هو خارج إطار الشاشة (بما في ذلك المتفرِّج) قد سجل «زوم» مفاجئًا مندفعًا. ويخضع سلوك جوني لطقوسٍ متزهِّدة ذات فعالية مضمونة التأثير. ويتحرك الممثِّل الكبير أمام ثلاثة أحيانٍ أثيرة، أحدها معروفٌ لنا بالرؤية، بينما توحي لنا الأصوات بالحيِّزين الآخَرين غيرِ المرئيَّين: إد على يمين الشاشة، والفرقة الموسيقية على يسارها، وجمهور المتفرِّجين أمامه. ويحتلُّ جوني مركزَ هذا المثلث، وتتمثَّل براعته في الجمع بين تلك الأضلاع الثلاثة لتنسجم معًا في نفس الزمان والمكان، من خلاله هو. ويُلقي جوني نظرةً حانية باتجاه الفرقة الموسيقية، ويحيِّي القاعة بإيماءةٍ خفيفة، ويشير إلى إد على يمينه مواصِلًا في الوقت نفسه تصفيقه الموجَّه إلى ذاته شخصيًّا، ثم يلتفت مرةً أخرى نحو الفرقة الموسيقية وقائدها دوك؛ فيحيِّيه بانحناءةٍ خفيفة، وفي هذه اللحظة ظهَرَ دوك في لقطةٍ تبيِّنه وهو يردُّ التحية على الطريقة الإسبانية. ونعود مرةً أخرى إلى جوني، الذي يتلقَّى التحية بفتح ذراعَيه ومدِّهما نحو إد فيما يشبه التوسل. ثم لقطة لإد وهو يحيِّي بدوره على الطريقة الهندية، تتلوها لقطةٌ لجوني وقد انتصبتْ قامته بعد أن ردَّ على تحية إد بمِثلها، وراح يختلس النظرات يمينًا ويسارًا ويصفِّق لنفسه ويحرِّك ذراعَيه مع إيقاع الموسيقى والتصفيق، ويردِّد بعض الهتافات مثل «هيا» و«هالو» وهو يرفع ذراعَيه في نهاية الأمر (والواقع أنَّ الأمر لا ينتهي أبدًا مع جوني؛ فذلك هو جوهر استراتيجية استوديو الممثِّل) كأنَّه يدعو الجمهور إلى الْتزام الهدوء وإتاحة الفرصة له لكي يتكلَّم.

وطوال تلك الطقوس التي تمَّ انتقاؤها من خلال خبرةٍ امتدَّت أكثرَ من ربع قرن، يرد جوني كارسون على ردود فعل إد والفرقة الموسيقية المتجاوِبة مع إيقاعات الجمهور. بل إنَّ جوني يثير ويتبنَّى ويعكس في آنٍ واحد ردود الفعل الثلاثة التي يفرزها وتحاصره وهو يندمج تمامًا مع ردود الفعل هذه. أمَّا الجمهور — وهو جمهور استويوهات بوربانكس — فهو خارج إطار الشاشة باعتباره بديلَ مشاهدي التليفزيون، وهو يتعايش في نهاية الأمر في شخصِ جوني الذي يعثُر على نفسه في هذا الجمهور.

ويقوم إد بدور «المُخرج» بالنسبة لجوني؛ فهو الذي يقدِّمه للجمهور. ويقلِّد جوني إد في صيحته «ها هو … جوني!» وهو يقدِّم مدعوِّيه للمشاهِدين، بينما ينسحب إد؛ لأنَّ مكانه هو الكواليس وتلك هي وظيفته بالنسبة لجوني. وإذا استثنينا فرص ظهور إد النادرة داخل إطار الشاشة طوال تقديم برنامج الليلة — لمجرد أنْ يكون المقابل لجوني، وإضفاء المزيد من الأضواء عليه — لَتَبيَّن لنا أنَّه يحظى بمركزِ المتفرِّج المتميِّز الذي يحتلُّ الصفَّ الأول، ولا بد أن يشعُر الناسُ بوجوده، على مقربةٍ منهم وإن كان خارجَ المجال؛ فضحكاته وصيحات التشجيع والإعجاب الصادرة عنه تنطلق على مقربة من جوني، دون أن يراه أحد، وردود فعله أقوى وصوته أعلى من ردود فعل وأصوات القاعة التي تأتي من بعيد؛ فإد يقوم بدور المتفرِّج المثالي الذي يحظى بالتواجد بجوار النجم ويعرفه ويفهمه ويحبه، ويودُّ المتفرِّجون جميعًا أن يحتلُّوا موقع إد. وعليه فإنَّ ردود فِعل إد إزاء جوني حقيقيةٌ وأصيلة وأكيدة، وهي تعبِّر تمامًا عن تجاوب جمهور جوني، سواء في القاعة أو أمام التليفزيون.
وردود فعل إد إزاء جوني معقَّدة ومتوافقة بشكلٍ ملحوظ مع الأوضاع العديدة خلال برنامج الليلة. وتخضع تلك الأوضاع لعدَّة نماذج استقرَّت تدريجيًّا عبر سنواتِ الخبرة الطويلة. وبوُسعنا الإشارة إلى أربعة نماذج، نجدها بالضرورة في كلِّ حلقات برنامج الليلة التي يذيعها التليفزيون، وهي في الواقع نماذجُ تبدو أساسيةً من خلال تحليلها:

•••

يظهر إد في اللقطة وهو يشغل المقعد المخصَّص للضيف، على يمين جوني
وهنا تكون ردود فِعل إد أغزرَ وأكثر تواصُلًا؛ فهو يمهِّد لسلسلة الأشخاص الذين ستوجه إليهم أسئلة جوني، الذي تتاح له الفرصة لرفع صوته وشحْذِ نظرته. والواقع أنَّ جلوس إد بجوار جوني يوفِّر الإمكانية لصقل البنية الأساسية للبرنامج الذي سيتكرَّر خلاله نفس التصرف مع كلِّ ضيف يحظى بشرف الجلوس بجوار مقدِّم البرنامج الشهير؛ فهناك لقطةٌ لإد وجوني معًا ولقطة أخرى لجوني وحده وأحيانًا لقطة لإد منفردًا (وتلك لفتةٌ كريمة من جانب جوني لزميله وضيفه الأول). وكما سنرى فيما بعد، فإنَّ هذه الأنواع الثلاثة من اللقطات ترتَّب كلٌّ منها بالنسبة للقطات الأخرى، بحيث تسلَّط الأضواء على جوني، حتى إن الجالسين أمام شاشة التليفزيون يندمجون في كل لحظة مع جوني، بقدرٍ أكبر من اندماج المشاهِدين الحقيقيين لبرنامج الليلة.

•••

إد يترك مكانه لضيوف جوني ويخرج من مجال الشاشة

مع تعاقُب الضيوف أمام الشاشة بصحبة جوني، يفقد إد مركزه شيئًا فشيئًا ويُقصَى إلى حافة الشاشة اليسرى حتى يتركها نهائيًّا. وهكذا تتلاشى ردود الفعل المرئية لزميل جوني، لتصبح مجرَّدَ ردودٍ صوتية خارجَ الشاشة وعلى مقربةٍ مباشِرة من جوني وضيوفه. وكريستيان ميتز محقٌّ في قوله: إنَّ مكان المُشاهِد يقع خارج إطار المشهد (وهذا صحيح أيضًا إلى حدٍ ما بالنسبة لمُشاهِد التيلفزيون). فإن إد يتحوَّل إلى متفرِّج متميِّز بتردُّد صوته خارج الكادر، بعد أن كان داخله. ويجب أن نعترف بأنه يحظى بشرفِ التواجد في المقدِّمة أمام الجالسين في قاعة العرض؛ لأنه محاطٌ بهالةِ ذلك المجال الذي صاحَبَ فيه النجم وتركه منذ لحظة. وعلى أيَّة حال، فإنه لن يتردد في الاستفادة من تلك الميزة.

•••

إد يتدخَّل شفويًّا

ويمثِّل ذلك أقوى ردِّ فعلٍ مسموع. وهو لا يخشى أن يلفت الأنظار إليه على حساب جوني؛ فهو غير متواجد في الشاشة وصوته يأتي من خارجها. أمَّا جوني فهو متواجِد أمام المشاهدين وهو في حاجةٍ لمساندةِ صوت إد، الموجود على مقربة منه، لكي يتكفَّل بالاستجابة لإيماءته المثيرة للضحك؛ حتى يجِدَ صدًى لها وسط الجمهور.

•••

يتدخَّل إد شفويًّا أثناء أداء أحدِ ضيوف جوني

هنا تكون ضحكات إد وعباراته التشجيعية، خارج مجال الشاشة متروِّية بقدْرٍ أكبر. ويجب أن تكون متحفِّظة، حتى إنها تبدو متكتِّمة ومحصورة في حدود ردود فِعل جوني والجمهور؛ فردُّ فعل جوني هو الفيصل، ولا بد أن ينشأ ويزدهر تلقائيًّا. ويتمثَّل دور إد، الذي يرأس تلك الجوقة المشكَّلة من الجمهور، في الْتقاط التعبيرات المرتسمة على وجه الأستاذ «وهي طايرة» لكي ينميها ويطورها بصوته. وهو متمكِّن من ذلك، بفضل ملاحظته ذلك على مدى ربع قرن.

وبالطبع لا تكون هناك أيَّة حاجة إلى ردود فِعل إد إزاء جوني عندما يكون التواصل متوفِّرًا بين جوني وضيوفه وجمهوره. ولكنَّ ردود الفعل هذه، تعود من جديد بدرجاتٍ متفاوتة عندما يفتر التواصل أو يكون على وشكِ التراخي.

ويتعيَّن أن نلاحظ من جهةٍ أخرى، أنَّ ردود فِعل المشاهِدين لا تُعرَض على الشاشة، اللهم إلا من خلال لقطتَين أو ثلاث لقطات بانورامية للقاعة بجمهورها في بداية بعض حلقات برنامج الليلة، حتى يتأكَّد مشاهِدو التليفزيون من أنَّ التصفيق والضحك الذي سيسمعونه فيما بعدُ ليس «ملفَّقًا». والواقع أنَّ إظهار الجمهور لنا وردودِ فِعله، سيصبح مجرَّدَ تحصيلِ حاصِل؛ لأنَّه يعني بكلِّ بساطة أنْ يرى مشاهِدو التليفزيون أنفُسَهم في مِرآة ردودِ أفعالهم. كما أنَّ القيام بدسِّ ردود فِعلنا إلينا بطريقةٍ غير مباشرة ودون أنْ ندري، يكون أكثر لباقةً وفعاليَّة. ويحتضن جوني كافَّة ردودِ الفعل التي تظهر حوله ويندمج معها، وكلُّ ما يظهر على وجهه عبارة عن محاكاةٍ واقعية لمَا يدور وسطَ جمهور المشاهدين. ويبدو جوني في اللقطات الكبيرة، وكأنَّه قرص عبَّاد شمس أو رأسٌ باحثة تتَّجه أوتوماتيكيًّا نحو كلِّ ما يتحرك. وإذا كانت مهمَّة إد الأساسية والوحيدة هي التفاعل مع جوني، فإنَّ كُنهَ الأمور في نهاية المَطاف يتمثَّل في ردود الفعل العديدة والمعقَّدة إلى أقصى حدٍّ، التي تشكِّل جوهرَ جوني، ذلك المؤدِّي العبقري الذي يتفاعل مع شخصه نفسه، ومع ضيوفه وجمهوره. وباختصارٍ فإن كلَّ نشاطِ ماكماهون، ومن ورائه الجوقة الموسيقية والكورال، أي الجمهور، يتمثَّل في الإحساس بردود فعل جوني ومواصلتها وتعزيزها عن طريق الصوت (على غِرار الموسيقى المصاحِبة في الأفلام الشعبية)، غيرَ أنَّه يتعيَّن ألَّا نفرط في التركيز مع الموسيقى المصاحِبة التي تكتفي بتكرار الصورة، وتكون مجرَّد حشو، ويتعين أن نُلقي المزيد من الضوء على الدور المتعدِّد الجوانب لردود فِعل إد والجمهور والفرقة الموسيقية إزاء سلوك كارسون. وهنا يتبادر إلى الذهن كريس ماركر؛ ففي فيلمه الوثائقي الوجه السادس للبنتاجون (١٩٦٧م)، وبلا شكٍّ أيضًا في أفلام رسنيه التي عمل بها معه: التماثيل تموت هي أيضًا (١٩٥١م)، وليل وضباب (١٩٥٧م)؛ تتبدى بشكلٍ خاص موهبةُ ماركر في جعل الصوت (صوت الأفراد والموسيقى والضجيج المصطنَع) امتدادًا للصورة. وهو يستخدم أيضًا الصورة المرئية بنفسِ الطريقة لتواصل الأصوات.
وقد لاحظ مارشال ماك لوهان، منذ ربع قرنٍ مضى — أيْ في بدايات برنامج الليلة — كيف أنَّ أداء جوني كارسون يتوافق مع شاشة التليفزيون، ذلك الجهاز الذي يلفظ الشخصيات الجامدة ويرحِّب بالأفراد المتعدِّدي الكفاءات. ولقد سَبقَ أن وَصَفْنا كيف يظهر جوني كارسون على خشبة المسرح، بوثباته وحركاته الراقصة ونظراته الخاطفة وتصفيقه الذاتي وانحناءاته في كافَّة الاتجاهات في آنٍ واحد دون أن يستقرَّ عند واحدٍ منها. وهو يستهلُّ نظرةً أو ابتسامة أو حركة بالرأس أو الذراعَين أو الجسم، أو جملة … ولا يستكمل أبدًا أيَّ شيء؛ فهو دائب الحركة والإنصات، يسأل ويُبدي اندهاشه، دون أيِّ انقطاع لردود فِعله؛ ممَّا يجعله جذَّابًا بلا جدال. ولذا يكون من المهم أن يظلَّ متواجدًا على الشاشة أغلبَ الوقت ولأطولِ مدَّة ممكِنة؛ فهو يبلوِر في نهاية الأمر ردودَ أفعالِ الجميع: الكاميرا وإد والضيوف وجمهور القاعة، ومن بعدهم في آخر المطاف إعداد مشاهدي التليفزيون التي لا يُحصى؛ إنَّه كفيلُ المشاهِد الذي ينجح ببراعةٍ فائقة في دفعِ سلوك هذا المشاهِد إلى الصفِّ الأول في لقطةٍ كبيرة، فيؤكِّد قيمته ويضمن مصداقيته.

وعندما يَظهَر جوني وحده وسطَ الشاشة، خلف مكتبه الذي يستقبل حوله ضيوفه، تصبح تعبيراتُ وجهه السريعةُ التغيُّر، ما يكاد يكون مرآةً ينعكس فيها ردُّ فِعل الجمهور. وهكذا يتحقَّق اندماجٌ فريد من نوعه، يتعذَّر علينا أن نعرف من خلاله مَن الذي يؤثِّر على مَن: هل هي ردود فِعل جوني إزاء ضيفه، أو تأثير ردِّ فِعل الجمهور عليه واستفادته منه، أو تأثُّره شخصيًّا بردودِ أفعاله هو، أو أنَّ الأمرَ يشمل كلَّ ذلك في آنٍ واحد؟

وعندما يظهر جوني في صحبة ضيف؛ فإنَّ أداء هذا الأخير لا يكتسب أهميته وقيمته إلا من خلال ردود فِعل جوني الجالس بجواره. وفي هذه اللقطة نِصفِ الجامعة، تكون الهيمنة المطلَقة لجوني؛ فهو الذي يثير ضحكات جمهور القاعة وتصفيقه حسب هواه، وهو يُبقي الضيف بجواره طوال المدة التي يرتئيها ويتصرَّف بكامل حريته في ردود فعل الجمهور الصوتية بتضخيمها أو مطِّها أو تقليصها، حسب الأهمية التي يودُّ إضفاءها على ضيفه.

ولو ظهر ضيفٌ وحده على الشاشة في لقطةٍ فردية تتضمن في خلفيتها ردودَ فِعل الجمهور؛ يكون ذلك بمثابة لفتةٍ كريمة من جانب جوني، السيد العظيم، للنجم الذي يدين له بفضلِ توجيه الدعوة له. إنها هديَّة تحمل توقيع جوني، وعندما يترك جوني المجال ليُخلي المكان لضيفه، فإنه لا ينتقل مع ذلك خارج اللقطة؛ لأنه ليس إد، فمكانه المقرَّر أصلًا هو مجال الشاشة. والواقع أنه لا يبتعد إلا لكي يُبرز ردَّ فِعله لأداء ضيفه الذي يتحوَّل ظهوره وحده في لقطةٍ كبيرة إلى تصفيقٍ من جانب جوني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤