أزمة المثقف العربي
١
إنني إذ أصدِّر حديثي عن المثقف العربي المعاصر، والأزمة التي يجتازها، بتعريفٍ يبيِّن لنا مَن هو هذا المثقف المقصود، كما يبيِّن الأزمة المشار إليها، متى تكون وكيف، أُوثِر أن أختار من التعريفات الكثيرة لهاتين اللفظتين، ما هو أنفع لحديثنا هذا، وما هو في الوقت نفسه أيسر قبولًا.
فالمثقف الذي أردته، إنما هو إنسانٌ بضاعته أفكار، سواء أكانت تلك الأفكار من إبداعه هو، أم كانت منقولة عن سواه، ولكنه آمنَ بها إيمانًا أقنعه بأن يحياها، ثم لا يقتصر على أن يحياها هو بشخصه، بل يريد أن يُقنِع بها الآخرين ليحيوها معه، والأرجح أن تكون هذه الأفكار من الصِّنف الذي يغيِّر الناس نحوَ ما يُظَنُّ أنه الأفضل، على تفاوتٍ في ذلك بين فكرة وفكرة؛ إذ إنه من الأفكار ما مِن شأنه أن يغيِّر وجه الحياة على نطاقٍ واسع، ومنها ما ينحصر في جانبٍ ضيِّق من جوانب تلك الحياة.
المثقف الذي أريده بهذا الحديث، هو من طراز ديمقريطس الذي قال إنه يفضِّل لنفسه أن يظفر بفكرةٍ تتقدَّم بها الحياة، على أن يظفر بمُلْك فارس؛ المثقف الذي أريده هنا هو من طراز الجاحظ الذي كان بطريقةِ تفكيره وتعبيره، نقطةَ تحوُّل للثقافة العربية كلها من وجدان الشاعر إلى عقل الناثر؛ المثقف الذي أريده هنا هو الذي تمثَّل في عصر التنوير في فرنسا إبَّان القرن الثامن عشر، كما تمثَّل في جماعة إخوان الصفا عندنا إبَّان القرن العاشر؛ وهو الذي تمثَّل في الجمعية الفابية التي عملت بفكرها في الحياة الإنجليزية منذ أوائل هذا القرن حتى غيَّرت مجرى تلك الحياة تغييرًا عميق الأثر، أو هو الذي تمثَّل في الحركة الفكرية العارمة التي أشعلت جذوة النهضة عندنا خلال العشرينيات من هذا القرن، والتي ما نزال نعيش اليوم على ضيائها.
كل هؤلاء قد تجسَّد فيهم المعنى الذي أشرت إليه في تعريف المثقف، وهو أن يكون رجلًا بضاعته أفكارٌ يريد بها أن يغيِّر وجه الحياة إلى ما هو أفضل.
وأما الأزمة التي نزعم بهذا الحديث أن المثقف العربي يعانيها، فهي — ككل أزمة في أي مجالٍ آخر — أن يكون الهدف محدَّدًا واضحًا، لكن الطريق إليه مسدود؛ وبذلك لا تختلف أَزْمة المثقف في صورتها عن أَزْمة المحب، الذي يعرف ما يريده، لكن وسائل الوصول إلى ما يريده ممتنعة عليه؛ فكذلك المثقف المأزوم: هو إنسان حَمل في رأسه أفكارًا، واعتقد بأنها أفكار لا بد من بثِّها لتطوير الحياة وأشكالها، لكنه حين همَّ بنشرها، صدمته العوائق التي تَحول دون ذلك النشر؛ وقد تكون تلك العوائق من صنْع الآخرين آنًا، ولكنها كذلك قد تكون — آنًا آخر — حيرةً في نفسه هو، وذلك إذا ما تعدَّدت أمامه سبل الوصول، فلا يدري ماذا يختار منها وماذا يدع.
وعلى ضوء ما قلناه، يصبح موضوعنا هو محاولة الإجابة عن سؤالين هما؛ أولًا: ما هي الأفكار التي يريد المثقف العربي أن ينشرها في الناس لو أُتيحت له السبل؟ وثانيًا: ما هي المعوِّقات التي قد تَحول دون ذلك النشر فتُحدِث عنده الأزمة؟
٢
إنني لا أرى — بين المعضلات التي تتحدَّى المثقف العربي في زماننا — ما هو أشد تعقيدًا وأعسر حلًّا، من محاولته أن يجمع طرفين، يكادان يكونان متضادَّين، في صيغة حياتية واحدة، ألا وهما المحافظة على هويته التاريخية من جهة، والحرص — في الوقت نفسه — على أن يعاصر دنياه التي تعج من حوله بمخابير المعامل وعجلات المصانع؛ إن المثقف العربي على وعي كامل بما يريده في هذا المجال، وهو الجمع بين هذين الطرفين جمعًا لا يداخله القلق، لكنه حتى هذه الساعة لا يدري كيف؟ ونظرة عجلى إلى جماعة المتعلمين في الوطن العربي، كافيةٌ لبيان مدى اختلافنا البعيد في تصوُّر الحياة التي نريد أن نحياها؛ فهؤلاء المتعلِّمون يقعون في مجموعاتٍ ثلاث: إحداها تريد تحقيق الهدف بأن تجعل ثقافتنا الموروثة هي معيار الصواب والخطأ، فما اتفق معها قَبِلناه، وما تعارض معها رفضناه؛ والثانية تريد تحقيق الهدف ذاته بأن تجعل الثقافة الغربية العصرية هي معيار الصواب والخطأ، فما اتفق معها من تراثنا أبقيناه، وما خالفها من ذلك التراث أهملناه، وأما المجموعة الثالثة فهي وحدَها التي تتصدَّى بحقٍّ للمشكلة التي تتحدانا؛ لأنها أرادت أن تحقِّق الهدف نفسه، ولكن بالبحث عن صيغة جديدة تضم الطرفين معًا.
إن المجموعتين الأوليين قد استسهلتا الصعبَ ففاتهم لبُّ المشكلة؛ لأن المجموعة الأولى إذ تنادي بأن يكون التراث وحدَه هو المعيار لما نَقبله وما نرفضه، لم تفعل في الحقيقة سوى أن غضَّت النظر عن عصرنا وحضارته، فعادت القهقرى على خط الزمن لتعيش في الماضي؛ وذلك أمر سهل التحقيق، بل ربما حقَّق لصاحبه السعادةَ وراحة البال، فماذا يكون أيسر وأبعث على السعادة والسكينة من أن تُوصِدَ بابك دون الصعاب فلا تأبهُ لها ولا تحاول حلَّها؟ واختصارًا فإن أفراد المجموعة الأولى إنما يزيدون بعددهم عددَ الأسلاف، ولا يضيفون إلى المعاصرين نفْسًا واحدة.
وأما المجموعة الثانية التي تريد عبور المكان لتصبح محسوبة على الغرب، فهي إنما تحاول الخروج من جلودها إذا كان ذلك ممكنَ الحدوث، إنهم — بكلمة واحدة — يريدون أن ينقصوا من تَعداد الأمة العربية بضعة ملايين، ليضيفوها إلى تَعداد أوروبا وأمريكا، وَكَفَى اللهُ المؤْمنِين شرَّ القِتال.
لا، ليس ثمَّة من صعوبةٍ في تحقيقِ ما تريده لنا هاتان المجموعتان لأنهما معًا إنما تريدان أن تقطعا العقدة بحدِّ السيف، بدل أن يحلوها؛ فالمجموعة الأولى تلوذ من حاضر الدنيا بركنٍ من أركان التاريخ الذي انْقَضَتْ عهوده، والمجموعة الثانية تَفِر من الحاضر العربي إلى جبلٍ من جبال أوروبا أو أمريكا لتعتصم به.
وأما الصعوبة الحقيقية فهي ما تحاوله المجموعة الثالثة التي تحرص على عروبتها حرصَها على عصرها؛ فلئن كانت المجموعة الأولى تجعل من نفسها عربًا لا يعيشون في عصرهم، وكانت المجموعة الثانية تجعل من نفسها معاصرة غير عربية، فإن المجموعة الثالثة تبتغي العروبة والمعاصرة معًا، ثم تسأل كيف السبيل إلى هذا الهدف.
إن هذه المشكلة الحضارية هي كبرى المشكلات التي تتحدَّى المثقف العربي؛ بل إنها لا تقتصر على المثقف العربي وحدَه، وإنما تجاوزه لتجمع معه جماعة المثقفين في سائر البلاد ذوات الحضارات القديمة كالهند وباكستان والصين وغيرها؛ إنها ليست مشكلة بالنسبة للأقطار التي لم تكن لها حضارة عريقة فيما مضى، وكذلك ليست هي بالمشكلة بالنسبة إلى أوروبا وأمريكا؛ فالبلاد غير ذوات الحضارة العريقة لا تجد نفسها أمام طرفَين لتحاول التوفيق بينهما، وكذلك بلاد الغرب تجد نفسها أمام حضارة واحدة هي حضارتها العصرية هذه؛ وأما نحن وأمثالنا فلنا تاريخ حضاري طويل عريض غزير، فيه اللغة وفيه التشريع وفيه الأدب وفيه الفن وفيه علوم وفيه مواقفُ وبطولات؛ ومن هذه الحصيلة الغنية ما يتسق مع حضارة عصرنا، ومنها ما لا يتسق، فينشأ لدينا السؤال: ماذا نحن صانعون لدمج الرافدَين في تيارٍ حيوي واحد؟
ليست مهمتي هنا والآن أن أجيب عن هذا السؤال؛ فكل ما يعنيني هو أن أصوِّر أزمةً يكابدها اليومَ المثقف العربي.
٣
ومن هذه الأزمة الكبرى، تفرعت أزماتٌ تدور حول محور الصدام بين قديمٍ استقرت ركائزه، وجديد يوحي به العصر وظروفه؛ ومن أهم الأزمات التي تعترضنا في هذا السبيل، أزمة تجتاح جانب الأخلاق؛ على أني أستخدم كلمة «الأخلاق» هنا بمعناها الواسع، الذي يشير إلى طرائق السلوك في ميادين التعامل البشري بصفة عامة، كما يشير إلى طرائق العيش كما يريدها الناس، والسؤال العريض الذي يطرح نفسه علينا في هذه الميادين السلوكية والحياتية، هو هذا: ماذا يكون الأساس العميق الذي نقيم عليه الأخلاق بمعناها الواسع الذي ذكرناه؟
فلقد كانت الفكرة المستقرة في هذا الصدد، أن المبادئ التي ينبغي أن تُقام عليها طرائق الحياة وأساليب التعامل، ثابتةٌ ثبات الحقائق العلمية الموضوعية، فلا سبيل إلى تبديلها أو تحويرها؛ مهما تعاقبت العصور وتغيَّرت ظروف العيش؛ فما هو صواب يظل صوابًا إلى الأبد، وما هو خطأ يظل خطأً إلى الأبد كذلك، وكان لتلك المبادئ الثابتة، بُعْدٌ روحيٌّ، يقضي بأن يعلو الإنسان بنفسه عن شهوات جسده، فلا يُلْقي بزمامه إلى غرائزه، بل عليه إلجامها، ليحيا حياة العفة والتضحية والطهر والنقاء.
ثم جاء عصرنا ومعه متغيرات جديدة، أحدثت عند الناس ما أحدثتْه من حيرة وتردُّد؛ ومن تلك المتغيرات ما أجراه علماء الأنثروبولوجيا — أعني دراسة أنماط الحياة عند المجموعات البشرية المختلفة — ما أجراه هؤلاء العلماء من بحوث، كشفت عن التنوُّع الواضح فيما يأخذ به الناس هنا وهناك من مبادئ يسلكون على أساسها؛ فما هو واجب الأداء عند أولئك، مُحَرَّمٌ عند هؤلاء؛ ومعنى ذلك أن مبادئ السلوك ليست أمورًا مطلقة محتومة، بل هي أحكام نسبية تُملِيها الظروف؛ ولو كانت مبادئ السلوك ثابتة يحتِّمها منطق العقل في كل مكان وزمان، لاتفقت عليها شعوب الأرض جميعًا، لكن تلك الشعوب تتفرَّق في ذلك تَفَرُّقَها في الأهداف والمنافع.
لقد انتقل محور السلوك في عصرنا من العقل إلى اللاعقل؛ أعني أنه انتقل من سلطان المنطق الصارم إلى ليونة المشاعر وروغانها، وحتى حين يُخْفي الإنسانُ عن نفسهِ حقيقةَ نفسهِ بطلاءٍ ظاهريٍّ من وقار العقلانية الخلقية التي كانت، ترى التحليلات العلمية تلاحقه بإزاحة القناع الزائف عن سحنته لينكشف الخبِئ؛ فأكثر القديسين ورعًا وتقوى — كما يقول نيتشه — يخفي وراء زهده حافزًا للسيطرة، وأرفع آيات الفن والأدب — كما يقول فرويد — يكمن الجنس خلف أستارها، وأعلى القيم الإنسانية — كما يقول ماركس — تخبِّئ في طيِّها مصالح أرباب المنافع.
هذا هو العصر وما قد بات يضطرب بين جنباته من أفكارٍ تزعزع ما كنا قبلناه قبولنا للمسلَّمات الثابتة؛ فماذا يصنع المثقف العربي إزاء هاتين النظرتين؟ كيف يوفِّق بينهما ليستحدث الصيغة التي يريدها، والتي تجمع بين موروثنا ونتاج العصر الحاضر؟ أنقول له: تنكَّر للجديد لأنه ليس منَّا، وتشبَّث بالقديم الثابت لأنه تراثنا؟ إنه لو فعل ذلك بمثل هذه البساطة، لأغمض عينيه عن جموع شبابنا التي لم تنتظر ما يقرره لها المترددون، بل أخذت تتخبط بين مبادئ تُلقَّن لهم تلقينًا فيحفظون لفظها عن ظهْر قلب، وسلوك فعلي يسلكه الشباب في حياته كما يحياها على نقيض تلك المبادئ؛ وهكذا وقع في ازدواجيةٍ مخيفةٍ وضعتْه بين المطرقة وسندانها؛ ومن هنا كان جانب كبير من فساد النفاق القبيح الذي يملأ حياتنا بظواهرَ الخوف والجبن؛ فاللسان في حياتنا يحكي شيئًا، والأبدان تسلك شيئًا آخر.
فهل يُغمِض المثقف المسئول عينيه عن ذلك كلِّه، مكتفيًا بوعظٍ يلقيه فيجنبه الأذى؟ لا، ليست المسألة بهذا اليسر كلِّه؛ فالسؤال العميق الذي تنطوي عليه النقلة التي قفز بها عصرنا في مجال السلوك من فَلَكٍ إلى فَلَك، هو هذا: عن أي طريقٍ تحقِّق الشخصية الإنسانية ذاتها في ظروف عصرنا؟ أتحقِّقها عن طريق الزهد أم تحقِّقها عن طريق المتعة؟ أتكون أخلاقية التحريم أجدى عليه، أم أخلاقية الإباحة؟
وعلى المثقف العربي أن يجيب بما يُقنِع الشباب العصري، لكنه لا يعرف كيف يجيب وهو مطمئنٌ إلى الصواب؛ ومن ثَمَّ كان جانب من جوانب أَزْمته.
٤
وننتقل من مجال السلوك ومبادئه، إلى مجال العلوم ومنهاجها؛ فالنظرة العلمية هي بلا جدال أبرزُ طابعٍ يميز هذا العصر الذي يُقِلُّنا على أرضه ويُظلُّنا بسمائه، ومكمن الأَزْمة التي تكتنف المثقف العربي في صدد العلم، هو أن العلم الطبيعي قوامه واقعٌ ماديٌّ من جهة، وإدراك له بالحواس من جهة أخرى؛ فليس من العلم ما لا يرتدُّ آخِرَ الأمر إلى عالَم التجربة عند التطبيق؛ ولما كانت جذورنا الثقافية العميقة نابتةً من وراء الواقع المادي، والإدراك عندها لا يكون بالحواس وإنما يكون بالإلهام؛ فلقد نشأت في نفوسنا كراهية لما هو مادي يندرج في نطاق الحواس؛ وكان حتمًا علينا أن يجيء إيماننا بالعلم الطبيعي — الذي هو أبرز سمات العصر — إيمانًا تساوره شكوك.
على أن هذا الإيمان المنقوص بالعلم الطبيعي، لم يمنعنا من العيش في نعيم نتائجه، فننعم في حياتنا اليومية بالطيارة والسيارة والثلاجة ومكيف الهواء، كما ننعم بكشوفه الجبارة في ميادين الطب واستنبات القفر واستخراج ما في باطن الأرض من كنوز.
ومن هنا انشطرت حياتنا بازدواجيةٍ أخرى؛ فمن الوجهة النظرية نتشكك في العلوم وقدراتها، ومن الوجهة العملية نُقْبِلُ بكل نفسٍ راضية، على ما تنتجه تلك العلوم من ثمرات، وبين الوجهة النظرية والوجهة العملية يقع المثقف العربي في أَزْمته، إنه إذا جعل الأولوية الأولى لأحكام العلم أغضب الجمهور، لكنه كذلك إذا ساير الجمهور في مشاعره، تنكَّر للعصر في أبرزِ سماته.
وربما أثار هذا الذي أقوله شيئًا من العجب والتساؤل: كيف تقول إننا نتنكَّر للعلم الطبيعي بحكم ثقافتنا الضاربة بجذورها في أعماقنا، وأمامك عشرات من الجامعات العربية وما تحتوي عليه من كليات للعلوم؟ وما على المتعجِّب المتسائل إلا أن يتعقَّب دارسي العلوم هؤلاء في حياتهم الخاصة، إذن لأذهلتْه الازدواجية الرهيبة التي أشرت إليها منذ حين؛ فدارس العلوم في جامعاتنا قد يبلغ أقصى المدى في علميته وهو في المعمل، حتى إذا ما عاد إلى داره، وسامر خلَّانه في ساعات الفراغ، خرج المخبوء من بين جوانحه، وأخذ يتحدث أحاديثَ الخرافة كما يتحدثها سائر الناس.
ليست المسألة هنا مسألة طائفة من القوانين العلمية يحفظها طلاب العلوم، بل هي قبل ذلك وبعد ذلك منهاجٌ للنظر، إذا ما اصطنعناه بحق، ألفيناه يجاوز حدود الكتب والمخابير، ليصبح طريقةً للنظر في شئون الحياة العملية كلها، من سياسة إلى اقتصاد إلى عمران والتزامٍ بقواعد الصحة وغيرها من جوانب العيش؛ فإلى أي حدٍّ نقيم هذه الأشياء كلها على نهج علمي قويم؟ يقيني أننا في هذا الطريق ما نزال نحبو خطواته الأولى؛ والمثقف العربي إزاء هذا كله، متأزِّم لا يدري أيساير الموجة العامة في لا علميتها ليُقال عنه إنه لم يغترب عن ثقافة أمَّتِه، أم يصد الموجة ليُدخِل شيئًا من علميَّة النظر في رءوس الناس لترضَى عنه روح عصره؟
ولهذه الازدواجية في حياتنا الثقافية بين العلم واللاعلم، نتيجةٌ تثير الغيظ عند المثقف الذي يحسُّ خطورةَ رسالته؛ وهي أن كثيرين من رجال الثقافة منا، يستخدمون للأفكار طريقةَ بروقرسطيس في الأسطورة اليونانية القديمة، التي يُقال فيها إن بروقرسطيس قد أقام على طريق المسافرين نُزُلًا يستريحون فيه، لكنه جعل الأسرَّة كلها ذات طول معين، فإذا كان النازل عنده أقصر من السرير وضعه في آلةٍ أعدَّها لتمط الجسد حتى يُطابِق طول السرير؛ وإذا كان النازل عنده أطولَ من السرير، جذَّ ساقيه ليقصر إلى الحد المطلوب، فلا ينجو من شرِّه إلا مسافر شاءت له المصادفة المواتية أن يكون في طوله مطابقًا للطول المطلوب.
وهكذا يفعل مثقفونا حين ينقلون لنا أفكارًا من ثقافة العصر؛ فهذه الأفكار وهي على حقيقتها عند أصحابها، قد تكون في أعين جمهورنا أقصر مما ينبغي لها أو أطول، فعندئذٍ ترى المثقفين منَّا — إخلاصًا منهم لأهواء الجمهور — يَمُطُّون تلك الأفكار أو يجذونها، حتى تطابق الصورة المقبولة، حدث هذا في مجال الفكر الفلسفي وفي مجال الفكر السياسي على حد سواء؛ وليس هذا التشويه الفكري الذي نقترفه، هو من قبيل التوفيق الذي عُرِف به أسلافنا الأمجاد، حين نُقِلَت إليهم فلسفة اليونان وعلومهم، وأخذوا يلتمسون نقاط التلاقي بين الثقافة الوافدة وبين تعاليم الإسلام؛ فعملية التوفيق بين الطرفين عند أسلافنا تطلبت منهم جهدًا فكريًّا مخلصًا دام لنا مع الزمن، أما التشويه الذي نصيب به ثقافة عصرنا عند نقلها، فبهلوانية يأباها الضمير وترفضها معايير الفكر الناضج السليم.
ومن أنواع التشويه، بل من أشدها شيوعًا بيننا، أن يتصدَّى رجال الثقافة منَّا، لما يزعمون أنه ردٌّ على ثقافة الغرب، دون أن يكونوا قد ألموا إلمامًا صحيحًا بما يردون عليه، فسرعان ما تنتشر بيننا أفكارٌ مبتسرة، لا هي غربية ولا هي شرقية.
٥
فإذا خلا موقف المثقف من أمثال هذه العيوب، التي هي عيوب خلقية في المقام الأول، كانت هنالك أفكار كثيرة من ثمار العصر، يتمنَّى المثقف لو أذاعها في الناس، لكنه يصطدم بعواملَ تسدُّ عليه الطريق؛ فالفكر عندنا تابع للسياسة، وكان العكس هو الأجدر، وقد يكون لنا عذرنا في هذا الترتيب، لكوننا نجتاز مرحلة انتقال تتطلب شيئًا كثيرًا من الحكمة العملية ووحدة النظر، لكن ذلك لا ينفي أن يثقل العبء على ضمير المثقف، الذي يضع سلامة الفكرة قبل نوازع السياسة.
وكان من نتائج ذلك، أن ترك صفوةُ المثقفين مشكلات الحياة الحقيقية التي كانت بحاجةٍ إلى جهودهم، وانصرفوا إلى أشياءَ لا يتقدم بها المجتمع ولا يتأخر، ولك أن تقارن هذا الموقف الذي ينسلخ فيه المثقفون عن تيار الحياة الواقعة، لا أقول أن تقارنه بالصلة الوثيقة بين الفكر والحياة الفعلية في بلادٍ غير بلادنا، بل أن تقارنه بما كان يحدث عند أسلافنا العرب وهم في عزِّ مجدهم، لترى كيف كان الفكر وجهًا آخرَ لتيار الحوادث، حتى لتستطيع أن تستدل تاريخهم من أفكارهم، وأن تستدل أفكارهم من تاريخهم؛ لأن الفكر وتيار الحياة عندهم كانا وجهَين لشيء واحد؛ فحتى علماء اللغة وهم يبحثون في اللغة أصولًا وفروعًا، ونقاد الشعر وهم يجمعون الشواهد، أقول حتى هؤلاء لم يكونوا يفعلون ما يفعلونه وهم معلَّقون في الهواء، بل كانوا يفعلونه لصلةٍ وثيقةٍ بينه وبين ما اعترضهم من مشكلاتٍ توجب فهْم القرآن على وجهه الصحيح، أو تُوجِب المفاضلة الأدبية بين جماعة وجماعة؛ إنه لما اختلفت مدرسة البصرة مع مدرسة الكوفة في نحو اللغة، الأولى تريد أن تقعِّد القواعد العقلية، والثانية تريد الاحتكام إلى السوابق لا إلى قوانين العقل في التفرقة بين الصواب والخطأ، كان هذا الاختلاف بينهما انعكاسًا لموقفٍ في الحياة العقلية نفسها، ولم يكن اختلافًا منبتَّ الروابط بأرض الواقع.
فأين حياتنا نحن الفكرية التي اغتربت عن واقعنا في حالاتٍ كثيرة وخطيرة، أقول أين هذه الحياة المغتربة من حياة الذين صحَّتْ منهم العزائم، ووضحتِ الأهداف، وإزاء هذا كله يتأزم ضمير المثقف بمعناه الصحيح.
اغتربت صفوةُ المثقفين عن مشكلات حياتنا، فلم تجد الغوغائية ما يَردُّها ويلجمها؛ وذلك أنه من أميز ما يميز المثقف الأصيل رغبته في تحليل الفوارق بين المعاني التي قد تتقارب إلى حد التشابه الشديد؛ على حين أن الفكر الغوغائي أمْيَلُ إلى دمْج المعاني المختلفة كلها في لفظة واحدة، يظنها واضحة وهي من الغموض في ظلامٍ أسودَ من حِنْدِس الليل؛ إذا قال المثقف معاني من أمثال: حرية، ديمقراطية، عدالة، مساواة، إلى آخرِ هذه الأسرة الكبيرة من المعاني الشائعة في عصرنا، لم يَفُتْه الاختلافات الكثيرة التي قد تقع في استعمال الناس لهذه الألفاظ، ثم يعمد إلى تحديد ما يريده من كل لفظة منها إذا استعملها، لكن تحليلاته وتحديداته غالبًا ما تقع عند الجمهور على آذانٍ صماء.
ومثل هذا التحليل الضروري للفكر الصحيح، يتطلب حدًّا أدنى من عِلْمية النظر، وهو ما لا يتوافر عادةً لعامة الناس؛ بل إنك لو أردت لفت أنظار عامة الناس إلى ما تنطوي عليه تلك المعاني من تركيب شديد التعقيد، ومن أبعادٍ قد لا يعلم مداها إلا المتخصصون، حسبوك من رواسب بيزنطة القديمة، تعيش في تصورات شكلية، مقطوعة الصلة بمجرى الأحداث.
وتجيء وسائل الإعلام، فيرى المسئولون عنها، أنهم مضطرون إلى مخاطبة الجمهور على قدْر طاقته، فتلجأ تلك الوسائل إلى التبسيط الذي يطمس الفوارق بين المختلفات، فلا يلبث المثقف إزاء هذا كله أن يجد نفسه في عزلة وحدَه، يتحدث بما لا يُفهم إلا للقلَّة التي تتابع تحليلاته في دقتها، فهل من عجبٍ أن تضيق نفس المثقف بمقدار ما تنسدُّ أمامه الطريق إلى قلوب الناس وعقولهم؟
٦
ولست أريد أن ألقي كلَّ أسباب الأزمة الثقافية عندنا على عامة الجمهور وحدَها؛ بل إن بعض هذه الأسباب موصول بالمثقفين أنفسهم؛ فقد يحدث ألا تسعفهم ظروف العيش في متابعة الفكر الجديد، الذي ما ينفكُّ متفجرًا في أرجاء العالم المتقدم؛ ففي كل يوم قضية تُطرح، وفي كل يوم محاولاتٌ تُبْذل، حتى ليوشك فكر العام الماضي أن ينسخه فكر هذا العام لسرعة الجريان.
إنه ليذهلك أن تعلم كم تغيَّرت الأسس التي تُقام عليها العلوم المختلفة، من منطق ورياضة، إلى فيزياء وبيولوجيا ونفس واجتماع واقتصاد، مما يحتم تغييرًا عميقًا في وجهات النظر، فهل تغيَّرنا نحن في وجهات أنظارنا بما يتناسب مع ذلك التغيُّر العميق؟
لقد تحولت المادة في الفيزياء الجديدة إلى طاقة؛ فلم يَعُد للمادة معناها القديم، حتى لقد أوشكت على الزوال تلك الفواصل التي كانت تفصل ما بين المادة واللامادة في الكائنات، لكننا ما نزال على وقفتنا القديمة في التفرقة بين الصنوَين؛ وتغيَّرت أسس الرياضة، بحيث أصبح في حكم المستطاع أن تُقام عدة بناءات رياضية، دون أن ينقض أحدها صدق الآخر، فلم تَعُد هندسة إقليدس وحدَها — مثلًا — هي الهندسة التي تقرِّر رياضيات المكان، بل إننا كلما غيَّرنا من الفروض الأولى تغيَّرت النظريات تبعًا لذلك، فنشأت بين أيدينا هندسات لا إقليدية كلٌّ منها صواب من الوجهة الرياضية البحت، وكان لهذا الانقلاب في مجال الرياضة أثر بعيد المدى في منهج التفكير؛ إذ اتسعت أمام العقل البشري فرص التصورات الجديدة، وإقامة المنظومات الفكرية العديدة، بعد أن كان حبيس نظام واحد، فهل أصابنا شيء من ذلك الأثر في اتساع مجالنا الفكري؟ بل تغيَّر المنطق نفسه؛ فبعد أن جرى المفكرون، خلال القرون الطويلة، على منطقٍ يُعالِج معانيَ كيفيةً مبهمةَ المعالم والحدود، أصبح المنطق اليوم رياضيًّا يفتت الفكرة الواحدة تفتيتًا لا يدع لها مجالًا للخلط والغموض، علومٌ كلها تغيرت من الأساس، فتغيرت بالتالي طريقة التفكير، تغيُّرًا لم تصب منه إلا أقل من القليل؛ ويقف المثقف منَّا أمام هذه الحركة البطيئة، عاجزًا أو كالعاجز.
فالأمية ما تزال ثابتة الجذور في أرضنا، تقف حائلًا دون سرعة التطور مع تطور العالم السريع، وهي عندنا على درجات، بادئة من أمية القراءة والكتابة على مستوى الألف باء وصاعدة إلى أميةٍ بين المتعلمين لا تتيح لهم أن يتابعوا الفكر الجديد، فماذا في وُسْع المثقف الجاد أن يصنع؟ هل يكتب لغير قارئ؟
وكأن عقبة الأمية هذه لم تكفِنا، فأضفنا إليها ما يزيدها عسرًا، بأن أقمنا في عملية النشر ما يعوقها، حتى ليتعذر أحيانًا على الكِتاب أو المجلة أو الصحيفة أن تنتقل بين أجزاء الوطن العربي انتقالًا ميسَّرًا؛ فبعد أن كانت الصلة بين رجال الفكر من أسلافنا — برغم صعوبة المواصلات — تجعل أحدهم إذا ما أذاع فكرةً في موطنه، لا يلبث أن يسمع أصداءها عائدة إليه من سائر أقطار الأمة العربية، في مشرقها وفي مغربها، وبغير هذا التبادل الفكري، بالرد والنقد والتعليق، كيف يمكن أن تجتمع الروافد المتفرقة في تيار واحد؟ أقول إنه بعد أن كانت الصلة بين رجال الفكر قائمة وقوية، أصبحنا نحن اليوم — في عصر الصواريخ والأقمار الصناعية — على صورةٍ من التفكك والتباعد بحيث يوشك أحدنا ألا يسمع شيئًا عن أخيه في قطرٍ عربي آخر.
لقد زارني في القاهرة طالب عربي يُعِدُّ نفسه للدراسة العليا، زارني لعله واجد عندي ما يعينه على حسن اختيار الموضوع الذي يدير عليه البحث لنيل إجازة الماجستير، فقلت له في معرض الحديث: إن فلانًا في بلدكم قد قام بجهود فكرية جبارة، كان من حسن حظي أن ألممت ببعضها، وتمنيت لها أن تجد الباحث الناقد المدقِّق، الذي يعرضها عرضًا نزيهًا يقوِّمها بالقسطاس العلمي المستقيم، فلماذا لا تجعل نتاج هذا الرجل موضوع بحثك، فتخدم الفكر العربي؛ لأن الرجل يكاد يكون مجهولًا لنا برغم غزارة الفكر الذي قدَّمه؛ فما كان أشد ذهولي حين أجابني الطالب بقوله إنه لا يستطيع ذلك، وإلا عرَّض نفسه للأذى في وطنه إذا عاد! وليس من شأني الآن أن أسأل لماذا؟ ولا أن أتعرَّض لاحتمال ألا يكون الطالب قد صدق القولَ فيما قال، لا، ليس هذا من شأني؛ لأنه يكفي أن يكون المناخ الفكري الذي نعيش في أجوائه هو مما يتيح للقائل أن يقول كلامًا كهذا. إن هذا الموقف الواحد مشحون بالدلالات على أن المثقف الأصيل في بلادنا مُحْبَط إلى الدرجة التي يمكن أن تقوِّض لنا كل أمل في النجاة.
فحتى لو قام بيننا المثقَّف الذي يؤمن بفكره إلى الحد الذي يحطِّم به عوائق النشر، ليخرج كتابه في الأسواق التي يُعدُّ زبائنها بالمئات لا بالألوف فضلًا عن الملايين، وجدنا ضروبًا أخرى من المخاوف تعكِّر جو السماء بغمامها. فيختفي شعاع الضوء الذي رجونا له الظهور؛ وسرعان بعدئذٍ ما يُعلِّم رأسُ الذئب الذي أطاح به الليث لما اجترأ الذئب على عرينه، أقول إن ذلك سرعان ما يُعلِّم ثعالبَ كثيرةً ألا تفقد صوابها فتدنو بجرأتها نحو دنيا الكتابة والكتب.
لقد كنا نقول إنه مما يثبط همة المثقفين في بلادنا، أن نتاجهم الجيد أحيانًا، لا يجد سبيله إلى ترجمةٍ تنقله إلى اللغات الأخرى، مما يترك هؤلاء المثقفين في عزلةٍ يحدِّث بعضهم بعضًا، وسائر العالم لا يسمع من حديثهم حرفًا؛ كنا نقول ذلك، وكان الأوجب علينا أن نطمئن أولًا إلى أن المؤلف العربي مقروء في موطنه، ودع عنك أن يكون مقروءًا في بقية أجزاء الوطن العربي، حتى إذا ما تحقق له ذلك، فربما سهلت أمامه الطريق إلى دنيا اللغات الأخرى.
٧
فهل نعلِّق الأمل في جامعاتنا لتُخرِج لنا شبابًا مؤمنًا بالثقافة الرفيعة، وله العزيمة الماضية أن يغيِّر ما هو قائم؟ كان هذا الأمل ليكون أقرب إلى التحقيق لولا أن المرحلة التي تجتازها الأمة العربية، قد بلغ فيها الظمأ إلى المعرفة حدًّا جعل شبابنا يقصد إلى الجامعات بعشرات الألوف، ولم نكن قد أعددنا أنفسنا بالعدد الكافي من الأساتذة، ولا بالمكتبات والمعامل التي تَسُدُّ الحاجة أمام هذه الحشود الضخمة من طلاب العلم؛ فكانت النتيجة أن أفلت من طلابنا سرُّ التعليم الجامعي وصميمه، وما سرُّه وصميمه إلا أن يختلف عن مراحل التعليم السابقة عليه، في الفاعلية المبدعة الخلاقة، التي تمهِّد الطريق أمام الدارس نحو أن يضيف إلى العلم علمًا جديدًا؛ أما إذا تحوَّلت الجامعات على أيدينا فأصبحت مدارس للحفظ، فمصيرنا هو المصير نفسه؛ أعني أن نُخرِج شبابًا منحصرًا في محيطِ ما قد حفظ، ثم لا جديد، ونظل قعودًا فاغِرِي الأفواه ننتظر الصدقة الفكرية من سوانا، وكأننا لسنا جزءًا من العالم الذي نعيش فيه.
إنه طالما بقيت لنا البنية الفكرية التي ألفناها حتى عميت أبصارنا عن مواضع النقص فيها؛ فلا رجاء في تغيُّرٍ فعَّال؛ فهي بِنيةٌ فكريةٌ قوامُها أصولٌ محفوظة، بحيث لا يجوز لرجل الفكر أن يجاوزها مطلًّا برأسه إلى ما فوقها، بل ينبغي له أن يبقى تحت سقفها، وله بعد ذلك أن يتحرَّك في ظلِّها كيف شاء.
وهكذا كانت بنية الفكر في أوروبا قبل نهضتها، ولم تكن كلمة السر في النهضة الأوروبية سوى أن تنقلب تلك البنية رأسًا على عقب، بمعنى أن تكون الحقائق المسلَّم بها هي آخر المطاف لا أوله، وأما أول المطاف فسماء مفتوحة نصعد فيها برءوسنا ما أسعفتنا قوانا، نجمع المشاهدات ونقيم عليها التجارب ثم نستخرج المعرفة الصحيحة آخر الأمر، فإذا جاءنا بعد ذلك مَن يطلعنا على حقائقَ جديدة، لم نغلق دونه آذاننا، بل — على العكس من ذلك — نراجع ما قد عرفناه لنصحِّحه على ضوء الجديد المستحدَث، كلمة السر في التغيُّر العميق — إذا أردناه — هي أن نعكس الصيغة؛ فبعد أن كانت «إني أُومن أولًا ثم أفهم» تصبح «إني أفهم أولًا ثم أُومن.»
ولو اعتدل لنا الأمر على هذا النحو المستقيم، لزالت عن المثقف العربي أَزْمته — لأنه كلما أراد أن يُفْهِمَ الناسَ فكرًا جديدًا، تقبَّله الناس بالآذان المصغية والعقول الواعية، والقلوب التي تؤمن بعد ذلك بما تؤمن به عن فهْم صحيح.