معركة هستن
لا ريب في أن القارئ يذكر أن أخبار جلوس هارلود على العرش الإنكليزي كانت بلغت وليم أولًا بواسطة توستغ أخي هارلود يوم كان يمتحن قوسه وسهامه في روان، وتوستغ هذا كان ألد عدو لأخيه، وكان مدة ملك إدوارد حاكمًا على شمالي إنكلترا في مقاطعة قاعدتها مدينة بورك، وإذ كان قد جلي عنها خاصم أخاه هارلود وطالبه بحق العود إليها، وكان من نتيجة هذا الخصام أنه طرد من كل البلاد، فخرج ملتهبًا بنار الغيظ وحب الانتقام من أخيه، وعندما جاء ليخبر وليم عن خيانة هارلود لم يكن من قصده فقط إنهاض وليم للعمل، بل أراد أن يعمل هو أيضًا، فأخبر وليم أنه ذاته له سلطة في إنكلترا لم تزل من دونها سلطة أخيه، وأنه إذا كان وليم يمده بعمارة صغيرة وبعددٍ قليل من الرجال يحمل على أخيه ويري وليم شدة بأسه وقوة إقدامه، فأجاب وليم ملتمسه وجهزه بالقوة المطلوبة غير مؤانس ثقة عظيمة باقتداره على تحصيل أدنى نتيجة.
لكنه رأى أن حملة توستغ هذه لربما تحدث بعض الإنذار في إنكلترا، وتمهد طريقًا رحبة لسيره وراءه؛ ولهذا لم يرافقه بنفسه، لكنه سيره بتلك القوة وظل هو نفسه في نورماندي يباشر التأهبات التي أتينا على شرحها في الفصل السابق، أما توستغ فلم يتصوب حمله على الشطوط الإنكليزية بدون أن يزيد القوة التي سلحه بها وليم؛ ولهذا اجتاز مضيق دوفر واتجه شمالًا ودار نحو شواطئ الأوقيانوس الجرماني الشرقية، ساعيًا في التفتيش على مُساعدة، حتى جاء أخيرًا بلاد نروج وعقد اتفاقًا مع ملكها المسمى هارلود أيضًا، فهذا الملك كان وحشيًّا، وقد قضى غابر حياته يجول في البحر غازيًا، فتعهد لتوستغ بأنه يشد أزره في هذه الحملة، وعليه سار توستغ راجعًا لشواطئ إنكلترا مغادرًا ملك نروج يتأهب للحوق به، وكل ذلك حدث في أوائل شهر أيلول حين كان وليم في نورماندي يتأهب بعمارته وجيوشه لمحاربة الملك هارلود الإنكليزي، بينما كان هذا محرومًا من الوقوف على نبأ حقيقي بهذا الخصوص، سواء كان من نحو الاستعدادات الشمالية أو الجنوبية.
ثم اجتمعت العمارة النرويجية في أحد الثغور وقد أصاب رجالها بداعي اقتراب أيام العواصف والأنواء ما أصاب رجال وليم من الخوف والحذر، وقد رأى بعضهم رؤًى وأحلامًا تطيَّروا بها وعدُّوها شؤمًا، وعلقوا عليهما خرافات عديدة شأن أهل تلك العصور الذين كانت عندهم سوق الأوهام رائجة، كما يروي لنا مؤرخوها، فمما رآه أحدهم أن العمارة أقلعت وجاءت الشواطئ الإنكليزية، وهناك خرج جيش هارلود للقائها، وفي مقدمه امرأة طويلة القامة هائلة المنظر ممتطية ظهر ذئب، وفي شدقي هذا الذئب جسد إنسان مضرج بالدم، وكان يلتهمه وهو سائر إلى الأمام، ثم ناولته المرأة فريسة أخرى فابتلعها كالأولى، ومن جملة الأحلام المشئومة الحلم الآتي، وهو أنه بينما كانت العمارة آخذة في الإقلاع رأى بعضهم أسرابًا من النسور والطيور الجارحة الجائعة جاءت وحوَّمت على قلع وحبال المواكب كأنها تروم مرافقتها في الحملة، وعلى رأس صخر في الشاطئ انتصب رسم صورة امرأة بوجه عبوس يشف عن الشراسة والضراوة، وفي يدها سيف مسلول، وكانت منهمكة في عد المواكب مشيرة إليها وهي تعدها بسيفها، وكانت تمثل بمنظرها شيطان الخراب والدمار، فدعت الطيور وشجعتها على الإقدام وقالت لها: «اذهبي أيتها الطيور الجوارح بدون خوف؛ فلسوف تصادفين كثيرًا من الفرائس وهو ذا أنا ذاهبة معك».
ومعلوم أن هذه الأحلام كانت تنبئُ عن موت وهلاك أعدائهم الإنكليز، كما أنها تحمل النبوءة عن موتهم هم أنفسهم، على أن العساكر بسبب ظروفهم الزمنية وبداعي التغيرات الجوية والمخاطر المتنوعة التي أصبحوا محاقين بها كانوا مائلين لإطلاق هذا التشاؤم عليهم، ورد مخاوف تلك الأحلام إليهم، ولكن قائدهم لم يبال باعتباراتهم هذه، بل أقلع وسار مجتازًا البحر الجرماني لاحقًا بتوستغ ليتخد معه على تخم اسكوتلندا، ومن هناك انطلقا بقواتهما على الشاطئ الجنوبي منتهزين فرصة تسنح فتسمح لهما بالخروج إلى البر، أخيرًا أتيا إلى بلدة سكابورو وعوَّلا على الهجوم.
أما سكان تلك البلدة فحاصروا داخل أسوارها، وأغلقوا الأبواب في وجوه المهاجمين واستعدوا للدفاع، وكانت البلدة قائمة في أسفل تلة يحيط بها من أحد الجهات أحدورٌ عالٍ، ويروى أن النرويجيين تسنَّموا ذروة هذه الأكمة، وهناك جمعوا مقدارًا عظيمًا من الحطب والأغصان والقشور والجذور وغيرها من المواد القابلة الاحتراق، ثم أشعلوها ودحرجوها على المدينة، فانهالت شبه كرة من نار تتقد بلهيب عظيم، وتزداد اضطرامًا في انحدارها، على أن القارئ اللبيب لا بد من أن يقف هنا مرتابًا في صدق رواية كهذه؛ إذ من المستحيل أن كومة كهذه من الوقيد مهما كان حزمها متينًا تنحدر على الوجه المذكور، على أنه لا يبعد أن يتم ذلك بواسطة قطع كبيرة من الحطب تشد بأسلاك حديدية على هيئة أسطوانية أو كروية، وتحشى بمواد قابلة الاحتراق، وتدحرج من أعالي القمم في أحادير، فتبقى منهالة إلى الأسفل.
ولنرجع الآن إلى سرد تتمة الرواية في شأن تدمير هذه المدينة فنقول: إن تلك الطريقة التي انتحاها النرويجيون — على ما مرَّ معنا — نجحت، فاشتعلت المدينة كلها وسلَّم سكانها لتوستغ وقومه الذين بعدما أكملوا السلب والنهب أقلعوا بمراكبهم، واستأنفوا تطوافهم … أما نبأ خراب هذه المدينة فبلغ الملك هارلود في لندن في نهاية شهر أيلول وهو مشغول بتوزيع قواته، وتفريقها عن التخوم الجنوبية — كما مر معنا في الفصل السابق — إذ كان قد ترجح عنده أن الحملة النورماندية قد أرجئت إلى الربيع، وإذ ذاك فعوضًا عن تفريق جيوشه في مراكزها الشتوية اضطر أن يجمعها ثانية بقدر ما يستطيع من السرعة، ويخرج بهم لدرئه هذا الخطر الجديد الغير المنتظر، وإذ ذاك دخل توستغ وأصحابه نهر همبر، وكان من قصدهم الوصول إلى مدينة يورك قاعدة المقاطعة التي كان يحكمها توستغ سابقًا، وكانت قائمة بقرب نهر أوس الذي هو فرع من نهر همبر الذي اجتازوه وجاءوا إلى ثغر أوس، ومنه صعدوا إلى بقعة بقرب مدينة يورك وعسكروا فيها، ثم تقدموا لحصار المدينة فأبدى سكانها بعض الدفاع في الأول، ثم عرضوا التسليم بموجب عهدة ما لبثت أن تقررت في الحال، وكان ذلك نحو المساء، فتعين صباح اليوم التالي لدخول توستغ ورجاله إلى المدينة، وعندها إذ شعروا أن غنيمتهم أصبحت لديهم باردة رجعوا إلى معسكرهم يصرفون ليلتهم بالمسرات والأفراح، ويبيتون على نية تملك المدينة حين يبزغ الصباح.
فحدث في نفس تلك الليلة أن الملك هارلود قدم لتخليص المدينة، وكان يتوقع أنه يشاهد العدو محيطًا بها من كل جهة يشدد عليها الحصار، لكنه عند اقترابه لم يصادف ما يحول دون دخوله إليها، بل في الحال فتح له سكانها الأبواب وأدخلوه وكل جيشه بينما توستغ وجميع رجاله النرويجيين كانوا غارقين بسُبات النوم، متمتعين بلذة أحلام الفوز والظفر، غير مشعرين بالانقلاب العظيم الذي طرأ على أحوالهم تلك الليلة، وما عطس أنف الصباح حتى نهض توستغ ينظم فرقة من الرجال تهيئًا لامتلاك المدينة، ومع أن الوقت كان في أيلول والطقس باردًا وعاصفًا حدث أن طلعت شمس ذلك اليوم بمعظم الإشراف واللمعان، وسكنت حركة الهواء وصفا الجو من أكدار الغيوم، وكان كل شيء يدل على الدفء واستحكام الحرارة، وإذ كان دخول توستغ وقومه إلى المدينة مقصودًا على طريقة سلمية خلوًا من جميع المظاهرات العدوانية، أصدرت الأوامر للعساكر أن يسيروا بدون العدد الحربية، ويتركوا في الخيام كل الأسلحة الثقيلة الباعثة على البطء والتراخي.
وفيما هم يتقدمون بهذه الهيئة المُنزَّهة عن كل اهتمام واحتياط أبصروا أمامهم على الطريق المؤدية إلى المدينة غبارًا كثيفًا ضاربًا في الأرض قبابًا، وعاقدًا في عنان السماء سحابًا، ثم انجلى عن فرقة كبيرة من جيش الملك هارلود خارجة عليهم، وعلى أهبة الإيقاع بهم، فاستولى من جري ذلك العجب والانذهال على توستغ والنرويجيين، وكادوا يسقطون في أيديهم حيرة من رؤية هذا المشهد غير المنتظر، وما لبثوا أن تبينوا بريق الأسلحة وخفوق الرايات، وارتفع بينهم هتاف «العدو العدو» ممتدًّا إلى كل جهات الجيش، فأحدث في الجميع ذعرًا ورعبًا، أما توستغ وهارلود النرويجي فأوقفا رجالهما في الحال، ورتَّباهم على الفور صفوفًا متأهبة للاشتباك في القتال، وهكذا فعل الملك هارلود برجاله ثم اخترقهم إلى المقدم، واصطف الجيشان متقابلين متوقعين أول إشارة تبدو لإصلاء نار الحرب، وإدارة رحى الطعن والضرب.
وإذ ذاك طلع من الجيش الإنكليزي عشرون خيالًا غارقون بالحديد والفولاذ وحاملون راية الهدنة، هؤلاء جاءوا حتى صاروا على مقربة من صفوف النرويجيين، فطلب المقدم عليهم مواجهة توستغ، وفي اقترابه منه أبلغه أن أخاه لا يشاء محاربته، بل بالعكس يروم أن يعيش معه بالاتحاد والاتفاق، وعليه فهو يعرض عليه السلم إن كان يسلم أسلحته، وله من أخيه لقاء ذلك إرجاع أملاكه السابقة، وأعاد ما كان له من سالف الشرف والاعتبار.
فاستمال هذا البلاغ قلب توستغ، وحدثته نفسه بالرضى «والقبول والنفس خضراء» فأطرق برهة من الزمان، ثم سأل الرسول عمَّا عينه أخوه من الترضية لصديقه ورفيقه هارلود النرويجي فأجابه: «قد عين له سبع أقدام من أرض إنكلترا قبرًا له، وسيكون له أكثر من ذلك قليلًا إذا أراد، على ما نرى رجل طويل النجاد» فقال له توستغ: إذًا أخبر أخي أن يتهيأ للقتال؛ إذ إنني لست بخائن من قطعت معه عهد الوفاء، ووعدته بالقيام على الولاء في السراء والضراء، فرجع المرسلون بجواب توستغ إلى معسكر الملك هارلود، وقامت بين الفريقين سوق الحرب، ومن المقرر أن بغض الجيش الإنكليزي الشديد كان موجهًا على الخصوص نحو النرويجيين وملكهم، من وجه أنهم اعتبروا غرباء سائرين ساقتهم القحة والتطفل على الثورة والهجوم بدون داع حقيقي وبغير باعث جوهري.
وبموجب ذلك حدث أنه ما ابتدأ القتال حتى أصيب هارلود النرويجي بسهم في حلقه صرعه على الأرض جديلًا، وعندها حاول الملك هارلود بطال الحرب، وسعى جهده بالصلح مع أخيه، فلم يُجده ذلك فتيلًا؛ لأن توستغ حين أبصر رفيقه مطروحًا مضرجًا بدمائه احتدم غيظًا، وسد أذنيه دون كل وساطة في السلام، واندفع يدير رحى الحرب بملء التحمس والإقدام حتى ورد حتفه وذاق كأس الحمام، وعند ذلك عدم الباقون من رجاله كل نشاط للذود والمدافعة، فسمح لهم الملك هارلود بالانكفاء إلى مراكبهم بشرط تسليم أسلحتهم، فقبلوا باشتراطه هذا ورجعوا أدراجهم إلى سفنهم، ونشروا شرعها وأقلعوا، أما الملك هارلود فإذا كان قد بلغه وصول وليم إلى الشواطئ الجنوبية، وطلوعه إلى البر جَمَعَ رجالَه، ولَمَّ شعثَ قواته وخرج بهم بين ماشٍ وراكب يلقى هذا العدو الشديد الساعد والعظيم الجانب.
أما جيشه فرغمًا عمَّا ناله من الظفر والانتصار كان قد أصبح ضعيفًا خائر القوى فاقد الجلد والاصطبار، وقد أنضته الأسفار الطوال، وأنهكته مكابدة الأخطار وملاقاة الأهوال، وحط من عالي بسالته ما تخلف منه بين قتلى وجرحى في ساحة القتال؛ حتى إن الملك هارلود نفسه كان قد أصيب بجرح وإن يكن ليس بليغًا إلى حد يمنعه عن مداومة القيادة، فجرَّد من ضعفه قوة، وجدد من خواره عزمًا ومروة، وسار قاصدًا الجنود بملء الجد والاجتهاد، ناشرًا في طريقه العيون والأرصاد، مشددًا الإلحاح بالإيعاز إلى جميع قواده في سائر الأنحاء والأصقاع أن يوافوه متأهبين بغاية ما يكون من الإسراع، وكان من قصده هذا أن يخف بعدَده وعدده، ويفاجئ وليم على التخوم الجنوبية قبلما يضرب فيها الحصون والقلاع، وترسخ له هنالك قدم النضال والدفاع، أما وليم فلكي يأمن طوارئ المباغتة، ويسلم من بوائق المفاجأة، سيَّر رقباء من فرسانه يجوسون خلال الطرق، ويتجسسون معابر السبل يتنسَّمون أنباء العدو، ويستروحون حركات قدومه، ويرجعون إلى وليم بالخبر.
فحدث أن سعاة هارلود المتقدمين أمامه لقوا رقباء وليم وأبصروهم حالما أمعنوا في الجري راجعين إلى المعسكر مخطرين منذرين، فأخفق سعي هارلود في مباغتة وليم، وزاد بلة يأسه طينة أن وجد في اقترابه أن قوات وليم تعادل ضعفي قواته، وكان من الخرق أن يخاطر في مهاجمة عدو كهذا متمنع في حصونه، متقوٍّ بكثرة عدده ووفرة ذخائره وقواته، فلم يبق لديه سوى واحد من اثنين، أي إما أن يتقهقر راجعًا، أو يتخذ له مركزًا حصينًا لعله يقوى على صد المهاجمين ورد جماح الثائرين وإن كان على مفاتحتهم ليس من القادرين.
فنصح له بعض مستشاريه أن لا يعرض نفسه لأخطار القتال، بل يقفل راجعًا إلى لندن جارفًا بطريقه أو مدمرًا كل ما يراه يمدُّ جيش وليم بأقل مساعدة، وبذلك يضيق على الأعداء ويشدد حاجتهم إلى الزاد، على حين يستحيل عليهم سدها وتناولها من عبر البوغاز، فضلًا عن أنه يضطر وليم إلى غزو كل هاتيك الأطراف، فيستاء الأهلون مما يسومهم إياه وليم من الخسف والحيف والهون، ويندفعون للقيام عليه، ويتَّحدون يدًا واحدة وقلبًا واحدًا عضد هارلود والانضمام إليه، أما هارلود فبعدما أصغى مليًّا إلى هذه المشورة وتدبرها قال: إنه لا يقدر أن يعقد نيته على العمل بموجبها؛ إذ لا يسعه مخالفة واجباته في خراب بلادٍ من أكبر فروضه صيانتها ووقايتها، ولا يرى له حقًّا في رغم رعاياه على شد أزره بواسطة تعريضهم للرزايا والنكبات من عدو جائر قاسٍ، فيعدل على الوقوف في وجه وليم ليس كمهاجم مزاحم بل كمدافع ممانع، وعلى هذا انتقى بقعة تبعد ستة أو سبعة أميال عن معسكر وليم وخيم فيها متحصنًا متمنعًا.
ومعلوم أن كلا الجيشين لم يكن مطلًّا على الآخر، ولا كان واحد منهما واقفًا على عدد أو مقاصد أو حركات الآخر، وكانت المسافة بينهما بعيدة، والسكان هنالك عرضة الرعب وإيجاس الخوف الشديد، ولم يكن أحد يعلم عند أية نقطة تلتقي سحابتا ذلك الخطر والهول اللتين كانتا على وشك الاصطدام، وعلى أية مقاطعة سوف تخيم عاصفة الخراب والدمار عند اقتراب ساعة اصطدام تينك السحابتين؛ ولهذا كنت ترى الأهلين مركنين إلى الفرار من كل صوب، محمولين برياح الهلع والرعب اللذين لا مزيد عليهما، وحاملين معهم الطاعنين في السن والعاجزين عن الهرب جهد الاستطاعة، وناقلين أيضًا ما وسعتهم المقدرة من الكنوز والحلي، ومُخفِين في الكهوف والمغاير ما لم يستطيعوا إلى أخذه سبيلًا، وهكذا كان شأن سكان الأرض بين ذينك المعسكرين، حتى لم تمض مدة وجيرة إلا نفروا متشتتين «وأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم» خالية خاوية، وكان لهارلود بين قواد جيشه أخوان؛ أحدهما يدعى غرث والآخر ليوفن، هذان كانا أشد حبًّا وإخلاصًا لأخيهما الملك من توستغ الذي سبق معنا إيراد ما كان عليه من الحقد والبغض له، فالتصقا به وعملا على مودته، وأظهرا نهاية الحرص والاعتناء بسائر شئونه حين دنت منه ساعة الخطر، وشددت ضغطة الهول وطأتها على حياته، وهما هما اللذان أشارا عليه بالانسحاب إلى لندن وعدم تعريض حياته ومملكته لأخطار حرب لا تحمد عواقبها، ولا يرجى له فيها فوز واستظهار.
فلما أتم هارلود تحصين مركزه أعلن لأخيه غرث رغبته في الركوب معه نحو معسكر وليم رائدًا مستكشفًا، وقد كان استكشاف كهذا في تلك الأيام أقل خطرًا منه في وقتنا الحاضر؛ لأن تجسسًا كهذا لا يصعب على العدو في هذه الأيام أن يرقبه بواسطة المراقب (النظارات) من مسافة بعيدة، ويطلق على المتجسسين قنابل مدافع تنهال عليهم انهيال المطر، وتنفجر بينهم بكرات نار لا تبقي ولا تذر، فكان الخطر حينئذ محصورًا بافتراض مطاردتهم من المعسكر بطليعة من الفرسان، أو إحاطتهم بكمين لم تكن مفاجأته في الحسبان.
وتفاديًا من هذا الخطر امتطى هارلود وغرث أكرم الجياد وأشدها صبرًا على الجري السريع، واختارا نخبة من الرجال الأشداء الأقوياء لحراستهما، وسارا حتى وصلا خيام وليم، وهناك تسنى لهما بواسطة ذروة صعدا إليها أن يستطلعا طلع كل المعسكر، ويسبرا غور ما لدى وليم من القوات والتجهيزات، ولم تفتهما رؤية شيء من السرادقات والخيام والحصون والعساكر والقواد والضباط والفرسان، وأبصرا الفسطاط العظيم المضروب لوليم وعليه راية الصليب المقدسة تخفق بملء اليمن والبركة، وترف بأجنحة النصر والظفر، حتى استولى على هارلود الانذهال من عظمة ما رأى ونظر.
وبعدما صرفا برهة من الزمان غارقين في بحر التأمل والإمعان وهما صامتان لا يفوهان ببنت شفة قال هارلود لغرث: إنه يرى من الحكمة بعدما نظرا هذه القوات التي لا تقاوم أن يعدل عن القتال، ويتبع مشورة القائلين بالرجوع إلى لندن في الحال؛ ذلك خير وأبقى، فأجابه غرث أن: «في الصيف ضيعت اللبن» وأما الآن فلم تعد تلك المشورة تفيد من وجه أنها تقضي بتقويض الخيام وهدم المعاقل، وهذا قد يفسر عند جميع الذين يسمعون به أننا متقهقرون خوفًا وعجزًا واسترخاءً، لا رواغًا واحتيالًا ودهاءً، وبعدما فرغا من المداولة بهذا الشأن رجعا وحاميتهما إلى الخيام ونية هارلود معقودة على الثبات في وجه العدو ما استطاع إلى الثبات سبيلًا، حتى يتمكن من دحر وليم ورده على الأعقاب، أو يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
وعليه عاد وأنفذ بعض السعاة للتجسس والمراقبة، وكانوا نورمانديي المولد يحسنون التكلم بالفرنسية وقد جاءوا إنكلترا مع كثيرين غيرهم من النورمانديين على أيام الملك إدوارد، ومن ثم استطاعوا بكل سهولة أن يُخفوا أمرهم ويمتزجوا بقوم وليم بدون خوف وقوع شبهة عليهم، أو حصول أدنى اشتباه بهم، وتمكنوا من فحص كل شيء بتدقيق، ثم قفلوا راجعين إلى هارلود بأنباء ما رأوا وسمعوا، فقرروا عن شدة هول مصادمة جيوش وليم بحرارة، ومرارة الصبر على الثبات أمام أبطاله الكرارة.
وكان في جيش وليم فرقة كبيرة من رماة السهام الذين اصطلحوا على قص الشعور وحلق الرءوس والخروج بهيئة بعثت أولئك السعاة على أن يظنوهم كهنة، وعليه أبلغوا هارلود في رجوعهم أنهم رأوا في معسكر وليم الكهنة والأراخنة أكثر من رجال الحرب وعساكر القتال، وحدث أيضًا في نفس ذلك اليوم أن وليم بعث بعدد من الفرسان إلى معسكر هارلود، وليس كجواسيس بل كسفراء للمباحثة بشأن الصلح؛ لأنه لم يكن يشأ إصلاء نار الحرب إذا أمكنه الحصول على ما كان يعتقد أنه ملكه الحقيقي بطريقة ساعية، فعوَّل على تجربة الوسيلة الأخيرة في حمل هارلود على الرضى والتسليم قبل الوصول إلى حد يقضي بإشهار السلاح، وشهود ساحات الطعن والكفاح.
- أولًا: على الملك هارلود أن يسلم وليم العرش كما حلف له على العظام المقدسة في نورماندي.
- ثانيًا: أو أن يتفق هارلود ووليم كلاهما على طرح مسألة الخلاف بينهما أمام قداسة البابا، ويرضخا لحكمه العدل وقوله الفصل.
- ثالثًا: أو أن يحل المشكل بعراك انفرادي يتبارز فيه المتزاحمان إلى العرش
الإنكليزي أمام نخبة من الجيشين، ومن البديهي أن هارلود كان لا يرضى ولا
بواحدة منها؛ لأن الأولى كانت تقضي بتخلي هارلود وتخلفه عن كل شيء،
والثانية ترتب عليه قبول حكم لا بد من صدوره ضده؛ لأن البابا كان قد حق
دعوى وليم كما سبق معنا، ولا يلبث الآن أن يحكم له بها، ومن البعيد أنه
ينقض حكمه الأول، والثالثة تعرضه لخطر اندحار لا يسعه تلافيه، وانخذال فيه
من الذلة والهول ما فيه؛ لأنه كان رجلًا ضعيف البنية نحيف الجسم قليل القوة
بعكس وليم، فإنه كان مشهورًا بعظم جثته وشدة قوة عضلاته.
نعم إن المبارزة الشخصية بالأسلحة النارية في الوقت الحاضر لا مزية فيها لاشتداد السواعد وقوة الأعضاء، وأما في ذلك العهد الغابر حين كانت المبارزات تقضى بالفئوس والحراب والسيوف والرماح، فكانت حاجة هذه القوى شديدة، واعتبارها عظيمًا جدًّا، والخلاصة أن هارلود رفض قبول كلٍّ من هاتيك القضايا، ورجع الراهب إلى وليم بالإفادة، على أن وليم لم يقنط من حبوط مسعاه في المصالحة، بل أرسل مرة ثانية يعرض على هارلود قضية رابعة مفادها: أنه إذ كان هارلود يعتبر وليم ملك إنكلترا، أو يعترف بسيادته عليها يسلم البلاد لعهدته وعهدة أخيه غرث ليحكما عليها تحت سلطانه المطلق، ويرجع إلى نورماندي ويجعل مدينة روان التي قاعدة إمارة الآن عاصمة كل المملكة المتحدة ما شاء الله من الزمان، فأجاب هارلود: إنه ليس بقادر في أية حالة كانت أن يتنازل عن حقوقه كملك إنكلترا، وعليه فهو يأبى قبول هذه القضية أيضًا، وزاد على ذلك قوله: إنه يود من كل قلبه حسم هذه المشاكل بدفع المال، بمعنى أنه إذا كان وليم يعدل عن حملته ويرجع إلى نورماندي مقفلًا مطاليبه بشأن العرش الإنكليزي، فهو يدفع له قدر ما يشاء من الأموال.
على أن ذلك لم يقع عند وليم موقع الرضى والاستحسان؛ لأنه كان في اعتقاد نفسه الوارث الحقيقي لملك إنكلترا، فضلًا عن أن بواعث عزة النفس والشهامة كانت تدفعه إلى الإصرار على طلب هذه الحقوق المقدسة في عينيه، وقد انقضى ذلك النهار بطوله وذهبت في كل هاتيك المداولات بشأن الصلح عبثًا، ولما أرخى الليل سدوله طفقت ضباط وليم ومستشاروه يتضايقون من ثقل التأخر، ويتذمرون من طول شقة الإبطاء، فأخطروا أميرهم وليم بسوء عُقبى هذه المماطلات من وجه أن كل ساعة تفسح بها من أجل القتال تمهد لهارلود الحصول على قوات جديدة، بينما هم أنفسهم لا ينتفعون منها بشيء، وعليه فانتصارهم يضعف تحققه كلما طالت مدة تأخر الحرب؛ ولأجل ذلك وعدهم وليم بالحمل على الملك هارلود في معسكره في فلق صباح اليوم التالي.
وإذ كان وقت المعركة الأخيرة الهائلة على الأبواب علقت أفكار هارلود تضطرب أكثر فأكثر، وتتشوش بتوقع المخاوف والأهوال، حتى إن أخويه أنفسهما قلقا لهذه الأحوال، وكان يزيديهما بلبالًا تذكرهما القسم الذي أقسم به هارلود، وتلك البقايا المقدسة التي تشهد عليه، وتمكن فعله وتأثيره، ولم يكونا متحققين قيام عذر أخيهما بإتمامه القسم على طريقة الاضطرار، وأنه يبرئه من طائلة الجريمة واللعنة في الموقف الأخير، فارتأيا قبل خوض معمعة القتال أن يتنحى هارلود عن القيادة ليتقلداها هما، ثم قالا له: «لا يسعنا أن ننكر أنك حلفت اليمين، وبغض النظر عن الظروف والأحوال التي اضطرتك أن تفعل هذا، نرى الأصوب أنك تتنكب بقدر الإمكان تعمد الحنث بما أقسمت، والأولى أنك تغادر الجيش وتمضي إلى لندن، وهناك تقدر أن تقوم بصيانة المملكة بتجهيز قوات جديدة، ونحن هنا ننوب عنك في مباشرة القتال، وبهذا نصرف عنا غضب الله إذ نكون قائمين بواجب الدفاع عن الوطن في وجه عدو غريب مهاجم» أما هو فلم يوافقهما على رأيهما هذا بل قال لهما: إن قلبه لا يطاوعه على التنحي في ساعة دنو الخطر، ولا يراه لائقًا بشهامته أن يتركهما وجميع أصدقائه عرضة لويلات حرب يكابدونها لأجل وقاية تاجه الملوكي، وعلى هذا النحو كنت ترى الجيشين في تلك الليلة قبل القتال، ولا ريب في أن أفكار رجال هارلود في ظروف كهذه كانت مغشاة بظلام اليأس والقنوط، بينما كانت قلوب رجال وليم ملأى فرحًا ونشاطًا.
فلزم هارلود شأن غيره من الناس في هاته الحال أن يخفف حمل الاضطراب الذي تثقل به قلبه، وانضغطت به نفوس رجاله بواسطة الولائم والمسكرات، فأمر بإعداد عشاء فاخر، وأمد عساكره بكثير من المشروبات. ويروى أن كل معسكره آناء تلك الليلة كان يُمثل مشهدًا طويلًا عريضًا للسكر والبطر، بحيث كانت العساكر متألبة جموعًا جموعًا في كل ناحية حول نيران الخيام، بين قعود وقيام، هرج وخصام، وإنشاء أغانٍ وطنية، ومقاطيع حماسية همجية، وإنشاد مراقص بربرية، منقادين للانبعاث فيما كان تدعوهم نشوة الخمر إليه، وتبعثهم سَورة البيرة عليه، أما معسكر وليم فكان يشاهد على هيئة تختلف عن هيئة معسكر هارلود كل الاختلاف، فإن جميع الكهنة وسائر خدمة الدين الذين فيه أحيوا تلك الليلة بإقامة الصلوات، وتقديم التضرعات والابتهالات، وإنشاء التراتيل المختارة والترانيم المستجادة، والإتيان على جميع شعائر السجود وفروض العبادة، وذلك بمساعدة العساكر الذين اجتمعوا جماهير في فسحات الخيام وحول نيران المعسكر، ثم طلبوا الراحة في مضاجعهم مشعرين بإضافة التحقيق والضمان لنجاح عملهم في الغد بواسطة تعبدهم لله الذي استودعوه نفوسهم وأجسادهم، ووكلوا إليه صيانتهم وحمايتهم، وكان أول عمل أجروه في الصباح أنهم اجتمعوا للاحتفال في قداس عظيم.
ومن الغريب أن تمزج الفرائض الدينية أو بالحري المظاهر التقشفية بروح الغزو والنهب، وحب القتال والحرب، فكان الأسقف الذي قام صباحئذٍ في خدمة ذلك القداس لابسًا عدة الحرب تحت حلته الكهنوتية، والشماس القائم بجانبه عند تقديم الصلاة مشرعًا في يده حربة فولاذية على أهبة المسير إلى ساحة الوغى حين انتهاء الخدمة، وعندها خلع الأسقف حلة الكهانة، واعتقل آلة الجلاد، وامتطى جواده الذي كان مسرجًا بجانبه، واستلم قيادة فرقة من الفرسان، وتأهب للحرب والطعان، ثم علا وليم جوادًا كريمًا إسبانيًّا يدعى بايارد كان قد أهدي إليه من أحد أمرائه، وكان معلقًا بعنق وليم بعض العظام المقدسة التي حلف عليه هارلود يمينه الكاذبة، معتقدًا أنها تكون له عوذة تقي حياته، وتحقق قضاء الله العادل القادر على هارلود الخائن والغادر، ورفعت بجانبه الراية المقدسة التي أهداه إياها البابا بواسطة جندي شاب، وكان قد عهد حملها إلى جندي آخر أكبر منه سنًّا فاعتذر بقوله: إنه يود استبدال هذه الخدمة في مثل هذا اليوم بالسيف والرمح.
وفي أثناء هذه الاستعدادات للخروج إلى القتال وقف وليم محاطًا بحاميته على هضبة وسط المعسكر، وعلى مرأى من جميع الجيوش، فأُخذوا كلهم ببديع هيئته وضخامة جثته، وسعة صدره المصفح بالفولاذ، وهيبة جواده الذي كان كراكبه معتَّزًّا بمظاهر الهيبة والوقار، مختالًا بباهر المباهاة والافتخار، ومتشوقًا لخوض مضمار الوغى بفروغ الاصطبار، ولما انقضت ساعة التأهب والاستعداد سالت تلك الأرجاء بجيوش النورماندية الزاحفة بمجلى الأبهة والمجد نحو الصفوف الإنكليزية، على أن تلك المجالي العظيمة ما لبثت أن توارت تحت أطباق الجماهير المقذفة للهيجاء، والتي استفحلت فيها يد الحتوف مدة عشر ساعات، صرفت بتسليم نفوس أولئك الألوف لأحكام القضاء، واندفاعها لساحة قامت فيها الحرب على قدم وساق، وراجت سوق القتل والإعدام، فأصابت بضاعة الأرواح أي نفاد ونفاق، وانتزعت الرحمة من الأفئدة، وامَّحت رسوم الرفق والتوءدة، وهجرت الدماء مرابع الشرايين والأوردة.
وظل ذلك النهار مسدودة فيه منافس الأقطار حتى أمسى المساء وإذا بالنورمانديين ظافرون منتصرون، والإنكليز مغلوبون مقهورون، فاستظهرت عساكر وليم وجالت في ساحة القتال ذهابًا وإيابًا بالطول والعرض، وخيولها تدوس الذين انطرحوا من رجال هارلود قتلى، وقد غشيت جثثهم وجه كل تلك الأرض، والذين نجوا من حد السيف نكصوا على أعقابهم متسابقين نحو الشمال، وقد امتلأت الطرق على طولها بالذين سقطوا فيها صرعى، إما من فرط الإعياء أو من كثرة ما نزفته جراحهم من الدماء.
وفي الصباح جمع وليم عساكره، وتفقد قواده وضباطه وجنوده بأسمائهم؛ ليرى من ذهب منهم فقيدًا، وعندها قدم عليه راهبان مرسلان من قبل الباقين من جيش هارلود يقولان له: إن الملك هارلود مفقود، وقد شاع الخبر بأنه قتل، فإن صح ذلك فلا بد أن تكون جثته مطروحة في ساحة القتال؛ ولذا قد أتيا لكي يلتمسا منه إجازة التفتيش عليها، فأجاب وليم طلبهما، وانطلقا يفتشان عليها ويبحثان عنها بمساعدة بعض العساكر.
وقد تراءى للمفتشين مدة أن البحث عن هارلود بين القتلى لا يجديهم نفعًا، ولا يأتيهم بفائدة من قبيل أن وجوه جميع الموتى هنالك كانت قد تغيرت هيئاتها، واستحالت كلها إلى مظاهر متشابهة يعسر التمييز بينها، أخيرًا عثرت على جثة هارلود امرأة عاشت في بيته زمانًا طويلًا، وعرفته أكثر من غيرها، فدلت المفتشين عليها، وهؤلاء حملوها وانصرفوا، وهكذا انتهت معركة هستن، وبانتهائها انفرجت الأزمة المتعلقة بالعرش الإنكليزي، فإنه وإن يكن عقبها مظاهرات عدوانية من قبل بعض أصحاب هارلود وأتباع إدغرث الذين حاولوا تخليص العرش، فقد ذهبت جميعها قبض الريح، ومن ثم زحف وليم على لندن وتحصن فيها، ثم حمل منها على سائر الجهات التي استروح فيها الثورة والعصيان حتى دوخ كل أطراف البلاد، وأدرك من إخضاع سائر أطراف الجزيرة المراد، وجرى الاحتفال بتتويجه في دير وستمنستر بغاية الإجلال والاحتفاء.
ثم أرسل ودعا متيلدا ولقَّبها ملكة إنكلترا، واغتصب جميع من وقف في طريقه من أشراف إنكلترا أموالهم وأملاكهم، وقسمها بين القواد النورمانديين الذين ظافروه في هذه الحملة بكل اعتناء، وأبلوا في ساحات الحرب أحسن الإبلاء، وبعدها صفت له الأيام، وبسم له الدهر عن ثغر السعد والتوفيق، فعلت مكانته وعظمته في عيون جميع أهل نورماندي وإنكلترا، وظل على سنين معتبرًا ومعدودًا أعظم ملوك الأرض في ذلك العهد وأغناها، وأما سعادته العائلية وراحته الشخصية فسوف يأتي البحث عنهما في الفصل الآتي.