كلاوبا البتروني
عندما تكلَّم يسوع صمَت العالم كلُّه ليُصغي. إن كلِماتِه لم تكن لآذاننا، بل بالأحرى للعناصِر التي صنع الله منها هذه الأرض.
فقد خاطَب البحر، الأم المُتَّسِعة الصدر التي وَلَدَتنا. وخاطب الجَبل، أخانا الأكبر الذي قُنَّته وعدٌ ورجاء.
وخاطب الملائكة الذين وراء البَحر والجبل، الذين استودَعْناهم أحلامنا قبل أن يَجِفَّ الطِّين الذي فينا في أشعة الشمس.
ولا يزال خِطابه هاجِعًا في صدرِنا كأُغنيَة الحُبِّ نِصف المَنسيَّة، وفي بعض المرَّات يخترِق طريقَه إلى ذاكِرتنا.
كان خِطابه بسيطًا فرِحًا، وكانت رَنَّة صوته كالماء العَذب في أرضٍ ناشِفة.
وقد رفع يدَه مرَّةً نحو السماء، فبدَت أصابِعُه كأغصان الجُميزة، وقال بصوتٍ عظيم: قد خاطبكم أنبياء القُدَماء، وآذانُكم مُمتلِئة من خُطَبِهم. أما أنا فأقول لكم: أفرِغوا آذانَكم مِمَّا سمِعتُم.
وهذه الكلِمات التي قالها يسوع: أما أنا فأقول لكم … لم يتلفَّظ بها رَجُل من قومِنا، ولا من العالَم أجمَع، بل حمَلَها إلينا جَوقٌ من السَّارُوفيم في مُرورِه بِسَماء اليهودية.
وكان يقتطِف أقوال الشريعة والأنبياء مَثْنى وثُلاث ورُباع ثمَّ يُضيف إليها في كلِّ مرةٍ قائلًا: أما أنا فأقول لكم.
يا لها من كلماتٍ نارِيَّة! يا لها من أمواج بحرٍ لم تعرِفها شواطئ أفكارنا! أما أنا فأقول لكم: يا لها من كواكِب لامعةٍ تَنشُد ظلمَةَ النفس، ونُفوس مُستيقِظة تنتظِر جلال الفجر.
إن من يودُّ أن يتكلَّمَ عن خِطاب يسوع يجِب أن يكون له خِطابه أو صدى خِطابه. أمَّا أنا فليس لي خِطابه ولا صداه، فأرجو من فضلك عُذرًا عن الشروع في قِصَّة لا أقدِر أن أُكمِلَها، ولكن النهاية ليستْ على شفَتي بعد، فإنها ما زالت أغنية حُبٍّ في الرِّيح.