أوريا الشيخ الناصري
كان غريبًا في وَسطنا، وكانت حياتُه مستورةً تحت نِقابٍ مُظلِم، لم يَسِر في طريق إلهِنا، ولكنه اتَّبع طرُق الأشرار والأردِياء.
قد ثارت صَبْوته ورفضت حلاوة الحليب الذي في طبيعتنا.
وكان شبابه مُلتهِبًا كالقشِّ اليابِس المُحترِق في الليل.
وعندما صار رجلًا حمل السلاح ضِدَّنا جميعًا.
إن أمثال هؤلاء الرجال يُحبَل بهم في جُزُر اللُّطف البشري ويُولَدون في العواصِف الشريرة، وفي العواصِف الهوجاء يَعيشون يومًا ثمَّ يهلَكون إلى الأبد.
ألا تتذكَّرونه جيِّدًا وهو في عَهد الفِطام، يُجادِل شُيوخَنا العُلماء ويَهزأ بجلالِهم ووقارِهم؟
أفلا تذكُرون شبابه، إذ عاش بين المِنشار والإزميل رافِضًا أن يُرافِق أبناءنا وبناتِنا في أيام الأعياد ومُختارًا العُزلة لنفسه؟
ولم يكن يردُّ تحيَّةً لمن يُحيِّيه من المارَّة كأن طِينتَه أرفَعُ من طِينتِنا. قد رأيتُه أنا نفسي مرةً في الحقل فحيَّيتُه، فابتسَمَ فقَط، فرأيتُ في ابتسامته غَطرسةً واحتقارًا.
وبعد ذلك بقليلٍ من الزَّمن ذهبَت ابنتي إلى الكَرم مع رَفيقاتِها لتقطف العِنب، وهي أيضًا خاطَبَتْه فلم يَرُدَّ عليها جوابًا.
بيد أنه وَجَّه خِطابه لجميع العامِلات في الكَرْم، كأنَّ ابنتي لم تكُن معَهُن.
وعندما ترك أهلَه وهام في البلاد خسِر كلَّ شيءٍ وصار ثرثارًا، وكان صوته كالمِخلَب يَنشَب في أجسادنا، ولا يزال صدى صوتِه ألمًا في ذاكِرتنا.
إنه لم يتكلَّم بغير الشرِّ عنَّا وعن آبائنا وأجدادِنا، وكان لسانُه كالسِّهام المَسمومة في قلوبِنا.
هذا هو يسوع.
ولو كان هذا ابنًا لي لكنتُ أرسلتُه مع جيوش الرومانيِّين إلى بلاد العرب، ولكنتُ طلبتُ إلى القائد أن يَضعه في مُقدِّمة المُقدِّمة من الجيش في ساحة الحرب لتذهَبَ به سِهام العدوِّ وتُحرِّرني من غَطرَسَته ووقاحَتِه.
ولكن لا ابن لي، وأنا شاكر ربي على ذلك؛ لأنه ماذا كان يُصيبني لو أن ابني كان عدوًّا لشعبه، وكان شَعري الأبيض اليوم يطلُب الرَّماد في عاره ولِحيَتي البيضاء تُحتَقَر وتُهان؟