جاورجيوس البيروتي
كان يسوع مع أصدقائه في حَرج الصنوبر وراء سياجي، وكان يُخاطِبهم.
فوقفتُ قريبًا من السياج أتسمَّع على كلامه، فقد عرفتُه من هو؛ لأن شهرته وَصلت إلى هذه الشواطئ قبل أن زارها هو.
وعندما فرَغ من كلامه تقدَّمتُ إليه وقلتُ له: هَلُمَّ يا سيِّدي مع هؤلاء الرجال وَشَرِّف منزلي بزيارتك.
فنظر إليَّ مُبتسمًا وقال: ليس في هذا اليوم يا صاح، ليس في هذا اليوم.
وكان في كلِماته بَرَكة، وشعرتُ بأن صوته يَضمُّني كالرِّداء الصُّوفي في ليلةٍ بارِدة.
ثمَّ التفتَ نحو أصدقائه وقال: انظروا رَجُلًا لا يحسَبُنا غُرَباء، ومع أنه لم ينظُرنا قبل اليوم فهو يدعونا إلى بيتِه.
بالحقيقة إنه لا يُوجَد غُرَباء في ملكوتي. إن حياتنا هي حياة جميع الناس، وقد أعطيناها لنعرِف جميع الناس، وبتِلك المعرفة نُحِبُّهم.
إن أعمال جميع الناس هي أعمالُنا بعينها الخفيَّة والظاهرة.
أستحلِفُكم ألا تكونوا ذاتًا واحدة، بل ذوات عديدة. مالك البيت ومن لا بيت له، الزَّارع والزرزور الذي يلتقِط الحُبوب قبل أن تنام في الأرض، المُعطي الذي يُعطي بِشكرٍ والمُستَعْطي الذي يأخُذ بكبرياء ومَعرِفة.
إن جَمال النهار لا يقتصِر على ما تَرونه أنتم، بل يشمَل ما يراه غيرُكم أيضًا.
لأجل هذا قد اخترتُكم من بين الكثيرين الذين اختاروني.
ثمَّ نظَر إليَّ وتبسَّم ثانيةً وقال: إنَّني أقول كلَّ هذا لك أنت أيضًا، وأنت أيضًا ستذكُر كلِماتي.
ثمَّ توسَّلتُ إليه قائلًا: يا سيِّدي أفلا تَزورني في بيتي؟
فأجاب: إنَّني أعرِف قلبَك وقد زرتُ بيتَك الأكبر.
وعندما مشى قليلًا مع تلاميذه قال: أسعَدَ الله مَساءك وليُكَبِّر الله بيتَك حتى يُؤوي جميع الهائمين في هذه الأرض.