نهضة شاملة
على الرغم من تلك المشاكل الكثيرة الكبيرة التي تجابهها باكستان سواء في الميدان الخارجي كمشاكل كشمير والمياه وأفغانستان، أو في الميدان الداخلي كمشاكل اللاجئين أو الدستور أو ارتفاع الأسعار؛ فإن الدولة الجديدة سارت قُدُمًا منذ أول يوم من نشأتها فنهضت بالمرافق العامة رغم العقبات التي صادفتها وسجلت في جميع الميادين تقدمًا محسوسًا، في سبيل النهوض بجميع هؤلاء الذين ضمتهم حدودها وأصبحوا من رعاياها الأوفياء كما أصبح لهم حقوق قبل هذه الدولة.
ولقد كان من أول المسائل الرئيسية التي واجهتها باكستان عقب التقسيم في عام ١٩٤٧ مسألة دراسة الأرض التي أصبحت من نصيبها، ونسبة توزيع السكان في كل منطقة من المناطق وما تتطلبه إدارتها من أنظمة.
وعلى الرغم من العقبات التي واجهتها الباكستان نتيجة لبقاء الجزء الأكبر من نصيبها في الأدوات والآلات التي تستعمل في مسح الأرض في الهند، فإنها تمكنت من قطع شوط بعيد في هذا المضمار، فقد تم مسح نحو ١١٠٠٠ ميل مربع من أرض الباكستان مسحًا عصريًّا، رغم أن جهود الباكستان كانت مركزة خلال السنوات القليلة الأخيرة في تنفيذ مشروعات الإصلاح، كما تمت عملية تعديل خرائط مساحات شاسعة جدًّا من الأرض.
ولقد أفادت مصلحة المساحة الباكستانية من استغلال وسائل المسح الجوي بواسطة الطائرات، فتم لها بهذه الوسائل مسح مئات الآلاف من الأميال المربعة.
وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من نصيب الباكستان من آلات الطباعة قد ترك في الهند، فإنه قد تم طبع ملايين النسخ من الخرائط المختلفة والرسوم.
وبدأت أول عملية للإحصاء في الباكستان في شهر فبراير من عام ١٩٥١، وكانت تشمل إحصاء عدد السكان وتقسيمهم إلى فئات من أصحاب الأراضي والمزارعين والعمال والمهاجرين.
وقد تبين من هذه العملية بعد إتمامها أن متوسط كثافة السكان في الباكستان يبلغ نحو ٢٠٨ أشخاص للميل المربع الواحد، وهو في بعض المناطق أكثر منه في البعض الآخر، فإنه في إقليم الحدود الشمالية الغربية ٢٤٠ شخصًا للميل المربع، وفي البنغال الشرقية ٧٧٧ شخصًا للميل المربع، وفي البنجاب ٣٠٢، وفي السند ٩١، وفي بلوجستان ١١ شخصًا.
وظهر من هذه العملية كذلك أن نسبة المسلمين بين سكان الباكستان تبلغ ٨٥٫٩ في المائة، وأن ٥٫٧ في المائة منهم من الهندوس، و٧٫٢ في المائة من طوائف أخرى. أما نسبة المسلمين في الباكستان الغربية فهي ٩٧٫١ في المائة، وفي الباكستان الشرقية ٧٦٫٨ في المائة.
وقد طُلب إلى جميع المواطنين الباكستانيين الذين يقيمون في الخارج أن يسجلوا أسماءهم في أقرب سفارة أو مفوضية أو قنصلية باكستانية، فإذا لم يفعلوا ذلك في مدة سبع سنوات تبدأ من ١٣ أبريل سنة ١٩٥١ سقط حقهم في الجنسية الباكستانية.
•••
وفي عام ١٩٤٨ أعلنت حكومة الباكستان سياستها الخاصة بالتوظف، وكانت تقضي بالاحتفاظ ﺑ ١٥ في المائة من الوظائف المركزية الكبرى لرعايا الباكستان المتعلمين في الخارج، وبترك اﻟ ٨٥ في المائة الباقية للمنافسة الحرة.
واتضح بعد ذلك أن بعض مناطق الباكستان لم تحصل على نصيبها في الوظائف، وبعد بحث مستفيض تقرر الاحتفاظ ﺑ ٢٠ في المائة من الوظائف الخالية ليعين فيها الموظفون بحسب جدارتهم، وتقسيم الباقي إلى أربع وحدات مستقلة تكون نسبة كل منها بحسب مقدار السكان الذين تضمهم.
وقد تم استيعاب عدد كبير من الموظفين الذين كانوا يعملون في الهند وحيدر أباد في وظائف الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم.
ولقد كانت قلة الموظفين من ذوي الخبرة لملء المناصب الكبرى ولا سيما مناصب وكلاء الوزارات ونواب الوزراء مشكلة بدت لأول وهلة عويصة الحل، إلى أن تقرر إيجاد الاحتياطي الإداري العام، وفي عام ١٩٤٨ وعام ١٩٥٠ دُعي رجال الأعمال وذوو الخبرة والمتعلمون إلى الانضمام إلى هذا الاحتياطي، وتكررت الدعوة في عام ١٩٥٢ وأسفرت في النهاية عن التغلب على هذه المشكلة.
وتبين في المراحل الأولى بعد التقسيم أن طبيعة العمل في وزارتي المالية والاقتصاد والتجارة تستدعي الاستعانة بموظفين من الخبراء المختصين ذوي المؤهلات العالية والكفاءات الممتازة، فتقرر في نوفمبر من عام ١٩٥٠ إعداد طبقة من الموظفين المختصين من موظفي حكومة الباكستان ومن مصلحة مراجعة الحسابات.
ولكي تنفذ الحكومة المشاريع الإنشائية في الدولة على أساس منظم وضعت في عام ١٩٥٠ برنامجًا أسمته مشروع السنوات الست، بلغت تكاليف المشروعات التي تضمنها ٢٫٦٠٠ مليون روبية.
وضعت الحكومة نصب عينيها واجبًا سعت جهدها في تحقيقه، هو تصنيع البلاد بكل وسيلة ممكنة وتشجيع الاستثمار في المؤسسات الصناعية، وهي في سبيل هذا عدَّلت كثيرًا في سياستها الضريبية، فقد أعفت الحكومة في العام الماضي ربع الأموال المستثمرة من ضريبة الدخل ومن غيرها من الضرائب، على ألا يزيد هذا الربع على عُشر الدخل الكلي، ثم ما لبثت هذه النسبة أن تعدَّلت إذ أعفت الحكومة كل الأموال المستثمرة في الصناعة من هذه الضرائب على ألا تتعدى عُشر الإيراد الكلي، مما كان له أحسن الأثر في الادخار وفي الاستثمار.
وامتد منح الامتيازات إلى الرجل العادي كذلك، وكانت الحكومة قد خفضت في عام ١٩٥١ كثيرًا من ضريبة الدخل وعادت هذه السنة فزادت من نسبة الخفض، وكان من نتيجة هذا أن رُفع الكثير من الأعباء عن كاهل الرجل المتوسط والمنخفض الدخل.
وشمل جدول الإعفاء من الرسوم حبوب الغذاء والخضراوات والأسماك واللحوم واللبن الطازج وخيوط الغزل اليدوي والأقمشة المغزولة والكتب المطبوعة.
وكذلك ألغيب ضريبة المبيعات على الأحجار والأدوية والعقاقير والمخصبات الكيميائية وورق الصحف والجلود المدبوغة وغير المدبوغة وهي المخصصة للتصدير ثم منتجات صهر الحديد.
ويمكن القول بوجه عام إن مركز ميزانيات الأقاليم الباكستانية قد تحسن كثيرًا خلال هذه السنوات الخمس، كما يمكن أن يقال كذلك إنه لو رفع عن كاهل هذه الميزانيات ما تئن به من مصروفات تخصصها للَّاجئين، فإن مركزها يكون بلا شكٍّ أحسن من مركزها الحالي بكثير.
وفضلًا عن هذا فإن الحكومة المركزية تمد يد العون المالي لحكومات الأقاليم منذ عام ١٩٤٧، ويخصص هذا المال لإيواء اللاجئين والإصلاحات الزراعية وشق الطرق وتعزيز الحراسة البوليسية على الحدود والتعليم ورفع المستوى الاجتماعي وغيرها.
ولكي تتغلب الحكومة على المشاكل التي نجمت عن وفود ملايين اللاجئين إليها، فرضت ضريبة منذ عام ١٩٥٠ ووزعت حصيلتها على مختلف وحدات اللاجئين في الدولة، وعلاوة على هذا فإن الحكومة منحت صندوق اللاجئين مبلغًا قدره ٢٥٠ مليون روبية، ولم تكتفِ الحكومة بذلك بل منحت بعض الأقاليم قروضًا للصرف منها على اللاجئين، وقد بلغ مجموعها ٣٠ مليونًا.
•••
وتظهر أجلى صورة للتقدم الذي أحرزته الباكستان خلال السنوات القليلة التي انقضت على قيامها في حركة تجارتها الخارجية، التي زادت واتسعت من عام إلى عام. ولم تترك طائفة من طوائف الشعب دون أن تكون قد عادت عليه بفائدة. وقد كان لزيادة الصادر من المواد الخام على المستورد من البلاد الأجنبية تأثير كبير على ثبات الاقتصاد الباكستاني، إذ نجم عن هذه الحالة توفر العملات والأرصدة الأجنبية.
وكان من أول ما اتخذ من إجراءات لتنمية اتصالات الباكستان التجارية بالخارج الاهتمام بموارد البضائع والخامات وإيجاد أسواق تبعث إليها بصادراتها. كما كان من أهم ما قامت به الباكستان خلال هذه السنين قرارها الذي اتخذته بصدد عدم تخفيض قيمة روبيتها، ذلك القرار الذي اتخذته وهي تتطلع إلى رغبتها الصادقة في تنمية مصالح منتجي المواد الخام المُعدَّة للتصدير، وإلى رغبتها كذلك في خلق ظروف مواتية يمكن معها نشر الصناعة في البلاد.
ومن الحق أن نقول إن مركز الباكستان بالنسبة لميزان المدفوعات لم يكن يستدعي تخفيض عملتها، كما أن مركز صادراتها من المواد الخام لم يكن يحتم اتخاذ هذا القرار، ولذلك فقد كان قرار الباكستان الخاص بعدم تخفيض قيمة عملتها متمشيًا مع المصلحة العامة … ولكي توفر الباكستان لنفسها مجالًا لتجارتها الخارجية وقَّعت مع عدد من الدول على اتفاقيات تجارية ثنائية، وراحت منذ عام ١٩٤٧ تستقبل البعثات الأجنبية المختلفة التي وفدت إليها للبحث في إمكان عقد هذه الاتفاقيات التجارية، كما أرسلت هي بدورها إلى الخارج بعثات تجارية مماثة لعقد اتفاقيات جديدة أو لتجديد اتفاقيات موجودة فعلًا.
وكانت الباكستان في كل هذه الأعمال تحاول أن تنظم صادراتها من المواد الخام حتى تستطيع أن تحصل على رءوس الأموال والأدوات اللازمة لتنمية الصناعة فيها، ولتحصل كذلك على أكبر قسط من سلع الاستهلاك الواجب توافرها لتفي بحاجة أهلها.
وما لبثت الباكستان أن خطت خطوة أخرى لزيادة تجارتها الخارجية، وذلك بإنشاء مجلس لتنمية التجارة الخارجية؛ ليكون أداة صلة بين الحكومة ومختلف رجال الأعمال، وقد ألف هذا المجلس لجنةً لتنمية الصادرات مهمتها التوصية بالخطوات التي يراها لزيادة الصادر.
ونتيجة لكل هذه الخطوات استطاعت الباكستان خلال هذه السنوات أن تزيد من تجارتها الخارجية إلى حدٍّ كبير وأن تحسِّن كثيرًا من ميزان مدفوعاتها، وكان هذا التحسن الملموس نتيجة لمضاعفة مقدار الصادرات وارتفاع أسعار موادها الخام. وقد بلغ احتياطي العملات الأجنبية بالباكستان في يناير من عام ١٩٥٠ مبلغ ٩٨٠ مليون روبية، فأصبح في مارس عام ١٩٥١ مبلغ مليون و٣٨٠ ألفًا وفي مارس عام ١٩٥٢ مبلغ مليون و٤٨٠ ألفًا.
•••
وعلى الرغم من أن زراعة الباكستان من الحبوب قد جعلتها قادرة على كفاية نفسها بنفسها، فإن حاصلاتها التجارية كالقطن والجوت والشاي قد مكنتها من الحصول على مبالغ كبيرة من العملة الأجنبية التي تحتاج إليها.
وقد زادت مساحة الأراضي المزروعة في الباكستان من ٤٧٢٢١٠٠٠ فدان في عام ١٩٤٩-١٩٥٠ إلى ٤٨٠٩٠٠٠٠ فدان في عام ١٩٥٠-١٩٥١ بزيادة ١٫٨ في المائة، وفي الوقت نفسه زادت مساحة الأراضي المزروعة قطنًا من ٢٨٦٢٠٠٠ فدان في عام ١٩٤٩-١٩٥٠ إلى ٣٠١١٠٠٠ فدان في عام ١٩٥٠-١٩٥١.
وعلى الرغم من أن الباكستان بلدٌ زراعيٌّ، فإنها غنية بالمعادن والغابات والأسماك، وقد كانت مسئولية استغلال الثروة المعدنية قبل التقسيم تقع على عاتق حكومات الأقاليم، ولكن حكومة الباكستان أصدرت في شهر ديسمبر من عام ١٩٤٨ قانون تنظيم المناجم وآبار البترول، وأخذت على عاتقها هذه المسئولية، وبعد عام واحد من صدور هذا القانون أصدرت الحكومة قانون إنتاج البترول وقانون امتياز المناجم.
•••
ولما كان البترول أهم ما تحتاج إليه الباكستان لصناعتها وتجارتها، فإن الأبحاث قائمة على قدم وساق سعيًا وراء اكتشاف آبار جديدة، وقد تم اكتشاف كميات كبيرة منه في البنجاب وجيلوم وروالبندي، وهناك كميات أخرى — ليست كبيرة — في ميانوالى وفى خور وأتوك بالبنجاب. أما في جويامير فإن البحث عن البترول قد أدى إلى نتائج مشجعة، ولو أن نوع الناتج منه ليس بالجودة التي تمتاز بها الأنواع الأخرى، ويتبين من ذلك أن الإنتاج الخاص بالبترول في ازدياد مطرد منذ أن تم إنشاء الباكستان.
•••
وقد كان البحارة الباكستانيون هم العمود الفقري في الأسطول الهندي قبل التقسيم، ثم أنشئ الأسطول الباكستاني في أغسطس عام ١٩٤٧ من بحارة الباكستان في الأسطول الهندي السابق. وكان الأسطول الباكستاني يتكون من البوارج المضادة للطائرات، والبوارج المضادة للغواصات، وكاسحات الألغام، وسفن صيد السمك، وكاسحات الألغام الأوتوماتيكية، والزوارق التجارية التابعة لحراسة الشواطئ.
وقد وُضعت في السنوات الأخيرة مشاريع ضخمة، كما بذلت جهود كبيرة لإعداد الأسطول الباكستاني وتنظيمه وتثبيت أركانه ورفعه إلى المستوى الحاليِّ الذي وإن كان صغيرًا إلا أنه يعتبر قوة بحرية فعالة تستطيع أن تساهم في الدفاع عن الباكستان في حالة الخطر.
وكان هدف الأسطول الباكستاني الأول هو تنظيم ما هو موجود فعلًا وتثبيت أركانه لا توسيعه، فحوِّلت مدرسة المدفعية في مانورا (بالقرب من كراتشي) إلى مؤسسة تدريبية مشتركة تحوي مدرسة للمدفعية ومدرسة كهربائية ومدرسة لدراسة الإشارات ومدرسة للرادار ومدرسة للتموين وأعمال السكرتارية.
وعلى الرغم من السرعة التي تم بها هذا التغير فإنه برهن عن فائدته في تزويد البحرية بطلباتها العاجلة. وقد أنشئت كذلك مدرسة لتدريس الميكانيكا، واتخذت إجراءات سريعة لإرسال بعض رجال البحرية للتخصص، كما استعير عدد من الإخصائيين من البحرية الإنجليزية، واتخذت إجراءات سريعة أخرى لإنشاء مخازن للمهمات البحرية في كراتشي تعمل على مد الأسطول بمستلزماته ولو على نطاق محدود.
وأخذ الأسطول الباكستاني خلال السنوات الأولى لتأسيس الدولة يتسع اتساعًا يتمشى مع مصادر البلاد، فمنذ أن تم التقسيم أضيفت ثلاث مدمرات إلى الأسطول، وكانت هذه تعمل في المياه الإقليمية الباكستانية بالاشتراك مع البوارج وكاسحات الألغام على تدريب الضباط البحريين على شئون الدفاع عن ساحل البلاد وعن الطرق البحرية.
•••
وقد قام الأسطول برحلات بحرية في داخل المياه الإقليمية وخارجها وقام بزيارات ودية ورحلات تدريبية، وأبحرت هذه القطع في رحلاتها إلى أستراليا ونيوزيلندا وإندونيسيا والملايو وبورما وتركيا وشرق أفريقيا وإيطاليا واليونان والمملكة العربية السعودية، وقامت بمناورات وتدريبات بالاشتراك مع بعض السفن الحربية الحديثة بهذه البلاد.
وفي عام ١٩٥١ انضمت سفن البحرية الباكستانية في تشكيلة واحدة مكونة بذلك أسطولًا صغيرًا يحمل علم البحرية الباكستانية ويقوم بإجراء برامج التدريب، ولم يمضِ وقت طويل بعد إنشاء هذا الأسطول حتى اشترك في التمرينات الحربية التي تُجرى سنويًّا لتدريب طلاب الكلية الحربية في كويتا.
وتقوم البحرية الباكستانية بعمل سلميٍّ ملحوظ في الوقت الحاضر هو مسح المياه الإقليمية للباكستان.
ويلاحظ أن تجنيد الضباط وذوي الرتب العالية يزداد ازديادًا ملحوظًا، وهناك عدد كبير منهم يمضون فترة التمرين في المملكة المتحدة ومؤسسات التدريب التابعة للبحرية الباكستانية.
ولما كانت الباكستان مكونة من وحدتين متباعدتين فقد استلزم ذلك قيام حلقة اتصال بينهما عن طريق البحر، ولذا استدعت الضرورة أن يكون لها أسطول تجاريٌّ يتطلب بحرية ضخمة لحماية الطرق التي تسير فيها هذه السفن، وبالإضافة إلى ذلك فإن الباكستان بلد زراعيٌّ ينتج موادَّ أولية تصلح للتصدير كما يستورد البضائع الهامة، والأدوات الميكانيكية، ويعتمد التقدم الصناعي والاقتصادي في البلاد على سلامة مختلف الطرق البحرية، ولا يتم ذلك إلا بوجود أسطول يقوم بحماية هذه الطرق وساحل البلاد الطويل.
أما جيش الباكستان، غداة التقسيم، فكان مفتقرًا إلى الرجال والعتاد والنظام، وكان يتكون آنذاك من ١٥٠ ألفًا من الضباط والجنود، وسبب ذلك أن عددًا كبيرًا من الضباط والجنود الذين كان يُرجى أن تتكون منهم نواة الجيش قد تُركوا مبعثرين في شتى أنحاء الهند، أما اليوم فالجيش مجهز تجهيزًا تامًّا وقد زِيدَ عدده زيادة كافية كما ثُبِّتت أركانه حتى غدا قوة عسكرية فعالة.
•••
أما سلاح الطيران الباكستاني فقد أخذ هو الآخر يزود نفسه بأحسن المعدات، وهو يحاول دائمًا أن يحصل على أحدث المعدات بسرعة.
ولما كانت الخدمة في الطيران تتطلب جهودًا خاصة، فقد أنشئت مراكز عدة للتجنيد في شرق الباكستان وغربه، وتقوم فرق التجنيد بجولة في كل ناحية من نواحي الباكستان.
وقد بدت في السنوات الخمس الماضية تحسينات ظاهرة في طرق التدريب لسلاح الطيران الذي يبذل غاية جهده لكي يزود نفسه بما يحتاج إليه، وقد أُعيد تنظيم معاهد التدريب السابقة حتى تساير أحدث الطرق المتبعة، وقد ابتدأت كلية سلاح الطيران الباكستاني عملها في سبتمبر عام ١٩٤٧، وهي تقوم بتدريب طياري الخدمات العامة. وبازدياد عدد الطلبة في الكلية وفي قسم الأسراب الجوية في الجامعة ازدادت الحاجة إلى مدرسين يقومون بهذا العمل، وقد اتُّخذت خطوات سريعة لمواجهة هذا النقص، وقد قامت مدرسة الصنائع بتخريج عدد كبير من الفنيين وساعدتها في ذلك مدرسة الإشارات اللاسلكية ومدرسة الرادار.
ويبدو نشاط السلاح في سلسلة الرحلات التي قام بها في السنوات الخمس الماضية والتي تشهد له بالفخر، ففي هذه الفترة حلَّقت طائراته فوق المملكة المتحدة والملايو وإيران وتركيا، وتشهد الرحلات الجوية التي تقوم بها طائراته بين شرق وغرب الباكستان بمهارته.
•••
وباكستان دولة ناشئة لم ينقضِ من عمرها أكثر من ست سنوات، ولكنها مع ذلك استطاعت خلال هذه الحقبة القصيرة من عمرها أن تسجل تقدمًا في شتى الميادين الفنية.
ولعل ما أحرزته من تقدم في ميدان الفن هو أروع ما يستحق التسجيل، ومن هنا كان حرص المسئولين على أن يُطلِعوا الصحفيين المصريين خلال زيارتهم الأخيرة على مدى التقدم الفني في باكستان.
ففي اليوم التالي لزيارة الصحفيين المصريين لكراتشي دعتهم محطة الإذاعة اللاسلكية المشهورة باسم «راديو باكستان» إلى زيارتها، وقدمت لهم في هذه الزيارة عدة برامج من غناء وموسيقى، منها الكلاسيكي ومنها الحديث.
ومع تمسك باكستان بالدين الإسلامي وتقاليده، فإن ذلك لم يحلْ دون الاهتمام بترقية الفن ومتابعة تطوراته مع الحرص على التقاليد الشرقية.
وأول ما يستلفت النظر في الفن الباكستاني هو أنه مستمدٌّ من طبيعة بيئة شبه القارة الهندية، ولا يكاد يفترق كثيرًا عن الفن الشرقي القديم، ولعل ذلك راجع إلى أن أولئك الذين أسسوا دولة الباكستان كانوا قبل مولد دولتهم جزءًا من الهند، فتشبعوا بفنها القديم ولم يعمدوا بعد ذلك إلى تغييره، لأن الفن لا يعرف وطنًا.
والشيء الثاني الذي يستحق التسجيل هو أن الفن الباكستاني الحديث يعتبر صورة حية لتكوين الباكستان السياسي، فالمطربون والمطربات يحرصون جميعًا على أن يسجلوا في أغنياتهم نوازعهم الوطنية القومية، وعلى الأخص ما يتعلق بحبهم لوطنهم الناشئ وتمسكهم به، وكان طبيعيًّا أن يستلهم هؤلاء الفنانون من شعر «إقبال» الأب الروحي للوطن الباكستاني.
فقد كان الشاعر «إقبال» أول من بشر بالباكستان، وله في ذلك دواوين خالدة من الشعر الجميل الذي يجمع بين البلاغة والحكمة والجمال.
والشيء الثالث الذي يستلفت النظر هناك هو أن النهضة السينمائية جاوزت ما كان يتوقعه النقاد الفنيون في الدول الشرقية، فقد كانوا يظنون أن تمسك الباكستان بالدين قد يقف حجر عثرة في سبيل هذه النهضة السينمائية، إلا أن الواقع هو أننا لمسنا أثناء زيارتنا مدى تفتُّق الوعي السينمائي في هذه البلاد، فقد رأينا أنهم أنشئوا «استديو» في كراتشي وأنفقوا عليه مبالغ كثيرة، وأخذوا يخرجون وينتجون الأفلام النظيفة التي شهد النقاد بأنها لا تقل روعة عن الأفلام التي تنتجها أرقى الدول الشرقية، وكلها باللغة الأوردية.
ومما يستحق التسجيل أن سوقًا جديدة قد فتحت للفيلم المصري في باكستان … فقد أعلنت دور السينما مدة وجودنا عن قرب عرض أول فيلم مصري، وقد لقي هذا الإعلان ترحيبًا قلبيًّا صادقًا من الباكستانيين، الذين يعتزون بصداقة مصر وبكل ما هو مصريٌّ سواء كان شخصًا أم سلعة أم فنًّا.