إلى الأمام!
هذه هي الباكستان في صفحات …
هذه هي الدولة التي لم تشرق شمسها إلا منذ سنوات قليلة، وعلى الرغم من ذلك فقد غَمَر نورها جميع أرجاء المعمورة حتى استطاعت هذه الدولة الناشئة الفتية أن تثبت وجودها في العالم، وأن تُرغِم عيونه على أن تتحول إليها في اهتمام، وأن تجبر آذانه على أن تستمع إليها في إنصات …!
ومن عجب أن تستطيع هذه الدولة التي يعد عمرها بالسنوات — والأعوام لحظات في تاريخ الأمم — أن تنمو وتزدهر وتصير شجرة باسقة سامقة في السماء رغم العقبات العديدة التي اعترضتها ولا تزال تقف حجر عثرة في سبيلها، والتي تكفي عقبة واحدة منها لتفُلَّ دولة قديمة راسخة لا جديدة ناشئة …
مشكلة كشمير … مشكلة اللاجئين … مشكلة المياه … إن مشكلة واحدة من هذه المشاكل — وهي بعض ما تواجهه الباكستان — كانت كفيلة بأن تقتلها وهي ما زالت في المهد، ولكن باكستان قد صمدت للأحداث وقارعت الخطوب، وخلقت من الشدائد عزمًا، ومن المصاعب قوة، وهوت بيديها القويتين على هذه العقبات والمشاكل تعمل فيها تحطيمًا وتفتيتًا …
يقولون: إن اليوم ابن الأمس وأبو الغد …
فكيف يكون غد الباكستان بعد استقرار آثار أمسها واستعراض أحداث يومها؟
إن نظرة خاطفة على ماضي الباكستان القريب الحافل بالعزم الأكيد والرغبة الملحة في النجاح، ولمحة سريعة على حاضرها المشرق الوضَّاء المليء بالنضال والكفاح؛ لتدل دلالة واضحة لا يتسرب إليها الشك من قريب أو بعيد على أن الدولة الوليدة ستصبح في القريب العاجل عملاقًا قويًّا ضخمًا يسحق كل ما يعترضه من صعاب، وينتزع النجاح حتى ولو كان بين أنياب الأسود …!
ومن حسن الحظ أن نلتقي هنا، في القاهرة، ونحن على وشك الانتهاء من هذا الكتاب بصديق باكستانيٍّ قَدِم من كراتشي وهو في طريقه إلى لندن، ولما سألناه: كيف الحال في بلادكم؟ قال وهو متفائل: إنني لمست في هذه الرحلة الأخيرة إلى باكستان تقدمًا ملموسًا من كل ناحية، فقد تحسن الاقتصاد القومي وانخفضت الأسعار وخاصة أسعار الطعام، وإن كانت أسعار الملبوسات لا تزال مرتفعة.
واستطرد فقال: وكذلك مما لا شك فيه أن الموقف السياسي قد تحسن، فقد أخذت العلاقات بين الهند وباكستان في التطور، وأخذت مرارة الحوادث التي سبقت وصحبت التقسيم في الزوال أو أن حدتها قد خفَّت، وهذا مما يمهد سبيل التفاهم بين دولتين ستعيشان متجاورتين تربطهما ذكريات الجهاد المشترك في سبيل الحرية.
وكان من أثر ذلك تلك المحادثات التجارية التي تمت أخيرًا بين الدولتين، وقد تعقبها محادثات سياسية لتسوية المسائل المعلَّقة بين الدولتين كمسألة كشمير وغيرها في القريب العاجل.
كما يبدو أن مشكلة المياه قد تنتهي قريبًا إلى حلٍّ يتفق عليه الطرفان بعد المفاوضات التي تدور في واشنطون ويشترك فيها البنك الدولي.
ولا شك أن ذلك كله مما يجعل المتطلع للمستقبل مطمئنًّا إلى مصير الباكستان ومستقبلها في ظل علاقات حسن الجوار والصداقة التي تربطها بالأمم الأخرى.
وكل عام جديد يمر في حياة هذه الدولة إنما يزيد من رسوخ قدمها في الأرض ويسهِّل لها حل ما استعصى من مشكلات.
وإذا كانت الأوضاع الدستورية فيها لم تستقر بعدُ فهذا شأن كل بلد جديد لم يألف الحياة الديمقراطية، وسيأتي اليوم الذي يعرف فيه الناس معنى الدستور على حقيقته فيلجئون إليه سعيًا وراء حياة أفضل.
وليس هذا اليوم ببعيد على باكستان أو على غيرها من الأمم …
فإلى الأمام!