باكستان في الغرب … والشرق
تأسست باكستان في يوم ١٤ أغسطس سنة ١٩٤٧، وتألفت من قسمين تفصل بينهما مسافة تُقدر بنحو ١٢٠٠ ميل، ويقع أحدهما في الشمال الغربي من جمهورية الهند ويُسمى باكستان الغربية، ويقع الثاني في الشمال الشرقي منها ويُسمى باكستان الشرقية، وكان هذان القسمان يؤلِّفان من قبل جزءًا من «إمبراطورية الهند البريطانية».
فأما باكستان الغربية فتتاخم كلًّا من أفغانستان وإيران من الناحيتين الغربية والشمالية الغربية، وتتاخم من ناحية الشرق إقليم شرقي البنجاب من الهند وصحراء الهند الكبرى، ومن الشمال إمارة كشمير وجمو، وهي الإمارة الإسلامية التي لا يزال النزاع مستمرًّا حولها، ويحفُّ بأطرافها من الجنوب والجنوب الغربي البحر العربي، وعلى هذا البحر تشرف باكستان الغربية بثغرها وعاصمتها: كراتشي.
وتبلغ مساحة باكستان الغربية ٣١٠٢٣٦ ميلًا مربعًا، ويقطنها نحو ٣٣٧٧٩٠٠٠ نفسٍ، وهي مقسمة إلى أربعة أقاليم هي: إقليم السند، وإقليم البنجاب، وإقليم الحدود الشمالية الغربية، وبلوجستان، هذا علاوة على منطقة العاصمة الاتحادية المحيطة بمدينة كراتشي، ولها كيانٌ إداريٌّ خاصٌّ وعدد من الإمارات أكبرها إمارة بهاولبور.
وتنساب في باكستان الغربية خمسة أنهار كبرى، هي نهر السند وفروعه: جيلوم وجيناب وراوي وستلج، وكلها تنبع من جبال همالايا الشامخة في الشمال وتنحدر بين وديان كشمير ثم في السهول الجنوبية والغربية.
وأما باكستان الشرقية فتتألف من إقليم شرقي البنغال، وتبلغ مساحة رقعتها ٥٤٥٠١ ميلًا مربعًا وعدد سكانها ٤٢٠٦٣٠٠٠ نفس، وتُقدر نسبة كثافة السكان فيها ﺑ ٧٧٧ نفسًا في الميل المربع.
وتتكون باكستان الشرقية من سهل فسيح مستوٍ لا تكاد تعترض أرجاءه الواسعة هضبة أو جبل، اللهم إلا في النواحي الجنوبية الشرقية حيث تبرز سلاسل من الجبال الواطئة. وأبرز مظهر في طبيعة هذا القسم من باكستان هو تلك الأنهار العظيمة الكثيرة التي تتلاقى وتتعارض في مجاريها حتى لتبدو للرائي وكأنها شبكة، ومن هذه الأنهار نهرا الكنج وبراهما بوترا وفروعهما العديدة، ويبلغ عرض الكنج في موضع من المواضع نحو عشرة أميال … وعلاوة على المياه الغزيرة التي تتدفق من مجاري هذه الأنهار فإنها تحمل بين ثنايا تيارها كميات كبيرة من الغرين الذي يسمد التربة ويزيد من خصوبتها، كما يغزر في مياهها أنواع السمك، ثم هي إلى هذا كله تهيئ أرخص الوسائل للانتقال والنقل. وتقع في الناحية الجنوبية من البنغال الغابة الاستوائية المشهورة «سندربان»، وهي غابة كثيفة تكثر فيها الحيوانات الضارية ومن أهمها النمر البنغالي.
باكستان الغربية
تتكون أرض باكستان الغربية من سهول وبطاحٍ وهضاب وجبال، تبدأ من صحراء السند المنبسطة، ثم يتموج سطحها ارتفاعًا وانخفاضًا حتى يبلغ سفوح جبال همالايا في الناحية الشمالية الشرقية وسفوح جبال هندوكوش في الناحية الشمالية.
أما المواصلات بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية فتكون في الغالب بواسطة البحر والجو.
وتقع مدينة كراتشي — عاصمة باكستان — على ساحل البحر العربي الذي يحف بباكستان الغربية من الجنوب، ولقد اتسعت اتساعًا ظاهرًا خلال السنوات السبع الماضية، ففيها الآن ميناء كبير عامر ومطار جويٌّ يعد من أكبر المطارات وأكثرها نشاطًا.
وعندما تأسست باكستان منذ ثماني سنوات لم يكن عدد سكان كراتشي يزيد عن ٣٥٩٠٠٠ نسمة، أما الآن فيربو عدد سكانها عن المليون والربع. وقد سبب تدفق اللاجئين إليها من الهند وجود أزمة شديدة في المساكن غير أن أهل كراتشي انصرفوا إلى البناء والتعمير، فشيدوا خلال الأعوام القليلة الماضية عددًا لا يُحصى من البيوت والمساكن والمكاتب والمدارس والمعامل والمخازن، وما إلى ذلك مما تقتضيه الحياة المدنية.
ويبلغ عدد سكان السند نحو ٤٦٠٨٠٠٠ نسمة، وتقع خارج حدود المنطقة التي تحتلها العاصمة الاتحادية — كراتشي — الآن، وقد دلت الحفريات التي أجريت في نواحي هذا الإقليم مؤخرًا على أنه كان مركزًا لمدنية زاهرة قامت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وعاصرت مدنيات الفراعنة في مصر، وإنك لتجد مصداق هذا القول في آثار موهن جودارو المشهورة. ثم إنك لتجد في السند وعلى الأخص في مدن تتا وبامبور وحيدر أباد (وهذه الأخيرة هي عاصمة السند، ويبلغ عدد سكانها نحو ٢٤٢٠٠٠ نسمة)، آثارًا قيِّمة تدل على مبلغ تقدم الفنون الإسلامية في هذا القسم من باكستان خلال العصور الوسطى.
والسند بلاد زراعية من حيث الأساس وتُسقى أراضيها من نهر السند الذي تتفرع منه قنوات وترع تؤلف شبكة كبرى للريِّ … ويجري الآن بناء خزان ضخم في أسفل نهر السند بالقرب من كوترى ويُعرف باسمها وهو على وشك التمام.
وأكثر سكان السند فلاحون أقوياء الأجساد أشداء، وقُوتهم الرئيسي لحوم الضأن والخضر واللبن والقمح، ومن هوايتهم الرياضية المصارعة وركوب الخيل.
أما إقليم البنجاب فيبلغ عدد سكانه نحو ١٨٨٢٨٠٠٠ نسمة، ويتاخم إقليم السند من ناحية الشمال. وكلمة «بنجاب» تعني المياه الخمسة، إشارة إلى الأنهار الخمسة التي تمر في أراضيه (هي السند وجيلم وجيناب وراوي وستلج)، وهو من أغنى المناطق الزراعية في باكستان ومن أكثرها خصوبة وأغزرها خيرات، فهو في الواقع «صومعة القمح» في باكستان.
وعاصمة البنجاب هي مدينة لاهور، وتعد من أكبر المراكز الثقافية في باكستان، وتتجلى في آثارها وعادياتها مظاهر أمجاد المغول وتراثهم، فمسجد بادشاهي يعد أكبر مسجد من نوعه في العالم، ومسجد وزير خان يعد تحفة فنية نادرة المثال، وحدائق شاليمار تبدو كالدرة الفريدة لما تمتاز به من دقة في التخطيط ومهارة في الهندسة وعلوٍّ في الذوق الفني.
ولمدينة لاهور جامعتها التي تعتبر من أقدم الجامعات في شبه جزيرة الهند، ويحيط بمدينة لاهور أرياف سندسية وبلدان وقرى جميلة، منها بلدة مونتجمرى (ويبلغ عدد سكانها ٥٠٠٠٠) وبلدة ليالبور (سكانها نحو ١٧٩٠٠٠) وسيالكوت (سكانها ١٦٨٠٠٠)، وهذه كلها من المراكز الكبرى للزراعة وللصناعة اليدوية.
وأهل البنجاب أقوياء أشداء أيضًا، ويتكون طعامهم من خبز القمح والذرة ومن لحم الضأن والخضر واللبن والسمن، وهم يَكْلَفون بالرياضة والفروسية، ومن ضروب الرياضة عندهم المصارعة والسباحة.
وعندما يحين فصل الصيف في إبان شهر مايو ويشتد القيظ وتهب الرياح الحارة على سهول البنجاب يُهْرع الأغنياء من أهله إلى مصيف جميل يقع على جبال مري (ويعرف باسمه)، على ارتفاع ٧٥٢٧ قدمًا من سطح البحر، فيقضون فيه أشهر الصيف متنقلين بين وديانه وحقوله الغنَّاء … فإذا ما مضى الصيف وولَّى القيظ هبطوا عائدين إلى مدنهم في السهول تاركين وراءهم المصيف وقد أخذت الثلوج تتساقط عليه وتكسو أشجاره وبيوته بحُلَّةٍ سميكة بيضاء ناصعة …
أما إقليم الحدود الشمالية الغربية فيقع — كما يدل اسمه — في الناحية الشمالية الغربية من باكستان الغربية، ويبلغ تعداد سكانه ٣٢٥٣٠٠٠ نسمة جلهم من البتان الذين اشتهروا بالشجاعة والشهامة وشدة البأس وإكرام الضيف وحماية الضعيف. والإقليم جبليٌّ صخريٌّ مجدبٌ وهواؤه جافٌّ وسماؤه صافية وفي آفاقه سلاسل جبلية جرداء غبراء، منها سلسلة جبال سليمان ومن ورائها سلسلة جبال هندوكوش التي تطل من بعيد بقممها العالية المكللة بالثلوج …
وعاصمة إقليم الحدود هي مدينة بشاور ذات الأسوار، ويبلغ عدد سكانها ١٥٢٠٠٠ نسمة، وتزخر أسواقها بضروب السلع والبضائع مما يستجلبه إليها التجار والعملاء من جميع أرجاء الإقليم.
وتقع في الناحيتين الشمالية والشمالية الغربية من الإقليم المناطق القبلية وعدد سكانها ٢٦٤٧٠٠٠ نسمة، وهي مناطق جرداء صيفها معتدل وشتاؤها شديد البرودة، ولا ينبت فيها من الزرع إلا الأشواك وضروب من العشب مما تقتات عليه الأغنام والماشية، ويعيش أفراد القبائل في مضارب وقرى صغيرة متناثرة هنا وهناك على سفوح الجبال.
وتتصل بإقليم الحدود من ناحية الجنوب منطقة بلوجستان (ويبلغ تعداد سكانها ٦٢٢٠٠٠ نفس)، وهذه منطقة واسعة تتألف من بطاحٍ شاسعة ومن هضاب وجبال ووديان، وتنتشر فيها القرى الكثيرة على سفوح الجبال والهضاب حيث ينبت خلال الصيف بعض العشب والكلأ مما ترعاه الأغنام والماشية طوال الفصل، فإذا ما حلَّ الشتاء واشتدَّ البرد هبط السكان إلى السهول حول مدينتي سيبى ووهادار.
ويقع بين مدينتي كويتا وبشين وادٍ خصبٌ يجري فيه نهر صغير وقناة جوفية تسمى «كاريز»، وتزرع فيه الحبوب بأنواعها بكميات كبيرة، ومدينة كويتا عاصمة الإقليم وتقع في وسط هذا الوادي الغني، ويبلغ عدد سكانها نحو ٨٤٠٠٠. أما جوها فمعتدل وهواؤها عليل في الصيف، وبارد وشديد البرودة في الشتاء، حتى لتنخفض درجة الحرارة في بعض أيام الشتاء إلى ما دون درجة التجمد، فهي تصلح لأن تكون مصيفًا لا مشتى … وهي تقع بين حقول غنَّاء ومزارع مزدهرة. فإذا حلَّ فصل الربيع وازدهرت الحقول بدت المدينة في حلة قشيبة تأخذ بالألباب … أما مزارعها وبساتينها فغنية بضروب الفاكهة والخضر، كالأعناب والخوخ والسفرجل والبرقوق والتين والرمان … ويشتهر سكان هذه المنطقة بالكرم ويزاول أكثرهم مهنة الزراعة وطعامهم العادي لحوم الضأن والجبن والخبز والفاكهة.
باكستان الشرقية
وبنغال الشرقية، وهو الإقليم الذي تتكون منه باكستان الشرقية، بلاد شديدة الخصوبة كثيرة الماء متنوعة الزرع … والواقع أن كل شيء في هذه المنطقة يتوقف على الماء؛ الزرع والطعام والمواصلات.
والسكان هنا يقتصر طعامهم في الغالب على السمك والأرز، ويزاولون زراعة الجوت والشاي، فينتجون من الجوت أكثر مما ينتجه أي بلد آخر في العالم، إذ يبلغ محصولهم منه أكثر من ثلثي مجموع محصوله في العالم كله، وزراعة هذه الكميات الكبيرة من الجوت، وكذلك زراعة الأرز والشاي، تقتضي جهودًا شاقة وهممًا قوية وجَلَدًا شديدًا، فضلًا عما تتطلب من كثرة الأيدي العاملة. ولقد أنعم الله عليهم بهذه الخصائص كلها، فباكستان الشرقية كثيرة السكان كثيرة الخيرات.
وأهل الريف في باكستان الشرقية يقيمون في أكواخ من القصب، يقيمونها وسط مزارع الأرز الخضراء أو مزارع الألياف الذهبية، ويقتاتون بطعام صحيٍّ بسيط هو في الغالب ما يغلونه من الأرز ومن السمك والخضر، وهم يهوون الفن بطبيعتهم فيَكْلَفون بالموسيقى والغناء والشعر والرسم.
وعاصمة بنغال الشرقية هي مدينة داكا، ويبلغ تعداد سكانها نحو ٤١١٠٠٠، وفيها من المساجد والمنائر والقباب ما ينبئ عن تراث الإسلام فيها، ولقد كانت في وقت من الأوقات تشتهر بمهارة صناعها ودقة مصنوعاتها، لا سيما الأنسجة والخيوط المذهَّبة والحرير … وهي اليوم تعج بالحركة والنشاط، وتتسع فيها العمارة اتساعًا مطردًا، وتعد جامعتها مركزًا ثقافيًّا عظيمًا وذلك لأنها المحور الذي تدور عليه الحركة الثقافية في الإقليم كله.
وتتصل باكستان الشرقية ببحار العالم عن طريق ميناء شيتاكونك، وهو ميناء حديث آخذ في الاتساع، وقد لا يمضي وقت طويل حتى يصبح من أكبر الموانئ ومن أكبر المراكز التجارية في الشرق.