إقبال …
إن اسم «إقبال» ليس من الأسماء الخالدة في تاريخ باكستان أو في تاريخ الهند كلها بوصفه شاعرًا أو فيلسوفًا، ولكنه كان فوق ذلك كله من قادة المسلمين ومن باعثي الروح الوطنية الذين أوحوا بفكرة قيام باكستان.
ولد محمد إقبال بسيالكوت بالبنجاب عام ١٨٧٣ في عائلة براهمية اتخذت الزراعة في قرية «لوهار» بكشمير مهنة لها، وقد اعتنق أحد أسلافه الدين الإسلامي قبل حكم الإمبراطور المغولي «أكبر»، بعد أن تشبعت نفسه بتعاليم حضرة شاه همداني أحد أئمة المسلمين آنئذ، وهكذا تفتح صدر هذه العائلة للإسلام، وقد نزح جد إقبال الأكبر الشيخ محمد رفيق من كشمير ومعه إخوته الثلاثة ومنهم الشيخ محمد رمضان الذي عرف بالتصوف والذي ألف كتبًا كثيرة باللغة الفارسية، وحط المهاجرون رحالهم في سيالكوت، وسرعان ما بدأ الجد في العمل بمساعدة ابنه الأكبر والد إقبال.
وبدأ إقبال تعليمه في أحد المكاتب ثم في مدرسة البعثة الأسكتلندية حيث كان يدرس مولانا مير حسن أحد أصدقاء والده، وقد تكفل الأستاذ منذ البداية بتعليم ابن صديقه وأولاه عطفًا خاصًّا لما لمسه فيه من ذكاء واستعداد للنبوغ، وعلَّمه الفارسية والعربية.
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية حصل على شهادة الكلية الأسكتلندية بدرجة ممتازة، ثم التحق بكلية الحكومة بلاهور حيث أتم دراسته، وهناك تمكن من الاتصال بالمستشرق الإنجليزي السير توماس آرنولد أحد أساتذتها آنذاك ومنها حصل على درجته النهائية، وبعد ذلك التحق بالكلية الشرقية كمحاضر ثم بكلية الحكومة بلاهور.
وكان إقبال يشكو من ضعف في قوة إبصاره ولذلك استحال عليه الدخول في خدمة الحكومة لما تتطلبه خدمتها من شروط وقيود، وكان فشله في الالتحاق بها نعمة على العالم الإسلامي وملايين المسلمين الذين سعدوا بقراءة شعره وباعتناق مبادئه، فإنه لولا هذا النقص لجرفته خدمة الحكومة في تيارها، ولما أمكنه أن يكرس حياته للمثل العليا التي كان يستهدفها، ولما نعم العالم والإنسانية والإسلام بنتاج قريحة وثَّابة كقريحته.
ولم يكتف إقبال بما حصله من العلم والمعرفة بل أراد أن يستزيد منهما، ولهذا رحل إلى أوروبا عام ١٩٠٥ قاصدًا كامبردج ثم هيدلبرج بألمانيا ثم ميونخ في سويسرا حيث حصل على الدكتوراه بعد أن قدم رسالته القيمة «تطور الفكرة العقلية في إيران». وفي سنة ١٩٠٨ حصل على درجة في القانون ثم عاد إلى وطنه وأهله.
ورغم دراسة إقبال للقانون فإنه لم يشغفْ به بل كان حب الأدب طاغيًا على صدره منذ الصغر، وقد أقنعته زيارته لأوروبا بأنه لم يُخلق إلا للأدب والشعر.
ومع أن إقبال كان شاعرًا وفيلسوفًا إلا أنه لم يقطع صلته بدنيا السياسة، فكان عضوًا في المجلس التشريعي بالبنجاب لمدة ثلاث سنين، كما أنه اشترك في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في لندن، وكان رئيسًا لحزب الرابطة الإسلامية في كل الهند، كما كان العضو العامل في مؤتمر «الله أباد» التاريخي، حيث قام ينادي بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ووجوب تكوين دولة خاصة بهم، الأمر الذي لم يتحقق إلا بعد مماته، وكذلك كان إقبال رئيسًا لجمعية حماية الإسلام التي كانت تشرف على عدد من المدارس والملاجئ في باكستان الغربية.
وكما درس إقبال الأدب والقانون درس الاقتصاد وذلك بقصد الإلمام بالأحداث العالمية التي كانت تحيط به، وقد دُعي لإلقاء محاضرات في جامعات أوروبا ولكنه لم يلبِّ دعوة واحدة منها، غير أنه استجاب لطلب جامعة مدراس حيث ألقى ست محاضرات عن «التشكيل الجديد للفكر الديني الإسلامي».
وتحت تأثير السن وبعد هذه المجهودات الكبيرة في سبيل الإسلام والعلم والفلسفة والدين ضعفت بنيته وأصيب بالمرض في سنة ١٩٣٧، وقبل شروق شمس ٢١ أبريل سنة ١٩٣٨ لفظ نفسه الأخير وصعدت روحه إلى بارئها.
وكانت آخر كلمة فاه بها «الله أكبر»!
•••
وقد سأل العلامة السيد سليمان الندوي، تلميذ العلامة المرحوم شبلي النعماني، إقبالَ عن أسرار بلاغته التي اكتشف بها غوامض الدين ومعالم الحق ووصل بها إلى أساليب من التعبير ندر أن وصل إليها أحد من أهل الفقه والعلم، فأجاب إقبال: «يرجع الفضل في كل ما أنشأته من شعر أو نثر إلى توجيهات أبي — رحمه الله — فقد عودني تلاوة القرآن الكريم بعد صلاة الصبح من كل يوم، وكان كلما رآني سألني ماذا أصنع فأجيب بأني أقرأ القرآن الكريم، ثم إنه كان يعود إلى إلقاء هذا السؤال عليَّ في صبيحة كل يوم فأجيبه بالجواب نفسه، حتى دفعني الفضول والضجر من تكرر السؤال إلى أن أقول له ذات يوم: «يا والدي، أنت تراني أتلو كتاب الله فلمَ تلقي هذا السؤال عليَّ وأنت تعلم جوابي؟!»
فقال رحمه الله: بل إنني أردت أن أقول لك: اقرأ القرآن وكأنه نزل عليك!
«ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل على دواخل كلماته ومعانيه فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت …»
وكان إقبال ينشد الشعر بالأوردية والفارسية، وكانت الصحف تنشر له كثيرًا مما ينشده في المجامع والمحافل فجُمع من آثاره ديوانٌ أسماه «رنين الجرس»، ثم نشر بعده عدة كتب منها «أسرار خودى ورموز بيخودى» أي «أسرار الذاتية ورموز اللاذاتية» و«بيام مشرق» أي «رسالة المشرق» و«زبور عجم» و«جاويد نامه» وكل هذه باللغة الفارسية، بينما نظم «بال جبريل» و«ضرب كليم» و«رنين الجرس» باللغة الأوردية. وقد وافته المنية وهو ينظم ديوانه «أرمغان حجاز» أي «شقائق الحجاز» ونصفه بالفارسية والنصف الآخر باللغة الأوردية، وقد طُبع هذا الكتاب بعد وفاته.
وقد ضمن إقبال دواوينه هذه مناحى كثيرة من فلسفته وتفكيره وعواطفه، وتناول فيها العالم والإسلام والأخلاق محاولًا إيقاظ الشعور وإلهاب الحماسة في قلوب المسلمين خاصة والشرقيين عامة، وفي ذلك يقول أحد زعماء الهندوس: «إن إقبالًا وضع المصباح على باب المسلم ولم يحجب نوره عن غير المسلمين، بل استطاع الجميع أن يستضيئوا بنور ذلك المصباح»، وعدَّه أحد سفراء الفرس في الهند من أصحاب الرسالات الخالدة لإنارة العالم والإنسانية.
أما منظومته «جاويد نامه» فقد كتبها في شكل رحلة قابل فيها ملوك الشرق ومفكري المسلمين واقتبس اسمها من اسم أصغر أبنائه «جاويد»، هادفًا بذلك إلى بناء جيل جديد في الأمة الإسلامية. وأما «بيام مشرق» (رسالة الشرق) فقد أودعه زبدة آرائه ومذاهبه في الحياة ومناحي خياله وفنه في الأدب.
•••
•••
•••
وكان المثل الأعلى للإنسان، في نظر إقبال، هو ثبات الذات وتوكيدها، لا سلبها، وهو يرى أن الإنسان يقترب من تحقيق هذا المثل كلما برزت فرديته وشخصيته.
وتقوى الذات بما يسميه إقبال بالعشق، وهو يعني به الحماس والرغبة في العمل الخلاق. وأعلى صور العشق عنده خلق القيم وإنشاء المثل العليا والسعي الحثيث إلى تحقيقها، وكما أن العشق يقوي الذات «فالسؤال» يضعفها ويوهنها، والسؤال هنا هو الخمود وقصور الهمة والقعود عن العمل.
فبروز الذات في فلسفة إقبال هو هدف الحياة ومحورها، وذلك لأن الحياة الصحيحة هي حياة السعي والعمل والإقدام.
هذه لمحة خاطفة عن أعمال وإنتاج هذا العبقري الذي يعتبر من أعظم الشعراء والمفكرين. ولقد أبدع سير توماس أرنولد عندما لخص مكانة إقبال في «مملكة الفلسفة» حيث قال: «لقد وجدت الحركة العصرية في شعر إقبال أعظم معبر لها، فقد حول بعض أفكار برجسون ونيتشه إلى أفكار خاصة، ولم يكن فيما فعله مجرد صدى لآراء غيره، ولكنه كان مبتكرًا أصيلًا».
أما فيما يختص بفنه الشعري فقد وهبه الله قدرة خيالية فريدة فهو يرسم صورًا لا يمكن لغيره أن يصورها ويقدمها في إطار رائع بديع، وهو رغم ذلك لا يبتعد عن الحقيقة، بل هو — شأنه في ذلك شأن وردسورث وكيتس وشيلي — لا يُشق له غبار في وصف الطبيعة، وقد تجلى هذا في كتابه «بال جبريل».
وأما فيما يختص بقدرته على التعبير فإنه متقدم على من سبقوه بمراحل، إذ إنه ابتكر أساليب جديدة في التعبير وألبس الأسرار الغامضة والمعاني الخفية مظهر الوضوح في كلام جميل لا لبس فيه ولا إبهام.
بيد أن شهرة إقبال في بلاده تعود إلى توصله لفكرة إيجاد دولة مستقلة لمسلمي الهند، وعظمة شعره تتركز في أنه بعث الحياة وأحيا النشاط في شعبه، ولا شك أن رسالة الأمل والعمل واحترام النفس التي نادى بها هي التي أيقظت مسلمي الهند بعد رقاد دام عدة قرون.
ومع ذلك فإن إقبال لم يقصر هدفه على بعث مسلمي الهند وحدهم، بل إنه صور إمكان إنشاء حكومة إسلامية عالمية لا تعمل حسابًا للفوارق الجنسية أو الجغرافية ويكون هدفها خدمة الجميع.
ولقد جعل إقبال من الإنسان شيئًا عظيمًا، وبيَّن الوسائل التي يستطيع بها أن يستغل إمكانياته.
كان إنسانًا، وكانت إنسانيته هي مصدر عظمته، فإن شعره وفلسفته وسياسته كانت كلها أبلغ دليل على هذه الإنسانية.
والإنسانية في نظر إقبال هي الحافز الذي يدفع الإنسان ليجعل من نفسه مخلوقًا حرًّا لا عبدًا للدكتاتوريين السياسيين أو الطغاة المفكرين أو الجهلاء من دعاة الخرافات. وكان إقبال يؤكد أن شخصية الرجل لا يمكن أن تتبلور إلا في ظل الحرية وفي جوِّ الانطلاق، وهكذا فإنه في الوقت الذي كان العالم كله قد تعود حياة السيطرة السياسية راح إقبال يتغنى بقيمة الحرية.
وقد علَّمنا إقبال أن نُعنى بمن هم أضعف منا لا شفقة عليهم أو رحمة بهم وإنما تقديرًا لقيمتهم نفسها، وكان هو نفسه يحترم رجل الشارع للصفات المشتركة بينهما، ويرى أنه ليس هناك ما يسمى بالمخلوق الممتاز؛ فإن لكل إنسان — في نظره — ميزات خاصة به، وهذا وجه الخلاف بينه وبين الفيلسوف نيتشه الذي لم يُكنَّ سوى الازدراء لجمهرة الشعب أو لرجل الشارع، فلقد كان إقبال يتمسك بأرستقراطية روحية ترحب بكل من يرغب فيها وفي الانضمام إليها.
كان إقبال يريد أن يرى الأخوة المشتركة تربط بين بني البشر كلهم رغم تفرقهم إلى شِيَع ومجموعات بسبب العوامل الجغرافية وبعد المسافة بينهم، ولذا راح يبشر ضد التعصب القومي الذي لا يؤدي إلا إلى تشتيت شمل الناس والتفرقة بينهم، بل إنه لم ينادِ بتأسيس الباكستان إلا مدفوعًا بالعامل الإنساني الصرف، إذ إنه لم يكن يتصور أن يسيطر شعب على شعب آخر، أو أن يسيطر جزء من شعب على الجزء الآخر لا لسبب إلا لأن للأول أغلبية دينية.
وهكذا كان إقبال أول من راودته فكرة الباكستان، وليس ثمة شكٌّ في أن الدور الذي قام به في إحداث الثورة الفكرية بين مسلمي شبه القارة الهندية كان له أكبر الأثر في خدمة قضية المسلمين، وأن ظهور الباكستان إلى حيز الوجود دولة مستقلة قد أضفى على شخصيته كأديب وكفيلسوف وكسياسيٍّ عظمة فريدة في نوعها.
ويقول الأستاذ محمد مظهر سعيد: إن إقبال ورث حكمة الهند عن أسلافه البراهمة، كما ورث حب الإسلام عن آبائه المسلمين، ثم نهل من معين الفلسفة الغربية في أوروبا وحصل على إجازتها الجامعية من كامبردج وميونخ، وتأثر إلى حدٍّ كبير من تعاليم نيتشه في السوبرمان وبرجسون في التطور المبدع وكَنْت في الاتجاه العملي. ثم هو من جانب آخر تأدب بأدب الفرس وتأثر بشعر حافظ ثم عرَّج على التصوف فتأثر بمذهب جلال الدين الرومي.
أفلا يحق لنا أن نقول كما قال مهيار عن نفسه: «جمع المجد من أطرافه: حكمة الهند وفلسفة المغرب وأدب الفرس ودين العرب».
هذا هو إقبال رسول العصر الذي يقول عن نفسه: لست في حاجة إلى الأذن التي تسمعني اليوم فأنا صوت شاعر الغد أهدي الضال وأنادي بروح جديدة.
بينما كانت مصر تكافح في سبيل استقلالها، ومعاهدة ١٩٣٦ لا تزال في الميزان لم تعرض بعد على البرلمان البريطاني من ناحية والبرلمان المصري من الناحية الأخرى؛ كنت أطوف في بلاد الهند، وكان من حسن حظي أن اجتمعت بالسيد محمد إقبال.
كنت أظن أنني سأقابل رجلًا عُني بشئون الهند خاصة، وركز كل همه في أن ينال للمسلمين حقوقهم وسط الأغلبية الهندوسية.
ولكني لم ألبث أن وجدت نفسي بحضرة رجل اتسع أفقه السياسي حتى شمل الشرق بأكمله.
حدثني عن مصر فقال: كل ما يخطر ببال السياسيين المصريين عن الهند أنها بلد اتصل بمصر في العصور القديمة وقد يستدلون على ذلك بأن بعض العناصر العربية استوطنت مقاطعة حيدر أباد الدكن، وأن بهذه المقاطعة نهرًا يسمونه «النيل»، ولكن هذه النظرة التاريخية يجب أن تلازمها نظرة واقعية.
فمصر والهند ترتبطان برباط وثيق من الناحية السياسية الحديثة، فقد ابتُليت الهند بالاستعمار البريطاني ونُكبت مصر بالاحتلال البريطاني.
واليوم إذ قدِّر للهند أن تتخلص من الاستعمار البريطاني وسقطت هذه المستعمرة كما تسقط أوراق الخريف، ثم تلا ذلك سقوط مستعمرات التاج في الشرق الأقصى فسيكون من الطبيعي أن تخف وطأة الاحتلال البريطاني لمصر، ذلك الاحتلال الذي لا يسوغه في نظر البريطانيين إلا أنه تأمين للمواصلات الإمبراطورية.
ومن الناحية الأخرى إذا قدِّر لمصر أن تتخلص من الاحتلال البريطاني، وأصبحت قناة السويس — الشريان الحيوي للإمبراطورية — في يد غير بريطانية؛ فمن المقطوع به أن يتأثر الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية وقد يزول.
من ذلك يرى الإنسان ضرورة الترابط والتساند بين مصر وشبه القارة الهندية في محاولة التخلص من النفوذ البريطاني.
وقد وجهت للسيد إقبال سؤالًا فقلت: إذا كانت نظرية المسلمين تجاه الهندوس هي ما شرحت لي فكيف تعلل وجود مجموعة من خيرة المسلمين في معسكر المؤتمر؟
وهناك قال لي: أنا لا أحاول الدفاع عن موقف هؤلاء، وإنما أحيلك على ما قاله لي رجل من خيرتهم هو السيد سليمان الندوي، وكان السيد سليمان الندوي، رحمه الله، من خيرة المسلمين المساهمين مع حزب المؤتمر، وظل كذلك حتى تم التقسيم، ولكنه بعد ذلك انتقل إلى الباكستان.
يقول السيد سليمان الندوي: إن سيارة بغير «فرامل» لا تساوي شيئًا، ووجود المسلمين في حزب المؤتمر أشبه بوجود الفرامل في السيارة، فلو أن المسلمين انصرفوا كافة عن المساهمة مع حزب المؤتمر أو الدخول فيه لسارت سيارة المؤتمر بغير فرامل فيما يختص بالمسلمين ولتوالت النكبات بسرعة عليهم، أما وجود المسلمين في هيئة المؤتمر العليا فقد كان باعثًا على الدوام للعفة في التصرفات بإزاء المسلمين.
ثم عقَّب إقبال على ذلك فقال: هذه هي نظريتهم التي لا أنبري للدفاع عنها، ولكني أيضًا لا أنبري لنقدها.
ولما تطرق بنا الحديث إلى السياسة الدولية، كان رحمه الله يتوقع نشوب حرب عالمية بين يوم وآخر. فقال لي في لهجة الواثق: مما لا شك فيه أن الحرب القادمة ستكون آخر حرب تخوضها بريطانيا والهند مجندة إلى جانبها، ستستقل الهند خلال الحرب القادمة مهما كانت الظروف، وسيلعب الشرق الأقصى دورًا خطيرًا في هذه الحرب.
قد تستقل الهند كأثر لانتصار دول المحور ومن بينها اليابان، وقد تنتزع استقلالها من بريطانيا المنتصرة ثمنًا لمساهمتها معها في هذا النصر.
وفي خلال رحلتي في الهند اتصلت ببعض رجال السياسة في البنغال، وقد عرفت منهم أن من بينهم من اتصل بالساسة اليابانيين، ومهد لاحتمالات الحرب القادمة وموقف الهند منها.
وقد أسفرت الحرب العالمية الثانية عن أن شرقي الهند كان يتأثر لليابانيين، مما يدعم نظرية الاتصال الذي أشرت إليه.
ولكني لا أستطيع أن أقطع بأن السيد محمد إقبال كان على علم بهذه الاتصالات يوم أدلى إليَّ بهذا التصريح.
كان من مُنايَ أن أزورك في حياتك، ثم تمنيت أن أزور ضريحك بعد مماتك، وها أنا ذا أشرف بأن ألقي أمامك هذه الكلمات وأُودع ضريحك هذه الزهرات:
و«أرمغان الحجاز» في البيت الأخير معناها «هدية الحجاز»، وهو اسم آخر منظومة نظمها إقبال، وقد نشرت بعد وفاته.
وما كان مثلي، وقد قدم الهند، ليصبر عن زيارة ضريح إقبال وداره، فأعددت للسفر إلى لاهور ونظمت أربعة أبيات، وسألت نقَّاشًا في دلهي القديمة أن ينقشها على لوح من الرخام وحملتها معي، وسلمتها إلى القوَّام على ضريح إقبال لتوضع هناك.