مشكلة كشمير
هي أهم المشاكل التي تواجه باكستان اليوم … فإن كشمير وجمو من الناحية الجغرافية تعتبر جزءًا متمِّمًا لباكستان الغربية، أما من الوجهة الاقتصادية فإن كلاهما يعتمد على الآخر، فمثلًا أسواق الفاكهة والخضراوات التي تنمو في كشمير هي روالبندى وسيالكوت بالباكستان الغربية، كما أن المدينتين هما السوق الكبرى للأصواف والسجاجيد التي تُصنع هناك، وأقرب منفذٍ بحريٍّ طبيعيٍّ لتجارة كشمير الخارجية هي كراتشي عاصمة الباكستان.
وكما أن كشمير تعتمد كلية على الباكستان، فإن هذه بدورها تعتمد على الأنهار التي تنبع من كشمير أو التي تمر بأرضها، إذ إن أنهار الباكستان الثلاثة المهمة «السند وجيلوم وشناب» تنبع من كشمير وتصب في الباكستان. ولما كان خط الدفاع الحيوي للباكستان يقوم عند الطريق الحديدية التي تسير بموازاة الطريق البرية التي تبدأ من لاهور وتنتهي عند بشاور مارًّة بروالبندي، فإن احتلال الهند لكشمير يحطم هذا الخط الدفاعي ويهدد كيان الباكستان.
هذه هي حقيقة الأسباب الاقتصادية والجغرافية التي دعت باكستان إلى التمسك بولاية كشمير والمطالبة بها. فإذا أضفنا العامل الديني وهو تكوُّن غالبية السكان من المسلمين لَأدركنا عمق الخلاف القائم بين الهند وباكستان بسبب كشمير.
وقد زادت السياسة التي سار عليها حاكم هذه الولاية قبيل تقسيم القارة من تعقيد المسألة كما زاد من حدة النزاع عليها بين الهند وباكستان، ولكي نوضح هذه السياسة يجب أن نرجع خطوة إلى الوراء.
فقد حدث عند التقسيم في أغسطس من عام ١٩٤٧، وبعد ظهور الهند والباكستان، أن بقي في شبه القارة ٥٨٤ إمارة هندية صغيرة، بل أكثر من هذا العدد، كانت تتمتع قبل ١٥ أغسطس ١٩٤٧ بدرجات متفاوتة من السيادة.
وكان الأمراء الذين يتولون الحكم في هذه الولايات «الأميرية» يفخرون بمركزهم الذي يوازي مراكز الملوك، وكانوا يطلبون طاعة وولاء لا حد لهما من رعاياهم، كما كانوا يصرون على أن يلقوا الاحترام الذي يلقاه الملوك كلما سافروا إلى الخارج، وكان الواحد منهم يحمل لقب «مهراجا» إذا كان هندوسيًّا ولقب «نواب» إذا كان مسلمًا، وكان الحديث يوجه إليهم مسبوقًا بلقب «صاحب العظمة»، أما حاكم حيدر أباد فكان يحمل لقبًا خاصًّا هو «نظام» وكان الحديث يوجه إليه مسبوقًا بكلمة «صاحب العظمة السامية».
وكانت العلاقات بين التاج البريطاني وهذه الإمارات قائمة على المعاهدات التي خوَّلت للسلطة العليا في شبه القارة أن تتولى شئون السياسة الخارجية والدفاع في الإمارة على أن تضمن للأمير حقوق وراثة الحكم والاستقلال بالسلطة الداخلية، وهكذا كانت الهند البريطانية (أي قبل ١٩٤٧) ترتبط مع هذه الولايات الأميرية بنوع من الاتحاد الشخصي، وكان نائب الملك في الهند يعتبر ممثل التاج البريطاني لدى كل أمير في ولايته.
ولا شك أن هؤلاء الأمراء كانوا يفضلون الحياة في ظل هذه العظمة بعزلة عن الأحداث التي كانت تجري في الهند البريطانية، ولكن لم يكن في وسعهم أن يصدوا عن رعاياهم نسيم الحرية الذي كان قد أخذ يغمر شبه القارة حتى اكتسحها اكتساحًا، كانت الأحزاب السياسية قد أخذت تتكون في بعض هذه الولايات على غرار حزبَي المؤتمر الوطني (الهندي) والرابطة الإسلامية.
وفي عام ١٩٢١ أنشأ الأمراء لأنفسهم مجلسًا في دلهي، وكان الغرض الأساسي منه هو الاهتمام بدراسة التطورات السياسية في شبه القارة، وما إن بدأ التفكير يدور في منح الهند استقلالها، في ربيع ١٩٤٦، حتى أثيرت في الحال مسألة السيادة على الولايات «الأميرية» ولمن تكون.
فلما صدر قانون استقلال الهند قضى بمنح هذه الإمارات حريتها الكاملة واستقلالها وبزوال السيادة عنها.
وقد حدث بعد ذلك أن ظهر اللورد مونتباتن، نائب الملك في الهند وقتئذ، أمام مجلس الأمراء، وكان ذلك في يوم ٢٥ يوليو من عام ١٩٤٧، لكي يشرح للأمراء بصورة واضحة تطبيق قانون الاستقلال فيما يتعلق بهم، وقد أكد مونتباتن للأمراء أنه سيكون لزامًا عليهم أن يتنازلوا لحكومتي الهند أو باكستان عن شئون الدفاع والتمثيل الخارجي والمواصلات، وأنه في مقابل ذلك لن تتعرض إحدى الحكومتين — أي الهند وباكستان — للمسائل الداخلية أو المتعلقة بالسلطة في الولاية، ولكل ولاية أن تنضم بعد ذلك لإحدى الدولتين.
وأخذ مونتباتن يحث الأمراء على ضرورة اتخاذ قرار سريع لأن اليوم الحاسم — ١٥ أغسطس — كان يقترب بسرعة، فإذا حل اليوم المذكور كان عليهم إجراء أي نظام يرونه بوصفهم حكام دول مستقلة.
وكان من المسلَّم به أن الولايات الهندوسية ستتبع الهند والولايات الإسلامية ستتبع باكستان.
وكان من رأي قادة الهنود وقتئذ أن يكون أمر انضمام أية ولاية إلى الهند أو إلى الباكستان قائمًا على الرغبة التي يبديها شعبها لا بناء على رأي حكامها فقط.
وحدث بعد ذلك أن اضطربت الأحوال في ولايات حيدر أباد وجوناجادا وكشمير، فحيدر أباد كان يحكمها حاكم مسلم ولكن غالبية سكانها من غير المسلمين، وجوناجادا التي تلاصق الباكستان عن طريق البحر كان عليها حاكم مسلم ولكن أغلبية سكانها كذلك من غير المسلمين، أما كشمير فكان حاكمها هندوسيًّا ولو أن غالبية سكانها من المسلمين.
وقد كان لأمراء هذه الولايات الثلاث موقف خاصٌّ، إذ إنهم وقفوا موقف التردد بين الانضمام للهند أو لباكستان، وهم أمراء حيدر أباد وجوناجادا وكشمير، فما لبثت الإمارات أن اعتبرت مستقلة فعلًا من ١٥ أغسطس ١٩٤٧.
وكان لسياسة هؤلاء الأمراء أسوأ الأثر على رعاياهم الذين دفعوا ثمن سياسة الضعف والتردد.
فلما استقر رأي نواب جوناجادا فيما بعد على الانضمام إلى باكستان كان الجيش الهندي قد اقتحم حدود الولاية وأمَّن السكان على حقهم في تقرير مصيرهم، وكذلك حدث أن نظام حيدر أباد حاول أن يرجئ اتخاذ قرار حاسم فما لبث الجيش الهندي أن اقتحم الولاية وضمها إلى الهند في سبتمبر من عام ١٩٤٨.
أما في كشمير فقد أخذ المهراجا هو الآخر يؤجل اتخاذ القرار الحاسم الخاص بولايته من يوم إلى آخر مع أنه كان من المفروض أصلًا أن هذه الولاية ستنضم إلى باكستان بسبب أغلبيتها المسلمة، بل إن حرف «ك» في كلمة «باكستان» قد وُضع ليرمز إلى كشمير وكان ذلك منذ ولدت هذه الكلمة في عام ١٩٤٠ واتخذها مسلمو شبه القارة الهندية شعارًا يتطلعون إلى تحقيقه، ولم يجد الهندوس منذ ذلك الوقت سببًا يدعوهم إلى الاحتجاج أو المعارضة.
وقد حاول مونتباتن نفسه أن يتدخل في الأمر في شهر يوليو من عام ١٩٤٧ فزار مهراجا كشمير وقضى في الولاية أربعة أيام، ولكنه لم يتمكن في نهايتها من حث المهراجا على اتخاذ قرار إما بالانضمام إلى الهند أو باكستان.
وقد كانت هذه السياسة الحمقاء القائمة على التردد من جانب المهراجا هي التي سببت النكبات التي توالت فيما بعد على الولاية أولًا ثم على باكستان والهند.
فقد حل يوم ١٥ أغسطس من عام ١٩٤٧ وولاية كشمير لم تحدد موقفها من الدولتين الكبيرتين، كما أن رغبات الأغلبية العظمى من السكان لم تتحقق … ولما أراد المسلمون في ذلك اليوم المشهود الاحتفال بيوم الباكستان أمر المهراجا بتمزيق الأعلام التي رفعوها وبإغلاق جميع الصحف الموالية لباكستان.
وتابع المهراجا بعد ذلك سياسة العسف والشدة، وإن كان قد ارتبط مع الباكستان في ١٥ أغسطس من عام ١٩٤٧ بميثاق انتقلت بمقتضاه إلى الباكستان الواجبات والمسئوليات التي كانت تضطلع بها حكومة الهند قبل التقسيم في جمو وكشمير فيما يتعلق بالمواصلات والبريد والبرق.
ومن الغريب أنه لم يبرم مثل هذا الاتفاق مع الهند.
وتظاهر المهراجا بأنه يريد أن يقف موقف المحايد بين الهند وباكستان، ولكنه في حقيقة الأمر كان لا يرغب إطلاقًا في أن يعلن انضمام الولاية لباكستان.
وهكذا أخذت الثورة تسري في نفوس السكان ولم يكن المهراجا يجهل ذلك، كما أنه لم ينتقص من خطورة الموقف فأخذ في تقوية الحاميات العسكرية المكوَّنة من السيخ والهندوس في المناطق الإسلامية، وأصدر أمرًا في أواخر شهر يوليو يقضي بأن يسلم المسلمون أسلحتهم للبوليس.
وكان رد المسلمين على هذا أن بدءوا في تنظيم صفوفهم استعدادًا لحرب العصابات واتخذوا مقرهم في تلال «بونش» الغربية، وكان قائد الحركة كشميري شاب هو السردار محمد إبراهيم خان الذي شرع في تنظيم المقاومة وأخذ يستثير الروح الوطنية في نفوس مواطنيه، ولما أحس به المهراجا وأصدر الأوامر بالقبض عليه تمكن من الهرب إلى باكستان، وفي مدينة موري وضع أساس حركة تحرير البلاد وهي الحركة التي تمخضت بعد ذلك عن مولد أزاد كشمير أو كشمير الحرة.
وأخذت الأيام تمضي والمهراجا مستمرٌّ في سياسة القمع والشدة ضد المسلمين حتى تطور الموقف في أواسط شهر أكتوبر وبدأ القضاء على المسلمين «بالجملة»، فاحتجت الباكستان على ذلك وتبادلت حكومتها مع حكومة المهراجا عدة برقيات شديدة اللهجة، وفي إحدى هذه البرقيات عرض المهراجا إجراء تحقيق محايد في الموضوع كله، ولكنه أشار في نهاية برقيته إلى أنه إذا لم يُلبَّ هذا الطلب فإنه لن يجد مناصًا من طلب المعونة لمقاومة الأعمال العدائية التي توجه ضد بلاده.
وقد أدركت حكومة باكستان في الحال أن إشارة طلب المعونة معناها الالتجاء إلى الهند، وثبت لديها بصورة قاطعة أن الرجل يبيت أمرًا.
وفي خلال معركة البرقيات بين كراتشي وسرينجار أطلق سراح الشيخ عبد الله وهو زعيم المؤتمر الوطني، وكان قد حكم عليه بالسجن لمدة تسعة أعوام في شهر مايو من عام ١٩٤٦ بسبب حملة «اخرجوا من كشمير» التي قادها ضد المهراجا، وقد عرف فيما بعد أن الإفراج عن الشيخ عبدالله جاء نتيجة وساطة حكومة الهند.
وما إن أفرج عن الشيخ عبدالله حتى عقد الرجل اجتماعًا كبيرًا نادى فيه بأن أول طلب يتقدم به سكان كشمير هو ضرورة نقل السلطة إلى الشعب، على أن يترك بعد ذلك لممثلي الشعب في كشمير الديمقراطية أن يقرروا هل ينضمون إلى باكستان أم إلى الهند.
ورغم ما يبدو في هذا المطلب من إخلاص فإنه مما لا شك فيه أنه كان يحمل في طياته معنى الولاء للهند … أو فلنقل روح العداء لباكستان ما دامت القاعدة التي سارت عليها الولايات الأميرية كلها في الانضمام لإحدى الدولتين كانت قاعدة الدين الغالب في الولاية.
وبعد الإفراج عن الشيخ عبد الله بأيام قليلة زار نيودلهي، حيث أدلى بتصريح عارض فيه الانضمام لباكستان مصرًّا على ضرورة «الحرية قبل الانضمام».
وفي ٢١ أكتوبر من عام ١٩٤٧ وقبل انقضاء تسعة أسابيع على استقلال الهندوس والمسلمين بعد استعمار دام نحو قرنين من الزمان، اشتعلت نار الحرب القومية في شبه القارة.
وبسرعة غريبة تمكن رجال القبائل المغيرة من احتلال مظفر أباد وأورى بعد أن هزموا قوات الجيش، وانضم إليهم في جمو ثوار أزاد ومتطوعو باكستان الذين أقبلوا من غرب البنجاب، وقد تولى قيادة هؤلاء المحاربين الجنرال أكبر خان، الذي أُطلق عليه اسم «الجنرال طارق» تشبهًا بطارق بن زياد الذي غزا إسبانيا ونشر فيها الإسلام.
وقد دب الفزع في سرينجار على أثر الغزو الذي قام به رجال القبائل وأصبح الشيخ عبدالله بطلًا من أبطال الدفاع، ووقع اضطهاد جديد على المسلمين الذين عُرف عنهم أنهم من أنصار الانضمام لباكستان. وهكذا اشتعلت النار في كشمير وجمو كلها واشترك السيخ والهندوس وقوات الولاية واللاجئون في القضاء على المسلمين، وأخذ المسلمون في الفرار من الولاية حتى بلغ عدد الذين لجئوا إلى باكستان في بحر أيام قليلة نحو ١٠٠ ألف لاجئ، وصلوا إليها ومع كل منهم قصة من قصص الرعب والفزع.
ودافع المهراجا والزعماء الهنود عن موقفهم فادَّعوْا أن المغيرين من المناطق الشمالية بالباكستان هم الذين بدءوا في إيجاد حالة الاضطراب. والواقع أن ما حدث بكشمير لم يكن إلا نتيجة طبيعية لمحاولة المهراجا ضم ولايته المسلمة إلى الهند ووقوفه ضد رغبات شعبه ونتيجة لسياسته في سحق المعارضة، إذ لم تؤدِّ هذه السياسة التي سار عليها هو وقواته إلى قيام ثورة مسلحة في داخل بلاده فقط، بل كان لها أكبر الأثر في المناطق المجاورة بسبب روابط الجوار والدم.
وكان من نتيجة ذلك أن فشلت حركة كشمير «الحرة» وهرب المهراجا قبل ٢٦ أكتوبر سنة ١٩٤٧ من عاصمة ملكه سرينجار إلى جمو، ومن هناك كتب خطابًا إلى حاكم عام الهند طلب إليه فيه أن يرسل له قوات هندية، ولما لم يكن من الممكن أن يتم ذلك إلا إذا ضم بلاده إلى الهند فإنه عرض على الهند أن ينضم لها!
واستجابت الهند لهذا النداء وبعثت بقواتها إلى كشمير بالطائرات واحتلت سرينجار، فاضطرت باكستان إلى الهجوم بقواتها على كشمير من حدودها الغربية مستعينة بقوات من المجاهدين الوطنيين من أهالي كشمير الذين أعلنوا عصيانهم ضد المهراجا.
وظلت المعارك دائرة بين الجيش الهندي والباكستاني مدة طويلة حتى لجأت الهند إلى مجلس الأمن، الذي أمر بوقف القتال بين الطرفين وأرسل بعثة من المراقبين الحربيين نجحت في وقف القتال وحددت خط الهدنة بين الجيشين المتحاربين حتى يتم الوصول إلى حلٍّ سلميٍّ. وتحتل الهند الآن منطقتي جمو ووادي كشمير بأكمله، كما تحتل باكستان معظم المناطق الشمالية والغربية، والموقف هناك أشبه بالموقف في فلسطين.
إنه لمما يؤسف له أعظم الأسف أنه حتى اليوم يقوم بعض أعضاء الحكومة الهندية، ومنهم أنت، بالإدلاء بتصريحات عن عزمهم، أو عن أملهم، بإعادة باكستان إلى الاتحاد الهندي، وهم يعلمون حق العلم أن هذا لا يمكن أن يتم بدون الغزو المسلح.
إن الهند لم ترحب مخلصة بمشروع تقسيم شبه القارة إلا أن زعماءها قبلوه صاغرين حتى يطردوا القوات البريطانية منها، وقد خرجت الهند اليوم لتقضي على دولة باكستان، وإن نفس قرار انضمام جمو وكشمير للهند يعتبر عملًا عدائيًّا موجهًا ضد باكستان التي تستهدف الهند دمارها.
إلا أن جواهر لال نهرو سارع إلى دفع التهم بكل شدة، ولم يكتفِ بذلك بل إنه ذكر أن اشتراك باكستان في القتال بكشمير يعتبر عملًا عدوانيًّا.
وذكر الوسيط أنه كان يزور غلام محمد بعد ظهر يوم من الأيام، وتحدث غلام محمد عن كشمير ثم قال وهو يختتم حديثه: لقد كنت صديقًا لنهرو مدة ثلاثين عامًا، ولقد حاربنا سويًّا ضد الإنجليز، والآن قد تحررنا وأصبح لكلٍّ منا دولته المستقلة، ولكن نهرو يكره مجرد وجود باكستان وهو يريد أن يقضي علينا.
«وبعد، فإن في وسعه أن يفعل ذلك فلديه الجيش والعتاد، وفي وسعه أن يسير بجيوشه إلى كراتشي وأن يقتحم هذا البيت وأن يطعن قلبي بخنجره ولكنني محالٌ أن أسلم، وستعيش إلى الأبد الفكرة السامية التي عشت من أجلها … ومحال أن نتنازل عن كشمير».
كما هتفوا بحياة الاتحاد بين الهند وكشمير.
ويقول الراوي: «إن كل من عاش في أمة من الأمم المكبوتة الحرية وعرف الطرق التي تنظم بها المظاهرات السريعة للتعبير عن الآراء، كان في وسعه أن يدرك أن هذه الطرق تكاد تكون واحدة في كل أنحاء العالم!»
إنني أريد أن أقول لكم إن هؤلاء القوم يكتمون حريتنا.
فلتحيا باكستان …
وقد أزعج هذا الحادث أعضاء اللجنة إذ كان المسئولون قد أكدوا لها أن سكان كشمير يتمتعون بحرية الرأي، ولذلك فقد طلبت من أصحاب الدعوة استدعاء الرجل للمثول أمام اللجنة، وبعد دقائق ظهر أمام اللجنة رجل غيره باعتباره الشاب الذي ألقى الورقة وصاح بحياة باكستان، ولما ذكر أعضاء اللجنة أن هذا الشاب الذي جيء به ليس هو الذي هتف، قال الشاب: نعم! إنني شخص غيره … وصديقي في السجن ولكن هذا لا يهم … ففي وسعي أيضًا أن أخبركم أننا نريد الانضمام لباكستان!
•••
وقد تم الاتفاق بين هيئة الأمم المتحدة من جهة وبين حكومتي الهند وباكستان من الجهة الأخرى على أن يمنح أهالي كشمير حق تقرير المصير، وقد قدم الوسيط المعين لهذه المهمة عددًا كبيرًا من المشروعات الخاصة بطريقة تقرير المصير وكانت كلها تقابل بالرفض إما من جانب الهند أو باكستان.
ولما عُيِّن السيد محمد علي رئيسًا لوزراء الباكستان أراد أن يحسن العلاقات بين بلاده وبين الهند مستعينًا بصداقته القديمة للبانديت نهرو، فبذل عدة محاولات لحل مشكلة كشمير وفعلًا تمت عدة مقابلات بينهما في دلهي وكراتشي، إلا أنه لم تظهر في الأفق أي نتيجة بعد. وتحرج الموقف بعد ذلك بين الهند وباكستان بسبب المساعدات العسكرية التي تقدمها أمريكا لباكستان واستنكار الهند لهذه السياسة، مما جعلها توعز لكشمير المحتلة بتأليف جمعية تأسيسية تشبه «الجمعية التشريعية» وقد قامت الجمعية بإعلان انضمامها إلى حكومة الهند، وهي مناورة سياسية بارعة قصدت بها الهند إحراج باكستان والأمم المتحدة إلا أن الأمم المتحدة لم توافق على ذلك، وما زالت بعثتها في كشمير تؤدي مهمتها حتى ينفذ قرار تقرير المصير.
وفي خلال هذا الصراع الدامي حول كشمير، وقد بلغ عمره اليوم أكثر من ثمانية أعوام، يبدو أن العالم الحر كله قد نسي أو تناسى أن هناك خطرًا جاثمًا تحت هذه المشكلة … بل يبدو أن الفريقين المتنازعين نفسهما قد نسيا أو تناسيا ذلك …
يبدو أن الجميع قد نسوا ذلك المثل القائل: «عندما يتقاتل الأسد والنمر ينتهز الثعلب الفرصة ويهرب بالفريسة» …
فإن الأخطار السياسية التي تنجم عن هذا النزاع حول كشمير، وهذا التهديد القائم بنشوب الحرب بين الهند وباكستان بسبب هذه المشكلة، وذلك العبء الاقتصادي الذي تحتمله الدولتان بسبب الاحتفاظ بقوات عسكرية كبيرة في تلك المنطقة … كل هذه بواعث كفيلة بإثارة القلق …
ولكن أهم من ذلك كله أن حالة عدم الاستقرار التي تعانيها الولاية نفسها سواء من الوجهة السياسية أم من الوجهة الاقتصادية تساعد على انتشار الشيوعية بين السكان بطريقة منتظمة … ولا شك أن كشمير بمشاكلها الاقتصادية واضطراب أحوالها الداخلية ومنازعاتها الدينية، وبوضعها الجغرافي الملاصق لسنكيانج وتبت وهما من البلاد الشيوعية … إنما تقدم أرضًا خصبة جدًّا لانتشار الشيوعية.
وإذا كان الموقف في كشمير متوترًا إلى هذا الحد يهدد بالانفجار أو يهدد بانقلاب شيوعيٍّ في تلك الولاية، فإن ذلك بلا شكٍّ ينطوي على تهديد للسلم في شبه القارة الهندية كله بل في قارة آسيا … بل لماذا لا نقول إنه يعتبر تهديدًا للسلم العالمي كله؟
وعندما قبلت باكستان المعونة الحربية الأمريكية في مستهل عام ١٩٥٤ أعلن نهرو أن ذلك من شأنه أن يحول شبه القارة إلى «منطقة حرب»، ولكن الواقع هو أن سياسة السوفييت وأساليبهم في الحرب السياسية تقوم على تحويل أي منطقة من المناطق إلى «منطقة حرب».
فمن وجهة نظر السوفييت تعتبر كشمير المنقسمة على نفسها مثل كوريا المنقسمة، أو مثل الهند الصينية المنقسمة، أو مثل ألمانيا المنقسمة، أو مثل النمسا.
ولو كانت كشمير اليوم متحدة في ظل نظام ديمقراطي، ولو اتخذت مكانها هنا أو هناك بما يحقق رغبة سكانها، لعجز السوفييت عن أن يتخذوا منها رأسًا للسهم الذي يريدون أن يصوِّبوه إلى شبه القارة في هذا الجزء من العالم.
من هنا (أي من خليج إستراباد) إلى بلخ وباداكشان تستغرق الرحلة ١٢ يومًا فقط على ظهور الجمال، ومن ذلك الطريق إلى الهند لا يمكن لأحد أن يعترضنا.
وقد حاول ستالين بعد ذلك أن يسير في نفس الطريق الذي سار فيه القياصرة، ونشط الحزب الشيوعي الهندي الذي كان يعمل في شبه القارة كله منذ عام ١٩٢٠ في سبيل نشر مبادئه، ولم يعترف الحزب بقسمة شبه القارة إلا في شهر مارس من عام ١٩٤٨ فانقسم هو الآخر إلى الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي الباكستاني.
ولم يلقَ الحزب الشيوعي الباكستاني نجاحًا يُذْكر في داخل الرابطة الإسلامية رغم ما بذله من نشاط، أما في الهند فكان له شأن آخر.
وإذا كان الشيوعيون، سواء في باكستان أم في الهند، لا يمثلون خطرًا مباشرًا في الوقت الحاضر. إلا أن الحالة الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة الذي لا يمكن تحسينه فورًا ويجب أن يستمر على حاله بضع سنوات أخرى، يقدمان للشيوعيين حقلًا خصيبًا لمباشرة نشاطهم.
ولذلك يتفق المراقبون، حتى ولو لم يكن التهديد الشيوعي مباشرًا، في أن الموقف لا يدعو إلى الارتياح أو الطمأنينة، وخاصة إذا لم يدرس على حدة وإنما على ضوء اتصاله بالموقف في الناحية الأخرى من الحدود، أي في وسط آسيا السوفييتية وفي سنكيانج والتبت.