خاتمة
مضى على زواجي بشادي عشرةُ أشهر، أما كيف حدَث ذلك فقد تعذَّر لشادي اللحاق بي إلى بيروت؛ فبعد أن فرضَت لبنان التأشيرة على السوريين لدخول أراضيها لم يتمكَّن شادي من الحصول على واحدة. طلب مني والداي العودة إلى حلب، لم أقبل طبعًا؛ فقد قطعتُ نصف الطريق الأصعب لأصل إليه، ألا أملك القوة لأكمل نصفه الآخر؟ قام زوج خالتي بعقد قراني على شادي غيابيًّا، ثم تمكَّنتُ من إقناع عائلتي بالسفر إليه وحدي من غير علمه. لم يوافق والدي في أول الأمر، لكنه حين علم بوجود السيدة سمر التي تعهَّدَت بالاعتناء بي، واستقبالي من المطار اطمأنَّ ووافق على مضض.
سافرتُ إلى شادي وحدي، لم أكن أتخيَّل أنني سأتمكَّن من فعلِ ذلك يومًا ما، لكن الظروف تتغير ويتغير معها كل شيء. أيقنتُ أن شادي هو الرجل الوحيد الذي أستطيع الاعتماد عليه طَوالَ حياتي، وأنه لن يخذلَني، وقد وهبَني ذلك قوةً كبيرة. ساعدَتْني السيدة سمر صديقة رندة كثيرًا، واستضافَتْني في بيتها. لم أكن أعرف رقم شادي أو أين يسكن تحديدًا. لن أنسى ذلك اليوم حين رأيتُه أول مرة بعد انقطاعٍ طويل، كان أنحف كثيرًا، مع نظارةٍ طبية يرتديها. كنتُ في حُلمٍ حقيقي، فرحتُ وحزنتُ وبكيتُ وضحكتُ، أما هو فقد ظل يُردِّد: «مجنونة، مجنونة.»
أخي سعيد وسلمى العزيزة ينتظران فرجًا ما يجمعهما مجددًا بعد عذابات وأشواقٍ كثيرة، كم أحزن لهما! فبعد معجزة زواجهما افترقا ولم يلتقيا إلى الآن، يا لِسلمى المسكينة! ويا لسعيد البائس!
فاطمة الآن في الصف السادس وهي من بَقِيَت عند أهلي في حلب، وأبي وأمي لا يزالان هناك، أُحدِّثهما كلما تحسَّنَت الاتصالات لديهم.
رائد أصدَر ألبومه الخاص، وهو يتنقَّل بين بيروت ومصر والخليج، يُحيي حفلات بين الحين والآخر، لم يتزوج إلى الآن، وهو يزداد شهرةً وغنًى بالتأكيد. أما الملك سليمان فبعد أن علمتُ أنه كان صديق نادر رحمه الله، وأنه أثَّر في تزايُد الحقد والغضب في قلبه، وهذا ما أدى بطريقة أو بأخرى إلى موته، فإنني انهرتُ تمامًا وقطعتُ علاقتي به. وصحيح أن ذلك كان صعبًا جدًّا عليَّ وأوصلني إلى الحضيض، لكنني لم أكن أستطيع إكمال طريقي معه، هذا كان أفضل. أحمد الله أن وهبني القوة على المضيِّ في قراري وعدم العودة عنه. سمعتُ أنه لم يرتبط بامرأة إلى الآن، وسمعتُ أيضًا أنه ينوي الذهاب إلى الحج. كلما تذكَّرتُه أدعو له بالخير.
جدو نور ورندة الجميلان يقيمان في حلب وقد أرسلا لي صورة لهما ورندة ترتدي العِقد ذا الحجر السماوي، وأنا أرجوهما في كل رسالةٍ أن يزوراني هنا في صنعاء. رندة الآن تعمل أستاذة في جامعة حلب، لقد صارت زميلة جدو في عمله! يا للروعة!
أما شادي فمن كان يدري أن رسالةً عَبْر الإنترنت وصلت إليَّ بالخطأ قادَتْني إليه؟ هو الآن يعمل في شركة للآثار، وغدًا يفتتح معرضه الأول للوحاته في فن الخط العربي في كلية الفنون الجميلة في صنعاء، أما أنا فأدرس إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية هنا، أخيرًا تحقَّق حُلمي في الالتحاق بالجامعة! أعمل مساءً في إحدى الجمعيات الخيرية بتدريس الفتيات القراءة والكتابة، وهو عملٌ ساعدني كثيرًا وألهمَني ووهبَني سعادةً غامرة، ومن يدري، لعلني به قد وصلتُ إلى تحقيق مكانتي في هذا العالم!
لا يُوجد خطأ أبدًا، ولا مصادفة، حين ترتمي في أمواج الأقدار الإلهية لن ترى إلا خيوطًا معقَّدة متشابكة، ستغضب وتشعر بالظلم. أما حين تنتهي اللوحة، فابتَعِد قليلًا وستجد أن هذه الأقدار صنعَت لك خصيصًا أجمل لوحة، وأن خيوطها غَزلَت لروحك أروع نسيج!
المدينة المنورة، ٦ / ٨ / ٢٠١٨م