«لانو» ينصب الفخ!
كان أحد مقاهي الشاطئ قد فتح أبوابه في تلك الساعة المبكرة من الصباح، فقال «ليو»: هيا بنا نتناول طعام الإفطار ثم نفكر فيما سنفعله … إننا لا نستطيع البحث في المحيط كله عن اللنش … وعن المطاردين.
كان أقرب مقهى هو مقهى «سمكة القرش» وكان نموذجًا لمقاهي الجنوب … مبنيٌّ من الخشب، وتمتد أمامه حديقة تفوح رائحة الأزهار الاستوائية منها … وأحسَّ «أحمد» (رغم الظروف) أنه سعيد … وتناول إفطاره بشهية، وشرب الشاي … وهو يفكر في الساعات القادمة، ولكن تفكيره لم يستمر طويلًا … فقد ظهر «أوزي» الصغير عند الشاطئ مرة أخرى.
وقال «أحمد»: «ليو» … انظر … إن «أوزي» يقف عند إحدى الأشجار!
ليو: نعم … إنني أراه، ابقَ أنت مكانك وسأذهب إليه.
أسرع «ليو» في اتجاه «أوزي»، وكان الولد الصغير يقف مرتعدًا من ريح الصباح الباردة، فقد كانت ملابسه مُبلَّلة بالمياه …
قال «أوزي»: لقد هاجمونا بعد رحيلكما بقليل!
ليو: مَن هم؟
أوزي: رجال السواحل … خفر السواحل!
ليو: هل ذهبوا بكم إلى قسم البوليس؟
أوزي: لا أعرف، لقد استطعت أن ألقي بنفسي في المياه وأهرب.
ليو: وكيف عرفت مكاننا؟
أوزي: لقد ذهبت إلى مكان رسو اللنش، ثم سرت على الرمال … أقتفي آثار أقدامكما على الرمال!
ليو: مدهش … إنك ولد ذكي يا «أوزي» … هل تعرف كيف تعود إلى المكان الذي أسروا فيه اللنش؟
أوزي: ليس بالضبط … ولكنه في منطقة الأحراش الشمالية، حيث تكثر الغابات على الشاطئ!
ليو: انتظرني هنا.
عاد «ليو» إلى «أحمد» وروى له ما حدث، واتفقا على استئجار سيارة، وأسرع «ليو» ليقوم بهذه المهمة، بينما أخذ «أحمد» يبحث عن محل ملابس يفتح أبوابه في هذه الساعة المبكرة ليشتري ملابس ﻟ «أوزي»، ولحسن الحظ وجد محلًّا صغيرًا يسكن صاحبه فوقه، وكان قد نزل لفتح المحل، فطلب منه بعض الملابس سريعًا، ودفع ثمنها، ثم أسرع إلى الشاطئ.
كان «أوزي» يرتجف من البرد تحت شجرة، محاولًا الاحتماء بها من الهواء البارد، والأنظار، ولم يكد يرى «أحمد» حتى قفز من مكانه … وسلمه «أحمد» الثياب قائلًا: غيِّر ثيابك، وهيَّا لتتناول طعام الإفطار …
في دقائق قليلة بدَّل «أوزي» ملابسه الرثة المبللة بملابس جديدة دافئة، وكان يبتسم وهو يسير بجوار «أحمد» سعيدًا إلى المقهى … وبينما كان الولد الصغير يتناول إفطاره، كان «أحمد» يحصل منه على المعلومات الضرورية … ومن فمه المحشو بالطعام كان يتحدث قائلًا: لقد حاول صديقاك المقاومة … ولكن المدافع الرشاشة التي كانت تطل علينا من الزورق المسلح جعلت المقاومة مستحيلة!
أحمد: هل أنت متأكد أنه زورق حكومي من خفر السواحل؟
أوزي: طبعًا … فقد كانوا يرتدون الملابس الرسمية!
أحمد: وماذا طلبوا منكم؟
أوزي: لم يطلبوا شيئًا سوى الاستسلام، وقالوا في مكبر الصوت إن أي محاولة للإفلات ستنتهي بتدمير اللنش.
أحمد: وماذا بعد ذلك؟!
أوزي: نزل خمسة رجال مسلحين بالمدافع الرشاشة، ووضعونا جميعًا في غرفة الصالون، كنت أجلس بجوار نافذة مفتوحة … وفكرت في الهرب، ولكنني قررت أن أعرف أولًا إلى أين سيذهبون بنا.
أحمد: إنك ولد شجاع حقًّا يا «أوزي»!
بعد قليل، ظهر «ليو» قادمًا في سيارة من طراز «هوندا»، وكان «أوزي» قد انتهي من طعامه، ثم قفز الاثنان إلى السيارة وانطلق «ليو» مسرعًا.
كان طريق الكورنيش ما زال خاليًا في هذه الساعة المبكرة من الصباح، فانطلقت السيارة مسرعة … وكان «ليو» يعرف منطقة الأحراش في شمال المدينة فاتجه إليها رأسًا …
وعلى جانب الطريق، شاهد «أحمد» أحد باعة الصحف، فطلب من «ليو» التوقف عنده، وطلب من «أوزي» أن يشتري صحف الصباح كلها … كان يريد البحث عن أخبار التحقيقات التي تُجريها السلطات حول مصرع «كوان يو» … وتناول «أحمد» الجرائد الإنجليزية وسأل «أوزي» هل تعرف القراءة؟
رد «أوزي»: نعم يا سيدي!
أحمد: إذن، ابحث في الجرائد المحلية عن أية أخبار خاصة بالتحقيق في مصرع «كوان».
بينما أخذ «أحمد» يقرأ باهتمامٍ الحوادثَ الداخلية … فجأة وجد صورة «كوان» في زاوية من إحدى الصفحات الداخلية … وبدأ يقرأ ما كُتِب عنه …
انتهاء تشريح جثة «كوان يو» …
انتهي الطبيب الشرعي من تشريح جثة «كوان يو» التي عُثر عليها في أحد الأنهار قرب «باتنجاس»، وأشار تقرير الطبيب الشرعي إلى أن «كوان» مات نتيجة إطلاق الرصاص عليه من قرب، حيث أصابته الرصاصات في رأسه وصدره، فقضت عليه في الحال، ثم أُلقيَت جثته في الماء … وحتى الآن لم يتقدم أحد لاستلام الجثة، ويبدو أن القتيل ليس له أقارب … وصرح «موريس لانو» نائب الحاكم بأن جثة «كوان» ستظل أسبوعًا آخر قبل دفنها … وأنه يرجو ممَّن يهمه الأمر الاتصال به لتسهيل تسليم الجثة إليه …
وطوى «أحمد» الصحيفة، واستغرق في تفكير عميق، فالمعلومات التي تركها «كوان» أن «موريس لانو» نائب الحاكم، هو زعيم عصابة «التاجالوجا» المخيفة التي تسيطر على تجارة المخدرات في المنطقة … ومن الواضح أنَّ تدخُّله في قضية «كوان» ومصرعه بهذه الصورة القصد منه معرفة مَن هم خلف «كوان»، وأي شخص سيتقدم لتسلُّم جثته سيكون موضع متابعة.
ومضت السيارة في طريقها، واقتربت من منطقة الأحراش، وظهرت سيارة في المرآة الجانبية؛ أخذت تقترب تدريجيًّا من سيارتهم … كانت من طراز «جاجوار» … وهي سيارة نادرة في هذه البلاد …
اقتربت «الجاجوار» الزرقاء حتى أصبحت بجوارهم … وشاهد «أحمد» ثلاثة رجال، كان أحدهم (الذي يجلس بجوار السائق) يبدو كالغوريلا … وقد التفت إليهم يتأملهم في إمعان …
وأحنى «ليو» رأسه قليلًا وهو يقول: إنه أحد رجال العصابة!
ونظر «أحمد» إلى الكرسي الخلفي، وشاهد الرجل الثالث، وتذكره … وكان أحد الرجال الذين هاجموا «دانج» في المقهى …
قال «ليو»: إن السيارة ذاهبة إلى مقر العصابة، ومن سوء الحظ أن ترانا!
أحمد: تباطَأْ قليلًا … ودعنا نرى ماذا سيفعلون؟