«مامبا»!
سارت السيارة «الجاجوار» الزرقاء بجوار «المازدا» قليلًا، ثم انطلقت مسرعة، وسرعان ما غابت عن الأنظار.
وقال «ليو»: إنهم سينتظروننا.
أحمد: إنهم لن ينتظروا!
ليو: ماذا تعني؟
أحمد: أعني أنهم سيرسلون سيارة أو أكثر لمطاردتنا، إنهم لن يقتلونا، فقط سيحاولون أَسْرنا!
ليو: وماذا ترى؟
أحمد: سننتظر ماذا سيفعلون، ولكن سِرْ على مهل!
كان «أحمد» يفكر: إنه بلا سلاح، ومسدس «ليو» لا يصلح كسلاح للقتال مع عصابة بهذا الحجم، وكان تفكيره في المدافع الرشاشة التي تركوها في الفندق، فلو كان معه واحد لكانت له حسابات أخرى … فماذا يفعلون؟
هل يقع في الأسر هو الآخر أم يحاول إنقاذ «رشيد» و«عثمان» أم يعود لإحضار السلاح؟ ولكن السلاح الآن في «مانيلا».
وسأل «أحمد» «ليو»: ما هي المدة التي نستغرقها في الذهاب إلى «مانيلا» والعودة بالسيارة؟
ردَّ «ليو»: ثلاث ساعات تقريبًا للذهاب، ومثلها للعودة!
فكَّر «أحمد» لحظات ثم قال: إذن، هيَّا بنا.
وأخذ «ليو» ينظر خلفه حتى يرى السيارات القادمة، وفي هذه اللحظة ظهرت سيارة قديمة تسير على مهل، قادمة من طريق جانبي مقابل «المازدا» بالضبط، واضطُرَّ «ليو» للانتظار حتى مرت السيارة، ثم استدار ومضى في طريقه عائدًا، وأصبح بجوار السيارة القديمة، وفجأة امتدت يد من السيارة القديمة وألقت بشيءٍ في داخل سيارتهم ثم أسرعت مبتعدة …
صاح «ليو»: قنبلة!
أحمد: ليست قنبلة!
وصرخ «أوزي»: ثعبان «المامبا»!
وأخذ الولد الصغير يصرخ، وارتبكت عجلة القيادة في يدي «ليو» وأخذت السيارة تترنح، وحاول «أوزي» أن يفتح باب السيارة ويقفز، لولا أن «أحمد» صاح: لا تخافا!
وكان الثعبان مصابًا بالذعر هو الآخر، وقد تسلل إلى المقعد الخلفي؛ وتلوَّى فوقه رافعًا رأسه، وقد انزوى «أوزي» في الجانب الآخر من المقعد، وهو يرتجف، فثعبان «المامبا» هو أضخم الثعابين في الدنيا، وأشدها فتكًا وشراسة.
كان «أحمد» كواحد من الشياطين اﻟ «١٣» قد تمرن في المقر السري على مثل هذه المواقف … ومع مختلف الحيوانات؛ لهذا فقد أخذ يشير بيديه في شكل دائري أمام وجه الثعبان حتى يلفت نظره إليه، وهو في نفس الوقت يحدِّث «ليو» قائلًا: اهدأ، واستمر في مطاردة السيارة القديمة؛ فسوف نرد لها الهدية!
وفجأة انقض «أحمد» على الثعبان، وأمسكه من تحت رأسه مباشرة … كان الثعبان قويًّا، ولو استطاع الالتفاف حول ذراع «أحمد» أو رقبته لقضى عليه … ولكن قبضة «أحمد» الحديدية لم تترك للثعبان حرية الحركة …
وصاح «أحمد»: «ليو» … اقترب من العربة.
وأسرع «ليو» حتى حاذى العربة القديمة، واستجمع «أحمد» كل قوته ثم جذب الثعبان، وقذفه في داخل السيارة الأخرى صائحًا: هديتكم رُدَّت إليكم!
سمعوا الصراخ المنبعث من السيارة الثانية، فقد أطبق الثعبان على قائدها، وشاهدوا السيارة وهي تترنح على جانب الطريق، ثم تهوي من الارتفاع الشاهق، وصوت سقوطها يدوي في هدوء الصباح … والشاطئ …
قال «ليو» مبتسمًا: إنك فعلًا شيطان … فلم أكن أتصور أن في إمكانك أن تفعل هذا!
أحمد: كل شيء يأتي بالتمرين! والآن، انطلق سريعًا إلى «مانيلا»؛ نريد أن نعود مع الظلام!
ليو: أمامنا متسع من الوقت.
قال «أوزي» من المقعد الخلفي: إنك يا سيدي أستاذ!
ومد «أحمد» يده، وأخذ يربت على شعر «أوزي» الجميل وهو يقول: سوف تصبح أستاذًا أفضل.
أوزي: إنني أتمنى الانضمام إليكم.
أحمد: عندما تنتهي من دراستك، وتصبح رجلًا يمكن الاعتماد عليك سوف ألحقك بالشياطين.
أوزي: أليس ذلك ممكنًا الآن يا سيدي؟
أحمد: ليس هناك شيء أهم من أن تكمل دراستك، وفي أثناء الدراسة يمكن أن نوكل إليك بعض الأعمال البسيطة.
مطلوب القبض على ركاب سيارة «مازدا» بيضاء، بها ثلاثة أشخاص تسببوا في مصرع شخصين في سيارة على طريق الشاطئ في «باتنجاس»!
أدرك «أحمد» أن «موريس لانو» يطاردهم بلا رحمة، وأنه استطاع أن يذيع هذا الخبر ضمن الإذاعة المحلية حتى تتم مطاردة السيارة «المازدا» من كل إنسان …
قال «ليو»: إننا في مأزق!
أحمد: إن عدونا رجلٌ مهمٌّ.
ليو: من؟
أحمد: «موريس لانو».
ليو: غير معقول … إنه رجل مشهور بالطيبة والنظافة!
أحمد: إنني متأكد أنه زعيم عصابة «التاجالوجا»؛ لأن العصابة لا تستطيع إذاعة هذا الخبر وبهذه السرعة.
ليو: ماذا نفعل؟
أحمد: نستبدل السيارة، إذا اقتربت من أحد الأماكن التي تكثر فيها السيارات الواقفة، دعنا نبحث عن سيارة ونأخذها ونترك هذه مكانها!
ليو: هذا هو الحل الوحيد!
ومضت نحو نصف ساعة، وأقبلوا على أحد الموتيلات المنتشرة على الطريق، وطلب «أحمد» من «ليو» أن يدخل إلى أحد الطرق الفرعية، ثم توقفوا، ودفعوا السيارة إلى داخل أحد الأحراش الكثيفة؛ حيث يصعب العثور عليها، وساروا على أقدامهم حتى وصلوا إلى الموتيل.
قال «أحمد»: راقِبْ أنت و«أوزي» الطريق، وسوف أبحث عن سيارة مناسبة!
سار «أحمد» بجوار السيارات ينظر إلى التابلوه ليجد سيارة ترك صاحبها مفتاحها فيها؛ فوجد ثلاث سيارات … واختار سيارة من طراز «شيفورليه نوفا» ونظر حوله لحظات، وشاهد «ليو» يشير إليه بأن كل شيء على ما يرام.
قفز «أحمد» إلى السيارة وأدارها ثم التقط «ليو» و«أوزي» بسرعة، ثم انطلق كالصاروخ، كان يفكِّر طوال الوقت في الساعات القادمة، وفي صديقيه «عثمان» و«رشيد» وأين هما الآن.
بعد نحو ثلاث ساعات ونصف أشرفوا على مدينة «مانيلا»، وبدأت الطرق تزدحم بالسيارات … وقال «أحمد»: إنني أفضِّل الانتظار حتى هبوط الظلام … ولكن أمامنا مشكلة، فأين نختفي هذه المرة؟
ردَّ «أوزي» على الفور: عندنا.
أحمد: أين تسكن؟
أوزي: في مكان قريب، إنه إحدى العشش العائمة على النهر … ومن السهل أن نبقى فيه دون خوف من أن يرانا أحد … فلن يتوقعوا ذهابنا إلى هذا المكان.
وتركوا السيارة على جانب الطريق، ومشوا إلى شاطئ النهر حيث أشار «أوزي» إلى عشة متداعية … وابتسم «أحمد» وهو يربت على رأس المغامر الصغير.
