في الوقت المناسب!
كانت العشة التي يسكن فيها «أوزي» من القش والصفيح، ولكنها كانت نظيفة، واستقبلتهم الأم وهي متلهفة على صغيرها … الذي لم يكن لها غيره مع ابنة أكبر منه … وكان «أوزي» هو المسئول عن هذه الأسرة الصغيرة، ينفق عليها من بيع الورد، ومن بعض الخدمات الصغيرة التي يؤديها للسياح.
وبعد خناقة صغيرة بين الأم وابنها، قدَّم لها ضيفيه، ودَعَتْهما للدخول إلى العشة، وجلسا في غرفة صغيرة بها فراش وبعض الكراسي … وبعد أن شرب «ليو» و«أحمد» الشاي، طلبا تركهما لحاجتهما للراحة.
استسلم «أحمد» و«ليو» للنوم … وعندما استيقظا كانت الشمس قد مالت للمغيب، وأعدت لهما أم «أوزي» طعامًا شهيًّا من سمك النهر … وطلب «أحمد» من «أوزي» أن يبقى مع أسرته الصغيرة، ولكنه رفض، وأصرَّ على الذهاب معهما واستكمال المغامرة … ووضع «أحمد» على المائدة مبلغًا من «البيزو» وهي العملة الفلبينية.
خرج الثلاثة إلى ظلام الشارع الصغير … وبعد مسيرة قصيرة وصلوا إلى أضواء مدينة «مانيلا» الصاخبة …
وقال «أحمد»: «ليو» … اذهب أنت و«أوزي» واستأجرا سيارة، وسنلتقي بعد ساعة قرب منزل «أوزي»!
ليو: خذ حذرك!
أحمد: طبعًا … أعطني مسدسك.
وأخذ «أحمد» المسدس ثم اتجه إلى الفندق … وعندما دخل إلى صالة الفندق تلفت حوله … كانت الأمور تسير سيرها المعتاد … ولكن «أحمد» لم يكن يغتر بمثل هذا الهدوء … طلب مفتاح غرفته، ولاحظ على الفور أن موظف الاستقبال بدا مضطربًا قليلًا وهو يسلمه المفتاح.
صعد «أحمد» وهو يفكر … ماذا ينتظره؟ وعندما توقف أمام الباب يفتحه، نظر حوله … لم يكن هناك أحد في الدهليز … ولكن بدا له أن ثمة بابًا يُغلَق في هدوء … وضع المفتاح في الباب ثم دفع الباب دون أن يدخل، ثم أخرج مسدسه ونام على الأرض وزحف داخلًا … وعلى الفور سمع ثلاث رصاصات تئز خارجة من الغرفة … وحدَّد مصدر الإطلاق، وأطلق رصاصة واحدة وسمع صوت أنين … وجسم يسقط على الأرض … انتفض واقفًا بسرعة، وأغلق الباب وأضاء النور … كان ثمة رجل مُمَّد على الأرض وبجواره حقيبة … وبيده مسدس ضخم كاتم للصوت … وعرف «أحمد» أنه وصل في الوقت المناسب … فقد كانت الحقيبة مثقلة بالأسلحة الخاصة بالشياطين …
لم تَضِع دقيقةٌ واحدة … حمل الحقيبة بسرعة، وبيده المسدس الصامت … كان يعرف أن الطلقة التي أطلقها، سوف تثير الارتياب … وسمع في هذه اللحظة بابًا يُفتَح، وظهر رجل … لم يتردد «أحمد» وأطلق عليه طلقة صامتة … ثم أسرع يجري إلى نهاية الدهليز … وفتح بابًا جانبيًّا … ثم أسرع إلى سلم الخدم الحديدي وأخذ يهبط مسرعًا …
وصل إلى الشارع، وهو يسمع صوت سيارة البوليس، ومن المؤكد أن موظفي الفندق والنزلاء سمعوا الطلقة واستدعوا البوليس …
عبَرَ الشارع؛ واختفى في أول طريق قابله … وسار بنشاط حتى وصل إلى نهاية الشارع ثم شاهد سيارة تاكسي قريبة منه … وقفز إليها … وقال: إلى شاطئ النهر من فضلك.
نظر إلى ساعته … كانت قد انقضت عشرون دقيقة فقط منذ أن غادر «ليو» و«أوزي»، وما زال أمامه مُتَّسَع من الوقت … وبعد نحو عشر دقائق وصل إلى أول الشاطئ … ونزل، واختار مكانًا مظلمًا جلس فيه … ثم فتح الحقيبة … وأحسَّ بالرضا؛ لأن الحقيبة كانت تحوي جوازات السفر الخاصة بهم، والمدافع الرشاشة الصغيرة، وبعض حاجياتهم المهمة … وبينها قنابل صغيرة ولكنها شديدة الانفجار …
جلس صامتًا يفكر لحظات … ثم قام ومشى على قدميه حتى وصل إلى قرب منزل «أوزي»، وهناك شاهد سيارة من طراز مرسيدس، سوداء اللون، وشاهد «أوزي» يقف بجوارها.
أسرع إليهما … وعندما شاهده «ليو» قال: كانوا في انتظارك.
أحمد: نعم … لقد وصلت في الوقت المناسب.
ليو: كنت أتوقع ذلك.
أحمد: وأنا أيضًا.
والتفت «أحمد» إلى «أوزي» وقال: والآن أيها المغامر الصغير … عُد إلى منزلك فأمامنا عمل شاق.
رد «أوزي»: إنني أريد أن آتي معكما.
أحمد: ولكن يا «أوزي» … والدتك!
أوزي: لقد شاهدتك وأنت تضع كمية البيزو على المائدة، وقد أحضرت لك النقود.
صاحَ «أحمد» غاضبًا: كيف تفعل ذلك، إنني أدفع لك قيمة العمل الذي تقوم به معنا!
أوزي: إنني أعمل معكما كصديق!
أحمد: لا داعي لهذا الهراء … إما أن تعيد النقود إلى والدتك، أو لا تأتي معنا.
أوزي: ولكن …
أحمد: ليس هناك وقت الآن لمثل هذا الحوار … اذهب فورًا وسوف ننتظرك.
توقفت السيارة قرب منزل «أوزي»، ونزل مسرعًا، وغاب دقائق ثم عاد وقفز إلى السيارة وهو يقول: والدتي تشكرك جدًّا … وهي تدعوك إلى العشاء.
أحمد: إننا لا نعرف متى سنعود!
وانطلقت السيارة الضخمة، تشق طريقها عائدة إلى «باتنجاس» … وقال «ليو»: هل في ذهنك خطة معينة؟
أحمد: ليس بعد … ولكني سأفكر.
اختفت أضواء «مانيلا» وبدأ الظلام ثقيلًا ومخيفًا، و«ليو» يقود السيارة ببراعة، ومضت ساعتان، وأشرفوا على مدينة «باتنجاس» …
قال «أحمد»: إنني أتوقع متاعب قبل الوصول إلى مقر العصابة … لهذا فإنني أفضل أن نترك السيارة بعيدًا عن المكان.
ليو: لا تخش شيئًا، إن المنطقة التي وصفها «أوزي» أعرفها جيدًا، إنها منطقة أحراش وغابات، وسوف نتمكن من الاختفاء عن أعينهم.
وبعد ساعة أخرى كانوا يقتربون من منطقة الأحراش … وقال «أحمد»: «أوزي»، عليك أن ترشدنا للطريق.
أوزي: هناك مبنى كالمخازن …
ليو: إنني أعرف هذا المكان، لقد كان مَخْزنًا للماشية!
أوزي: إنه ملاصق لمقر العصابة، حيث يقف اللنش.
ليو: عرفت … سوف نقترب من المكان بقدر ما نستطيع.
أحمد: «أوزي» … هل أستطيع أن أعتمد عليك!
أوزي: طبعًا يا سيدي.
«أحمد»: سأعطيك ثلاث قنابل صغيرة، وسأعلمك كيف تقذفها، ولأنك تعرف المكان من قبل؛ فإنني أطلب منك أن تقذفها في أماكن متفرقة، بحيث تظن العصابة أن هجومًا يقع عليها من ثلاث جهات … وبعد القنبلة الثالثة سوف نهجم.
وأخذ «أحمد» يشرح للولد الذكي كيف ينزع فتيل القنبلة، ثم يَعدُّ من واحد إلى عشرة ويقذفها، توقفت السيارة داخل أحد الأحراش … وحمل «أوزي» القنابل الثلاث … ثم تسرب بهدوء تحت جنح الظلام واختفى، بينما أخذ «أحمد» يَعدُّ المدافع الرشاشة.