عثمان في خطر!
ماذا كان يقصد «أحمد» عندما أخبر الموظف المدعو «فوزي» … بأنهم من قيادة المخابرات العامة … وهل كان يقصد ذلك … أم أنه تورَّط في الموافقة على استنتاج «فوزي»؟
وقد كان لافتًا للنظر … الوجوم الذي بدَا على وجهه حين وافقه «أحمد» … وتركهم عائدًا إلى رؤسائه وخلال لحظات … كانوا جميعًا يُحيطون بالشياطين … ويتطوعون بإخبارهم بكلِّ شيءٍ … دون أن يسألوهم عن شيء …
شعر «أحمد» أنهم منفزعون … ولكنه لم يجد تفسيرًا لذلك … غير أن الخسارة الفادحة التي مُنيَت بها الشركة بسبب هذا الحريق الهائل … ستجعل مركزَهم في الشركة ضعيفًا للغاية … هذا غير عشرات التحقيقات التي سيتعرضون لها، من البوليس والنيابة والرقابة الإدارية والشئون القانونية للشركة … وشركات التأمين … إنها مرحلة عصيبة يمرون بها.
ولم يُعطهم فرصة ليتمالكوا أنفسهم … بل سألهم قائلًا: هل أوراق الشركة بخير؟
واندفع أكثرهم يُجيب قائلًا: نحن لا نعرف شيئًا حتى الآن … إن رجال المطافئ هم الذين يعرفون كلَّ شيءٍ عن أوراق الشركة وأوراقنا … وديسكات الكمبيوتر التي تحوي كلَّ شيءٍ عن الشركة …
شعر «أحمد» أن في الأمر شيئًا … ورأى ذلك أيضًا في عينَي كلٍّ من «إلهام» و«عثمان» … فعاد يسألهم مرة أخرى قائلًا: هل لهذه الأوراق نُسَخ لدى الشركة الأم؟
فوزي: لا … ليست كل الأوراق لها نُسَخ …
وكأنما قرأَت «إلهام» ما وراء هذه الأسئلة … وشعرَت من الإجابات أن هؤلاء الموظفين متورطون في شيء كبير … وأن هذا الحريق يُخفي خلف دخانه … فضائحَ أخلاقيةً كبرى … كالاختلاس … أو إهدار المال العام أو … وقالت «إلهام»: أشعر أن في الأمر خيانةً عظمى … ألم يَقُل لنا الضابط إن هناك مخزنَ ذخيرة بالقرب من المستودعات؟
نظر لها «فوزي» في قلق … وقبل أن ينطق … سبقه «أحمد» قائلًا لها: ليس الأمر بهذه الخطورة … ثم ربَّت على كتف «فوزي» وهو يقول له: أرجو أن تترك لنا رقم تليفونك وعنوانَ سكنك إذا كنت تريد أن تكون همزةَ الوصل بيننا وبين قيادات الشركة؟
وبابتسامة باهتة … وصوت يُخفي قلقًا عميقًا قال له: نعم … نعم يسرُّني ذلك …
وفي طريق العودة إلى المقر كان الحوارُ بين الشياطين يدور حول سببِ اندلاعِ الحريق … وهل هو غير مقصود … أم بفعل فاعل؟
ولفت نظرَ «إلهام» شرودُ «عثمان» … وقلَّة كلامه … وردوده المقتضبة … فهل كان ذلك بسببِ إجهادٍ أصابَه مما بذله من جهد … أم أنه يتعامل مع المعلومات التي لديه … وسيخرج بنتيجة عبقرية … ويفجر كعادته قنبلةً مثيرة للتأمل؟ هذا ما انتظره أيضًا «أحمد» … إلا أن الوقتَ طال دون أن يتحرك «عثمان»… فالتفتَ إلى الكنبة الخلفية حيث يجلس … فوجده نائمًا فناداه ليُوقظَه … فلم يستجِب … ففعلها ثانية وثالثة فلم يتململ حتى في مقعده … كذلك لم يستجِب لربْتِ «إلهام» على كتفه … وعندما قامَت بقياس نبضه وجدَته رقم «صفر»، فصاحَت في جزعٍ قائلةً: «عثمان» في خطر يا «أحمد» …
زمجرَت الفرامل بوحشية … وتوقَّفَت السيارة بمحاذاة الرصيف … وانفتح بابُها بعنف، وقفز منها «أحمد» ليفتحَ البابَ المجاورَ ﻟ «عثمان» … ثم أدار مقبضًا أسفل المقعد الجالس عليه فتحوَّل إلى سرير … فقام بعدل جسمه عليه … ثم شرع في إجراء تنفُّس صناعي له إلا أنه لم يحصل على نتيجة … فطلب من «إلهام» إحضارَ جهازِ الصدمات … ولولاه … لفقد الشياطين اﻟ «١٣» أكثرَ أعضائه سخونة وحيوية … لقد كاد قلب «عثمان» أن يتوقف عن النبض تمامًا … فقد ضعفَت نبضاتُه إلى الحد الذي لم يمكنهم فيها تسجيلها …
وما إن فتح عينَيه ورأى وجهَ «أحمد» … حتى قال له بصوت واهن: أين أنا … ومَن أنت؟
نظر له «أحمد» مليًّا … فسَمِع «إلهام» تسأله قائلة: ألم يُفِق بعد؟
وكأنه هو الآخر راح في غيبوبة فلم يسمع ما قالَته … فأعادَته عليه قائلة: «أحمد» هل حدث شيءٌ سيِّئٌ … ألم يُفق «عثمان» بعد؟
لم يكن لدى «أحمد» إجابةٌ على تساؤلاتها … فهو لا يعرف إن كان «عثمان» أفاق أم لا … إنه يتكلم ولكنه لا يعرفه …
ولم تقوَ «إلهام» على الانتظار … بل قفزَت من مقعدها … وصعدَت إلى حيث ينام «عثمان» … وعندما التقَت عيناها بعينَي «أحمد» … رأَت فيهما الكثيرَ من الحيرة والقلق … فالتفتَت جزعةً إلى «عثمان»، فرأته وقد أغمض عينَيه … فسألت «أحمد» في قلق: ألم يُفِق بعد؟
نظر لها «أحمد» في تردُّدٍ ثم قال لها: نعم أفاق لثوانٍ …
إلهام: هل تكلَّم؟
أحمد: نعم … نعم … تكلَّم ولكن …
شعرَت «إلهام» بمزيد من القلق فسألتُه قائلةً: ولكن ماذا؟
ولم يجد بدًّا من أن يحكيَ لها قائلًا: لم يعرفني يا «إلهام»، سألني مَن أنت؟
التفتَت «إلهام» إلى «عثمان» ووضعَت كفَّها على جبهته تستشعر حرارته … فوجدتها معقولة … غير أنها قبل أن ترفع يدَها … شعرَت بحرارته ترتفع تدريجيًّا وبسرعة … فقالت ﻟ «أحمد»: يجب نقله إلى مستشفى المقر بسرعة …
أحمد: اجلسي بجواره … وسأصل بكم خلال دقائق إلى هناك.
وقبل أن يُغلق بابَ السيارة … وبمجرد أن استقرَّ على كرسي قيادتها … مدَّ يدَه ليُضيءَ «مصباح» إشارة أحمر … لتُفسحَ له السيارات الطريق …
ثم ضغط بعضَ الأزرار في كمبيوتر السيارة … وربط حزام الأمان … وأخذ نفَسًا عميقًا وانطلق كما تنطلق الطائرة في الهواء … لا اهتزاز … لا تمايُل … إنه الاحتراف بعينه … وعندما استدارَت السيارة حول ميدان الرماية … اتصل بالمقر. وأخبرهم بحالة «عثمان» … وطلب سرعةَ الاستعداد … وبدلًا من التوجُّه إلى الباب الأمامي للمقر … استدار حوله … حتى واجهَ الباب الخلفي … فضغط زرًّا في عجلة القيادة … فانفتح الباب … وما إن عبرَه حتى أُضيئَت كلُّ مصابيح الممر الموصل للمبنى.
وخلال دقائق كان «عثمان» نائمًا بين أكثر أجهزة الفحص تقدُّمًا في العالم … وفي غرفة الانتظار وقف كلُّ زملائه … والقلق يلفُّهم … ينتظرون ما سيُخبرهم به الأطباء … الذين امتلأت بهم قاعة الفحص.
وبعد دقائق مرَّت عليهم كالدهر … خرج عليهم كبيرُ الأطباء ليقول لهم: الحالة تحت السيطرة …
وكأنما لم تفهم «ريما» معنى ما يقول اندفعَت تسأله قائلة: ما معنى تحت السيطرة؟
كبير الأطباء: أي أنها لن تسوءَ أكثر من ذلك …
اختلطَت همهماتُ الشياطين … تُعبِّر عن قلقهم البالغ لما يقوله الطبيب … ولم يتمالك «أحمد» نفسه، واندفع يقول: ما معنى تحت السيطرة … وأنها لن تسوءَ أكثر من ذلك … نحن لسنا صغارًا حتى لا تُصارحَنا بحقيقة الموقف … ولدينا القدرة على أن نفهمك إذا ما شرحتَ لنا ما عنده …
كبير الأطباء: آسف يا «أحمد» … فليس لديَّ وقتٌ … وأنا أُقدِّر مشاعركم جميعًا … سأعود لفريق الأطباء … وسأُرسل لكم أحدَ الأطباء المساعدين ليشرح لكم كلَّ شيء.
وعندما أرادَت «إلهام» أن تعتذرَ بالنيابة عن «أحمد» … وتشرح موقفه … رفع الطبيبُ يدَه ليُوقفَها عن الكلام وهو يقول: لا داعيَ للاعتذار … إني أُقدِّر الموقفَ وأحترم مشاعركم جدًّا … ولكن يكفي أن أقولَ لكم إنه تعرَّض لجرعة إشعاع كبيرة.