غرفة الاجتماعات!
شعر «أحمد» بوخز في رسغه من ساعة يده … فعرَف أنها رسالة، فضغط زرًّا بها، وقرأ «توجَّهوا إلى قاعة الاجتماعات فورًا … سألقاكم خلال دقائق.» وعندما رفع عينَيه رآهم ينظرون إليه جميعًا … فقال لهم: إنه رقم «صفر» …
ولو انتظرَت «ريما» لحظاتٍ ليُكملَ كلامَه لعرفَت كلَّ شيء … إلا أنها كعادتها لم تستطع أن تقاومَ فضولَها … فاندفعَت تسأله قائلة: هل عرف ما حدث؟
أحمد: نعم عرف.
وقاطعَته «ريما» مرة أخرى … إلا أنه لم يُمهلها حتى تقولَ له ما تريد، بل قال لها يُؤنِّبُها: وهل سأستطيعُ تذكُّرَ شيء وأنتِ تلاحقينني هكذا؟
نظرَت له «ريما» نظرةَ خجلٍ … اكتفى بها «أحمد» اعتذارًا … وأكمل كلامَه قائلًا: سنتوجه فورًا إلى غرفة الاجتماعات … ﻓ «رقم صفر» سيجتمع بنا فورًا …
ثم نظر ﻟ «ريما» وقال لها يُداعبها: لو كان هنا مشاغبك الأكبر «عثمان»؟
وفي نبرةِ حزنٍ قاطعَته قائلة: كان الحديث أجمل كثيرًا …
وفي غرفة الاجتماعات … جلس الجميع وكأنَّ على رءوسهم الطير … في انتظار أنفاس الزعيم «رقم صفر» … الذي يُؤنسهم دائمًا عند كلِّ مصيبة يشعرون أنها أكبر منهم … وهل هناك أكبر من احتمالِ فقْدِ صديق.
مساء الخير عليكم … سمعوها بلهفة من الزعيم … وهم يرَون الشاشةَ تُضيء … ويظهر عليها وجهُ الزعيم وقد انحسر الضوءُ على معظمه … فلم يتبيَّنوا تفاصيلَ وجهه … ولكنهم على الأقل … ولأول مرة يسمح الزعيم لهم … بأن يرَوا ولو ظله … فهل فعل ذلك ليُساندَهم في موقفهم العصيب؟ نعم إنه زعيمهم … وهو يشعر بكلِّ خلجاتهم … ويتجاوب معهم في أفراحهم وأحزانهم …
إنه يعرف بفقدِهم ﻟ «عثمان» … وافتقادهم له … وهم جميعًا يُقدرون له ذلك.
كان صوتُهم خفيضًا حين ردُّوا عليه التحية … ولكنْ ملؤُه لهفةٌ وودٌّ … ولأنه يشعر بهم قال لهم: وصلني بالتفصيل ما وقع ﻟ «عثمان» وما حدث في شركة البتروكيماويات … وهناك تحقيقات موسعة تجري على قدم وساق مع كلِّ قيادات الشركة … والمسئولين بها.
أحمد: هل تسمح لي يا زعيم؟
رقم «صفر»: تكلَّم يا «أحمد» …
أحمد: إذا كان تواجد «عثمان» في عنابر العاملين لفترة قصيرة … قد فعل به كلَّ هذا … فماذا حدث للعاملين إذن؟
رقم «صفر»: يقولون إن «عثمان» اقتحم مكانًا كان محظورًا على العاملين دخوله …
إلهام: إذا أذنتَ لي يا سيدي … لماذا لم يتمَّ غلقُه جيدًا؟
رقم «صفر»: قالوا إنه كان مُحكمَ الغلق … ولكن النيران هي التي تسبَّبَت في تحطيمِ كلِّ شيء …
ريما: وما حاجتُكم لوجودِ موادَّ مشعة في هذا المكان؟
رقم «صفر»: للكشف عن لحامات المستودعات والمواسير.
أحمد: أشعر أن هناك أسرارًا كثيرة لم نعرفها.
رقم «صفر»: أسرار عن ماذا؟
أحمد: أشعر أن هناك مَن تعرَّض للإشعاع من العاملين … ومات ولا أحدَ يعرف عنه شيئًا …
إلهام: ونشكُّ أن هذا الحريق مدبَّرٌ …
رقم «صفر»: هل تقصدين أنه بفعلِ فاعلٍ؟
وفي صوت واحد دون قصد … قال «أحمد» و«إلهام»: نعم … بفعل فاعل …
رقم «صفر»: سأترك الأمر لكم.
هذه الليلة … ابحثوا جيدًا … وسنوفر لكم كلَّ ما تحتاجونه من معلومات … ولكن عليكم أن تناموا جيدًا … لتستطيعوا العمل … وفَّقكم الله.
انطفأَت الشاشة … وأُضيئَت مصابيح القاعة … وسرَت بين الزملاء همهماتٌ، وهم يهمُّون بمغادرة مقاعدهم …
وبجوار باب الخروج التفُّوا حول «أحمد» و«إلهام» … يستزيدون منهم من المعلومات … حول حريق المستودع … وإصابة «عثمان» … ودورهم في المرحلة القادمة …
ومرة أخرى شعر بوخز في رسغه من ساعة يده … وعندما نظر إلى شاشتها قال لهم: مركز معلومات المقر يُرسل لنا آخر الأخبار …
ريما: وما هي؟
أحمد: لقد انفجر المستودع!
مصباح: رغم كلِّ الجهود التي يقوم بها رجال الإطفاء.
إلهام: ووحدة الحرب الكيماوية في القوات المسلحة.
بو عمير: هل كنت ترى أن الأمرَ خطيرٌ إلى هذه الدرجة … وأنهم لم يُمكنهم السيطرة على الحريق؟
أحمد: كان من الممكن مع المزيد من الجهد … السيطرة عليه …
إلهام: ألم أَقُل لك إني أشعر أن هناك خيانةً عظمى لهذه البلد!
أحمد: وهل أحد من الشركة متورطٌ فيها؟
إلهام: أشعر بهذا.
بو عمير: فلنُكمل حديثَنا في مركز المعلومات.
ورأَت «ريما» في توقُّف الحوار فرصةً لكي تُنفِّسَ عمَّا بداخلها … فقالت لهم: ألن نسأل عن «عثمان»؟
أحمد: لا تقلقي … لقد قالوا لنا إن حالتَه مستقرة … والتخلُّص من تأثير الإشعاع سيحتاج لبعض الوقت.
لفَّت «إلهام» ذراعَها حول رقبةِ «ريما» وجذبَتها نحوها وهي تقول: سيكون بخير إن شاء الله.
في مركز المعلومات كانت أجهزةُ الكمبيوتر تعمل في انتظار الشياطين … وعند جلوسهم أمام شاشتها … وجد كلٌّ منهم رسالةً تنتظره تقول: الشياطين جميعًا مطلوبون للفحص الطبي … وقياس نسبة الإشعاع … برجاء التوجه إلى المركز الطبي بمجرد تلقِّي الرسالة.
وقبل أن يُعبِّرَ الشياطين عن دهشتهم … قال لهم «أحمد»: هذا لأنكم اختلطتم بنا …
وفي حيرةٍ نظرَت إليهم «ريما» وهي تقول: ما هذا القلق القومي الذي انتاب الجميع؟
أحمد: لا داعيَ للاعتراض على كلِّ شيء يا «ريما» …
ثم نظر لبقية الزملاء يستحثُّهم على سرعة الحركة وهو يقول: لدينا الكثير من العمل … وأرجو المعاونة على سرعة الانتهاء من هذا الفحص.
كان المركز الطبي يقع في مبنى مجاور لمبنى المقر … ولم يستغرق وصولُهم إليه إلا دقائقَ معدودةً، وهناك خضعوا لفحص دقيق … بأجهزة غاية في التقدم … على يدِ أساتذة وعلماء مهرة … وكان من بينهم الطبيب المسئول عن الفحص الدوري لهم وهو دكتور «صفوت» … وكان قريبًا لقلوبهم كثيرًا … وهذا ما شجَّع «أحمد» على أن يُحادثَه فيما يشغله قائلًا: كيف حال «عثمان» يا دكتور؟
د. «صفوت»: حالتُه مستقرة …
أحمد: هل ما حدث له سببُه أشعةٌ ضارة؟
د. «صفوت»: ماذا تقصد؟
أحمد: أقصد أن الأشعة لكي تُصيبَ إنسانًا إلى هذه الدرجة … وفي هذا الوقت القصير … لا يمكن أن تصدرَ عن جهازِ كشفٍ على لحامات.
د. «صفوت»: هل ترى أن هناك شيئًا آخر لا نعرفه؟
أحمد: نعم … وإلا ما قمتم بفحصنا …
د. «صفوت»: إنه إجراءٌ وقائي …
أحمد: أعرف … ولكن الوضع خطير …
د. «صفوت»: وما خطورته؟
أحمد: إننا بصددِ مرضٍ وبائي …
أصابَت الحيرةُ والدهشة د. «صفوت» … وتردَّد في الكلام كثيرًا قبل أن يقول: لقد أصابَت الأشعةُ جهازَ المناعة عند «عثمان» وأضعفَته … فتعرَّض لفيروس لا نعرف كُنهَه ونخاف أن يكون قد انتقل إليكم.