رحلة الأخطار!
كان هذا ما يظنُّه «أحمد» … وكان يُقلقه كثيرًا أن يكون هذا مصير «عثمان»، ولم يستطع ليلتَها أن ينام.
ولم يفارقه النومُ وحده … فقد تلقَّى اتصالًا من «إلهام» تطلب من التوجُّه إلى قاعة المعيشة … وهناك دار بينهما حوارٌ حول ما دار وما يدور … وكانت نتيجتُه … هو قرار السفر إلى «خليج السويس» حيث مصنع البتروكيماويات للحصول على الجسم المشع … والاستقصاء حوله … وهنا سألَته «إلهام» قائلة: هل عرفت نتيجة الفحص؟
أحمد: نعم سلبية للجميع …
إلهام: الحمد لله … أيمكن أن تكون هكذا أيضًا ﻟ «عثمان»؟
أحمد: لقد بدَت عليه أعراض … جعلَتهم مع الفحص يشكُّون في إصابته بمرض لا يعرفونه.
إلهام: وما داموا لا يعرفونه … كيف يجزمون؟
أحمد: المهم الآن هل سنقوم بهذه الرحلة وحدنا … ودون أن نُبلغَ رقم «صفر»؟
إلهام: فسنقوم باستدعاء «مصباح» و«رشيد»، وسنتصل برقم «صفر» ونحن في الطريق.
أحمد: أوافق.
وبالفعل … قام «أحمد» بالاتصال ﺑ «مصباح» و«رشيد»، وشرح لها ما ينوي القيام به … والتقى به الجميع في جراج المقر … وخلال دقائق … كانت السيارة «الجراند شيروكي الذهبية» تقطع الممر إلى البوابة الخارجية … ثم تعبرها إلى الطريق.
لم تستغرق المسافة من المقر إلى أول طريق السويس سوى دقائق معدودة … فالساعة الثالثة فجرًا … وكل الناس نيامٌ … والطريقُ خالٍ إلا من بعض السيارات المتجهة إلى المطار … أو بعض سيارات النقل …
إلا أنهم بعد أن دخلوا طريق السويس … شعروا أنهم ليسوا وحدهم المستيقظين … فالسيارات من كلِّ نوعٍ تجري في سرعةٍ فائقة … حتى سيارات النقل … وكأنهم يشعرون أن في هذا الوقت المبكر … لن يكون هناك مراقبةٌ مرورية … لا من رجال المرور ولا من الرادار إلا أن حساباتهم كانت خاطئة … فعند الكيلو سبعين رأى الشياطين الكثيرَ من السيارات تقف على جانبَي الطريق. وسائقوها يلتفُّون حول ضابط المرور … وقبل أن يُبلغَهم أشار له أحدُ الأمناء لكي يقفَ … وبالفعل توقَّف … إلا أنه ترك المحرك دائرًا … فقال له الأمين: أطفئ المحرك وأعطني أوراقك.
فأخرج أوراقه من جيبه … ثم أعطاها له دون أن يُطفئَ محرك السيارة … وقبل أن ينظرَ الأمين في الأوراق قال له في نفاد صبر: ألم أطلب منك أن تُطفئَ محركَ السيارة؟
فنظر له «أحمد» ثم قال في هدوء: أرجو أن تفحص الأوراق بسرعة … فليس لدينا وقتٌ …
ازداد انفعالُ الأمين … وقال له: انزل من السيارة …
كاد صبر «أحمد» ينفد … ولولا أنه يُقدِّر ظروفَ عمله … لاتَّصلَ برؤسائه … إلا أنه تمالك أعصابه وقال له: هل يمكنك أن تفحص أوراقنا … أم أذهب بها إلى قائد الحملة؟
شعر الأمين … أن اللهجة الحادة التي يُحادثه بها «أحمد» تستلزم أن ينظر في أوراقه ليعرفَ مَن هو … وما سببُ عجلته؟
وبعد دقائق غابها عن عيونهم عاد ومعه الضابط … وما إن رآه «أحمد» حتى شرع في النزول من السيارة … إلا أنه منعه من ذلك … وحيَّاهم جميعًا … وأعطاه أوراقه وتمنَّى له التوفيق.
وهكذا عاد «أحمد» للانطلاق على الطريق. ومن خلفه السيارات التي انتهَت من فحص أوراقها …
وأثار دهشةَ الشياطين أن نفس السيارات عادَت مرة أخرى لتجاوزَ السرعةَ والتسابقَ بأسلوب خطير … بمجرد أن غابَت عن أعين رجال المرور.
وقبل دخول السويس بعشرة كيلومترات … انقلبَت إحدى السيارات بعد أن اصطدمَت بسيارة نقل ثقيل … ورغم أن الشياطين لم يكن لديهم وقتٌ إلا أنهم آثروا أن يتوقَّفوا لمعاونة المصابين … وقد وجدوهم في حالة خطيرة … فقاموا بالاتصال بشرطة النجدة … ونقطة الإسعاف القريبة منهم … وقد وجدوا أن هذا كل ما يستطيعون القيام به … فالسيارة المقلوبة تحتاج إلى ونش لرفعها حتى يصلوا إلى مَن بداخلها … فعادوا إلى سيارتهم … ليستكملوا الطريق … إلى السويس حيث مصنع البيتروكيماويات … وبعد دقائق من سيرهم … شاهدوا سيارتَي إسعاف وسيارة نجدة في طريقها إلى مكان الحادث … فقالَت «إلهام»: هل سيجدون بينهم أحياء؟
رشيد: قد يجدونهم كلهم أحياء … ولكنهم مصابون وستُقلُّهم سيارةُ الإسعاف …
مصباح: هل ما فعلناه صواب؟
أحمد: ماذا تقصد؟
مصباح: أقصد ألَّا نحاولَ إنقاذهم.
إلهام: لقد قمنا بواجبنا كاملًا … ولا داعيَ لهذا الإحساس بالتقصير …
رشيد: لم يكن بوسعنا فعلُ شيءٍ آخر؛ فالسيارة قابعةٌ فوقهم … وهم بداخلها.
أحمد: هم الملومون لا نحن … فلولا استهتارُهم ما حدث لهم هذا …
مصباح: هذه السيارة لم تكن ضمن السيارات المسرعة التي كانت معنا على الطريق …
أحمد: هل أنت متأكد؟
مصباح: نعم … لقد كانت تسير قبلنا … ولكن السيارات المسرعة هي السبب في انقلابها.
إلهام: ماذا تعني؟
رشيد: يقصد أن هذه السيارات كانت تجري للحاق بها عن قصد …
أحمد: إذا ما حدث ليس حادثًا قدريًّا؟
رشيد: بل إنه متعمدٌ …
زمجرَت فرامل السيارات بشدة وهي تنحرف عن الطريق … ثم تصعد وتهبط مرتين لتعبرَ الجزيرة الوسطى إلى الاتجاه المعاكس … وتنطلق عائدةً من حيث أتت … وسط ذهول الشياطين عدا «أحمد» الذي قام بكل هذا …
ولم ينطق بكلمة … ولم يُدِر وجهه عن الطريق … حتى وصل إلى موقع الحادث … ففعل ما فعله مرة أخرى في عبور الجزيرة الوسطى … ثم توقَّف في موقع الحادث بالضبط فوجدوا السيارة وقد استوَت على عجلاتها وقد تفحَّمَت تمامًا … وما زالت بها نارٌ مشتعلة، فقفزوا من السيارة في انفعال … وصاح «مصباح» يقول: هل اشتعلت قبل حضور الشرطة والإسعاف؟
أحمد: هل ترى بها جثثًا متفحمة؟
رشيد: ليس بها أحد … وكيف اشتعلت إذن بعد كلِّ هذا؟
مصباح: إما أن أحدًا أشعلها … أو أنها كانت مفخخةً …
إلهام: لو كانت مفخخة لما احتاجَت لأن يُرسلوا مَن يطاردها ليقلبَها.
أحمد: إذن هناك مَن أشعل فيها النيران لإخفاءِ شيءٍ ما، ونحتاج الآن لحقيبة المعدات لفحصها.
مصباح: سأُحضرها لك.
وما إن ذهب «مصباح» لإحضار الحقيبة … حتى صرخَت فيه «إلهام» قائلةً: «مصباح» … انبطح على الأرض …
ولم يلتفت إليها «مصباح» … بل انبطح بمجرد أن سَمِع صوتها … ودوَّى في الأفق انفجارٌ هائل … وتطايرَت سيارتُهم شظايا وأشلاء … وتبعثرَت في كلِّ مكان … وسط ذهولهم وعدم تصديق لما يجري …
كيف انفجرَت السيارة … هل عبثَ بها أحدٌ الآن … أم أنها كانت مفخخةً من قبل … مَن الذي فعل ذلك ومتى؟ هل وهم يحاولون إنقاذَ مَن بالسيارة … وكان المقصود أن تنفجرَ بهم؟
عندما عاد «مصباح» كان ظهرُه من كعبه حتى رأسه مغطًّى بالسواد، والرمال تُغطِّي صدرَه وساقَيه … بل ووجهه … وبصعوبةٍ حاول أن يُزيلَ الرمال عن عينَيه … إلا أن يدَيه كانتَا مغطتَين بالرمال أيضًا … فأجلسَته «إلهام» أمامها … وشرعَت تُزيل بما لديها من مناديل ورقية ما عَلِق بوجهه من رمال …
وفي نفس الوقت قام «أحمد» بالاتصال بمقر المنظمة في «السويس»، وطلب منهم إرسالَ سيارةٍ مجهزة لهم.