عودة عثمان
أعاد «أحمد» الاتصال بمقر «السويس» فلم يُجبه أحد … فقام بالاتصال بمقر «القاهرة» … وطلب منهم سرعةَ إرسال سيارة مجهزة لهم مع الكثير من الطعام للإفطار …
ولم تمضِ ساعة إلا والسيارة كانت تقف قريبًا منهم على الطريق …
ورغم أنهم كانوا يعرفونها إلا أنهم تركوا «أحمد» يستطلع الأمرَ وحدَه أولًا … وقاموا هم بحمايته من بعيد … وفي حذرٍ اقترب من السيارة … وهو ينظر بداخلها … محاولًا معرفةَ مَن سائقها.
وبعد أن اقترب لمسافة كافية، أخذ يُحدِّق غير مصدق … ويمسح عينَيه … ثم يعود يُحدِّق مرة أخرى … وزملاؤه يراقبونه مندهشين … فقالت «إلهام» تسأله: ماذا بك يا «أحمد»، ماذا رأيت؟
وفي فرحة غامرة … وعدم تصديق صاح قائلًا: إنه «عثمان» … إنه «عثمان» … يا «إلهام» …
غادر «عثمان» السيارةَ، وعانق زملاءَه بحرارة … ثم عادوا معه ليركبوها … ويقودها وهو سعيد بهم …
فقال له «أحمد»: كيف تركَتك «ريما» تأتي وحدك؟
عثمان: إنها لم ترَني …
أحمد: ألَا تعرف أنك تعافيتَ؟
عثمان: لا أحدَ يعرف أني غادرتُ المستشفى أو المقر …
أحمد: ولا حتى الأطباء؟
عثمان: لا … الأطباء يعرفون … وقد سمحوا لي بالخروج والحركة وفعل كلِّ شيء بعد فحص دقيق وشامل …
إلهام: ومَن أخبرك باتصالنا وبما نحتاجه؟
عثمان: قائد المقر … وهو الذي اختارني لهذه المهمة …
أحمد: الحمد لله على سلامتك …
عثمان: أشكركم جميعًا …
وفي الطريق تناولوا إفطارهم جميعًا … حتى «عثمان» … الذي لم ينسَ أن يُحضرَ لهم شايًا ساخنًا … غسل كلَّ مشاعر الإرهاق.
وكما قالت «إلهام» … كان «عثمان» أحلى من كوب الشاي الساخن في هذا الظرف العصيب، وقد ابتسم لهذه المجاملة في سعادة … وسألهم: ما الخطوة التالية؟
أحمد: البحث عن المصابين الذين كانوا في السيارة المقلوبة.
عثمان: البحث عنهم أين؟
أحمد: في مستشفيات «السويس».
عثمان: ولماذا لا تسأل عنهم في قسم الشرطة … ألم يسجلوا كحوادث؟
أحمد: نحن لا نريد ذلك … فهناك مَن يتبعنا … ولا نريد أن يعرف أننا نتبعه …
إلهام: إن سؤالنا في المستشفيات سوف يُنبههم لنا أيضًا.
أحمد: المهم طريقة السؤال …
عثمان: سوف أطلب من المقر أن يسأل في قسم حوادث الطرق …
إلهام: انتبه أنت في الطريق … وسأقوم أنا بالاتصال …
كان الشياطين يرون أن الوصول إلى هؤلاء المصابين … هو كالحصول على خاتم «سليمان»، فبهم وبالمعلومات التي سيحصلون عليها منهم … سيمكنهم الوصول إلى الرأسِ المدبِّر لكل هذا.
إلا أن «عثمان» كان مشغولًا بالأحداث من زاوية أخرى … وهو ما صرح به ﻟ «إلهام» قائلًا: هل لكل ما حدث لكم … علاقة بحريق مستودع الكيماويات؟
ولأن الموضوع كان يشغل «أحمد» فقد أجاب بمجرد أن سمع السؤال قائلًا: حتى الآن الرؤية غير واضحة … إلا أن كلَّ المعطيات … تقول إن هناك علاقة …
عثمان: وأنا أرى ذلك …
وفي هذه اللحظة تلقَّوا اتصالًا من قائد المقر … وقد أجابه «أحمد» … وفي نهايته قال لهم: لم يجدوا للمصابين أيَّ أثر؟ مَن الذي حملهم إذن … وحملهم إلى أين … فكما قالت «إلهام»: لقد رأينا بعيوننا سيارات الإسعاف وهي في طريقها إليهم.
رشيد: قد يكون أحد الرجال قد استأجر سيارة إسعاف لنقلهم إلى مكان ما …
مصباح: إذن فهؤلاء الناس في خطر … فمهما كان هذا المكان … فلن يكون مجهزًا لاستقبال مثل هؤلاء المصابين.
أحمد: هذا إذا كانوا هم المتسبِّبين عن عمد في انقلاب سيارتهم.
عثمان: تقصدين أنهم في طريقهم للقضاء عليهم؟
أحمد: تقصد أنهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن؟
عثمان: علينا أن نتحرك بناء على هذا الاحتمال.
رشيد: الخطوة التالية حصر سيارات الإسعاف الموجودة في منطقة «السويس».
وبالفعل قضَوا قرابة ساعتين في البحث عن سيارة الإسعاف التي حملَت المصابين فلم يتوصلوا إليها … ولم يَعُد أمامهم إلا الذهاب إلى موقع حادثة المستودع … في شركة البتروكيماويات.
وقد كان الطريق خاليًا من المارة … وعلى مسافات غير متباعدة فيه … وضعَت المتاريس … ومنع المرور …
وقد استوقفهم في أوله ضابطٌ شابٌّ وسألهم عن هويتهم … فأخرج له «أحمد» بطاقته الأمنية … فرحَّب بهم … وسمح لهم … وقام بالاتصال ببقية نقاط التفتيش على الطريق، فلم تُعارضهم أيٌّ منها أثناء سيرهم.
وعندما وصلوا إلى البوابة الخارجية وجدوها مغلقة … ولم يجدوا مَن يفتحها لهم، فعادوا إلى أقرب نقاط التفتيش لهم … فلم يجدوا بها أحدًا … فظنوا أنهم ذهبوا يتآمرون مع أصدقائهم في النقطة التالية … فذهبوا إليها … إلا أنهم لم يجدوا أحدًا … فتبادلوا نظراتِ الدهشة … ولم يتبقَّ أمامهم إلا نقطة واحدة … وفي هذه اللحظة قال لهم «أحمد»: هذا المكان سينفجر …
إلهام: كيف عرفت؟
أحمد: ليس الآن … المهم الآن أن نخرج بأسرع ما يمكننا …
وانطلقوا عائدين بالسيارة لأول الطريق … فلم يجدوا الضابط … ووجدوا الطريقَ قد أغلقَته المتاريس … ولن يستطيعوا المرورَ بالسيارة …
وعبثًا حاولوا إزاحةَ هذه المتاريس … فقال لهم «رشيد»: إنها تحتاج إلى ونش …
مصباح: وكيف وضعوها؟
رشيد: وضعوها أيضًا بونش …
وفي نفاد صبر قال «أحمد»: لقد كانت على جانبَي الطريق … ونحن قادمون ولم تكن في منتصفه هكذا …
إلهام: لقد قصدوا أن يحبسونا بالداخل.
رشيد: وهل الضابط ومَن معه متواطئون معهم؟
عثمان: ومَن قال لك إنه ضابطٌ … إنه فخٌّ …
أحمد: نعم يا «عثمان» … إنه فخٌّ … ونحن الآن في المصيدة …
إلهام: فلنترك السيارة ونهرب …
أحمد: لن يتركونا نهرب … إذا كانوا يقصدون سجننا …
رشيد: هم لا يقصدون سجننا فقط …
مصباح: وماذا أيضًا يا «رشيد»؟
رشيد: إنهم يريدون تفجيرنا … المصيدة …
حاول الشياطين استخدامَ أجهزة الاتصال التي بحوزتهم … فلم يُفلحوا … فتليفوناتهم المحمولة كانت خارجَ نطاق الخدمة … وساعاتهم … تحوَّلَت شاشاتُها إلى قطعة زجاج … لا أرقام عليها ولا بيانات … ولم يَعُد أمامهم غير التصرف عكس ما تقتضي الحكمة … ويحكم العقل … وهو ما يتصوَّره خصومُهم … ولم يعملوا حسابه …
فقد استداروا بالسيارة … وانطلقوا إلى حيث البوابة المؤدية إلى موقع المستودعات فاصطدمَت بالباب لفتحه … فبدَا لهم أنه لم يكن مغلقًا … وقد انفتح بسهولة …
وعبروه إلى موقع المستودعات … فمرُّوا بجوار أطلال المستودع المحترق …
ومنه إلى بقية المستودعات، حتى وصلوا إلى الجانب الآخر من السور المحيط بها … فساروا في محاذاته … حتى وجدوا بوابة أخرى مغلقة … فحاولوا فتْحَها بطرق شتى فلم يُفلحوا … فعاد «عثمان» بسيارته للخلف … ثم انطلق بسرعة … فصدم الباب … الذي تطوَّحَت ضلفتاه على جانبَي الطريق … وانطلق هو بالسيارة ومعه فيها الشياطين الأربعة.
وقد كانت مفاجأةً للحراس … وهم يرَون سيارة الشياطين تندفع كالطلقة لا شيءَ يُوقفها … وقد حاولَا الدفعَ ببعض العوائق في طريقها … إلا أنهم لم يتمكَّنوا … فقد لحقَت بهم السيارة … وصدمَت أحدهم … فطوَّحَته على جانب الطريق.
وقبل أن يخرج من حرم المصنع … سَمِع صوتًا لأكثر من محرك سيارة خلفه …
فعرف أنهم خرجوا في أثره … كل هذا ولم يعرفوا حتى الآن … مَن هم مطاردوهم …
وعندما خرجوا إلى الطريق … اختفَت السيارات المطاردة.
وعندما داروا حول حرم المصنع … وجدوا المتاريسَ قد وُضعَت من جديد … والضابط والجنود وقد وقفوا من جديد.
إنه لأمرٌ محيِّرٌ حقًّا … فهل كلُّ هؤلاء يعملون لحساب المخربين المجهولين.
هل هذا ضابط حقيقي يا «عثمان»؟
هكذا سأله «أحمد» … فقال له: علينا بالاتصال برجال الأمن … وهم سيدلوننا …
إلهام: إن ما حدث من تفجير للمستودع ولسيارة المصابين … وسيارتنا ومطاردتنا حتى الموت … يقول إن مطاردينا يعملون لحسابِ قوًى لا يُستهان بها.
أحمد: تقصدين أصحاب مصالح عُليا؟
إلهام: نعم …
رشيد: أنا لا أعتقد أن هذا يحدث في مصر …
أحمد: إن مصر دائمًا مستهدفة … ولكنهم لم يجدوا فرصتهم كاملة … سنقضي على هؤلاء العملاء …
إلهام: أنا أرى أن ما حدث لم يكن المقصود به مخزن الذخيرة.
عثمان: وما المقصود إذن؟
إلهام: ضرب الاقتصاد في مصر.
أحمد: ولماذا هذا المصنع بالذات؟
إلهام: لأنها صناعة جديدة في مصر … وثقيلة … وهي ترفع من سعر البترول … لأنها تبيعه منتجات، وإذا نجح …
عثمان: سيشجع هذا بقية الدول العربية على السير في نفس الاتجاه.
رشيد: ولكن صناعات البتروكيماويات موجودة في المنطقة العربية.
أحمد: ولكن هذا المنتج الذي حرقوا مستودعه … يُنتج لأول مرة في الشرق الأوسط.
مصباح: إذن علينا أن نمنع ترهيب المستثمرين … وتخريب الاقتصاد القومي …
أحمد: هذا أمرٌ جيد … ولكم عندي أخبار سعيدة …
إلهام: ما هي؟
أحمد: لقد عرفتُ الكثير من المعلومات عن العميل الذي يقوم بكل ذلك.
عثمان: مَن هو؟
أحمد: لم أعرف مَن هو بعد … ولكني اقتربت.
إلهام: لا … أنت تعرف مَن هو … ولكنك تريد أن تتأكد … أليس كذلك؟
أحمد: نعم …
ولم يستطع «عثمان» التزامَ الصمت … فقال لهم: إنه «فوزي» …
وأثار الخبرُ «رشيد»، فقال يسألهم: «فوزي» … مَن؟
أحمد: مدير العلاقات العامة للشركة …
إلهام: ولماذا هو بالذات …
أحمد: لقد جمعتُ عنه بعضَ المعلومات … فهو كثيرُ السفر للخارج … وعلى اتصال بكثير من الشركات خارج «مصر» … وله أصدقاء من كلِّ الجنسيات.
عثمان: هذا ليس دليل إدانة …
مصباح: نعم … فهو من ضروريات وظيفته …
أحمد: هذا الرجل حقَّق ثروةً كبيرة بالنسبة لدخله … وليس له عملٌ آخر غير وظيفته في الشركة …
إلهام: من الممكن أن يكون فسادًا داخليًّا …
أحمد: مثل ماذا؟
إلهام: مثل الاقتطاع من موارد الشركة.
أحمد: لقد تم تحويل مبالغ من الخارج له …
إلهام: أي أن له حسابًا متضخمًا في البنك؟
أحمد: نعم … ولكن ليس باسمه …
رشيد: باسم زوجته؟
أحمد: لا، باسم «فوزي محفوظ».
إلهام: ومَن «فهمي محفوظ» هذا؟
أحمد: إنه هو …
نظروا جميعًا إليه غيرَ مصدقين لما يقول … وضم «عثمان» حاجبَيه ومدَّ رقبته وهو يسأله: أتقصد أن له اسمَين؟
أحمد: نعم … وبطاقتَين.
إلهام: أي علينا أن نبحث الآن عن «فهمي محفوظ»؟!
عثمان: الشهير ﺑ «فوزي صالح».
أحمد: نعم.
إلهام: المهم أين نجده؟
رشيد: ألن يشتريَ هذا الرجلُ شيئًا من هذه النقود؟
مصباح: وبالطبع لن يشتريَها باسمه الحقيقي.
عثمان: لماذا يضع نفسه موضعَ شبهات ولديه اسمٌ آخر؟
إلهام: إذن فلنبحث عن أراض أو عقارات باسم «فهمي محفوظ».
أحمد: لقد سمعتُ بهذا الاسم في شمال سيناء.
عثمان: في العريش.
أحمد: نعم … عند «توفيق الشريف».
إلهام: ومَن «توفيق الشريف» هذا؟
أحمد: إنه مناضل سيناوي … وكان عضوَ مجلس الأمة عن سيناء عندما كانت محافظة واحدة.
إلهام: إذن فلنتصل به.
وقام «أحمد» بالاتصال ﺑ «توفيق» على تليفونه المحمول … وقد كان سعيدًا جدًّا لهذا الاتصال …
وعندما سأله عن «فهمي محفوظ» قال له: إن علاقتي به تنتهي عند كونه اشترى أرضًا منِّي بجانب قرية الخرافي.
أحمد: هل يمكنني أن أعرف كم دفع ثمنًا لها؟
توفيق: طبعًا … لقد دفع خمسة ملايين جنيه.
أحمد: وهل سيُقيم عليها مشروعًا؟
توفيق: هل تريد مقابلته؟
أحمد: نعم … هل تعرف مكانه الآن؟
توفيق: إن له فيلَّا في نفس الشارع الذي أسكن فيه، وهو فيها الآن.
أحمد: وما اسم الشارع؟
توفيق: شارع الكورنيش.