مقدمة
في الربع الأول من القرن العشرين؛ ظهرت في مصر كوكبة من أعلام الكتابة المسرحية في مجال: التأليف، والترجمة، والاقتباس، والتعريب، والتمصير … أمثال: بديع خيري، ونجيب الريحاني، وإبراهيم رمزي، وإسماعيل عاصم، وعباس علام، وخليل مطران، وأمين صدقي، ومحمد تيمور، ويوسف وهبي، ومحمد لطفي جمعة، وعباس حافظ، وعزيز عيد وغيرهم. ويشاء القدر أن يهتم بعض الكُتَّاب والنقاد بكتابات هؤلاء الأعلام المسرحية؛ فنشروا عنها الكُتب والمقالات والدراسات التي وثقت هذه الأعمال، وسجَّلت الأقوال النقدية التي دارت حولها؛ فأصبحت هذه الدراسات مراجع ومصادر تخدم الباحثين. وفي المقابل هناك أعلام آخرون من كُتَّاب المسرح — على قدر المساواة مع الأعلام السابقين، ومعاصرين لهم — لم يهتم بهم الكُتَّاب أو النقاد حتى الآن، أمثال: عبد الحليم المصري، ومحمود مراد، ونقولا رزق الله، وحسين شفيق المصري، وفرح أنطون، ومصطفى ممتاز … وغيرهم.
وعدم اهتمام الكُتَّاب والنقاد بهؤلاء الأعلام مرجعه الأساسي عدم وجود معلومات عنهم وعن حياتهم، أو فقدان كتاباتهم وإبداعاتهم المسرحية. فمثلًا عبد الحليم المصري معروف أنه شاعر ومؤرخ، والجديد في الأمر أنه كان ممثلًا مسرحيًّا عام ١٩١٠م، وألَّف مسرحية «فيروزشاه» ١٩١٨م، وعرَّب مسرحيات كثيرة، منها: «مارك أنطوان وكليوباترا»، و«الشيخ العاشق»، و«الممثل كين». ومع شديد الأسف فإن هذه المسرحيات ظلت مطوية غير منشورة، ولم نعثر على مخطوطاتها حتى الآن! كذلك محمود مراد المتوفَّى سنة ١٩٢٥م؛ فإنَّا لا نعرف عنه شيئًا، رغم أنه من روَّاد المسرح المدرسي في مصر، وله مؤلفات وترجمات مسرحية كثيرة، منها: «زهراب ورستم»، و«الأساس فالبناء»، و«الجزاء الحق»، و«الابن الضال»، و«ما وراء الستار»، و«الابن المُتبنَّى»، و«الوحي»، و«في سبيل المبدأ»، و«مجد رمسيس»، و«توت عنخ آمون»، و«بيت العروس»، و«العبرة»، و«ثريا»، و«عضو البرلمان»، و«سعاد»، و«البروكة»، و«شرف الأسرة»، و«كليوباترا»، و«الدخيل» … ورغم هذا الكم الهائل من الإبداعات المسرحية إلا أنه لم تُنشر له مسرحية واحدة، ولم نستطع — حتى الآن — الحصول على مخطوطة واحدة من هذه المسرحيات!
أما فرح أنطون، فعلى الرغم من شهرته الذائعة الصيت، والمؤلفات التي دُبِّجت حول كتاباته وحياته، إلا أنها لم تتطرق إلى أعماله المسرحية إلا في نطاق محدود من خلال مسرحياته المطبوعة، مثل: «البرج الهائل» ١٨٩٨م، و«ابن الشعب» ١٩٠٥م، و«مصر الجديدة» ١٩١٣م، و«صلاح الدين ومملكة أورشليم» ١٩١٤م. رغم كتابته مسرحيات أخرى غير منشورة، لم نستطع الحصول على مخطوطاتها — حتى الآن — مثل: «أوديب الملك» ١٩١١م، و«الساحرة» ١٩١٢م، و«أولندا»، و«تاييس»، و«كارمن» ١٩١٥م، و«أدنا»، و«الإمام في الشام»، و«بين الدكاترة»، و«روزينا» ١٩١٨، و«الشيخ وبنات الكهربا» ١٩٢١، و«أديني جيت» ١٩٢٢م، و«أبو الهول المتحدث» … وغيرها.
هؤلاء الأعلام من المسرحيين ممن كُتب عليهم النسيان، وفَرض القدر عليهم العيش على هامش التاريخ، وبنى الزمان جدارًا سميكًا بينهم وبين من أراد الكتابة عنهم … هؤلاء كانوا شغلي الشاغل منذ زمن طويل … أحاول الوصول إليهم في ثنايا سطور الكتابات القديمة، وأنبش عنهم في الوثائق المجهولة، وأنقِّب عن أخبارهم بين الأوراق البالية، وأبحث عن كتاباتهم وسط ركام المخطوطات، وأتقصَّى ما كُتب عنهم في الصحف المتهالكة التي عاصرت وجودهم … فأخرجت بذلك أعلامًا مسرحية كانت مجهولة؛ رغم ما لها من مكانة أدبية مسرحية مرموقة لم تكن معروفة من قبلُ.
فعلى سبيل المثال: أعدت إلى ساحة الأدب والمسرح المكانة اللائقة للأديب إسماعيل عاصم؛ عندما نشرت تفاصيل حياته، وبعض أشعاره، وجميع مسرحياته المخطوطة، والمطبوعة في القرن التاسع عشر، في كتاب متواضع حمل اسم «إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب» عام ١٩٩٦م. كذلك نشرت جميع مسرحيات محمد لطفي جمعة المخطوطة في كتاب «مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة: الأعمال الكاملة» عام ٢٠٠١م. وبالأسلوب نفسه نشرت بعض مسرحيات حافظ نجيب المخطوطة في كتاب «حافظ نجيب الأديب المحتال» عام ٢٠٠٤م. وبمناسبة مرور خمسين سنة على وفاة الفنان الكوميدي علي الكسار؛ نشرت ثماني عشرة مسرحية مخطوطة في كتاب من جزأين بعنوان «مسرح علي الكسار» عام ٢٠٠٦م. وأخيرًا نشرت مجموعة كبيرة من مسرحيات عباس حافظ المخطوطة مع بعض تفاصيل حياته في كتاب «مخطوطات مسرحيات عباس حافظ» عام ٢٠٠٧م.
والتزامًا بهذا النهج؛ وقع اختياري على شخصية مصطفى ممتاز؛ لتكون موضوع هذا الكتاب. والسبب في هذا الاختيار أن مصطفى ممتاز شخصية مجهولة في كتاباتنا المعاصرة التي تشير إلى أنه شارك توفيق الحكيم في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»؛ التي مثَّلتها فرقة أولاد عكاشة سنة ١٩٢٤م. وبخلاف هذه المعلومة — التي سجلها الحكيم في مذكراته — لا يستطيع أي باحث أن يعرف شيئًا آخر عنه! وهذه المعلومة تشير إلى أن مصطفى ممتاز شارك الحكيم في اقتباس المسرحية … أي إن الحكيم هو الأصل، ومصطفى ممتاز هو الفرع!
فيا تُرى ما هو شعور القارئ عندما يكتشف أن العكس هو الصحيح؟! فمصطفى ممتاز كان الأصل والحكيم هو الفرع! مصطفى ممتاز كان المؤثِّر، وتوفيق الحكيم كان المتأثِّر! مصطفى ممتاز كتب ثماني مسرحيات — مثَّلتها الفرق المسرحية الكبرى بين عامي ١٩١٧ و١٩٢٤م — قبل أن يخطَّ الحكيم سطرًا واحدًا في كتاباته المسرحية المعروفة! مصطفى ممتاز هو الشاعر القدير صاحب الديوان المنشور بالإسكندرية عام ١٩١٨م، وهو مؤلِّف ومعرِّب ومترجِم لعشرات المسرحيات، استطعنا إحصاء إحدى عشرة مسرحية منها، ونشرنا في هذا الكتاب خمسة نصوص مسرحية مخطوطة مجهولة … ففي هذا الكتاب يخرج مصطفى ممتاز من قبره التاريخي، لتُعاد إليه حياته الأدبية المسرحية، وليسترد مكانته المسرحية التي سُلبت منه نسيانًا وتجاهلًا من قِبل الكُتَّاب والنقاد.
والله ولي التوفيق.
الدوحة ١٤ / ٥ / ٢٠٠٨م