الفصل الثاني
(المنظر: كما في الفصل الأول.)
(تُرفع الستار عن سيد وهو ينفض صورة المرحوم بذيل ثيابه.)
سيد
:
ما تآخذنيش يا سيدي، الوقعة دي غصب عني، وستي هي اللي كربستني مع حضرتك من
على السلم. بقينا كخَّة يا سيدي! لكن معلهش، برضو لنا رب، وادي حال الدنيا،
وأنا وأنت يا سيدي على الله.
سنية
:
إنت لسَّه بتعمل إيه هنا؟
سيد
:
بنفض المرحوم يا ستي.
سنية
:
هو أنا مش حاخلص منك بقى ومن المرحوم؟ يلَّا امشي لم هدومك وانكشح!
سيد
:
حاضر يا ستي، وأنا عارف طيب إنك بتقولي لي الكلام ده من ورا قلبك.
سنية
:
إزاي يعني؟
سيد
:
عشان أنا ما أهونش عليك، اكمني من ريحة المرحوم.
سنية
:
اخرس!
سيد
:
معلهش يا ستي، أنا برضو فاهم، وعارف الوَزَّة دي من مين.
سنية
:
آل ما يهونش عليَّ اكمنُّه من ريحة المرحوم! ده أنا مش قادرة أتصوره اكمنه من
ريحة المرحوم. ولازم الملعون ده كان عارف أسراره كلها، ومين يعلم؟ يمكن ماشي
كمان مع ده زي ما كان مع ديكها … هوَّ أنت لسَّه هنا؟
سيد
:
يا ستي هانت، ربنا يكون في عونك. اتفضلي البالطو بتاع سيدي آهه عشان ما لحقتش
أودِّيه للمكوجي.
سنية
:
سيبه هنا واجري يلَّا شوف هدومك.
سيد
:
حاضر بس اعملي معروف يا ستي خلِّي بالك من الصورة عَبَال ما أجيب صندوق
هدومي!
سنية
:
يا ترى خرج راح فين؟ ما داهية يكون راخر زي المرحوم؟ والله لشوف في جيوبه إيه
… الله! وادي جواب … «سليمان وشركاه جواهرجية بمصر» دي فاتورة. هيه «حضرة
المحترم. الرجا من حضرتكم تسديد مبلغ ٢٠٠ جنيه؛ ثمن عقد ألماظ بدلَّاية.» عقد
ألماظ! وعشان مين يا ترى؟ آه يا سوء بختي! يا قسمتي! ده راخر بيلعب بديله زي
المرحوم! لكن لأ. ما ينضحكش عليَّ نوبتين. ولازم أفتح عينيه أد كده! انت حاتفضل
داخل خارج؟ هوَّ أنا مش حانْفَض منك بقى؟
سيد
:
يا ستي هانت هانت … تعالى معايا يا سيدي يا حبيبي أحسن ما حدش بقى عاوزنا هنا
… أنا مش زعلان من حضرتك يا ستي، ولو إني صحيح واخد على خاطري شوية، لكن القسمة
كدة.
سنية
:
لسَّه عاوز تقول حاجة كمان؟ ده شيء يضايق؟
سيد
:
وإذا حصل يا ستي — وإن شاء الله يكون قريب يا رب — إنك تطلقي من سيدي ده
…
سنية
:
إنت بتقول إيه يا قليل الأدب!
سيد
:
بس تبقي تديني خبر وأنا أرجع لك تاني مع المرحوم.
سنية
:
طيب يلَّا بقى يلَّا، يلَّا!
سيد
:
بس كمان كلمة يا ستي، عشان برضينا كلْنا مع بعض عيش وملح.
سنية
:
عاوز تقول إيه؟
سيد
:
فَتَّحي عينك حضرتك كويس قوي؛ عشان سيدي بيراقبك من تحت لتحت.
سنية
:
بيراقبني؟ أنا جوزي يراقبني؟!
سيد
:
قوي يا ستي، وقبل ما يخرج سألني وقال لي: مافيش حد يا سيد بييجي يزور سِتَّك
وأنا بره؟ قُمْت فِهِمْت غَرضه.
سنية
:
يعني غرضه إيه؟
سيد
:
يعني بِدُّه يقول مافيش رجَّالة تزور حضرتك وهوَّ بره ولَّا لأ؟
سنية
:
قطع لسانه على لسانك! بس لما أشوف وشه، وأشوف العقد الألماظ شاريه لمين!
الخبَّاص ده راخر.
سيد
:
الدنيا حاتشعلل هنا!
سنية
:
لكن لأ، الأحسن إني أروح للجواهرجي بنفسي.
سيد
:
حاضر.
خميس
:
إيه يا واد ده؟
سيد
:
هدومي يا سيدي.
خميس
:
وإيه ده اللي تحت باطك؟
سيد
:
ده سيدي المرحوم.
خميس
:
عال عال مع السلامة. إنما قول لي قبله، سي كمال ما جاش؟
سيد
:
لأ يا سيدي، وإذا كنت حضرتك تحب تحجز الصورة، معلهش.
خميس
:
لأ لأ، أبدًا.
سيد
:
أمرك يا سيدي. بس ما تآخذنيش يا سيدي، عشان مش مالك أحط إيدي في إيد
حضرتك!
خميس
:
معلهش معلهش، داهية لا ترجعك لا انت ولا المرحوم بتاعك! الغرابة مانيش عارف
كمال ده راح فين! وكل خوفي إنه دلوقت ييجي هنا ويشوف سنية ويلاقيها السمانة!
ومين عارف، يمكن صاحبتنا ترجع تحن! لكن لأ، أنا مش مغفل، وساعة ما ييجي دُغري
أروح واخده على اللوكاندة.
سنية
:
إنت كنت بره فين دلوقت؟
خميس
:
أنا؟
سنية
:
أيوه إنت.
خميس
:
الجرس بيرن! لازم كمال … إخص! مافيش حد.
سنية
:
بتسمع إيه عندك؟
خميس
:
مافيش، بس افتكرت إن حد بيضرب الجرس.
سنية
:
والله إنكم كلكم يا رجَّالة زي بعض.
خميس
:
طبعًا، عشان رجالة.
سنية
:
من فضلك ما تستعبطش روحك.
خميس
:
يعني إيه؟ أنا مش فاهم أنت عاوزة تقولي إيه!
سنية
:
بِدِّي أقول إنهم لو يجيبوا أطهر راجل في الدنيا، ويكتبوا له سيئاته على
قورته، كان ينزِّل طربوشه على عينيه من الكسوف.
خميس
:
ده بيتهيألك بس … الجرس ولَّا إيه؟
سنية
:
انت مستني مين؟
خميس
:
مافيش حد … يظهر إن وداني بتطن.
سنية
:
ما لك؟
خميس
:
ولا حاجة … كمال، كمال! الكمال في الملاح … الكمال … اللي ما بتتهز
أبدًا.
سنية
:
إنت بتغني عشان تاخدني في دوكة؟ قول لي إنت كنت فين؟
خميس
:
كنت في شغل.
سنية
:
الشغل ده إيه؟ وكان فين؟
خميس
:
آه! يعني حضرتك عاوزة تفتحي لي محضر؟ لأ، أنا ما أسمحلكيش أبدًا إنك
تقرريني.
سنية
:
أنا ما جبتش شيء من عندي، أنا بعمل زيَّك تمام، وعندي ذوق أكتر منك عشان ما
بسألش الخدامين.
خميس
:
إخص! هو الملعون سيد قال لك؟ أنا … أنا … في الحقيقة. إنت عاوزة الحق؟ الراجل
سيد ده، أنا ما بحبوش أبدًا.
سنية
:
شوف أما أقول لك، لا تهوش ولا تغالط، وافهم طيب إنك في إيدي.
خميس
:
أنا في إيدك إنت؟ ليه الدنيا جرى لها إيه؟
سنية
:
أنا بكلمة صغيرة خالص، أخليك قدامي زي القط.
خميس
:
إنت تخليني زي القط؟ إنت فاهمة إنت بتقول إيه؟ لازم هوَّ النوبة دي!
سنية
:
لازم المسألة فيها سر.
خميس
:
يظهر إن وداني بترن.
حميدة
:
أحضر السفرة فين يا ستي؟
خميس
:
في أودة الأكل طبعًا.
سنية
:
الراجل هناك بيركب القزاز المكسور … حضري السفرة هنا.
خميس
:
هنا هناك زي بعضه، عشان أنا حاتغدى في اللوكاندة.
سنية
:
واشمعنا تتغدى بره؟
خميس
:
عشان كده.
سنية
:
لوحدك؟
خميس
:
لأ، مع واحد صاحبي.
سنية
:
صاحبك ده مين؟ واسمه إيه؟
خميس
:
احم! اسمه … وانتِ مالك ومال اسمه؟!
سنية
:
طيب! وأنا كمان خارجة.
خميس
:
على فين؟
سنية
:
وإنت مالك؟! عندي شغل.
خميس
:
وإن شاء الله حاتغيبي كتير؟
سنية
:
زي ساعة، فيه حاجة كمان؟
خميس
:
لأ … المهم إنها تخرج الساعة دي.
سنية
:
لازم أخبي طرابيشه كلهم واشوف حايخرج إزاي!
خميس
:
على رأي المثل: اللي تحمل هَمُّه، ما يجيش أحسن منه. وتَوَّه صاحبتنا ما خرجت، الدنيا
تروق. ولما تبقى ترجع يبقى يحلها ألف حلَّال … ستك فين يا
حميدة؟
حميدة
:
بتلبس الملاية يا سيدي.
خميس
:
عال خالص … حضرتك خارجة؟
سنية
:
أيوه مش شغلك.
خميس
:
إلا مش شغلي! لكن أعمل إيه، الظروف حاكمة. لكن ما داهية كمال يقابلها على
السلالم! لازم ألحقها. طربوشي فين؟ حميدة! حميدة!
حميدة
:
أفندم.
خميس
:
طربوشي فين؟
حميدة
:
ما شفتوش يا سيدي.
خميس
:
إزاي! الله! الطربوش!
حميدة
:
والنبي يا سيدي ما شفته.
خميس
:
يعني إيه؟ يعني الطربوش اتسرَّب؟ أنا كنت حاطه هنا على الترابيزة ساعة ما
دخلت. يبقى راح فين؟
حميدة
:
وأنا إيش عرفني يا سيدي؟
خميس
:
خدوه الملايكة؟ الملايكة ما بيلبسوش طرابيش.
حميدة
:
يمكن ستي …
خميس
:
إيه؟ يمكن ستك لبسته وخرجت بيه؟ إنت حاتجننيني!
حميدة
:
يا سيدي أنا ما قلتش كده.
خميس
:
طيب بس بس! بلاش غَلَبَة … شوفي مين، عَبَال ما اشوف لي طربوش تاني.
حميدة
:
مين؟ أهلًا وسهلًا يا ستي. اتفضلي.
لبيبة
:
ستك هنا؟
حميدة
:
لأ يا ستي، خرجت من شوية صغيرة. لكن سيدي هنا.
لبيبة
:
طيب اعملي معروف ادِّيلُه خبر.
حميدة
:
حاضر.
لبيبة
:
مين كان يفتكر إني أشوف كمال تاني! والله خلاني نطيت ساعة ما قال لي: «سمانة» لكن برضو عرفت أزوغ منه تمام.
خميس
:
مش شغلي، لازم تشوفي لي طربوش من تحت الأرض.
حميدة
:
حاضر يا سيدي.
خميس
:
أهلًا وسهلًا لبيبة هانم. إزاي صحتك؟
لبيبة
:
الله يحفظك. إلا قول لي من فضلك!
خميس
:
نعم!
لبيبة
:
حضرتك طردت سيد الخدام؟
خميس
:
أيوه، يعني الست هيَّ اللي طردته.
لبيبة
:
وعشان إيه من فضلك؟
خميس
:
حاقول لك إيه بس، عشان لتَّات قوي وغلباوي، وفي الحقيقة ما حدش يطيقه
أبدًا.
لبيبة
:
لكن مش حرامي؟
خميس
:
لأ، مش حرامي.
لبيبة
:
ده اللي يهمني.
خميس
:
ليه؟ أنتم عاوزين تاخدوه عندكم؟
لبيبة
:
أما أشوف سي عزت يرضى ولَّا لأ. عشان من نهار ما طردنا سالم، واحنا لايصين،
والمخدِّم مغلِّبنا قوي.
خميس
:
إنما أنا أؤكد لك إن المخدِّم إذا كان مغلبكم قيراط، الواد سيد حايغلبكم
أربعة وعشرين!
لبيبة
:
يا خَيِّ ولو موقتًا. أما نشوف. نهارك سعيد.
خميس
:
نهارك سعيد مبارك … حميدة! حميدة! ده ما كانش طربوش! إيه آخر أخبار عن
الطربوش؟
حميدة
:
والله يا سيدي ما لقتش أبدًا غير ده.
خميس
:
إيه ده؟ ده مش طربوش ده!
حميدة
:
ده طربوش سيد ونسيه لما خرج.
خميس
:
يظهر كده؛ عشان ريحته خدامين خالص … شوفي مين! دي حاجة عرَّة قوي.
كمال
:
أظن استغيبتني؟ والله ما تآخذنيش. دلوقت أحكي لك الحكاية.
خميس
:
وأنا من ساعتها قاعد أستناك عشان نخرج سوا.
كمال
:
نخرج؟ ده أنا نَفسي انقطع من السلالم بتوعكم.
خميس
:
بالشفا، إنما اسمع!
كمال
:
نعم؟
خميس
:
أنت عارف شارع محمد علي؟
كمال
:
قوي.
خميس
:
أما فيه هناك راجل بيعمل سمك، لكن على ذوقك. يلَّا بينا يلَّا!
كمال
:
لا لا، وهوَّ أنا غريب؟ الموجود في البيت ناكل منه والسلام.
خميس
:
اعمل معروف ما تضيعش الوقت، عشان بدِّي أقعد ويَّاك قعدة زي الناس، وكمان
الخدام بتاعنا طردناه ولا فيش حد يَخَدِّم علينا.
كمال
:
والبت دي ما تعرفش تَخدِّم علينا ليه؟
خميس
:
حميدة؟ لا يا شيخ دي لخمة قوي، وخدمتها تعل. يلَّا بينا!
كمال
:
ما تعرفيش يا حميدة تجيبي لنا ناكل؟
حميدة
:
ما أعرفش إزاي يا سيدي؟!
كمال
:
طيب اجري يا شاطرة هاتي لنا اللي عندكم والسلام.
حميدة
:
حاضر يا سيدي.
خميس
:
انت باين مش حاتجبيها البر!
كمال
:
بر إيه وبحر إيه؟! ده اللقمة يا خالي اللي الواحد ياكلها في البيت — وإذا
كانت بملح — أحسن من ستين أكلة في اللوكاندة!
خميس
:
بس اسمع يا كمال، بقى الشطارة دلوقت إننا ناكل زي الوابور، فاهم! قبل صاحبتنا
ما تيجي.
كمال
:
هيَّ مقاولة ولَّا إيه؟
خميس
:
لأ بس أنا عامل حساب إن القطر بعدين يفوتك وترجع تلومني. أنت مسافر في قطر
كام؟
كمال
:
مش مسافر النهارده.
خميس
:
يا خبر أسود! إزاي يا شيخ أنت ما تسافرش النهارده؟ حد في الدنيا يغيب في
السودان الغيبة الكبيرة دي كلها ولا يروحش يشوف أهله؟
كمال
:
قدامي إجازة تلات تشهر.
خميس
:
يا قلبك! يا مصيبتي!
كمال
:
سيبنا من الحكاية دي بقى يا خالي.
خميس
:
بس أسيبك من الحكاية دي إزاي ودي مسألة واجبات؟ خازوق!
كمال
:
بالك يا خالي، نظريتك في العازبة مظبوطة تمام.
خميس
:
جالك كلامي؟
كمال
:
بس شوف الصدفة …
خميس
:
يا ترى فيه إيه؟
كمال
:
وأنا جاي في السكة، قابلت واحدة ست، وِجِهْ وِشِّي في وِشِّها تمام. تفتكر
مين؟
خميس
:
مراتي طبعًا … مين يا ترى؟
كمال
:
السمانة!
خميس
:
ما أنا برضو قلت كده.
كمال
:
إنما عاوز الحق يا خالي؟ السمانة حِليت في عيني عن زمان.
خميس
:
عفريت يلهفك!
كمال
:
رأيك إيه بقى؟
خميس
:
رأيي … بس حاقول له إيه … ولا حاجة.
كمال
:
ولا حاجة إزاي؟ والحب القديم اتحرَّك في قلبي. ومن ساعة ماشفتها دماغي
اتبرجلت.
خميس
:
وأنا قلبي مغَّص عليَّ وعقلي اتلخبط.
كمال
:
طيب وانت ما لك؟
خميس
:
إلَّا أنا ما لي! هي دي حاجه شوية؟ بقى تفتكر إنك لما تكون في ورطة زي دي ما
أشارككش في عواطفك؟ سبحان الله يا سي كمال!
كمال
:
الله يحفظك يا خالي.
خميس
:
إنما ما تكونش عينك زاغت في واحدة تانية، وافتكرتها السمانة؟
كمال
:
إزاي؟ ده أنا كلِّمتها.
خميس
:
آه! آهو البلوة هنا … يا ترى قالت له إيه؟
كمال
:
تفتكر قالت لي إيه؟
خميس
:
اعمل معروف ما توجعش بطني … وقل لي قالت لك إيه؟
كمال
:
قالت لي رجب أفندي مات.
خميس
:
ديهده! ما هو مات.
كمال
:
من قال لك؟
خميس
:
أما عجيبة! أنت يا أخي مش بتقول إنها قالت لك إنه مات؟ قلت لك آهو مات. ولَّا
عاوز أقول لك لأ؟
كمال
:
يظهر إنك مش مبسوط النهارده.
خميس
:
اتفضل يا سي علي أفندي يا صادق.
كمال
:
علي أفندي صادق مين؟
خميس
:
هُس هُس! بس ليَّ غرض إني أسميك كده دلوقت.
كمال
:
غرض إيه؟
خميس
:
البت حميدة كان لها أخ اسمه كمال، وبعيد عنك مات قريب، وكل ما تفتكره بينقلب
كيانها خالص. مسكينة الله يصبرها!
كمال
:
آه، لك حق بقى، مسكينة! أما نثبتها. وفضل صاحبنا يقول لي إزيك يا علي أفندي
يا صادق. وحشتنا يا علي أفندي يا صادق. آنستنا يا علي أفندي يا صادق.
خميس
:
لحد ما زهقك يا علي أفندي يا صادق! هاهاها. دلوقت لما سنية تقرر الخدامة ما
تعرفش تاخد منها حق ولا باطل … اتفضل يا علي أفندي، بس كُل بالعجل.
كمال
:
أنا مش مستعجل.
خميس
:
لكن أنا مستعجل … عاوز ميَّه؟
كمال
:
هو أنا كَلْت حاجة أشرب عليها؟!
خميس
:
يظهر إن مالكش نِفس للأكل، اجري هاتي كباية مَيَّه يا حميدة، المَيَّه تفتح
الشهية.
كمال
:
حَقَّه عمري ما سمعت.
خميس
:
لأ، دي قال لي عليها واحد حكيم صاحبي.
كمال
:
جايز. إنما إزاي إحنا ناكل قبل الست ما تيجي؟
خميس
:
ما هي معزومة بره النهارده؟
حميدة
:
المَيَّه يا سيدي.
كمال
:
خلِّيها هنا.
خميس
:
وروحي بقى، ولما نعوزك نندهلك.
كمال
:
إنما بالك يا خالي؟
خميس
:
هيه؟
كمال
:
يظهر إن الحظ معاكسني. علشان الملعونة قالت لي إنها اتجوزت تاني.
خميس
:
صَدَّق! لكن ما قالت لكش اتجوزت مين؟
كمال
:
دي عفريتة! بقول لها اتجوزتِ مين؟ قامت قالت لي اتجوزت راجل مغفل،
هاهاها!
خميس
:
بقى قالت لك إنها اتجوزت راجل مغفل؟
كمال
:
طيب وانت ما لك زعلان ليه؟
خميس
:
بس ما يعجبنيش الحال المايل. وما يخلصنيش إن أي واحدة في الدنيا تقول على
جوزها كده.
كمال
:
يا خالي ده مُلك مدبَّره صاحبه.
خميس
:
إنت مش خلاص شبعت؟
كمال
:
ليه؟ لا هو غداكم النهارده مكرونة بس؟
خميس
:
أيوه. حميدة! حاجة خفيفة على المعدة.
حميدة
:
أفندم.
خميس
:
شيلي الأكل بقى.
كمال
:
مافيش حاجة عندكم النهارده إلَّا المكرونة؟
حميدة
:
عندنا يا سيدي، أما أروح أجيب.
خميس
:
تجيبي إيه؟ تعالي هنا. إنت مش عاوز مَيَّه قَبْلَه؟ هاتي مَيَّه لعلي أفندي
صادق.
حميدة
:
حاضر.
كمال
:
لا هو غداكم النهارده مَيَّه؟ طيب شوف لنا ولو حتة جبنة، ولَّا أي حاجة
نغمِّس والسلام!
خميس
:
حد بيخبط! مراتي يا خبر اسْوِد!
كمال
:
إنت مستني حد؟
خميس
:
لا مش مستني حد لكن خايف لحد ييجي.
كمال
:
أما دي أدهى!
خميس
:
الحمد لله مش عندنا، إنت يا أخي لسَّه ما شبعتش؟
كمال
:
وهو أنا كَلْت حاجة!
خميس
:
طيب اشرب دي، اشرب.
كمال
:
أشرب إزاي وأنا مش عطشان؟ هوَّ بالإكراه؟!
خميس
:
اشرب وعليَّ أنا مالكش دَعْوَه.
كمال
:
طيب سيب الكباية هنا … اجري يا شاطرة شوفي لي حتة جبنة.
حميدة
:
حاضر.
خميس
:
يا سي علي جبنة إيه وبتاع إيه. يا بت أنت روحي من هنا! بس مش راضي أقرفك،
الجبنة كلها دود بتشغي. نهايته، والسمانة قالت لك جوزها مين؟
كمال
:
المكَّارة ما رضيتش تقول لي على اسمه أبدًا، وسهَّتني وزاغت مني في وسط
الزحمة.
خميس
:
طيب يلَّا امسح إيديك بقى … حميدة!
كمال
:
أنا في الحقيقة مش قادر أفهم إنت مالك النهارده!
حميدة
:
أفندم.
خميس
:
شيلي الأكل بقى. كَلْنَا وشبعنا والحمد لله!
كمال
:
طيب شوفوا لنا فنجال شاي وبسكوتتين.
خميس
:
شاي؟ ده أضر حاجة بعد الأكل! اعملي شوية قهوة أحسن. ولَّا تفتكر بلاش؟ بلاش؟
بلاش قهوة يا حميدة.
كمال
:
إلا بلاش قهوة! ضروري أشرب قهوة.
خميس
:
حيرتني يا علي أفندي! دُور عاوز قهوة، ودُور تقول لأ. دي ذبذبة في الرأي
الواحد لازم يكون له مبدأ.
كمال
:
عاوز قهوة ضروري.
خميس
:
طيب ما قلتش كده ليه من الصبح، بس خليتنا نضيع وقتنا. قهوة حالًا، وهاتيها
لنا في أودة النوم.
حميدة
:
حاضر.
كمال
:
حَقَّه كله كوم وشرب القهوة في أودة النوم كوم!
خميس
:
ده أنت يا أخي يظهر إن مالكش مزاج أبدًا!
كمال
:
ليه؟
خميس
:
الواحد بعد الغدا مش يحب يرتاح شويَّة؟
كمال
:
لكن أنا مش عاوز أنام.
خميس
:
ولو! إنما ضروري تتمد شوية. ضروري جدًّا … يا سيدي خُش خُش!
كمال
:
الله الله! هوَّ جرى إيه.
خميس
:
بس خش. أنا جاي لك حالًا … دي داهية وطبِّلت … يلَّا! يلَّا! دلوقت أخلص من
مراتي. عزت! إخص!
عزت
:
إخص؟!
خميس
:
إخص إيه؟
عزت
:
أنا عارف؟ بقى ساعة ما تشوف وشي تقول لي إخص؟!
خميس
:
والله يا خويا ما تآخذنيش … ما خدتش بالي أبدًا إلَّا إخص!
عزت
:
مالك؟ فيه إيه؟ باين عليك مُرْتَبِك خالص.
خميس
:
لا يا شيخ؟ بقى باين على وشي صحيح؟ آهي دي بلوة ما عملتش حسابها.
عزت
:
باين قوي.
خميس
:
بس الحقيقة …
عزت
:
إيه ده؟
خميس
:
مافيش، ده … ده … واحد صاحبي.
عزت
:
وحابسه ليه؟ ما بيبانش على رجَّاله ولَّا إيه؟
كمال
:
ده مش هزار ده!
خميس
:
المجنون ده حايخلع الباب!
كمال
:
خالي عزت!
عزت
:
سي كمال! أهلًا وسهلًا! الحمد الله بالسلامة.
كمال
:
الله يسلمك، شفت يا سيدي هزار خالي خميس؟
خميس
:
هزار إيه؟ إذا كان ده بعد ما دبغ غدوة تمام، قال: عاوز أنام شويَّة! مش بذمتك
يلزم إني أقفل عليه الباب عشان ياخد راحته؟
عزت
:
واجب … ما داهية يشوف مراتي! مش حاتبقى تزورني يا كمال؟
كمال
:
الله! طبعًا.
عزت
:
ما تقولوش إني اتجوزت.
خميس
:
ليه؟ خالك عزت اتبسط قوي اللي شافك. ما تجيبش سيرة السمانة.
عزت
:
عن إذنكم بقى أحسن عندي ميعاد ضروري قوي. إنما ضروري أشوفك يا كمال قبل ما
تروح البلد.
كمال
:
حاضر.
عزت
:
ناوي تسهر يا خويا الليلة ولَّا لأ؟ سلام عليكم.
خميس
:
أما أشوف. وعليكم السلام.
كمال
:
وعليكم السلام يا نمس … بالك يا خالي خميس؟
خميس
:
إيه؟
كمال
:
دلوقت فهمت السمانة زاغت مني ليه؟ لازم لاضمة مع خالي عزت.
خميس
:
ما تقولش كده أمَّال!
كمال
:
ده بالتأكيد! إنما لازم أفقسهم لك.
خميس
:
مش طايق! مراتي مع أخويا!
كمال
:
الله؟ القهوة فين؟
خميس
:
القهوة؟! آه، لازم مافيش قهوة. لازم مافيش بن ولَّا هو إيه!
كمال
:
مالك؟
خميس
:
مين؟ أنا؟ مافيش حاجة.
كمال
:
تكونش البنت نسيت القهوة؟
خميس
:
أنا سمعت حاجة دبت. لازم البت اتشقلبت في المطبخ.
كمال
:
ما تقولش كده. ده يظهر إني النهارده متعوس قوي.
خميس
:
طيب يلَّا بينا بقى. وتشرب القهوة في بوفيه المحطة … بترتعش ليه؟ يلَّا
بينا!
كمال
:
اسكت يا خالي! أحسن متلِّج قوي. ده بيتكم ده برد خالص.
خميس
:
بعدين نبقى نعزِّل. يلَّا نمشي وانت تدفا.
كمال
:
طوِّل بالك عليَّ، أحسن بَتَكْتَك.
خميس
:
يا سيدي يلَّا! مش حاعرف أخلص منه.
كمال
:
الحقني يا خالي خميس! الْحَق! آه!
خميس
:
يا نهار زي بعضه! جرى لك إيه؟
كمال
:
حاسس … حاسس … حُوشني يا خالي!
خميس
:
أحوش فيك إيه بس! يلَّا بينا بَرَّه تفوق.
كمال
:
دي باينَّها حُمَّى، حُمَّى! آه آه!
خميس
:
يا سيدي مش وقته! ما يجيش كده! يا كمال ما تعملهاش فيَّ! يا أخي
استذوق!
كمال
:
ما تتخضِّش يا خالي، دي ما تاخدلهاش كام يوم وأروق تاني … آه آه!
خميس
:
كام يوم؟! بلاش هزار أمَّال اعمل معروف! أبوس إيدك!
كمال
:
غطِّيني يا خالي. غطِّيني في عرضك! آه … آه! حاموت يا خالي حاموت!
خميس
:
في الجنة ونعيمها … خد اشرب دي تفوقك.
كمال
:
دي … دي … دي ملهلبة! آه!
حميدة
:
سيدي ما له يا سيدي؟
خميس
:
ما انتيش شايفة؟ عِيي من كتر الأكل، وكنت عاوزة تجيبي له كمان؛ عشان
يموت!
كمال
:
آه! آه! رُحت بلاش.
حميدة
:
ده بيقول راح بلاش.
خميس
:
أيوه! أيوه! سامع إنه راح بلاش. وأنا رحت بلاش! اجري شوفي بطانية! اسعفي!
عال، صاحبنا بقى روسبيت في البيت ده! واللي زي ده ما دام لزق ما يطلعش بقى
إلَّا بالطبل البلدي.
حميدة
:
البطانية آهِه يا سيدي.
خميس
:
لِفِّي معايا لِفِّي! أنا مش عارف النهارده اصطبحت بوش مين! لِفِّي
قوي!
حميدة
:
ده بيزوم يا سيدي.
كمال
:
سمانة! آه!
حميدة
:
يا خبر اسْوِد!
خميس
:
ده بيخطرف! يا نهار مهبب! اجري هاتي بشكير نِلفُّه على دماغه.
حميدة
:
حاضر.
خميس
:
دي حوستي بقت للشوشة، والإيش لو طبَّت صاحبتنا الساعة دي! عملتها يا سي
كمال؟!
حميدة
:
البشكير يا سيدي.
خميس
:
هاتي.
كمال
:
آه آه!
خميس
:
اجري سخَّني حبة مَيَّه على النار وحُطي فيهم شوية خردل. بس بسرعة عشان نحط
له رجليه في المَيَّه السخنة.
حميدة
:
حاضر.
كمال
:
آه آه!
خميس
:
يا سيدي ما تزعقش كده! الله! البيت فيه سكان، بلاش فضيحة!
كمال
:
آه ياني! أنا فين يا خالي؟
خميس
:
أنت على قلبي يا حبيبي.
كمال
:
حاموت يا خالي!
خميس
:
يا أخي ده والله عيب! مش كده خليك ذوق. كمال، ما فقتش حَبَّة؟ تقوم
بقى؟
كمال
:
نيمني في السرير.
خميس
:
ما بقاش ناقص إلَّا هيَّ!
كمال
:
نيمني في السرير!
خميس
:
طيب هُس هُس!
كمال
:
سمانة!
خميس
:
لأ ده مش شغل! لازم أقفل لك بقَّك ما دام أنت مش عارف تقفله … أما أروح
أوضَّب له السرير.
حميدة
:
يا ترى مين؟ أظن ستي جت … إيه ده؟ بتاعتنا دي؟
الرجل
:
أيوه يا ستي. صلحناها وعملنا لها برواز جديد معتبر، وخليناها أَلِسطه.
حميدة
:
طيب خليها هنا.
الرجل
:
لأ يا ستي، المعلم قال لي علَّقها أحسن حَد يُلطها ولَّا حاجة.
حميدة
:
طيب علَّقها هنا. المسمار آهه. بس اعمل معروف ما تعملش دوشة، أحسن فيه واحد
عيان هنا.
الرجل
:
يا ستي ما تخافيش … نهارك سعيد.
حميدة
:
نهارك سعيد … زمان المَيَّه غليت.
كمال
:
سمانة! سمانة!
حميدة
:
يا ندامتي ده الرجل بيخطرف.
خميس
:
هوَّ أنت لسه في الدنيا … حميدة! حميدة!
حميدة
:
حاضر.
خميس
:
كمال، ما رُقْتِش حَبَّة وتفضِّنا من الورطة دي؟
كمال
:
آه آه!
خميس
:
والله ما حد حَقُّه يقول آه إلَّا أنا يا حبيبي. أنت عيان وأشيتك معدن، لكن
ما داهية إلَّا أنا غرقان لشوشتي وحوستي تقيلة.
حميدة
:
المية السخنة آهه يا سيدي.
خميس
:
يلَّا قلعيه جزمته ودلِّي له رجليه في المَيَّه.
كمال
:
آه آه!
خميس
:
يا سيدي انسد! إن كان الرباط معقود فكيه باسنانك ولا اقطعيه. رحنا بلاش! رحنا
بلاش! نشوف مين … مين؟
حميدة
:
دي ستي.
خميس
:
جالك الموت يا تارك الصلاة.
سنية
:
إيه ده؟ مين ده؟
خميس
:
ده مسكين! جَه يزورني سُورق ولخمني داهية تلخمه.
كمال
:
حازدور!
سنية
:
ده بيقول حازدور.
خميس
:
الحمد لله اللي ما قال حاجة تانية! ما هي الحُمَّى بتخليه يخرَّف.
كمال
:
حبيبتي يا سمَّ …
خميس
:
ما ينفعش إلا كده! شيلي معايا يا حميدة، أحسن ده باين مش حايجبها
البر.
سنية
:
أما عجايب! ديهده، ومَيَّه سُخنة كمان! بقى مسافة ما أخرج وآجي ألاقي الدنيا
انقلب كيانها؟ وصاحبه ده مين يا ترى؟ والغرابة إني من ساعة سيرة الملعون رجب
أفندي وأنا عقلي ملخبط … عجايب! إياك الصورة دي معفرتة! ده باين بيضحك الملعون!
ده بيضحك صحيح، إياك بيتمسخر عليَّ! طيِّب، أنا أوريك تضحك إزاي! وأشوف إزاي
ترجع تاني بعد ما طردتك مع خدَّامك سيد!
حميدة
:
ده نهار إيه ده اللي زي بعضه! ده أنا مش خالصة النهارده من فتح الباب … اتفضل
يا سيدي.
الرجل
:
يعني الحمد لله اللي قابلت حضرتك في السكة.
عزت
:
معلهش. العبارة بسيطة. يلَّا نزلها!
الرجل
:
ما تآخذنيش يا بيه! أنا كنت بحسب ساعدتك ساكن هنا.
عزت
:
حصل خير. يلَّا بقى طلعها فوق.
الرجل
:
حاضر.
عزت
:
سيدِك ما قالش حاجة لما شافها؟
حميدة
:
ولا خد باله منها.
عزت
:
برضو أحسن. ما تجيبيلوش سيرة يا شاطرة.
حميدة
:
حاضر يا سيدي.
سنية
:
أنا أوريك شغلك يا خبَّاص!
عزت
:
أنا خبَّاص يا سنية هانم؟
سنية
:
عزت أفندي!
عزت
:
وبالمقشة كمان يا هانم؟
سنية
:
ما تآخذنيش. هي راحت فين؟
عزت
:
مين هيَّ يا هانم؟
سنية
:
لازم الأودة دي معفرتة! ده مستحيل!
عزت
:
حضرتك مالكيش كيف شوية؟!
سنية
:
وإزاي يبقى لي كيف واللي جرى لي النهارده عمره ما جرى؟!
عزت
:
آهو أنا بقول كده برضو؛ يعني يظهر إن حضرتك عيانة، ولا سمح الله!
سنية
:
لأ، أنا مش عيانة!
عزت
:
عينيها مبحلقة، وبتلمع قوي! أنا غلطان ما تآخذنيش!
سنية
:
لأ، حضرتك مش غلطان؛ لأني صحيح معفرتة النهارده.
عزت
:
غير كده.
سنية
:
عشان خرجت من ساعة لحد واحد جواهرجي في الموسكي. لقيته قافل، أتاري النهارده
عيد اليهود.
عزت
:
صحيح، تمام.
سنية
:
وساعة ما رجعت البيت، لقيت فيه راجل ملفوف ببطانية وجوزي بيخنق فيه ولَّا
بيداويه، مانيش عارفة!
عزت
:
لا حول ولا … عقلها بياخد ويدي.
سنية
:
ويا دوب شالوا العيان شيلة بيلة ودخلوا بيه أودة النوم إلا ولقيت قدامي خيال
واحد كنت أعرفه زمان.
عزت
:
الصبح ما كانش عندها حاجة أبدًا.
سنية
:
بتقول إيه؟
عزت
:
لا، ولا حاجة.
سنية
:
وكل ما أبص للخيال ألاقيه بيضحك عليَّ.
عزت
:
مالوش حق.
سنية
:
مين؟
عزت
:
الخيال قليل الحيا.
سنية
:
إنت كمان يا عزت أفندي بتتمسخر عليَّ؟
عزت
:
لأ يا هانم العفو، يا سلام!
لبيبة
:
صباح الخير يا سنية هانم.
سنية
:
صباح الخير يا حبيبتي.
لبيبة
:
إنت مش جاي بقى تشوف حاتحط البتاعة فين؟
عزت
:
حاضر، جاي حالًا.
خميس
:
اتهمد داهية تهمده … أهلًا وسهلًا.
كمال
:
السمانة!
(ستار سريعة)