الفصل الثاني
(المنظر: سجن في مدينة داهشتان، بابان في الشمال وآخر في اليمين، منضدة صغيرة في
الوسط إلى اليمين، مقاعد، ساعة حائط كبيرة تشير إلى الساعة الخامسة.)
(ترفع الستار عن
قطبزار وبهادر جالسين في اليمين.)
بهادر
:
يُقبَض عليك، وتقدم إلى المحاكمة، ويحكم عليك، كل ذلك في ساعة واحدة، ولم
يبقَ من حياتك إلا ساعتان!
قطبزار
(ينظر إلى الساعة وهو جالس في اليمين)
:
نعم لم يبقَ إلَّا ساعتان، فكيف أقضيهما؟ أكاد أموت من السآمة والضجر (يتناول كرسيًّا ويجلس في الشمال الوسط. بعد برهة
سكوت) لو كنت في مركزي، ولم يبقَ من حياتك إلا ساعتان، فكيف
تقضيهما؟
بهادر
:
أقضيهما في تذكار ذنوبي الماضية.
قطبزار
:
في ساعتين؟! يظهر أنك لا تعرف تاريخ حياتي! أذكر ذنوبي! لا، ليس في الوقت
متسع لذلك، بل الأَوْلَى أن أكتب وصيتي … ولكن كتابة الوصية لا تستغرق دقيقة
واحدة!
بهادر
:
آه يا سيدي (يتناول يده ويبكي) لقد كنتُ
أنا سببَ ذلك كله؛ ولأجلي أنت الآن تموت، فهلَّا يمكنني أن أقوم لك بأية خدمة
تكون دليلًا على أسفي لما حلَّ بك، أو برهانًا على شكري لك؟ (يمسك عباءته).
قطبزار
:
نعم يمكنك أن تخدمني خدمة جليلة.
بهادر
:
كيف يا سيدي؟ (بلهفة) قل لي بربك (يتشبث بالعباءة).
قطبزار
:
باحترام عباءتي قليلًا؛ فقد تمزقت في سبيلك!
بهادر
:
وا أسفاه! ألا يوجد من يطلب إلى الأمير العفو عنك؟ إني لم أرَ إلى الآن أحدًا
توسَّط لدى الأمير من أجلك.
قطبزار
:
كلَّا يا فتى؛ فإنهم ليسوا كلهم غير مكترثين لما يصيبني، فقد حدث مرة أن
شيخًا وقورًا قد جلَّله الشيب رمى بنفسه أمام عربة الأمير في سمرقند تحت سنابك
الخيل، وقد مدَّ ذراعيه المرتعشتين، وزادته الدموع المنحدرة على وجنتيه
الشاحبتين جلالًا ووقارًا، وبصوته المتقطع الْتَمَس لي العفو من الأمير قائلًا:
«اعْفُ يا سمو الأمير عن قطبزار!»
بهادر
:
لعله الفارس أبوك يا سيدي؟
قطبزار
:
كلَّا. بل أحد الدائنين، فانظر الآن إلى مبلغ خطئك في الظن!
بهادر
:
ولكني للآن لم أرَ أحدًا من إخوانك الأشراف أتى لزيارتك.
قطبزار
:
هذا دليل على شرف عواطفهم يا بهادر؛ لأنه يشقُّ عليهم أن يروني في هذا الموقف
المحزن، فمن باب الشفقة بي وبأنفسهم يفضِّلون عدم زيارتي وأنا على هذا الحال.
(يدخل بهروز.)
بهروز
(وهو ينزل يمينًا)
:
إلَّا أنا (يشير إلى بهادر فيخرج
يمينًا).
قطبزار
:
بهروز!
بهروز
:
يظهر أن زيارتي أدهشتك، ولكني أحب ألَّا تظنَّ بي سوءًا، فإني صديقك دائمًا،
بدليل زيارتي لك الآن بعد أن قُضي كل شيء.
قطبزار
:
لو كانت زيارتك خالصة حقًّا، لكنت زرتني قبل الآن بقليل. ومع ذلك فإني أعترف
لك بأني إذا كنت أرجو التعزية من أحد فأنت آخر من أرجوها منه.
بهروز
:
إني لا أزال مستعدًّا لخدمتك؛ إذ لم يبقَ من حياتك إلا ساعتان.
قطبزار
:
عفوًا (ينظر إلى الساعة وهي خمسة وربع) بل
ساعة وثلاثة أرباع الساعة؛ ومع ذلك فالخطأ لا قيمة له، ويجب أن ننظر إلى
الحقائق بقدر ما يُستطاع من السرعة؛ لأن الحياة قصيرة جدًّا.
بهروز
:
إن ما بقي من حياتك يكفي جدًّا لأن نتفاهم، فدعنا نجلس لأني أحب أن أحادثك
قليلًا.
قطبزار
:
بكل سرور (يجلسان) ووقتي كله رهن
تصرفك.
بهروز
:
اسمع يا قطبزار!
قطبزار
:
نعم يا بهروز.
بهروز
:
لو كان في قدرتي أن ألبِّي أي طلب، فماذا تطلب إليَّ قبل موتك؟
قطبزار
:
ماذا أطلب قبل موتي؟ أطلب الحياة بلا شك!
بهروز
:
بصفتي كبير وزراء الأمير وأحبهم إليه وصديقَك أيضًا، سأعرض عليك اقتراحًا،
فإذا قَبِلتَه فإني أقسم لك بشرفي أني مستعد لتلبية كل ما تطلبه، إلَّا الحياة،
فلا أستطيع أن أعدك بها.
قطبزار
:
إذن فلا قيمة لكل ذلك؛ لأني كنت على وشك أن أطلب الحياة بلا ريب.
بهروز
:
أوَليس لك رغبة أخرى؟
قطبزار
:
كلَّا … ولكن انتظر، عندما دخلتَ الآن، ألم ترَ غلامًا؟
بهروز
:
لعلَّك تعني الغلامَ الذي أنت مدين له بموقفك الحاضر؟
قطبزار
:
نعم، فإياه أعني، وإني لمدينٌ له حقيقةً بما أنا فيه الآن، كما أني مدين لكل
إنسان، ورغبتي هي ألَّا يُتركَ هذا الفتى تحت رحمة الأقدار بعد موتي، فهل تَعِد
بمساعدته؟
بهروز
:
أعدك بذلك.
قطبزار
:
هذا كرم منك، فأقدِّم لك أَلْفَ شكر.
بهروز
:
أليست لك رغبة أخرى؟ فكِّر قليلًا.
قطبزار
(بعد لحظة)
:
أظن أنه ليست لي رَغَبات.
بهروز
(على حِدَة)
:
لم يطرق باب مشروعي بعد. (له) قطبزار، ألم
تفكر في الكيفية التي ستُعدم بها؟
قطبزار
:
كلَّا. وعلى كل حال فإني أعرف كل شيء (يقف) فالمسألة مسألة حَبْل! آه، ولكن حبذا لو كان موتي بالسيف
أو الرصاص! بهروز، لي رغبة واحدة!
بهروز
:
وما هي؟
قطبزار
:
أحب ألَّا يتزاحم دائنيَّ على المشنقة، وليكن موتي من رَصاص ستة من الجنود
الشجعان الأبطال؛ وبالاختصار، أحب أن أموت شريفًا.
بهروز
:
لك ذلك.
قطبزار
:
حذارِ أن تخدعني؟
بهروز
:
أقسم لك بشرفي.
قطبزار
:
لقد منحتني حياة جديدة (مستدركًا) أقصد أن
أقول، إنك قد خففت عني نصف غضاضة الموت، إنما يجب أن يكون الجنود الستة من
الأبطال، وأحب أن أشرب معهم أولًا.
بهروز
:
تشرب معهم، وأنت الفارس قطبزار؟
قطبزار
:
لقد شربت مع مَن هم أحطُّ من ذلك بكثير، هذا بصرف النظر عن أني ولو كنت الآن
أشرف منهم إلا أنهم سينالون مني. ولقد وعدتني بتنفيذ رغبتي.
بهروز
:
وما زلت على وعدي، وسآمر الآن بإعداد وليمة لك، تذكِّرك بولائم لهوك فيما سلف
من أيامك، فماذا تريد أيضًا؟
قطبزار
:
هذا كل ما أريد، فقل لي الآن شروطك، وما تريده مني (يجلسان).
بهروز
:
إني لا أشترط شروطًا ثقيلة، لا سيما وأنت في مثل هذا الموقف، وغاية ما أريده
هو أن تتزوج (الساعة تدق النصف بعد
الخامسة).
قطبزار
:
أتزوَّج! وما الفائدة من الزواج لمدة ساعة ونصف؟
بهروز
:
هذا سرٌّ غامض.
قطبزار
:
حقًّا إنه لسرٌّ غامض، ولا أظن أن الغرض من هذه الزوجية هو المال؛ لأني
معَدم، ولن أخلِّف شيئًا يورَث من بعدي، اللهم إلَّا ديوني واسمي. آه! إن اسمي
لا يزال له شيء من القيمة، وقد فهمت، فإن إحدى النساء تريد أن تحمل اسمي، أليس
كذلك؟
بهروز
:
ربما.
قطبزار
:
لا بأس. وستحمل هذا الاسم لأنه لا يفيدني شيئًا. وبما أني أحب أن أملأ وقتي
بالحوادث فالزواج حادث لا بأس به، وحيث إن مدة الزوجية قصيرة، فلن يقع فيها
بيننا شيء من الخلاف أو الخصام.
بهروز
:
إذن فقد اتفقنا!
قطبزار
:
نعم، ومستعد أن أورثها كل ما أمتلكه في سمرقند، إذا كنتُ أمتلك هناك شيئًا!
وبهذه المناسبة، أحب أن تبوح لي باسم زوجتي، وهل هي صغيرة وجميلة؟
بهروز
:
لا تسأل شيئًا.
قطبزار
:
آه فهمت (يقف) إذن فزوجتي في نحو الخمسين.
ولكن هذا لا يهم ما دمت قد اتفقت على ذلك، وسأتزوج وعيناي مغمضتان.
بهروز
:
لا، بل سأكفيك مئونة ذلك بنقاب كثيف على وجهها؛ حتى لا يتيسر لها أن ترى
وجهك.
قطبزار
:
شكرًا لك على رقِّة عواطفك، فإنك في الحقيقة ستكفيني مئونة النظر إلى مقدار
التضحية التي سأضحيها، كما أنك ستكفي المسكينة آلام النظر إلى حالة
زوجها.
بهروز
:
ولكن ملابسك هذه لا تصلح للزفاف.
قطبزار
:
هذه ملابس السفر (ينظر إلى ملابسه فاحصًا)
مبقَّعة قليلًا، ولكني لبستها لأني لا أملك سواها.
بهروز
(يطلع إلى الشمال)
:
لقد أعددت لك الملابس التي تليق بالزفاف، وفي الغرفة المجاورة تجد كل ما
أعددته لأجلك (يخرج قطبزار شمالًا. الساعة السادسة
إلا ربع) رجال السياسة العاديون يدعون مثل هذا الرجل يموت دون أن
يستفيدوا منه شيئًا، أما أنا، فبحذقي ودهائي سأجعله وسيلة أنال بها ما أرجوه
وأتمناه (ينادي) شابور (يدخل شابور من اليمين) فلتولمْ هنا وليمة في
الحال، وأرسل لي الفتى بهادر الذي دخل مع السجين (يخرج شابور من اليمين) ها قد كادت تصدق نبوءتي لكِ يا جلنار
الجميلة! وهذه الخطوة ستدنيك من الأمير، وليس بينك وبينه الآن إلَّا أن يموت
ذلك السكِّير المسرف، وبعدها أنال كل شيء.
بهادر
:
هل أرسلتَ في طلبي يا سيدي؟
بهروز
:
نعم، اقترب مني يا فتى، هل والداك على قيد الحياة؟
بهادر
:
كلَّا يا سيدي. فوا أسفاه!
بهروز
:
أوَليس لك أصدقاء؟
بهادر
:
لا صديق لي إلَّا شخص واحد، ولأجلي سينفَّذ فيه الليلة حكم الإعدام، نعم
لأجلي وفي سبيلي!
بهروز
:
تعني قطبزار، إنه لصديقك حقًّا، وبناءً على رغبته سأدخلك في خدمتي اليوم، بل
من الآن.
بهادر
:
من الآن؟ بل اسمح لي يا سيدي أن أبقى في خدمة قطبزار المدة الباقية له في
الدنيا.
بهروز
(على حدة)
:
يا له من وفيٍّ أمين! يُوثَق به ويُعتمد عليه. (له) فليكن ما تريد، وابتداءً من الغد سيكون منزلي
مأواك.
بهادر
:
وابتداءً من الغد سأقوم على خدمتك بمنتهى الوفاء والأمانة كما أخدم اليوم
قطبزار.
بهروز
:
إذن فاذهب الآن، وقل لقطبزار أن ينتقي ستة من الجنود، ليكونوا ضيوف وليمته
(يخرج بهادر من الشمال، تدق الساعة الآن
السادسة).
بهروز
(وحده)
:
الساعة الآن السادسة، وبعد ساعة واحدة يُعدم قطبزار (يُخرج ورقة من جيبه) وهذه الورقة تتضمن عفو الأمير عن قطبزار،
وسأعلنها بعد ساعة من تنفيذ الحكم فيتحدث الناس عن منزلتي لدى الأمير، ويقولون
إن الذي أخَّر إعلان العفو هو حادث غير منتظر، ولا يعلم سر هذا الحادث إلَّا
أنا (يدخل بهادر من اليمين).
بهادر
:
لقد أُعِدَّ كل شيء يا مولاي، وقد انتقى قطبزار ضيوف مأدبته.
(يدخل قطبزار من الشمال بملابس فاخرة.)
قطبزار
:
انظر الآن يا بهروز، كأن هذا الخز والديباج وهذا الذهب الوهاج قد خُلقت لي
أنا، ألا ترى ذلك؟ (أثناء ذلك يدخل الخَدَم يحملون
مائدة نفيسة، تحوي زجاجات الخمر والأقداح والورود … إلخ، ويخرجون من اليمين
كما دخلوا.)
بهروز
:
بلا ريب! وها هي مأدبتك الفاخرة!
قطبزار
:
آه! خمر وذهب! كأني أرى صحيفة من حياتي الماضية! كل شيء هنا، ولا ينقصني
إلَّا الجواري الحسان. الجواري الحسان! هذه الكلمة تذكِّرني بزوجتي التي حدثتني
عنها.
بهروز
:
حقًّا. ولكن الوقت قصير، وبعد قليل سأحظى بتقديمك لزوجتك.
قطبزار
:
شكرًا لك (يخرج بهروز يمينًا)، (إلى بهادر)
ادْعُ ضيوفي الأعزاء!
(بهادر ينحني ويقف لدى الباب
اليمين ويشير إلى الجنود أن يدخلوا. يدخل ستة من الجنود ببنادقهم ويحيُّون
بها قطبزار تحيةً عسكرية ويسندونها إلى الحائط في الخلف.)
الجنود
(ينشدون)
:
عِمْ مساءً قُطْبزارْيا
ابن أشرافٍ كبارْ
أنت صِنْوٌ للمعالي
أنت خِدْنٌ للفخارْ
قطبزار
:
شكرًا لكم أيها الرفاق. اجلسوا اجلسوا (يجلسون حول
المائدة وقطبزار في الصدر) واملئوا كئوسكم؛ لأني بعد أقل من ساعة
سأضطر إلى مفارقتكم؛ لأني على موعد هام كما تعلمون، هاها (يرفع كأسه في يده) آه، أيها الكأس! يا صديقي
منذ صباي، لئن كنا قد افترقنا منذ عهد بعيد، إلَّا أننا نلتقي الآن، فما أعرق
أصلك يا ابن الكروم! تالله إن رائحتك الذكيَّة لتبعث الحياة إلى أنفي، وتغريني
أن آخذك بين ذراعيَّ! املئوا كئوسكم أيها الرفاق إلى حافتها، واشربوا ابتهاجًا
بزواجي.
الجميع
(يقفون)
:
ابتهاجًا بزواج الفارس قطبزار.
قطبزار
:
ابتهاجًا بزواج الأرملة السعيدة (ينشد):
سر يا نسيم إلى التي
بالصدِّ أضنت مهجتي
لم يكفها من لوعتي
أني رضيت بمحنتي
حتى تمادت في الملامْ
الجميع
(ينشدون)
:
رحماك يا ذات السنا
ماذا محبُّك قد جنى؟!
حتى تذيقيه العَنا
في حين يأمل في المنى
رحماك فالبحر جرامْ
قطبزار
:
فَتَدَلَّلَتْ وتبسَّمتْ
وبلحظها نحوي رَنَتْ
قلتُ: ارحمي! قالت: رَحِمتْ
وما جنيتَ قد غفرتْ
وانتهى عهد الخصامْ
(الساعة تدق النصف بعد السادسة، ينظر خلفه إلى
الساعة) إن هذه الساعة الملعونة تؤدي واجبها بمنتهى الدقة.
(يدخل شابور من اليمين.)
شابور
(بأدب واحترام)
:
مولاي، لقد حضر رسول القاضي.
قطبزار
:
دعه يتفضل؛ لأنه سيتفضل على أي حال.
(يدخل رسول
القاضي من اليمين، ومعه ضابط وثلاثة جنود، فيقف قطبزار، وينحني لهم بمنتهى
الاحترام، ويقف معه ضيوفه.)
رسول القاضي
(يقرأ)
:
لقد تفضَّل مولانا الأمير شهرمان، أمير داهشتان، وتعطَّف عليك يا أيها
الفارس قطبزار، فارس سمرقند المغوار، فأصدر أمره الكريم بألا يكون إعدامك بحبل
المشنقة، بل يسرُّ سموه جدًّا أن يكون إعدامك في رحبة الثكنة رميًا برَصاص ستة
من أبطال حرس سُموُّه؛ وذلك تنفيذًا لرغبتك.
(رسول
القاضي يناول الضابط هذا الأمر وينحني لقطبزار، ويخرج صامتًا مع الضابط
وجنده بعد أن يحييه قطبزار بانحناء، ورفع اليد. الجنود تلوح عليهم الدهشة.
الساعة الآن سبعة إلا ربعًا.)
قطبزار
(يجلس كأن لم يحدث شيء)
:
هلموا الآن أيها الرفاق؛ إذ لا يزال في الوقت متسع، وربع ساعة يكفي جدًّا،
املئوا الكئوس.
الجميع
(يملئون الكئوس وينشدون)
:
يا أيها الساقي الجميلْ
هاتِ ما يروي الغليل
هاتِ ما يشفي العليلْ
هاتِ أشهى ما اختمرْ
•••
الخمر روحٌ للنفوسْ
فارفعوا هذي الكئوسْ
تزدهي مثل العروسْ
زانها حُسْنُ الحَوَرْ
(خلال النشيد يدخل بهادر بخفة ويأخذ البنادق ويخرج بها ثم
يعود بها.)
فاشربوا واطربوا
فالحياةُ متاعبُ
اللهوُ فيها يُنهَبُ
والحظ رهنٌ للقدرْ
(الجميع يقهقهون ويضحكون، ثم يقفون والكئوس في أيديهم
وينشدون):
يا بنتَ أكرم كرمةٍ
جودي عليَّ بقبلةٍ
من ثغر كأسك حلوةٍ
إن لام شَرعٌ أو عَذَرْ
•••
هاتِ يا ساقي الشرابْ
هاتِ ما لذَّ وطابْ
فاشربوها يا صِحابْ
مَتِّعوا منها النظرْ
•••
املئوا كأس الصفا
واشربوا نخب الوفا
واعذروا صبًّا هفا
كلُّ ذنب يُغتَفَرْ!
الجميع
(يصيحون هاتفين)
:
قطبزار!
قطبزار
:
لقد حضرت زوجتي (الساعة الآن السابعة إلا عشرة
دقائق) شكرًا لكم أيها الرفاق، ولو كان في العمر بقية لاستبقيتكم
في ضيافتي إلى الفجر.
(يصافحهم بسرور ويصافحونه
ويتناولون بنادقهم ويخرجون من اليمين. في نفس الوقت يدخل بهروز من اليمين
ومعه جلنار وهي مقنَّعة بنقاب كثيف، وخلفهما شابور ثم
بهادر.)
بهروز
(إلى قطبزار على حدة)
:
لا كلمة ولا نظرة.
قطبزار
:
لا فائدة من ذلك، لا سيما وأنه يستحيل أن تخترق النظرات هذا النقاب
الكثيف!
بهروز
(بصوت عالٍ)
:
قطبزار، زوجتك تطلب يدك.
قطبزار
(يضع يده في يدها)، (على حِدَة)
:
إنها ليدٌ بضَّة، فهل تكون مَن لها هذه اليد الجميلة عجوزًا شمطاء (يحاول أن يرى وجهها) لم أرَ من قبلُ في حياتي
امرأةً أخفت وجهها بمثل هذه الكيفية (بهروز يشير إلى
الساعة، وهي الآن سبعة إلَّا خمس دقائق) ما زال في الوقت خمس
دقائق. (بصوت عالٍ) سيدتي، إني أهبك ما بقي
من حياتي (يتناول يدها ويخرج بها من اليمين يتبعهما
بهادر).
بهروز
(إلى شابور)
:
أَدْخِلِ الشريفَ ميزار وزوجته (يخرج بهروز من
اليمين).
(شابور يشير إلى ميزار في
الشمال الأول، وإلى زوجته في الشمال الثاني، فيدخلان، وعندما يلتقيان ينظر
كل منهما إلى الآخر بدهشة.)
ميزار
:
لست أدري أين نحن الآن؟!
زوجة ميزار
:
أنحن في السجن؟
ميزار
:
في السجن؟ (يتلفت حوله) لا أظن أننا في
السجن؛ لأن هنا مائدة وبقايا وليمة، ورائحة الخمر منتشرة.
فيروزة
:
لعلنا إذن في دَير من أديرة الرهبان!
ميزار
:
يظهر ذلك (يتناول زجاجة خمر وينظر فيها)
لا يزال فيها بقية من الخمر، والرهبان أبخل من ذلك بكثير.
فيروزة
:
إذن فأين نحن يا تُرى؟
ميزار
:
هذا لا يهم يا عزيزتي، ما دمنا قد أطعنا بهروز فيما أراده منا، وحسبنا ذلك،
فقد أَرْكَبَنا عربته المقفلة، وأتى بنا إلى حيث شاء.
فيروزة
:
كل هذا لا بأس به، ولكن لماذا أراك تطيع بهروز هذه الطاعة العمياء، وكأن شخصك
وكلَّ ما تملكه مِلك لهذا الرجل؟
ميزار
:
أرجو أن تفهمي يا زوجتي العزيزة، أنه يوجد شيء مقدس اسمه «عرفان الجميل» ومَن كُنَّا نحن قبل أن نعرف
بهروز؟! حقًّا لقد كنت غنيًّا، ولكن لا يعرفني أحد قط، وأنتِ جميلة فاتنة،
ولكنك مجهولة من الناس. والخلاصة أن مواهبي كانت مقبورة وجمالك مجهولًا حتى
توسَّط لي بهروز لدى الأمير، فعينني أمينًا لسر الإمارة.
فيروزة
:
ولكني لا أراك تعمل شيئًا.
ميزار
:
يا عزيزتي، أرجو أن تحترمي منصبي الرفيع أكثر من ذلك؛ لأني عاهدت بهروز أن
أطيعه وأُخْلِصُ له في كل ما يريد، حتى فيما لا أفهم له معنًى؛ لأنه يعرف أكثر
مني، وذلك كله مقابل ما أَوْلَانِيه من الشرف ورفعة القدر.
فيروزة
:
ولكن هذه الطاعة وهذا الإخلاص قد يؤثِّران على شرفك، كما قد يؤثران على
شرفي.
ميزار
:
شرفُك! فليجُرؤْ من أراد ويخدشْ شرفك! فتالله ليخرجنَّ هذا السيف من غمده،
وليفارقنَّ سباته العميق! مَن ذا الذي يجرُؤ على أن يمسَّ هذا الجمالَ
بكلمة؟!
فيروزة
:
بالطبع لا يجرُؤ أحد.
ميزار
:
إني لواثق من أنك تحمين جمالك بسيف عفافك؛ وتالله إن الدهر ليمرُّ عليكِ دون
أن يترك على وجنتيك أثرًا. وكذلك سيبقى هذا الوجه منبعًا للسحر والامتنان. وها
قد مضى عليَّ ثلاثون سنة، وأنا أسمع كل يوم من أفواه الناس إطراءَ جمالِكِ
الفتَّان.
فيروزة
:
انظر من هذا القادم (تنظر يمينًا).
(يدخل بهروز يقود جلنار.)
بهروز
:
أرجو أن تكون بخير يا ميزار (ميزار ينحني باحترام.
بهروز ينحني لفيروزة) وأظن أنه خير لك الآن أن تعود إلى قصرك
(بوضوح ذي معنًى) مع ابنة عمك زوجة
الفارس قطبزار (يقدِّمها إليه في الوسط
اليمين).
ميزار
(لنفسه)
:
ابنة عمي؟!
فيروزة
(لنفسها)
:
ما معنى كل ذلك؟
(الساعة تدق
السابعة.)
بهروز
:
ثم إني أحب أن أراك بعد قليل مع ابنة عمك، التي لم ترها منذ خمس سنين.
ميزار
:
خمس سنين! نعم، بل أكثر من هذا بكثير، وهل سأتشرف باستقبال الفارس قطبزار،
زوج ابنة عمي؟
بهروز
:
إن الفارس زوجها … (يتوقف عند سماع الطلقات. صوت
طلقات نارية.)
جلنار
(مضطربة)
:
ما هذا؟
بهروز
:
لا شيء (يدخل شابور).
شابور
:
مولاي! لقد نُفِّذ الأمر.
بهروز
:
سلام عليك يا قطبزار!
(ستار)