الفصل الثالث
(المنظر كما في الفصل الثاني تمامًا.)
(يدخل أَلَسْتور وأمبيفار وترينوبانتيس وسامو وغيرهم من المتوحشين، وذلك من
الشمال.)
ترينوبانتيس
:
لا بأس يا أَلَسْتور، ولكن ماذا قال؟
أَلَسْتور
:
قال جوابه القديم دائمًا: انتظر إلى الغد، انتظر إلى الغد!
ترينوبانتيس
:
وما فائدة هذا الإرجاء والتأجيل؟ وبقية القبيلة تتعطش إلى القتال ولا تلبث أن
تخوض غماره دوننا؛ فنُحرم من الأسلاب والغنائم، فلماذا لا ننتخب زعيمًا آخر؛
لأن أنجومار أصبح كأنه امرأة، يترك صحبتنا فنخرج للصيد وحدنا، وهو جالس على
الحشائش متكاسلًا، يسمع قصص تلك الفتاة اليونانية وأغانيها! فانتخبوا زعيمًا
غيره، هلمُّوا وأنا أقودكم!
أَلَسْتور
:
لا لا! لا زعيمَ إلَّا أنجومار، إنما يجب أن نُبْعِدَ عنه هذه الفتاة، فيعود
كما كان.
سامو
:
ولكنها مِلْك له.
ترينوبانتيس
:
لا، بل هي مِلك للقبيلة كلها، ولكن كيف نبعدها عنه؟
أمبيفار
:
نبيعها رقيقةً لأحد تجار قرطاجنة، فإني أرى إحدى مراكبهم تلوح على بُعد،
فهلموا نسير إليها، ونقبض على الفتاة ونبيعها لهم، فنأخذ بَدَلها خناجِرَ
وسيوفًا!
أَلَسْتور
:
اسكتوا! فقد أقبل أنجومار، وسأختبره للمرة الأخيرة، أما أنتم فاذهبوا من هنا
(يخرجون جميعًا من الشمال ويبقى أَلَسْتور وحده
فيدخل أنجومار من اليمين).
أنجومار
(وهو داخل متباطئًا)
:
إلى الخيام إلى الخيام! أما أنا فهنا أقيم! ويلوح لي أني وُلدت في هذا
المكان، وفيه رأيت ضياء الدنيا لأول مرة، وفيه حملتني الأفكار إلى عالم الخيال!
فها هنا أقيم!
أَلَسْتور
:
ها أنا ذا يا أنجومار، أسألك مرة أخرى: متى نرحل عن هذا المكان؟ ألا
تسمعني؟
أنجومار
:
أوه! هذا أنت يا أَلَسْتور، أتيت لتخبرني أن الأسماك قد سئمت الغدران، وأن
الوحوش الضارية انتشرت في الغابات، وأن قطعاننا تكاد لا تجد ما ترعاه.
أَلَسْتور
:
هو ما تقول، وفضلًا عن ذلك، فإن رجال القبيلة يتحفزون للأخذ بثأرنا القديم،
من قبيلة أَللُّوبروجي، فهل نتخلف عن أداء هذا الواجب؟
أنجومار
:
أنتخلف وأنا فيكم زعيمكم أنجومار؟ هذا لا يكون أبدًا! هيا إلى القتال! أين
الرجال؟
أَلَسْتور
:
هنالك في الخيام، ينتظرون منك الأوامر.
أنجومار
:
أعطهم عسلًا وشرابًا بقدر ما تسمح به المئونة المدخرة، ودعهم يأكلوا
ويشربوا.
أَلَسْتور
:
ما هذا، ألا ننهض إلى القتال؟
أنجومار
:
سأفكر في ذلك حتى الغد.
أَلَسْتور
:
إلى الغد مرة أخرى!
أنجومار
:
نعم، قلت لك إلى الغد!
أَلَسْتور
:
أراك قد تغيرت في القول وفي الفعل وفي الأخلاق، حتى أكاد لا أعرفك، وعلى كل
حالٍ فسأنتظرك إلى الغد (يخرج من
الشمال).
أنجومار
:
صدقت يا أَلَسْتور، فإني حقًّا أكاد لا أعرف نفسي، ولست أدري ما الذي يؤلمني،
فكأني مسحور أو محموم، وأفكاري مضطربة خائرة (يستند
إلى إحدى الصخور) الْتَقيتُ مرة بغزالة وابنتها فرمَيْتُ الأم
بسهم نفذ إلى أحشائها، فخرَّت صريعةً وخضَّبت دماؤها الوادي، فتقدمت إليها
لِأَحْمِلَها على كتفي فأقبلت نحوي الظبية الصغيرة، وهي لا تدري ما حلَّ بأمها،
تحملق فيَّ بعينين سوداوين كبيرتين، نظرةً ما زلت أذكرها ولا أفهم سرها! وكلما
انظر إلى عيني بارتينيا، أتذكر نظرة تلك الغزالة الصغيرة؛ لأن في عيني هذه
الفتاة البراقتين يَتَجَلَّى الكبرياء وعزة النفس (ينتصب بوحشية) ولكن ما هذا؟ أليس لك يا أنجومار من الشئون ما
تفكر فيه إلَّا عيني هذه الفتاة الأسيرة ونظراتها؟! (يسمع صوت صلصلة سيوف وأصوات عالية) ما الذي أسمع، لقد سَكِرَ
القوم، فنفخوا بوق الحرب، وحملوا السلاح لأقودهم إلى النصر والظفر، فابتعدي عني
أيتها الخيالات؛ إذ لا رغبة لي في النساء. ولكن … ولكن بارتينيا ليست كنسائنا
لابسات الجلود، وقد لفحت الشمس وجوههن، وتزَيَّنَّ بأقبح أنواع الزينة،
يلتَمِسْنَ رضاء أزواجهن بمذلَّة وخضوع، فهي … (يسمع
أصوات ضجيج وصليل سيوف في الخارج) أسمع الصياح مرة أخرى، وا
أسفاه! وا أسفاه! كأن أوتار قلبي لا يهزها إلا صليل السيوف، إذن فأنا عليل مريض
(يرتمي مستندًا إلى الصخرة).
(تدخل بارتينيا من
الشمال وبيدها سلة صغيرة وتتقدم بدون أن ترى أنجومار.)
بارتينيا
:
إن أبي الحنون، وأمي المسكينة، يفكران فيَّ الآن، وربما يظنان أني معذبة
أتحمل الآلام أو أنني قَدْ مِتُّ وانطوى خبري طيَّ السر في الفؤاد، ولكني في
الحقيقة أستمتع بنعيمٍ ما كنت لأحلمَ به بين هؤلاء المتوحشين؛ لأنهم، مع ما هم
عليه من الوحشية والخشونة، فإنهم ليسوا قساةً غلاظَ الأكباد، أما زعيمهم
أنجومار، فإنه حنون رقيق الفؤاد، ولو أنه في بعض الأحيان، يَقْسُو عليَّ حتى لا
أشك في أنه لا محالة قاتلي (تتلفَّت حولها)
آه ها هو أنجومار.
أنجومار
(ينهض)
:
بارتينيا! أين كنتِ؟
بارتينيا
:
كنت في تلك الغابة أجمع بندقًا حتى ملأت هذه السلة فهل لك أن …
أنجومار
(مقاطعًا)
:
لا لا.
بارتينيا
:
لا لا! شكرًا لك، أظن أنه كان يمكنك أيضًا أن ترفض مع الشكر، بدلًا من أن
تقول لي كلمة «لا» وحدها. ألم تسمع؟ لماذا تحملق فيَّ هكذا؟
أنجومار
:
ابتعدي عني، اتركيني! أريد البقاء وحدي (تتظاهر
بارتينيا بالذهاب) لا لا. بل امكثي هنا، امكثي معي يا بارتينيا!
آه وددت لو كنتِ رجلًا.
بارتينيا
:
رجلًا!
أنجومار
:
نعم، عند ذاك تكونين رفيقي في صيدي، وأخي في قومي، فألازمك كَظِلَّك وأحرُسك
في نومك، وأشاركِك في تعبك ونصَبك. فكما أن الماء مرآة تعكس ما يتجلَّى في
السماء، وكما ينطبع على صحيفة الغدير الصافي صورةُ ما ينبت على حافتيه من
الزهور اليانعة، كذلك أكون لك، وتكون روحي لروُحِك، أفرح لفرحك وأحزن
لحزنك:
روحان من عالم الأرواح طارا لغاية
وقلبان يضطربان كالفلك في البحر
بارتينيا
:
هذه هي الأغنية القديمة التي علمتنيها أمي.
أنجومار
:
بل هي الأغنية التي تلتهب في قلبي، وهي البرق الذي يلمع بين السحاب! ألم
تقولي لي مرة إن الحب شعلة نار تُذْكيها نظرة وتزيدها الأحلام اشتعالًا؟ إن هذا
لصحيح (مشيرا بيده إلى صدره) لأني أحس كأن
هذه النار تضطرم هنا في صدري.
بارتينيا
:
ماذا، أهي نار الحب؟
أنجومار
:
ألم تقل لك أمُّكِ إن الحب نجم زاهٍ يضيء لنا ظلمة الحياة؟ وها أنا أرى ضياء
ذلك النجم تلمع جلية واضحة، تضيء ظلمة حياتي.
بارتينيا
:
أرى عينيك تلمعان لمعانًا غريبًا، ووجنتيك تلتهبان الْتِهَابًا، فيا
للآلهة!
أنجومار
:
دعي الآلهة مستريحين في السماء، وليسلبوا الأرض النعمة التي نسوها فيها. ألم
تقولي لي إن الآلهة عندما هجروا الأرض إلى السماء وأخذوا نِعمهم معهم نسوا في
الأرض نعمة الحب، فكانت نعيم الناس؟ إذن فلنُحِبَّ ولْنَحْيَ! (يمسكها من يدها.)
بارتينيا
:
ابتعد عني.
أنجومار
(غاضبًا)
:
كذلك أمسكك يا بارتينيا! فأنت لي!
بارتينيا
(تتراجع إلى الوراء مذعورة)
:
لا تقترب مني! ابتعد عني وإلا قتلت نفسي (تُشْهِرُ
خنجرها في يدها مصوبة إلى صدرها).
أنجومار
:
حسبك لا تفعلي! لماذا أقف جامدًا في مكاني؟ ما هذا الرعب الذي تولاني؟ ألست
أنجومار وتلك أسيرتي؟ ما هذا الغضب الذي يتجلَّى في عينيها فيخيفني وما تعودت
الخوف من قبل؟!
بارتينيا
:
يا لتعاستي وشقائي!
أنجومار
:
لقد أخفتك بغضبي؛ لأني اندفعت بغير روية، لوحشية خُلقي وخشونة طباعي، ولكنَّ
حبي …
بارتينيا
:
حبك! إن هذا ليس حبًّا؛ لأن الحب الذي أشعر به وقد ملأ قلبي ليس إلَّا سرًّا
إلهيًّا خفيًّا، كله حنان وعطف وإنكار للنفس، يُشرِّف ولا يَضَع، ولو كان نارًا
فإنه نار دفء وطمأنينة، لا تؤذي ولا تضر. فابتعد عني ولا تدنس لفظة الحب
المقدسة؛ لأن العاطفة التي تشعر بها أنت، ليست حبًّا قط، بل ثورة حِدَّةٍ وغضب
(تتظاهر بالخروج).
أنجومار
(بلهجة الآمر)
:
قفي قلتُ لكِ! ألا تعلمين من أنا؟ أنا زعيم قومي! تُردِّد هذه الجبال الشامخة
شهرتي وفعالي، أنا سيدك يا فتاة، فمن تكونين أنت؟
بارتينيا
:
من أكون؟ أنا بارتينيا، ابنة صانع أسلحة حقًّا، ولكني يونانية. أنا ابنة
مدينة ماسيليا الحرَّة، رضعت ثدي أمي، ونشأت بين ذراعي الجَمال والحضارة،
ورُبِّيتُ منذ طفولتي تحت رعاية آلهتنا العادلة. أما أنت، فابن الجبال
والغابات، طريد العدالة والحضارة، أنت وحش بربري، تخرِّب الديار العامرة، وتسلب
قطعان الأغنام. ألا تعلم أننا في وطننا نجلد اللصوص ونشنق قطاع الطرق!
أنجومار
:
ويحك أتجسرين …
بارتينيا
:
هل عرفت الآن من أنا ومن أنت؟
أنجومار
:
أتحتقريني وتبغضيني! إذن فقسمًا بجميع الآلهة لأعلمنَّك كيف نعامل
أَسْرَانا!
بارتينيا
:
أعرف أنكم تعذبونهم بالكرباج والجوع والألم والعطش، ولكنهم لا يحبونكم، بل
يكرهونكم ويحتقرونكم مثلي!
أنجومار
:
اسكتي وإلَّا …
بارتينيا
:
لست أخشاك، بل أحتقرك، وأكرهك.
أنجومار
:
حياتك …
بارتينيا
:
خذها!
أنجومار
(هاجمًا عليها بسيفه المسلول ثم يتوقف فجأة)
:
لا لا، لا أستطيع، لقد أهاج الغضب دمي، ورأسي يكاد ينفجر، حتى لأود أن أمزق
الدنيا ونفسي إربًا (يرتمي على
الأرض).
بارتينيا
(بعد سكوت برهة)
:
ها هو سيفه ملقًى تحت أقدامي بعد أن كاد يمزق أحشائي، وها هو المسكين ملقًى
فاقدَ الصواب! فهل تُرَاني كدَّرته؟ لست أدري كيف امتلأ قلبي بهذا الغضب
الفجائي، وهذا الكبرياء وتلك الغطرسة؟ أصحيح ما أرى؟ وهل هو يبكي؟! لِمَ تبكي
يا أنجومار؟
أنجومار
(ناهضًا)
:
أنا أبكي؟ كلَّا كلَّا فأنا لا أبكي! أتحتقرينني أنا! أنا فخر قومي وفزع
أعدائي (يسكت برهة وهو ينظر إليها بشدة)
فارقيني! اذْهَبي عنِّي! فإني أستطيع الحياة بدونك! اذهبي اذهبي، فأنت حرة
طليقة! ألا تسمعين؟ أنت حرة فاذهبي إلى بلدك ولا تترددي؛ لأن أنفاسك تؤذيني،
وفي رؤيتك هلاكي، فاذهبي اذهبي (يخرج مسرعًا
مندفعًا).
بارتينيا
:
ماذا؟ حرَّة! ألم يقل إنه أطلقني؟ فهل سأراكِ يا أمي مرة أخرى، وتفتح لي
ذراعيك يا أبتاه؟ ولكن هل أتركه في هذا الغضب؟ وهو الذي خفَّف لي مرارة الأسر
والعبودية؟ وها هو الآن قد أطلق سراحي، ومنحني حريتي؟ لا لا، سأنتظره حتى يعود،
فأرضيه بكلمة طيبة مني، وأذهب إلى وطني قريرة العين مرتاحة القلب.
(تجلس على صخرة فيدخل من الخلف سامو ونوفيو
وأمبيفار.)
سامو
:
ها هي وحدها، والقارب يقترب من الشاطئ، فهيا نقبض عليها (يهجم عليها نوفيو وأمبيفار ويمسكانها).
بارتينيا
:
آه! ماذا تريدون أيها السفلة؟
نوفيو
:
هلموا إلى الشاطئ!
بارتينيا
:
اتركوني أيها الأوغاد.
أمبيفار
:
صهٍ أيتها الدودة العمياء!
بارتينيا
:
أنجومار، النجدة! أنقذني يا أنجومار!
(يسحبونها
بعنف إلى قرب خلف المسرح.)
أنجومار
(في الخارج)
:
من ذا الذي يناديني؟ أليس هذا صوتها؟ (يدخل من
اليمين) أمبيفار؟ سيفي سيفي (يتناول
سيفه وكان لا يزال ملقًى على الأرض) قفوا أيها الأوغاد (يهربون بسرعة وأنجومار يتبعهم).
بارتينيا
:
لقد نجوتُ لقد نجوتُ!
(يدخل أنجومار مسرعًا من
الشمال ويذهب إليها ويُمسك يدها.)
أنجومار
:
ها أنا ذا! أراك مصفرَّة ترتعدين، فهل أُصِبْتِ بشيء يا بارتينيا؟ استندي
عليَّ. كيف تجاسرت تلك الأيدي الخشنة أن تقبض على هذه الزهرة الغضة؟ لِمَ
ترتعشين؟ سأنتقم لكِ منهم حتى لا يجسروا أن يرفعوا إليك عيونهم.
بارتينيا
:
أسمع وَقْعَ أقدام، ها هم مقبلون.
أنجومار
:
لا تخافي شيئًا، وما دُمْتُ إلى جانبك فلا تستطيع أي قوة في الأرض أن تمسَّكِ
بسوء.
بارتينيا
:
انظر، ها هم قد أقبلوا.
أنجومار
:
فليُقبلوا، إن يميني يقهر قبيلة بأجمعها.
(يدخل من
الشمال بعض المتوحشين وأَلَسْتور ونوفيو وسامو حاملين حرابهم وشاهرين
سيوفهم.)
أنجومار
:
قفوا مكانكم وتكلَّموا! لماذا أتيتم؟
أَلَسْتور
:
لقد جرحتَ أمبيفار جُرحًا قاتلًا.
أنجومار
:
نعم؛ لأنه تجاسر وَمَدَّ يده إلى هذه الفتاة، وهي ملكي أنا!
أَلَسْتور
:
ليست ملكك.
سامو
:
سلِّمها إلينا.
أنجومار
:
أُفرِّط في حياتي ولا أُفرِّط فيها.
نوفيو
:
أمسكوها.
أنجومار
:
أروني كيف تستطيعون ذلك!
بارتينيا
(ترمي نفسها بين ذراعيه)
:
إنهم كثيرون وأخشى أن يقتلوك!
أنجومار
(لها)
:
ابتعدي يا فتاة (لهم) تقدموا!
أَلَسْتور
(يقف بين أنجومار والمتوحشين)
:
مكانَكم أيها الرفاق! واسمعني يا أنجومار، لقد انتخبناك زعيمًا على أن يكون
خُمس الغنيمة لك، ولكنَّك مِلْتَ إلى الراحة والكسل، ورفعت شأن هذه الأسيرة؛
وبذلك نقضت العهد.
أنجومار
:
كلَّا لم أنقض عهدي، بل ذلك الخائن هو الذي نقض عهدي وعهدكم؛ إذ أراد أن يسلب
حقي وحقكم بسرقة هذه الفتاة، فنال جزاءه. وفضلًا عن ذلك، فقد تعبت من الزعامة،
فاذهبوا الآن واختاروا زعيمًا غيري. أمَّا هذه الفتاة فهي لي، وبما أن لي الحق
في خُمسها، فسأدفع لكم أربعة أخماس فديتها، فإذا لم يُرضِكم هذا الحكم فالسيف
يحكم بيننا.
ترينوبانتيس
:
خُمس الغنيمة! نعم قال ذلك.
سامو
:
أتوافقون؟
أَلَسْتور
:
خُمس الغنيمة! أليس هذا قولك؟
أنجومار
:
نعم.
أَلَسْتور
:
فليكن ما قُلْتَ، ولتكنِ الفتاة نصيبَك. ومع ذلك، فلو قبلت أن تقودنا كما
قُدْتَنا من قبلُ، فنحن نطيعك بإخلاص طاعتنا الأولي.
أنجومار
:
لا، لقد تعبت، وسأبحث لي عن وطن آخر وعادات أخرى، فاذهبوا عني!
أَلَسْتور
:
فكِّر في قومك وفي أعدائك!
أنجومار
:
لقد فكَّرت في كل شيء، فالوداع (يخرج المتوحشون من
الشمال) لقد خرجوا، وأنت الآن آمنة يا بارتينيا، وحرَّة طليقة!
ولكن ما بال لونك ما زال مُصفرًّا، وأراك ترتعشين؟ إذن فاجلسي واستريحي
قليلًا.
بارتينيا
:
آهِ يا أنجومار! شكرًا لك.
أنجومار
:
تشكرينني! وعلامَ الشكر؟
بارتينيا
:
لأن قلبك الرحيم أوحى إليك أن تذود عني، وتحميني في هذه الفيافي والقفار، إذ
لولاك ما كنت لأجد لي وليًّا نصيرًا (تتناول يده
وتقبلها) والآن … الآن أستودعك الآلهة!
أنجومار
:
تودعينني؟ ما الذي تقولين؟ ألا تذهبين معي؟
بارتينيا
:
لقد منحتني حريتي، وأريد العودة إلى أهلي.
أنجومار
:
منحتك حريتك؟ لعلك تحلمين؟
بارتينيا
:
هل تريد أن ترجع في كلمتك؟
أنجومار
:
كلمتي! وهل قلت لك هذه الكلمة؟
بارتينيا
:
نعم، قُلْتَها!
أنجومار
:
إذن فاذهبي! اذهبي اذهبي!
بارتينيا
(خارجة)
:
فلتباركُكَ الآلهة!
أنجومار
:
بارتينيا! بارتينيا! بربك قفي! إن الشمس لن تطلع على الكون بعد اليوم!
أتذهبين يا بارتينيا؟ أتتركينني وحدي؟
بارتينيا
:
والداي في انتظاري.
أنجومار
:
إذن فاذهبي! اذهبي إليهما، ولكن فكِّري في ظلمة الغابات، ووعورة الطرق
والمسالك، فكِّري في الذئاب والدِّبَبَة! وانظري هل تستطيعين العودة
وحدك؟
بارتينيا
:
لقد أتيت وحدي، وكذلك أعود.
أنجومار
:
إنك تضلين بلا شك، فيجب أن يذهب معك نوفيو وأَلَسْتور، مَن هناك!
بارتينيا
:
لا لا! بل أفضل الذئاب والدِّبَبَة، عن صحبة هذين الشِّريرَيْن.
أنجومار
:
صدقتِ يا بارتينيا، فالذئب لا يحمي الحَمَل، وعلى ذلك، فسأذهب معك
بنفسي.
بارتينيا
:
أنتَ؟
أنجومار
:
نعم، فلماذا تخافين؟ أتحسبينني مثلهم؟ إني الآن لست منهم؛ لأنك علمتيني الخوف
والبكاء، مع أني لم أعرفهما حتى في طفولتي، فلا تَشُكِّي فيَّ، بل ثقي بي
واعتمدي عليَّ، وَلْتَشْهدِ الآلهة على ما أقول.
بارتينيا
:
لا لا! لا تقسم؛ لأن الصدق والطهر يتجلَّيان في عينيك، فاصحبني فإني واثقة
بك.
أنجومار
:
ما دمتِ قد وافقتِ، فسأصحبك وأحميك من كل طارئ، بل أحملكِ على
ذراعيَّ.
بارتينيا
:
لست طفلةً يا أنجومار حتى تحملني على ذراعيك، ولستُ أخشى التعب ومشقة الطريق،
ولكن إذا كان لا بدَّ لك من أن تحمل شيئًا، فيمكنك أن تحمل …
أنجومار
:
أحمل ماذا؟
بارتينيا
:
هذه السلَّة.
أنجومار
:
السلَّة.
بارتينيا
:
نعم، سلَّة البندق، أَلَا تحملُها! (تتناول السلة
من الأرض وتناوله إيَّاها.)
أنجومار
:
سأحملها.
بارتينيا
:
وأنا أحمل حَرْبَتَك ودرعَكَ وسيفَك (تأخذ أسلحته
من الشجرة).
أنجومار
:
لا لا! هذا لا يكون.
بارتينيا
:
بل يكون؛ لأني مغرمة منذ طفولتي بالسلاح وحمل السلاح، وكأني وَرِثْتُ هذا
الغرامَ عن أبي العزيز. والآن هَلُمَّ بنا، أنت تحمل سلَّتي، وأنا أحمل سلاحك.
لماذا تقف جامدًا؟
أنجومار
:
كأنَّ كلَّ ما رأيته لم يكن إلَّا حلمًا، فهلمِّي إذن! مِن هنا (مشيرًا بيده إلى ناحية الصخور).
بارتينيا
:
سِرْ أمامي فأنت دليلي. سِر يا حامي حِمايَ وصاحبي!
(يخرجون وتنزل الستار.)