تمهيد
اتفقت الأساطير على أنَّ الشعر من وحي العرائس أو من وحي الشياطين.
فاختار الأوربيون أن يتلقوا وحيهم من عروس.
واختار العرب أن يتلقوا وحيهم من شيطان.
ولا نراهم اختلفوا كثيرًا في نهاية المطاف، وإن اختلفوا قليلًا في الخطوة الأولى.
فنهاية العروس أن تعمل بشيطان.
ونهاية الشيطان أن يعمل بعروس.
وما نظنهما عملا قط منفردين في فؤاد إنسان.
•••
والرَّجَّاز الظريف «أبو النجم العجلي» يقرِّبُ الفجوة شيئًا ما بين الفريقين حين يقول:
فهو قد جعل الشياطين — ما عدا شيطانًا واحدًا — إناثًا يتوارين خجلاتٍ كما تتوارى النجوم من القمر.
تُرى هل إناث الشياطين جميلات كالعرائس المعشوقات؟
عند السعديِّ — الشاعر الفارسي — جوابٌ يحسم الخطاب فهو يقول: إنَّ الشيطان نفسه جميل يغوي القلوب بجماله، وإنَّ أبناء آدم إنما مسخوه في الصورة والتماثيل؛ لأنه حَرَمَ أباهم الفردوس، فحرموه الجمال!
فالشيطانات إذن أحقُّ بالجمال وأقرب إلى العرائس، وما هؤلاء وهؤلاء إلا كما قال المعرِّيُّ: قريب حين تنظر من قريب.
•••
هذه الصفحات نخبة مجموعة من وحي العرائس ذوات الشياطين أو من وحي الشياطين ذوي العرائس.
تلقيناها من هؤلاء وهؤلاء، وجمعناها هدية إلى القرَّاء.
وكل ما توخَّيْناه فيها أن نتجنب التكرار، كما نتجنب الإسفاف والإطالة.
فهذه قصائد من الشعر العربي أو العالمي، يكثر فيها الإيجاز ويقلُّ الإسهاب، ويندُرُ فيها المشهور المتكرِّر على جميع الأسماع، ونجيز لأنفسنا فيها الحذف والتبديل مداراةً لإسفاف في العبارة أو إسفاف في الذوق والأدب، وعلينا تبعة القليل الذي طرأ عليها من الحذف والتبديل.
وحسبنا منها شرط واحد نرجو أن يتحقَّق لها جميعًا في رأي قُرَّائها، وذاك أنَّها — وهي من وحي العرائس والشياطين — خيرُ ما يقرِّب الإنسان إلى قلب الإنسان.