الشيطان جميل [السعدي]٤
الشيطانُ ما الرأي فيه؟ … جميلٌ هو في سيماه أو دميم؟ هل هو على كلِّ حالٍ موصوفٌ
بين
النَّاس بصفةٍ لا اختلاف فيها، وهي الغواية. ولهذا قال الشيخ السعديُّ: إنه جميل. لأنَّ
الغواية
لا غنًى لها عن مظهرٍ خادعٍ، وصور لا تنفر منها العيون أول نظرة. وتلك هي وجهة نظر الشَّاعر
الفارسي القديم حينما قال:
رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ فِي حُلْمٍ. فَيَا عَجَبًا لِمَا رَأَيْتُ!
رَأَيْتُهُ عَلَى غَيْرِ مَا وَهِمْتُ مِنْ صُورَتِهِ الشَّنْعَاءِ الَّتِي تُخِيفُ
مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا: قَامَةٌ كَفَرْعِ البَانَةِ، عَيْنَانِ كَأَعْيُنِ الْحُورِ،
طَلْعَةٌ كَأَنَّهَا تُضِيءُ بِأَشِعَّةِ النَّعِيمِ. قَارَبْتُهُ وَسَأَلْتُ: أَحَقٌّ
أَنْتَ الشَّيْطَانُ الْمَرِيدُ؟ أَحَقٌّ ذَاكَ وَلَا أَرَى مَلَكًا لَهُ جَمَالُ
مُحَيَّاكَ، وَلَا عَيْنًا قَدْ نَظَرَتْ إِلَى شَبِيهِ سِيمَاكَ؟
مَا بَالُ أَبْنَاءِ آدَمَ يَتَّخِذُونَكَ لَهُمْ ضُحْكَةً فِيمَا
يُصَوِّرُونَكَ؟
وَفِي وُسْعِكَ أَنْ تَجْلُوَ لَهُمْ وَجْهًا كَصَفْحَةِ الْبَدْرِ، وَنَظْرَةً
تَتَهَلَّلُ بِبَهْجَةِ الرُّضْوَانِ، وَابْتِسَامَةً تُشْرِقُ بِالنَّعِيمِ!
أُولَئِكَ الرَّسَّامُونَ يُبَغِّضُونَكَ إِلَى الْعَيْنِ، وَحَمَّامَاتُ الْأُنْسِ
تَكْشِفُكَ لَنَا فِي صُورَةٍ تَنْقَبِضُ لَهَا الْقُلُوبُ!
وَيَقُولُونَ لِيَ إِنَّكَ كَاللَّيْلِ الْبَهِيمِ
وَمَا أَرَى أَمَامِيَ إِلَّا الصَّبَاحَ الْمُنِيرَ.
•••
سَأَلْتُ وَتَسَمَّعْتُ
فَتَحَرَّكَ الْحُلْمُ السَّاحِرُ، وَتَرَفَّعَ لَهُ صَوْتٌ فَخُورٌ
وَلَاحَتْ عَلَى طَلْعَتِهِ كِبْرِيَاءُ، وَقَالَ:
لَا تُصَدِّقْ يَا صَاحِ أَنَّهُ مِثَالِي ذَاكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيمَا
يُمَثِّلُونَ
فَإِنَّ الرِّيشَةَ الَّتِي تَرْسُمُنِي تَجْرِي بِهَا يَدُ عَدُوٍّ حَسُودٍ
سَلَبْتُهُمُ السَّمَاءَ فَسَلَبُونِيَ الْجَمَالَ!
مرعى خطر [ابن سهل]٥
رَعَيْتُ لِحَاظِي فِي جَمَالِكِ آمِنًا
فَأَذْهَلَنِي عَنْ مَصْدَرِي حُسْنُ مَوْرِدِي
وَإِنَّ الْهَوَى فِي لَحْظِ عَيْنِكِ كَامِنٌ
كُمُونَ الْمَنَايَا فِي الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
أَظَلُّ وَيَوْمِي فِيكِ هَجْرٌ وَوَحْشَةٌ
وَيَوْمِي، بِحَمْدِ اللهِ، أَحْسَنُ مِنْ غَدِي
وِصَالُكِ أَشْهَى مِنْ مُعَاوَدَةِ الصِّبَا
وَأَطْيَبُ مِنْ عَيْشِ الْهَنِيِّ الْمُرَغَّدِ
عَلَيْكِ فَطَمْتُ الْعَيْنَ عَنْ لَذَّةِ الْكَرَى
وَأَخْرَجْتُ قَلْبِي، طَيِّبَ الْقَلْبِ، عَنْ يَدِي.
النسر الجريح [إسكايلوس]٦
قِصَّةٌ يَرْوِيهَا اللُّوبِيُّونَ!
قَالُوا: أَصَابَ النَّسْرَ سَهْمٌ مِنْ قَوْسٍ
فَنَظَرَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْعِ الْمُجَنَّحِ الْعَجِيبِ
وَقَالَ: عَلَى هَذَا نَحْنُ بِرِيشِنَا، لَا بِرِيشِ غَيْرِنَا، نُصَابُ.
بستاني دفينٌ [شاعر يوناني قديم مجهول]
أُمَّنَا الْأَرْضَ الْعَزِيزَةَ
خُذِي إِلَى صَدْرِكِ الشَّيْخَ «إِمْنَتِيكْسَ» لِيَسْتَرِيحَ
وَاذْكُرِي — وَمَا هِيَ بِقَلِيلَةٍ — تِلْكَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَ يَجْهَدُ
فِيهَا شَتَّى الْجُهُودِ مِنْ أَجْلِكِ.
فَكَثِيرًا مَا غَرَسَ لَكِ الزَّيْتُونَ الْمُورِقَ
وَحَلَّى وَجْهَكِ بِدَوَالِي الْكُرُومِ
وَأَغْنَاكِ بِحُقُولِ الْغِلَالِ
وَأَجْرَى فِيكِ الْجَدَاوِلَ مُنْسَرِبَاتٍ
لِيَزْدَانَ أَدِيمُكِ بِالْعُشْبِ وَالثَّمَرَاتِ
فَالْيَوْمَ آنَ لَكِ أَنْ تَجْزِيهِ عَلَى صَنِيعِهِ
وَأَنْ تُخَفِّفِي الْوِقْرَ عَلَى رَأْسِهِ الْأَشْيَبِ وَجَسَدِهِ النَّحِيلِ
وَإِذَا جَاءَ الرَّبِيعُ فَرَيِّنِي قَبْرَهُ بِالْخُضْرَةِ وَالرَّيْحَانِ.
قصة مُختصرة [أَغنية مرضعات «إِنجليزية»]
ثَلَاثَةُ شِيخَةٍ
٧ رَاحُوا
إِلَى الْبَحْرِ عَلَى زَوْرَقْ
وَلَوْ زَوْرَقُهُمْ أَقْوَى!
وَلَوْ بِنْيَتُهُمْ أَوْثَقْ
لَكَانَتْ قِصَّتِي أَوْفَى
وَكَانَتْ قِصَّتِي أَشْوَقْ!
فؤاد ضائع [مجهول]
سَأَلْتُهَا عَنْ فُؤَادِي أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟
فَإِنَّهُ ضَلَّ مِنِّي عِنْدَ مَسْرَاهَا!
قَالَتْ لَدَيْنَا قُلُوبٌ جَمَّةٌ جُمِعَتْ،
فأَيُّهَا أَنْتَ تَعْنِي؟ قُلْتُ أَشْقَاهَا!
تكييف الهواء! [الأَحوص]٨
رَامَ قَلْبِي السُّلُوَّ عَنْ أَسْمَاءِ
وَتَعَزَّى وَمَا بِهِ مِنْ عَزَاءِ
سُخْنَةٌ فِي الشِّتَاءِ، بَارِدَةُ الصَّيـْ
ـفِ سِرَاجٌ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ
وَلَهَا مَرْبَعٌ بِبَرْقَةِ «خَاخٍ»
وَمَصِيفٌ بِالْقَصْرِ قَصْرِ قِبَاءِ
غاية الحزن [علي بن الحسين العبسي]
وَمَا ذَاتُ بَعْلٍ مَاتَ عَنْهَا فُجَاءَةً
وَقَدْ وَجَدَتْ حَمْلًا دُوَيْنَ التَّرَائِبِ
٩
بِأَرْضٍ نَأَتْ عَنْ وَالِدَيْهَا كِلَيْهِمَا
تَعَاوَرَهَا الْوُرَّاثُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
فَلَمَّا اسْتَبَانَ الْحَمْلُ مِنْهَا تَنَهْنَهُوا
قَلِيلًا وَقَدْ دَبُّوا دَبِيبَ الْعَقَارِبِ
فَجَاءَتْ بِمَوْلُودٍ غُلَامٍ فَحَوَّزَتْ
تُرَاثَ أَبِيهِ الْمَيْتِ دُونَ الْأَقَارِبِ
فَلَمَّا غَدَا لِلْمَالِ رَبًّا، وَنَافَسَتْ
لِإِعْجَابِهَا فِيهِ، عُيُونُ الْكُوَاعِبِ
وَأَصْبَحَ مَأْمُولًا يُخَافُ وَيُرْتَجَى
جَمِيلَ الْمُحَيَّا، ذَا عِذَارٍ وَشَارِبِ
أُتِيحَ لَهُ عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ مُخْدِرٌ
جَرِيءٌ عَلَى أَقْرَانِهِ غَيْرُ هَائِبِ
فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ غَيْرَ عَظْمٍ مُجَزَّرٍ
وَجُمْجُمَةٍ لَيْسَتْ بِذَاتِ ذَوَائِبِ
بِأَوْجَعَ مِنِّي يَوْمَ وَلَّتْ حُدُوجُهُمْ
يَؤُمُّ بِهَا الْحَادُونَ وَادِي غَبَاغِبِ
عين تسرق [الخليفة المأْمون]
بَعَثْتُكَ مُشْتَاقًا فَفُزْتَ بِنَظْرَةٍ
وَأَغْفَلْتَنِي حَتَّى أَسَأْتُ بِكَ الظَّنَّا
أَرَى أَثَرًا مِنْهَا بِعَيْنَيْكَ لَمْ يَكُنْ
لَقَدْ سَرَقَتْ عَيْنَاكَ مِنْ عَيْنِهَا حُسْنَا
لو! [ابن سهل]
يَقُولُونَ لَوْ قَبَّلْتَهُ لَاشْتَفَى الْجَوَى
أَيَطْمَعُ فِي التَّقْبِيلِ مَنْ يَعْشَقُ الْبَدْرَا؟
وَمَنْ لِي بِوَعْدٍ مِنْهُ أَشْكُو بِخُلْفِهِ
وَمَنْ لِي بِعَهْدٍ مِنْهُ أَشْكُو بِهِ الْغَدْرَا؟
نفس متفرقة [كثير بن عبد الرحمن]١٠
وَمَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ إِلَّا تَفَرَّقَتْ
فَرِيقَيْنِ: مِنْهَا عَاذِرٌ لِي وَلَائِمُ
فَرِيقٌ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الضَّيْمَ عَنْوَةً
وَآخَرُ مِنْهَا قَابِلُ الضَّيْمِ رَاغِمُ
غالب لا يغلب [أَبو أَحمد اليمامي]١١
غَالَبْتُ كُلَّ شَدِيدَةٍ فَغَلَبْتُهَا
وَالْفَقْرُ غَالَبَنِي فَأَصْبَحَ غَالِبِي
إِنْ أُبْدِهِ يَفْضَحْ، وَإِنْ لَمْ أُبْدِهِ
يَقْتُلْ، فَقُبِّحَ وَجْهُهُ مِنْ صَاحِبِ
حلم ويقظة [ابن قيس الرُّقيات]١٢
ظَلَلْتُ عَلَى نَمَارِقِهَا
أُفَدِّيهَا وَأَخْلُبُهَا
أُحَدِّثُهَا فَتُؤْمِنُ لِي
فَأَصْدُقُهَا وَأَكْذِبُهَا
وَبِتُّ ضَجِيعَهَا جَذْلَا
نَ، تُعْجِبُنِي وَأُعْجِبُهَا
وَأُضْحِكُهَا وَأُبْكِيهَا
وَأُلْبِسُهَا وَأَسْلُبُهَا
أُعَالِجُهَا فَتَصْرِمُنِي
فَأُرْضِيهَا وَأُغْضِبُهَا
فَكَانَتْ لَيْلَةً فِي النَّوْ
مِ نَسْمُرُهَا وَنَلْعَبُهَا
فَأَيْقَظَنَا مُنَادٍ فِي
صَلَاةِ الصُّبْحِ يَرْقَبُهَا
فَكَانَ الطَّيْفُ مِنْ جِنِّيـْ
ـيَةٍ لَمْ يُدْرَ مَذْهَبُهَا
لص يودع بنته [مالك بن الرَّيب وتروى لمطيع بن إياس]١٣
… وَلَقَدْ قُلْتُ لِابْنَتِي وَهْيَ تَبْكِي
بِدَخِيلِ الْهُمُومِ قَلْبًا كَئِيبَا
عَبَرَاتٍ يَكَدْنَ يَجْرَحْنَ مَا جُزْ
نَ بِهِ، أَوْ يَدَعْنَ فِيهِ نُدُوبَا
حَذَرَ الْحَتْفِ أَنْ يُصِيبَ أَبَاهَا
وَيُلَاقِي فِي غَيْرِ أَهْلٍ شَعُوبَا
١٤
اسْكُتِي. قَدْ حَزَزْتِ بِالدَّمْعِ قَلْبِي
طَالَمَا حَزَّ دَمْعُكُنَّ الْقُلُوبَا
أَنَا فِي قَبْضَةِ الْإِلَهِ إِذَا كُنـْ
ـتُ بَعِيدًا أَوْ كُنْتُ مِنْكِ قَرِيبَا
كَمْ رَأَيْنَا امْرَءًا أَتَى مِنْ بَعِيدٍ
وَمُقِيمًا عَلَى الْفِرَاشِ أُصِيبَا
فَدَعِينِي مِنَ انْتِحَابِكِ إِنِّي
لَا أُبَالِي مَتَى اعْتَزَمْتِ النَّحِيبَا
ضميران [الحسين بن الضحاك]١٥
أَيْنَ مَنْ لَا أَرَى وَلَيْسَ يَرَانِي
نُصْبَ عَيْنِي مُمَثَّلٌ بِالْأَمَانِي
بِأَبِي مَنْ ضَمِيرُهُ وَضَمِيرِي
أَبَدًا بِالْمَغِيبِ يَنْتَجِيَانِ
نَحْنُ شَخْصَانِ إِنْ نَظَرْتَ وَرُوْحَا
نِ، إِذَا مَا اخْتَبَرْتَ، يَمْتَزِجَانِ
فَإِذَا مَا هَمَمْتُ بِالْأَمْرِ أَوْ هَمـْ
ـمَ بِشَيْءٍ بَدَأْتُهُ وَبَدَانِي
كَانَ وَفْقًا مَا كَانَ مِنْهُ وَمِنِّي
فَكَأَنِّي حَكِيتُهُ أَوْ حَكَانِي
خَطَرَاتُ الْجُفُونِ مِنَّا سَوَاءٌ
وَسَوَاءٌ تَحَرُّكُ الْأَبْدَانِ
رثاء عدو كان صديقًا [أَبو بكر الخوارزمي]١٦
لَقَدْ صَادَتْ يَدُ الْأَيَّامِ طَيْرًا
تَضِيقُ بِهِ حِبَالَةُ مَنْ يَصِيدُ
وَأَصْبَحَ فِي الصَّعِيدِ أَبُو سَعِيدٍ
أَلَا إِنَّ الصَّعِيدَ بِهِ سَعِيدُ
صَدِيقٌ، قَدْ فَقَدْنَاهُ، قَدِيمٌ
وَثُكْلٌ، قَدْ وَجَدْنَاهُ، جَدِيدُ
مُصَابٌ، وَهْوَ عِنْدَ النَّاسِ نُعْمَى
وَنَحْسٌ، وَهْوَ عِنْدَ النَّاسِ عِيدُ
تُهَنِّئُنِي الْأَنَامُ بِهِ وَلَكِنْ
تُعَزِّينِي الْمَوَاثِقُ وَالْعُهُودُ
وَسَيْفٌ قَدْ ضَرَبْتُ بِهِ مِرَارًا
وَمِنْ ضَرَبَاتِهِ بِي لِي شُهُودُ
وَمِنْ عَجَبِ اللَّيَالِي أَنَّ خَصْمِي
يَبِيدُ، وَأَنَّ حُزْنِي لَا يَبِيدُ
بَكَيْتُ عَلَيْكَ بِالْعَيْنِ الَّتِي لَمْ
تَزَلْ مِنْ سُوءِ فِعْلِكَ بِي تَجُودُ
فَقَدْ أَبْكَيْتَنِي حَيًّا وَمَيْتًا
فَقُلْ لِي: أَيُّ فِعْلَيْكَ الرَّشِيدُ؟
وَقَدْ غَادَرْتَنِي فِي كُلِّ حَالٍ
أَذُمُّ الدَّهْرَ فِيكَ وَأَسْتَزِيدُ
فَلَا يَوْمٌ تَمُوتُ بِهِ مَجِيدٌ
وَلَا يَوْمٌ تَعِيشُ بِهِ حَمِيدُ
مترادفان [ماركوس أرجنتاريوس]١٧
نَعَمْ! كُنْتَ مَعْشُوقًا، يَا سُقْرَاطُ، إِذْ كُنْتَ ذَا مَالٍ
لَكِنَّ حُبَّكَ الْآنَ قَدْ مَاتَ فِي جَوَانِحِهَا
وَسُمُّ الْفَقْرِ النَّاقِعُ هُوَ الْمَلُومُ
لَقَدْ كَانَتْ، يَوْمًا، تَدْعُوكَ «أَدُونِيسِي»
١٨ الْعَزِيزَ
وَتَسْتَطْعِمُ مِنْكَ مَذَاقَ الطِّيبِ وَالْبُهَارِ
أَمَّا الْيَوْمَ فَهِيَ لَا تَسْتَحِي أَنْ تَسْأَلَكَ: مَا اسْمُكَ؟
وَمِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ؟ وَأَيْنَ تُقِيمُ؟
أَلَا تَعْلَمُ أَيُّهَا السَّيِّدُ الْعَزِيزُ أَنَّ «لَا مَالَ لَهُ»
وَ«لَا حُبَّ لَهُ» كَلِمَتَانِ مُتَرَادِفَتَانِ؟!
التركي الطوال (الذي ينسج) [روبرت كرفت كوك]١٩
أَيُّهَا التُّرْكِيُّ الطُّوَالُ نَاسِجُ بِسَاطِي
أَيَخْطُرُ لَكَ عَلَى بَالٍ حَيْثُ تَشُكُّ بِالْإِبْرَةِ
كُلَّ خَيْطٍ مِنْ خُيُوطِكَ الصُّوفِيَّةِ ذَاتِ الْأَلْوَانِ
أَيُّ قَدَمٍ سَوْفَ تَخْطُرُ عَلَى أَزْهَارِكَ الْمَنْسُوجَاتِ؟
أَتُرَاكَ تَقُولُ: ذَلِكَ خَيْطٌ مِنْ صِبْغَةِ الْبُرْتُقَالِ
جَدِيرٌ بِقَدَمِ حَسْنَاءَ أَنْ تَدُوسَهُ
فِي الْحُجُرَاتِ الْبَارِدَةِ مِنْ جُزُرِ الشِّمَالِ؟
أَتُرَاكَ تَقُولُ: ذَلِكَ خَيْطٌ مَدِيدٌ مِنْ زُرْقَةِ السَّمَاءِ
تُلَاطِفُهُ قَدَمُ طِفْلٍ بَيْضَاءُ؟
وَهَذَا مِنَ الْأَحْمَرِ الْمِفْرَاحِ لِقَوْمٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُدُنِ
الَّتِي لَا تَرَى فِيهَا طَنَافِسَ الْأَزْهَارِ
وَهَذَا قَرَارٌ مِنَ الْقَرَنْفُلِ النَّاعِمِ تَلْمَسُهُ أَقْدَامُ الشُّيُوخِ
الشِّيْبِ
يَحْمِلُونَ أَقْدَاحَ «الشَّايِ» فِي صَمْتٍ وَتَوْقِيرِ؟
أَتُرَاكَ تَقُولُ هَذَا، أَمْ لَعَلَّكَ مَا فَكَّرْتَ قَطُّ فِي صَاحِبِ
الْبِسَاطِ
وَلَا تَزَالُ تُنْشِدُ كُلَّمَا نَسَجْتَ خَيْطًا مِنْ خُيُوطِكَ
سَتُوافِينِي هُنَاكَ عِنْدَ الْمَغِيبِ
سَتُوَافِينِي إِلَى ظِلَالِ النَّخْلَةِ السَّحُوقِ!
اسم يجمع أسماء [سوفكليس]٢٠
تَعَلَّمُوا يَا بَنِيَّ أَنَّ الْحُبَّ لَيْسَ حُبًّا وَكَفَى
وَأَنَّ اسْمَهُ الْوَاحِدَ تَنْطَوِي فِيهِ أَسْمَاءٌ شَتَّى
هُوَ «الْمَوْتُ» … هُوَ «الْقُوَّةُ» الَّتِي لَا تُغْلَبُ
هُوَ «الشَّهْوَةُ الصُّرَاحُ» … هُوَ «الْجُنُونُ» … هُوَ «الْأَسَى»
هُوَ خُلَاصَةُ كُلِّ خَالِجَةٍ مِنَ الْخَوَالِجِ تَسُوقُ إِلَى السَّطْوَةِ
أَوْ إِلَى الْحَرَكَةِ، أَوْ إِلَى الطُّمَأْنِينَةِ
يَتَغَلْغَلُ فِي أَعْمَاقِ كُلِّ صَدْرٍ … هَذَا الْإِلَهُ!
وَكُلٌّ لَهُ صَيْدٌ وَفَرِيسَةٌ:
مِنَ الْخَلَائِقِ الَّتِي تَعُومُ، وَمِنَ الْخَلَائِقِ الَّتِي تَمْشِي عَلَى
أَرْبَعٍ
وَجَنَاحُهُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ الَّتِي تَطِيرُ أَقْوَى جَنَاحٍ
وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ الْحَيَوَانُ وَالْإِنْسَانُ وَالْأَرْبَابُ الْعُلَى
… أَيُّ رَبٍّ لَا يَصْطَرِعُ وَالْحَبَّ، وَلَمْ يَخِرَّ صَرِيعًا؟
وَإِذْ صَحَّ أَنْ أَقُولَ — وَالْحَقُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ — فَهُوَ الْقَاهِرُ
عَلَى قَلْبِ زِيُوس رَبِّ الْأَرْبَابِ، بِغَيْرِ رُمْحٍ وَبِغَيْرِ حُسَامٍ
الْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْإِلَهَ لَيَطِيشُ بِالنِّيَّاتِ: نِيَّاتِ الْخَلَائِقِ وَالْخَالِقِينَ.
بلاء النصح [حماد عجرد]٢١
أَخِي! كُفَّ عَنْ لَوْمِي فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي
بِمَا فَعَلَ الْحُبُّ الْمُبَرِّحُ فِي صَدْرِي
أَخِي! أَنْتَ تَلْحَانِي وَقَلْبُكَ فَارِغٌ
وَقَلْبِيَ مَشْغُولُ الْجَوَانِحِ بِالْفِكْرِ
دَوَائِي وَدَائِي عِنْدَ مَنْ لَوْ رَأَيْتَهُ
يُقَلِّبُ عَيْنَيْهِ لَأَقْصَرْتَ عَنْ زَجْرِي
فَأُقْسِمُ لَوْ أَصْبَحْتَ فِي لَوْعَةِ الْهَوَى
لَأَقْصَرْتَ عَنْ لَوْمِي وَأَطْنَبْتَ فِي عُذْرِي
وَلَكِنْ بَلَائِي مِنْكَ أَنَّكَ نَاصِحٌ
وَأَنَّكَ لَا تَدْرِي بِأَنَّكَ لَا تَدْرِي
امرأة أبي دلامة [أَبو دلامة]٢٢
لَيْسَ فِي بَيْتِي لِتَمْهِيـ
ـدِ فِرَاشِي مِنْ قَعِيدَهْ
غَيْرُ عَجْفَاءَ عَجُوزٍ
سَاقُهَا مِثْلُ الْقَدِيدَهْ
وَجْهُهَا أَقْبَحُ مِنْ حُو
تٍ طَرِيٍّ فِي عَصِيدَهْ!
مَا حَيَاةٌ مَعَ أُنْثَى
مِثْلَ عِرْسِي بِسَعِيدِهْ
قحة! [وليام هنري دافيز]٢٣
ذَاتَ صَبَاحٍ، وَالدُّنْيَا فِي مَشِيبِهَا الْقَارِسِ، وَشِتَائِهَا
الْعَبُوسِ
ذَاتَ صَبَاحٍ، وَالْوُجُوهُ تَعْلُوهَا السَّآمَةُ وَالْكَلَالُ
عَبَرَتْ بِيَ عَذْرَاءُ فَاتِنَةٌ، تَنْفُثُ السُّحَيْبَاتِ الصِّغَارَ مِنْ
أَنْفَاسِهَا الْفِضِّيَّةِ وَهِيَ فِي غِبْطَةٍ وَانْشِرَاحٍ
فِي وَجْنَتَيْهَا يَتَوَهَّجُ الْإِهَابُ الْمُوَرَّدُ
وَفِي ثَغْرِهَا تَتَلَأْلَأُ الثَّنَايَا الْبَوَاسِمُ
وَكِلْتَا الْعَيْنَيْنِ كَأَنَّهَا غَدِيرٌ فِي الْهِضَابِ
يَسْرِقُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ السَّمَاءِ
•••
قُلْتُ، وَذَلِكَ الْجَمَالُ يَعْبُرُ بِي فِي نَضْرَةٍ وَفَتَاءٍ
يُزْهِي بِكِبْرِيَائِهِ وَالشِّتَاءُ أَشْيَبُ قَرِيرٌ …
قُلْتُ ضَاحِكًا وَعَيْنَايَ مَبْهُوتَتَانِ:
مَنْ رَأَى قَطُّ مِثْلَ هَذِهِ الْقِحَةِ فِي الدُّنْيَا الْعَجُوزِ؟!
صديقٌ أم عدُوٌّ؟ [عمار ذي كناز]٢٤
أَلَا إِنَّ الْغَوَانِي قَدْ
بَرَى جِسْمِي هَوَاهُنَّهْ
وَقَالُوا: شَفَّكَ الْحُورُ
هَوًى، قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهْ!
وَلِكِنِّي عَلَى هَذَا
مُعَنًّى بِأَذَاهُنَّهْ
أَرَاحَ اللهُ عَمَّارًا
مِنَ الدُّنْيَا وَمِنْهُنَّهْ
بَعِيدَاتٌ قَرِيبَاتٌ
فَلَا كَانَ، وَلَا كُنَّهْ
فَقَدْ أَذْهَلَ مِنِّي الْعَقـْ
ـلَ وَالْقَلْبَ شَجَاهُنَّهْ
يُمَنِّينَ الْأَبَاطِيلَ
وَيَجْحَدْنَ الَّذِي قُلْنَهْ
طبيبٌ أو منجِّمٌ؟ [وضاح اليمني]٢٥
وَلَقَدْ يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ وَمَا
نَبَّأْتُهُ مِنْ شَأْنِنَا حَرْفَا
إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ دَاءَكَ ذَا
مِنْ ذِي دَمَالِجَ يَخْضِبُ الْكَفَّا
كعبة المجنون [مجنون ليلى]٢٦
أَرَانِي إِذَا صَلَّيْتُ يَمَّمْتُ نَحْوَهَا
بِوَجْهِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَلَّى وَرَائِيَا
وَمَا بيَ إِشْرَاكٌ وَلَكِنَّ حُبَّهَا
كَعُودِ الشَّجَا أَعْيَا الطَّبِيبَ الْمُدَاوِيَا
إِذَا سِرْتُ فِي الْأَرْضِ الْفَضَاءِ رَأَيتُنِي
أُصَانِعُ رِجْلِي أَنْ تَمِيلَ حِيَالِيَا
يَمِينًا إِذَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِنْ تَكُنْ
شِمَالًا يُنَازِعْنِي الْهَوَى عَنْ شِمَالِيَا
قوس قزح! [الحسين بن مُطير]٢٧
لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَمُوتَ صَبَابَتِي
إِذَا قَدُمَتْ أَيَّامُهَا وَعُهُودُهَا
فَقَدْ جَعَلَتْ فِي حَبَّةِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا
عِهَادُ الْهُدَى تُولِي بِشَوْقٍ يُعِيدُهَا
٢٨
لِمُرْتَجَّةِ الْأَطْرَافِ، هِيفٍ قُدُودُهَا
عِذَابٍ ثَنَايَاهَا، عِجَافٍ قُيُودُهَا
وَصُفْرٍ تَرَاقِيهَا، وَحُمْرٍ أَكُفُّهَا
وَسُودٍ نَوَاصِيهَا، وَبِيضٍ خُدُودُهَا
مُخَصَّرَةِ الْأَوْسَاطِ زَانَتْ عُقُودَهَا،
بِأَحْسَنَ مِمَّا زَيَّنَتْهَا، عُقُودُهَا
يُمَنِّينَا حَتَّى تَرِفَّ قُلُوبُنَا
رَفِيفَ الْخُزَامَى بَاتَ طَلٌّ يَجُودُهَا
لا تنادني [روث بتر]٢٩
لَا تُنَادِنِي وَالصَّيْفُ مُشْرِقٌ. أَيُّهَا الْمَوْتُ!
إنَّنِي فِي الصَّيْفِ لَنْ أُجِيبَ النِّدَاءَ …
حِينَ يُوَسْوِسُ الْعُشْبُ وَيَتَمَايَلُ بِأَعْطَافِهِ
لَا تَرْفَعْ إِليَّ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ مِنْ تِلْكَ الظِّلَالِ السُّفْلَى
حِينَ يَحِنُّ الصَّفْصَافُ وَيَتَرَقْرَقُ الْمَاءُ
حِينَ يَتَوَانَى الْجَدْوَلُ وَيَنْعُسُ الْهَوَاءُ
حِينَ يَتَمَوَّجُ اللِّبْلَابُ عَلَى الْأَسْوَارِ
لَا تُنَادِنِي. قُلْتُ لَكَ لَا تُنَادِنِي أَيُّهَا الْمَوْتُ فِي ذَلِكَ
الْأَوَانِ
إِنَّكَ عَبَثًا تُنَادِي وَتَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالنِّدَاءِ
فَفِي إِبَّانِ الْأَزَاهِيرِ النَّامِيَةِ لَنْ أُصْغِيَ إِلَيْكَ
•••
لَكِنَّنِي سَأُصْغِي إِلَيْكَ حِينَ يَتَجَرَّدُ كُلُّ حَالٍ وَحَالِيَةٍ
وَمَرْحَبًا بِدُعَائِكَ حِينَ يَنْتَثِرُ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ عَلَى
ثَرَاهُ
حِينَ يُسْمَعُ لِلسُّفُوحِ فَحِيحٌ فِي الْعَاصِفِ الْمُهْتَاجِ
حِينَ يَشُمُّ الرُّعَاةُ مِنَ الشَّرْقِ رَائِحَةَ الثُّلُوجِ
حِينَ يُهْجَرُ الْحَقْلُ لِلرِّيحِ تَتَوَلَّى حَصَادَهُ
حِينَ يُصْبِحُ الْإِعْصَارُ حَطَّابَ الْوَادِي الَّذِي يُطِيحُ بِأَعْوَادِهِ
حِينَ يُصْبِحُ الْبَرَدُ بِذْرَةَ الْأَرْضِ الَّتِي تَنْثُرُهَا السَّمَاءُ
حِينَ نَنْفِرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا نَتُوقُ إِلَى شَيْءٍ
نَادِ يَوْمئِذٍ يَا مَوْتُ، وَلَكَ الْإِصْغَاءُ وَالتَّرْحَابُ
فَيَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ وَأَنْهَضُ، وَأَمْضِي!
تزهده الرغبة فيه [حسين بن الضَّحَّاك]
عَالِمٌ بِحبِّيْهِ
مُطْرِقٌ مِنَ التِّيهِ
يُوسُفُ الْجَمَالِ وَفِرْ
عَوْنُ فِي تَعَدِّيهِ
مَا الْحَيَاةُ نَافِعَةً
لِي عَلَى تَأَبِّيهِ
النَّعِيمُ يُشْغِلُهُ
وَالْجَمَالُ يُطْغِيهِ
فَهْوَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ
لِلَّذِي أُلَاقِيهِ
تَائِهٌ تُزَهِّدُهُ
فِيَّ رَغْبَتِي فِيهِ
إنَّ النِّساء … [طفيل الغنوي]٣٠
إِنَّ النِّسَاءَ كَأَشْجَارٍ نَبَتْنَ مَعًا
مِنْهَا الْمُرَارُ، وَبَعْضُ الْمُرِّ مَأْكُولُ
إِنَّ النِّسَاءَ مَتَى يُنْهَيْنَ عَنْ خُلُقٍ
فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مَفْعُولُ
إِنَّ النِّسَاءَ وَلَوْ صُوِّرْنَ مِنْ ذَهَبٍ
فِيهِنَّ مِنْ هَفَوَاتِ الْجَهْدِ تَخْيِيلُ
الجميل والمخيف [رينر ماريا ريلكه]٣١
هَبْنِي صَرَخْتُ جَهْدِي، فَمَنْ ذَا يُلَبِّينِي
مَنْ وَرَاءَ أُفُقِ الْمَلَائِكَةِ؟
وَهَبْهُ لَبَّانِي وَتَوَلَّانِي بِرَعْيِهِ. إِنَّنِي إِذَنْ لَمُضْمَحِلٌّ
فَانٍ
فِي حَضْرَتِهِ الَّتِي تَغْمُرُنِي بِبَأْسِهَا وَاقْتِدَارِهَا
إِذْ لَيْسَ «الْجَمِيلُ» إِلَّا بَوَاكِيرَ «الْمُخِيفِ» الَّذِي يُوشِكُ أَلَّا
يُطَاقَ
وَإِنَّمَا نُعْجَبُ بِهِ أَشَدَّ إِعْجَابِنَا
لَأَنَّهُ لَا يَتَنَزَّلُ إِلَى إِتْلَافِنَا وَسَحْقِنَا
كُلُّ مَلَكٍ فَهُوَ مُخِيفٌ
وَمِنْ ثَمَّ أُرَاجِعُ نَفْسِي وَأَحْبِسُ صَيْحَةَ التَّغْوِيثِ
الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبُكَاءِ
آهٍ. إِلَى مَنْ نَفْتَقِرُ نَحْنُ وَالَهْفَتَاهُ!
لَا إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَلَا إِلَى النَّاسِ
وَإِنَّ الْحَيَوَانَ الْفَطِنَ لَيَعْلَمُ أَنَّنَا نَأْوِي إِلَى غَيْرِ
مَكَانِنَا
فِي الدُّنْيَا الْمُفَسَّرَةِ الْمَشْرُوحَةِ
وَلَعَلَّهُ قَدْ بَقِيَ لَنَا، نَرَاهُ حِينَمَا تَحَوَّلْنَا بِأَنْظَارِنَا
أَثَرٌ بَاقٍ مِنْ غَابِرٍ دَاثِرٍ: شَجَرَةٌ عَلَى مُنْحَدَرِ الطَّرِيقِ
طَرِيقِ أَمْسِ الدَّابِرِ
عَادَةٌ وَفِيَّةٌ لَنَا تَحْفَظُ لَنَا أَمَانَةَ الْأَمِينِ الْمُسْتَجِيبِ
لِأَهْوَائِنَا
وَتُحِبُّ الْبَقَاءَ مَعَنَا، فَقَدْ بَقِيَتْ وَلَمْ تُفَارِقْنَا
وَلَكِنْ مَا بَالُ اللَّيْلِ! …
اللَّيْلِ الَّذِي يَزْخَرُ بِعَوَاصِفِ الْفَضَاءِ السَّرْمَدِ
الَّتِي تَهْرَأُ أَدِيمَ وُجُوهِنَا
مَا الَّذِي يُعَجِّلُهُ، وَهْوَ يَشْتَهِي؟
رَفِيقٌ حِينَ يَخِيبُ الرَّجَاءُ
عَظِيمٌ فِي عَنَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ الْفَرِيدِ …
أَتُرَاهُ أَيْسَرَ عَلَى الْمُحِبِّينَ؟
وَيْحَنَا! إِنَّمَا وُقَايَةُ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُمْ يُغَطُّونَ أَنْفُسَهُمْ
بِأَنْفُسِهِمْ
فَلَهُمْ مِنْهَا دُرُوعٌ وَسُتُورٌ
أَلَا تَعْلَمُ هَذَا بَعْدُ؟
إِنَّنَا عَلَى مَدِّ أَذْرُعِنَا نَقْذِفُ بِالْفَرَاغِ
إِلَى الْفَضَاءِ الَّذِي نَسْتَمِدُّ مِنْهُ أَنْفَاسَنَا
وَلَعَلَّ الطَّيْرَ أَقْدَرُ مِنَّا عَلَى مُلَاقَاةِ هَذَا الْفَضَاءِ
الْمَمْدُودِ
بِوَثْبَةٍ فِيهِ.
مناجاة كريم [شعية أَخو السموأَل]٣٢
لُبَابُ، يَا أُخْتَ بَنِي مَالِكٍ
لَا تَشْتَرِي الْعَاجِلَ بِالْآجِلِ
لُبَابُ، دَاوِينِي، وَلَا تَقْتُلِي!
قَدْ فُضِّلَ الشَّافِي عَلَى الْقَاتِلِ
إِنْ تَسْأَلِي بِي فَاسْأَلِي خَابِرًا
وَالْعِلْمُ قَدْ يُلْقَى إِلَى السَّائِلِ
يُنْبِئْكِ مَنْ كَانَ بِنَا عَالِمًا
عَنَّا، وَمَا الْعَالِمُ كَالْجَاهِلِ
إِنَّا إِذَا حَارَتْ دَوَاعِي الْهَوَى
وَأَنْصَتَ السَّامِعُ لِلْقَائِلِ
وَاعْتَلَجَ الْقَوْمُ بِأَلْبَابِهِمْ
فِي الْمَنْطِقِ الْفَاصِلِ وَالنَّائِلِ
لَا نَجْعَلُ الْبَاطِلَ حَقًّا وَلَا
نُلِظُّ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ
نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحْلَامُنَا
فَنَخْمَلَ الدَّهْرَ مَعَ الْخَامِلِ
حرية اليأس [مهيار الديلمي]٣٣
مَلَكْتُ نَفْسِي مُذْ هَجَرْتُ طَمَعِي
الْيَأْسُ حُرٌّ، وَالرَّجَاءُ عَبْدُ
وَلَوْ عَلِمْتُ رَغْبَةً تَسُوقُ لِي
نَفْعًا، لَخِفْتُ أَنْ يُضَرَّ الزُّهْدُ
فِي النَّاسِ مَنْ مَعْرُوفُهُ فِي عُنُقِي
غُلٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ جَدَاهُ عِقْدُ
حظ كالقمر [سفوكليس اليوناني]
حَظِّي عَلَى أُرْجُوحَةٍ مِنْ أَرَاجِيحِ الْقَدَرِ
أَبَدًا يَعْلُو وَيَهْبِطُ، وَيَدُورُ وَيَتَحَوَّلُ
كَأَنَّهُ وَجْهُ الْقَمَرِ لَا يُرَى لَيْلَتَيْنِ عَلَى حَالٍ
يَطْلُعُ هِلَالًا، وَيَنْمُو جَمِيلًا، وَيَسْتَتِمُّ النَّمَاءُ
وَفِي لَيْلَةٍ إِذْ هُوَ عَلَى أَوْفَى تَمَامِهِ، يَدْخُلُ فِي الْمَحَاقِ!
أخوان: الفرح والألم [روث بتر]
مَا بَالُ فَرَحِي؟
انْظُرْ إِلَيْهِ كَيْفَ يَذُوبُ وَيَبْلَى
حَيْثُ الْأَلَمُ — ذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُتَرَعْرِعُ النَّامِي
يَلْتَهِمُ الْتِهَامَهُ، وَيَعِيثُ شَهْوَةً، وَيَأْكُلُ كُلَّ مَا عِنْدِي!
وَالْفَرَحُ لَا يَجِدُ طَعَامًا
وَيَسْتَكِينُ إِلَى جَانِبِ الْمِدْخَنَةِ
كَأَنَّهُ يَمُوتُ
•••
إِذَا انْطَوَى الْفَرَحُ، فَإِنِّي مُقِيمَةٌ مَعَ الْأَلَمِ
فَمَنْ يَدْرِي يَوْمَ تَخْلُو لِي صُحْبَتُهُ مُنْفَرِدَةً
لَعَلَّهُ يَرِقُّ وَيَهْدَأُ فِي شِتَاءِ الْمَشِيبِ
وَتِلْكَ الْجِرَاحُ الَّتِي أَدْمَاهَا
يَعُودُ فَيَأْسُوهَا!
•••
لَكِنَّنِي سَأُغَذِّي الْأَخَوَيْنِ مَعًا
الْمُفْتَرِسَ الْعَادِيَ، وَالْمَيِّتَ الدَّفِينَ
وَإِنَّ بِي لَقُوَّةً. فَلَا أَنِينَ إِلَّا مِنْ حِينٍ إِلَى حِينٍ
•••
أَنْظُرُ إِلَى الطُّهْرِ الْحَزِينِ
طُهْرِ السَّمَاءِ الْبَيْضَاءِ وَالْجَدْوَلِ الْمُنْسَابِ
إِلَيْهِمَا، وَإِلَى شَجَرَةِ الشِّتَاءِ، سَأَنْظُرُ وَأَرْجِعُ مَعَ
الْأَحْلَامِ.
ساعة قصيرة [المعتضد بالله]٣٤
رَعَى اللهُ مَنْ يَصْلَى فُؤَادِي بِحُبِّهِ
سَعِيرًا، وَعَيْنِي مِنْهُ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ
غَزَالِيَّةُ الْعَيْنَيْنِ، شَمْسِيَّةُ السَّنَا
كَثِيبِيَّةُ الرِّدْفَيْنِ، غُصْنِيَّةُ الْقَدِّ
شَكَوْتُ إِلَيْهَا حُبَّهَا بِمَدَامِعِي
وَأَعْلَمْتُهَا مَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ الْوَجْدِ
فَصَادَفَ قَلْبِي قَلْبَهَا وَهْوَ سَالِمٌ
فَأَعْدَى، وَذُو الشَّوْقِ الْمُبَرِّحِ قَدْ يُعدِي
فَجَادَتْ، وَمَا كَادَتْ، عَلَيَّ بِخَدِّهَا
وَقَدْ يَنْبُعُ الْمَاءُ النَّمِيرُ مِنَ الصَّلْدِ
٣٥
فَقُلْتُ لَهَا: هَاتِي ثَنَايَاكِ! إِنَّنِي
أُفَضِّلُ نُوَّارَ الْأَقَاحِي عَلَى الْوَرْدِ
وَمِيلِي عَلَى جِسْمِي بِجِسْمِكِ، فَانْثَنَتْ
تُعِيدُ الَّذِي أَمَّلْتُ مِنْهَا كَمَا تُبْدِي
عِنَاقًا، وَلَثْمًا، أَرْوَيَا الشَّوْقَ بَيْنَنَا
فُرَادَى، وَمَثْنًى، كَالشَّرَارِ مِنَ الزَّنْدِ
فَيَا سَاعَةً مَا كَانَ أَقْصَرَ وَقْتَهَا
لديَّ تَقَضَّتْ غَيْرَ مَذْمُومَةِ الْعَهْدِ
تمرينات! [بن جونسون]٣٦
بِحَقِّ الْحُبِّ: قُبْلَةً أُخْرَى!
إنَّنِي أَتَلَهَّفُ، وَغَيْرُ جَمِيلٍ أَنْ أَتَلَهَّفَ عَبَثًا
لَا عَيْنَ تَرَانَا. فَلِمَ تُبْطِئِينَ! وَفِيمَ تَتَلَفَّتِينَ؟
إنَّنِي كَالنَّحْلَةِ، لَا أَزِيْدُ زَهْرَتِي عَلَى لَمْسَةٍ عَاجِلَةٍ
ثُمَّ أَطِيرُ …
•••
مَرَّةً أُخْرَى. وَلَكِ الْعَهْدُ أَنَّنِي بَعْدَهَا ذَاهِبٌ …
أَيَقْنَعُ مَنْ يُحِبُّ بِمَا دُونَ وَاحِدَةٍ؟!
لَا. لَيْسَ هَكَذَا، فَفِي الْقُبْلَةِ غَلْطَةٌ …!
وَقَدْ تُكْرِمِينَ وَتُخْطِئِينَ فِي كَرَمِكِ الْجَزِيلِ
نِصْفُ قُبْلَةٍ هَذِهِ أَوْلَى أَنْ تُدْعَى
وَمَا يُصْنَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً، يَنْبَغِي أَنْ يُتْقَنَ جِدًّا
وَيَنْبَغِي لَنَا فِيهِ أَنْ نَتَأَنَّى
•••
هَذِهِ الْأَخِيرَةُ!
لَا أَبْغِي إِلَّا أَنْ أُصْلِحَهَا وَأَعُودَ إِلَى تَجْوِيدِهَا
عَسَى أَنْ أَقُولَ: كَيْفَ كَانَتْ تَمْلُحُ، وَكَيْفَ كَانَتْ تَطِيْبُ
شَفَةٌ إِلَى شَفَةٍ، وَنَفَسٌ يَتَرَشَّفُ نَفَسًا، وَلِسَانٌ حَائِرٌ
بَيْنَهُمَا
وَمَنْ يَحْسِبُنَا عَلَى ذَلِكَ مَيِّتَيْنِ، دَعِيهِ يَتَمَنَّى لَنَا الْمَوْتَ!
اختراع الشعر [لوكاس]٣٧
كَلَامٌ جَدِيدٌ. وَزْنٌ جَدِيدٌ. شُعُورٌ جَدِيدٌ!
أَنْتَ لَا تَفْتَأُ تَصِيحُ: بَلِيَ الْقَدِيمُ الْمَبْذُولُ، فَهَاتِ لَنَا
الْجَدِيدَ
يَا صَاحِ! إِنَّ الطَّبِيعَةَ أَسْعَدُ مِنْكَ فِي صَنِيعِهَا
فَمَا فِيهَا يَوْمًا مِنْ جَدِيدٍ، وَفِيهَا كُلَّ يَوْمٍ جَمَالٌ
تُخْرجُ مِنَ الْقَالِبِ أَلْفَ أَلْفَ مِثَالٍ
وَهْيَ أَقْدَمُ مِنَ التَّارِيخِ، وَمَا هِيَ بِقَدِيمَةٍ قَطُّ فِي حِينٍ.
سطوة الملك [محمد بن قزمان؟]٣٨
مَا بَالُ أَنْجُمِ هَذَا اللَّيْلِ حَائِرَةً
أَضَلَّتِ الْقَصْدَ، أَمْ لَيْسَتْ عَلَى فَلَكِ؟
عَادَتْ سَوَارِيهِ وَقْفًا لَا حِرَاكَ بِهَا
كَأَنَّهَا جُثَثٌ صَرْعَى بِمُعْتَرَكِ
مَا تَنْقَضِي سَاعَةٌ مِنْهُ فَتُطْمِعَنِي
فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي وَجْهٍ بِمُنْسَلِكِ
هَلْ مِنْ بَشِيرٍ بِنُورِ الصُّبْحِ تُنْقِذُنِي
بُشْرَاهُ مِنْ طُولِ وَجْدٍ غَيْرَ مُتَّرَكِ
فَقَدْ أَجَدَّ الْتِوَاءُ اللَّيْلِ لِي شَجَنًا
وَأَضْجَعَتْنِي تَبَارِيحِي عَلَى الْحَسَكِ
خُذْ يَا سَعِيدُ كُئُوسَ الرَّاحِ مُتْرَعَةً
فَسَقِّنِيهَا وَلَا تَسْأَلْ عَنِ الدَّرَكِ
وَهِجْ بِأَلْحَانِكَ الطَّنْبُورَ إِنَّ لَهُ
عَلَى شُجُونِ الْمُعَنَّى سَطْوَةَ الْمَلِكِ
الكيمياء [السعدي الشيرازي]
دَعِ السُّخْرِيَةَ مِنْ أُسْطُورَةِ الْأَوَائِلِ، فَمَا كَذَبُوا
يَوْمَ حَدَّثُونَا بِالْحَجَرِ الَّذِي يُخْرِجُ النُّضَارَ
مِنْ خَسِيسِ الْمَعَادِنِ وَالْأَحْجَارِ
فَهَذِهِ كِيمْيَاءُ الْقَنَاعَةِ تُسوِّي بَيْنَ الْجَوْهَرِ وَالْحَصَى فِي
يَدَيْكَ
•••
إِنَّ الطِّفْلَ الْبَرِيءَ لَا يَعْتَلِجُ صَدْرُهُ بِطَمَعٍ وَلَا كِبْرِيَاءَ
وَيَمْلَأُ يَدَيْهِ بِالثَّرَى، وَلَيْسَتِ الْفِضَّةُ عِنْدَهُ
بِأَكْرَمَ وَلَا أَغْلَى
•••
وَإِنَّ السُّلْطَانَ لَيَنْظُرُ فِي خُيَلَائِهِ مِنْ عَلٍ إِلَى الدَّرْوِيشِ
الْقَابِعِ عَلَى الْبَابِ
وَلَكِنَّ وِطَابَهُ الْخَاوِيَ أَحْفَلُ بِالْكُنُوزِ مِنْ خَزَائِنِ
السُّلْطَانِ
•••
وَغَنِيٌّ ذَلِكَ السَّائِلُ الَّذِي تَرْمِي إِلَيْهِ بِدِرْهَمٍ فَيَرْضَى
أَمَّا أَفْرِيدُونَ فَلَمْ يَرْضَ وَعِنْدَهُ الدَّوْلَةُ وَالصَّوْلَجَانُ.
صورة [جون دون]٣٩
إِلَيْكِ صُورَتِي!
أَمَّا صُورَتُكِ فَفِي الْقَلْبِ، حَيْثُ يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ
وَإِنْ قُلْتُ: الْوَدَاعَ
•••
إِنَّ صُورَتِي لَتُشْبِهُنِي الْآنَ
وَلَكِنَّهُ شَبَهٌ يَزْدَادُ حِينَ تَنْقَضِي الْحَيَاةُ
إِذًا أَنَا يَوْمَئِذٍ خَيَالٌ، وَهِيَ مِثْلِي خَيَالٌ!
•••
وَلَرُبَّمَا رَجَعْتِ بَعْدَ التِّطْوَافِ فِي الْآفَاقِ
فَتَرِينَ رَجُلًا سَفَعَتْهُ الْأَجْوَاءُ، وَتَهَرَّأَتْ يَدَاهُ
مِنْ مَسِّ الْمَجَاذِيفِ الْخِشَانِ
وَلَوَّحَتِ الشَّمْسُ مُحَيَّاهُ، وَكَسَا الشَّعْرُ صَدْرَهُ
وَوَخَطَهُ الشَّيْبُ مِنْ هَوْلِ الْعَوَاصِفِ الْمُغَيِّرَاتِ
فِي غَيْرِ هِينَةٍ وَلَا مَوْعِدٍ مَقْدُورٍ
جَسَدِي كَأَنَّهُ كِيسُ عِظَامٍ
قَدْ تَحَطَّمَ مِنْهُ مَا بَطَنَ، وَتَبَقَّعَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ
•••
يَوْمَئِذٍ يَلُومُكِ عَاذِلُكِ وَهْوَ يُنَافِسُنِي فِيكِ
كَيْفَ تُحِبِّينَ رَجُلًا كَهَذَا الْغَلِيظِ الدَّمِيمِ!
إِذْ أَنَا كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَا أَسَفَاهُ
فَدَعِي هَذِهِ الصُّورَةَ تُحَدِّثُهُ يَوْمَذَاكَ
عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الْغَلِيظِ الدَّمِيمِ كَيْفَ كَانَ
وَحَدِّثِيهِ أَنْتِ قَائِلَةً:
أَفَهَذِهِ الْعَوَارِضُ تَسْرِي إِلَيَّ؟
أَتُرَاهَا أَصَابَتْهُ فِي عِزَّتِي عِنْدَهُ وَفِي مَنْزِلَتِي لَدَيْهِ؟
أَلَهَا مَسِيسٌ بِحُكْمِهِ حَيْثُ يَصْغُرُ الْآنَ مَا كَانَ جَلِيلًا عِنْدَهُ قَبْلَ
الْآنَ؟
إِنَّ رِوَاءَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ شَفَّافًا رَقِيقًا إِنَّمَا هُوَ دَرَّةُ
الرَّضَاعِ
الَّتِي يَتَرَبَّى عَلَيْهَا الْحُبُّ وَهْوَ صَغِيرٌ فِي مَهْدِهِ
وَلَكِنَّ حُبَّنَا قَدْ نَمَا وَكَبُرَ، فَهْوَ قَادِرٌ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ
الْخَشِنِ
الَّذِي لَا يُسِيغُهُ رُضَعَاءُ الْغَرَامِ.
رجلٌ للزَّمان [عبد العزيز بن زرارة الكلابي]٤٠
مَا سُدَّ مُطَّلَعٌ يُخْشَى الْهَلَاكُ بِهِ
إِلَّا وَجَدْتُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُطَّلَعَا
لَا يَمْلَأُ الْهَوْلُ قَلْبِي قَبْلَ مَوْقِعِهِ
وَلَا يَضِيقُ لَهُ صَدْرِي إِذَا وَقَعَا
مفردات الشريف الرضي٤١
النَّاسُ إِمَّا قَانِعٌ أَوْ طَالِبٌ
لَا يَنْتَهِي، أَوْ رَاغِبٌ أَوْ رَاهِبُ
•••
عَصَفَ الرَّدَى بِمُحَمَّدٍ وَمُذَمَّمٍ
فَكَأَنَّمَا وَجَدَ الرِّجَالَ سَوَاءَ
•••
وَمَا كُلُّ أَيَّامِ الْمَشِيبِ مَرِيرَةٌ
وَلَا كُلُّ أَيَّامِ الشَّبَابِ عَذَابُ
•••
وَيَجْرِي عَلَى مَنْ مَاتَ دَمْعِي وَمَا لَهُ
بَكَيْتُ، وَلَكِنِّي بَكَيْتُ عَلَى نَفْسِي
•••
رَيُّ الْخُدُودِ مِنَ الْمَدَامِعِ شَاهِدٌ
إِنَّ الْقُلُوبَ مِنَ الْغَلِيلِ صَوَادِ
•••
عَادَاتُ هَذَا النَّاسِ ذَمُّ مُفَضَّلٍ
وَمَلَامُ مِقْدَامٍ، وَعَذْلُ جَوَاءِ
•••
أَرَى رِجَالًا كَبُهْمِ الْقَاعِ عِنْدَهُمُ
سِيَّانِ مَنْ مَذَقَ الْآرَاءَ أَوْ صَرَحَا
•••
خُذْ مِنْ تُرَاثِكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّمَا
شُرَكَاؤُكَ الْأَيَّامُ وَالْوُرَّاثُ
•••
مَا كُلُّ نَسْلِ الْفَتَى تَزْكُو مَغَارِسُهُ
قَدْ يُفْجَعُ الْعُودُ بِالْأَوْرَاقِ وَالثَّمَرِ
•••
الْعَبْدُ أَصْبَرُ جِسْمًا
وَالْحُرُّ أَصْبَرُ قَلْبَا
•••
لَا يُعَابُ الْمُقِلُّ وَهْوَ قَنُوعُ
وَيُعَابُ الْغَنِيُّ وَهْوَ حَرِيصُ
•••
خُذْ مِنْ صَدِيقِكَ مَرْأًى دُونَ مُسْتَمَعٍ
يَا بُعْدَ بَيْنَ عِيَانِ الْمَرْءِ وَالْخَبَرِ
•••
وَالْحُرُّ تُنْهِضُهُ إِمَّا شَجَاعَتُهُ
إِلَى الْمُلِمِّ، وَإِمَّا خَشْيَةُ الْعَارِ
•••
يَقُولُونَ نَمْ فِي هُدْنَةِ الدَّهْرِ آمِنًا
فَقُلْتُ: وَمَنْ لِي أَنْ يُهَادِنَنِي الدَّهْرُ
•••
وَلَا أَفْتَرِي. إِنَّ الشَّبَابَ هُوَ الْغِنَى
وَإِنْ قَلَّ مَالٌ، وَالْمَشِيبَ هُوَ الْفَقْرُ
•••
هَيْهَاتَ يَعْدِلُ فِي قَضِيَّتِهِ
قَمَرٌ يُدِلُّ بِدَوْلَةِ الْحُسْنِ
•••
مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا
تَمْضِي عَلَيْنَا، ثُمَّ تَمْضِي بِنَا
•••
وَإِنَّكَ أَحْلَى فِي جُفُونِي مِنَ الْكَرَى
وَأَعْذَبُ طَعْمًا فِي فُؤَادِي مِنَ الْأَمْنِ
•••
لَمْ يَلْبَسِ الثَّوْبَ مِنْ تَوَقُّعِهِ الْأَ
مْرَ إِلَّا وَظَنَّهُ كَفَنَا
•••
مُعَادَاةَ الرِّجَالِ عَلَى اللَّيَالِي
أُطِيقُ، وَلَا مُدَارَاةَ النِّسَاءِ
•••
وَإِنِّي عَلَى شَغَفِي بِالْوَقَارِ
أَحِنُّ إِلَى خَطَرَاتِ الصِّبَا
•••
فَاتَنِي أَنْ أَرَى الدِّيَارَ بِطَرْفِي
فَلَعلِّي أَرَى الدِّيَارَ بِسَمْعِي
•••
قَدْ كُنْتُ أُجْزِيكَ الصُّدُودَ بِمِثْلِهِ
لَوْ أَنَّ قَلْبَكَ كَانَ بَيْنَ ضُلُوعِي
•••
السَّيْفُ إِنْ مَرَّ عَلَى هَامَةٍ
رَوَّعَهَا، إِنْ هُوَ لَمْ يَقْطَعِ
•••
وَكَانَ الْغُبْنُ لَوْ ذَلُّوا وَنَالُوا
فَكَيْفَ إِذَنْ وَقَدْ ذَلُّوا وَخَابُوا
•••
إِذَا قَلَّ مَالِي قَلَّ صَحْبِي وَإِنْ نَمَا
فَلِي منْ جَمِيعِ النَّاسِ أَهْلٌ وَمَرْحَبُ
•••
وَمَنْ ضَاقَتِ الْأَرْضُ عَنْ هَمِّهِ
حَرٍ أَنْ يَضِيقَ بِهِ مَضْجَعُ
•••
إِذَا لَمْ أَنَلْ مِنْ بَلْدَةٍ مَا أُرِيدُهُ
فَمَا سَرَّنِي أَنَّ الْبِلَادَ رِحَابُ
•••
وَإِذَا ظَفِرْتُ مِنَ الْمَنَاقِبِ بِالْمُنَى
أَهْوَنْتُ بِالْأَرْزَاقِ وَالْأَقْسَامِ
•••
وَأَيْنَ نَحُورُ عَنْ طُرُقِ الْمَنَايَا
وَفِي أَيْدِي الرَّدَى طَرَفُ الزِّمَامِ
•••
مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي جَمِيعَ فَضْلِي
بِسَاعَةٍ مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْجَهْلِ؟
•••
لَا يُصْلِحُ النَّاسَ لِأَرْبَابِهِمْ
غَيْرُ بَيَاضِ السَّيْفِ وَالدِّرْهَمِ
•••
قَدْ يَبْلُغُ الرَّجُلُ الْجَبَانُ بِمَالِهِ
مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ الشُّجَاعُ الْمُعْدِمُ
•••
وَأَكْثَرُ مَنْ شَاوَرْتُهُ غَيْرُ حَازِمٍ
وَأَكْثَرُ مَنْ صَاحَبْتُ غَيْرُ الْمُوَافِقِ
•••
وَلَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ مَنْ أَمْنَحُ الْهَوَى
لَمَا اخْتَرْتُ أَنْ أَهْوَى هَوًى وَمَعِي عَقْلِي
•••
وَأَرَى الْمُعَرِّضَ بِاللَّئِيمِ كَأَنَّهُ
أَعْشَى اللِّحَاظِ يَحُزُّ غَيْرَ الْمِفْصَلِ
•••
أَضَلَّتِ السَّبْعَةُ الْعُلْيَا طَرَائِقُهَا
أَمْ أَخْطَأَتْ نَهْجَهَا، أَمْ سُمِّرَ الْفَلَكُ!
•••
اشْتَرِ الْعِزَّ بِمَا بِيـِ
ـعَ فَمَا الْعِزُّ بِغَالِ
•••
لَا تَجْعَلَنَّ دَلِيلَ الْمَرْءِ صُورَتَهُ
كَمْ مَخْبَرٍ سَمِجٍ عَنْ مَنْظَرٍ حَسَنِ
•••
لَئِنْ آيَسَنِي الصَّدُّ
لَقَدْ أَطْمَعَنِي الدَّلُ
•••
وَمَا تَرَكَ الرِّمَاءَ قُصُورَ بَاعٍ
وَلَكِنْ كَيْ تُرَاشَ لَهُ السِّهَامُ
•••
وَكَيْفَ وُفُورُ الْمَالِ وَالْعِرْضُ وَافِرٌ
وَمَنْ يَخْزُنِ الْأَمْوَالَ يُنْفِقْ مِنَ الْعِرْضِ
•••
وَخَلَائِقُ الدُّنْيَا خَلَائِقُ مُومِسٍ
لِلْمَنْعٍ آوِنَةً وَلِلْإِعْطَاءِ
الحياة نوم مفزع [الشريف الرضي]
يَقُولُونَ: مَاشِ الدَّهْرَ مِنْ حَيْثُ مَا مَشَى
فَكَيْفَ بِمَاشٍ أَسْتَقِيمُ وَيَظْلَعُ؟
٤٢
وَمَا وَاثِقٌ بِالدَّهْرِ إِلَّا كَرَاقِدٍ
عَلَى فَضْلِ ثَوْبِ الظِّلِّ وَالظِّلُّ يُسْرِعُ
وَقَالُوا: تَعَلَّلْ، إِنَّمَا الْعَيْشُ نَوْمَةٌ
تُقَضَّى وَيَمْضِي طَارِقُ الْهَمِّ أَجْمَعُ
وَلَوْ كَانَ نَوْمًا سَاكِنًا لَحَمِدْتُهُ
وَلَكِنَّهُ نَوْمٌ مَرُوعٌ مُفَزِّعُ
سياسة الدنيا [الشريف]
قِفْ مَوْقِفَ الشَّكِّ لَا يَأْسٌ وَلَا طَمَعُ
وَغَالِطِ الْعَيْشِ لَا صَبْرٌ وَلَا جَزَعُ
وَخَادِعِ الْقَلْبَ لَا يُودِ الْغَلِيلُ بِهِ
إِنْ كَانَ قَلْبٌ عَنِ الْمَاضِينَ يَنْخَدِعُ
وَكَاذِبِ النَّفْسَ يَمْتَدَّ الرَّجَاءُ لَهَا
إِنَّ الرَّجَاءَ بِصِدْقِ النَّفْسِ يَنْقَطِعُ
وجوه [الشريف]
صُقِلَتْ نُصُولُ خُدُودِهِمْ بِيَدِ الصِّبَا
مُرْدُ العَوَارِضِ فِي زَمَانٍ أَمْرَدِ
تَسْتَنْبِطُ الْأَلْحَاظُ مَاءَ وُجُوهِهِمْ
فَيَكَادُ يَنْقَعُ مِنْ غَضَارَتِهَا الصَّدِي
صور، أو «رثاء أم» [الشريف]
كَمْ آمِرٍ لِي بِالتَّصَبُّرِ هَاجَ لِي
دَاءً، وَقَدَّرَ أَنَّ ذَاكَ دَوَائِي
آوِي إِلَى بَرْدِ الظِّلَالِ كَأَنَّنِي
لِتَحَرُّقِي آوِي إِلَى الرَّمْضَاءِ
وَأَهُبُّ مِنْ طِيبِ الْمَنَامِ تَفَزُّعًا
فَزَعَ اللَّدِيغِ نَبَا عَنِ الْإِغْفاءِ
لَهَفِي عَلَى الْقَوْمِ الْأُلَى غَادَرْتُهُمْ
وَعَلَيْهِمُ طَبَقٌ مِنَ الْبَيْدَاءِ
مُتَوَسِّدِينَ علَى الْخُدُودِ كَأَنَّهُمْ
كَرَعُوا عَلَى ظَمَإٍ مِنَ الصَّهْباءِ
صُوَرٌ ضَنَنْتُ عَلَى الْعُيُونِ بِلَحْظِهَا
أَمْسَيْتُ أُوقِرُهَا مِنَ الْبَوْغَاءِ
٤٣
وَنَوَاظِرٌ كَحَلَ التُّرَابُ جُفُونَهَا
قَدْ كُنْتُ أَحْرُسُهَا مِنَ الْأَقْذَاءِ
قَرُبَتْ ضَرَائِحُهُمْ عَلَى زُوَّارِهِمْ
وَنَأَوْا عَنِ الطُّلَّابِ أَيَّ تَنَاءِ
وَلَبِئْسَ مَا تَلْقَى بِعُقْرِ دِيَارِهِمْ
أُذُنُ المُصِيخِ بِهَا وَعَينُ الرَّائِي
لَوْ كَانَ يُبْلِغُكِ الصَّفِيحُ رَسَائِلِي
أَوْ كَانَ يُسْمِعُكِ التُّرَابُ نِدَائِي
فَسَمِعْتِ طُولَ تَأَوُّهِي وَتَفَجُّعِي
وَعَلِمْتِ حُسْنَ رِعَايَتِي وَوَفَائِي
كَانَ ارْتِكاضِي فِي حَشَاكِ مُسَبِّبًا
رَكْضَ الْغَلِيلِ عَلَيْكِ فِي أَحْشَائِي
مفتاح الدولة [إنجليزية «من أغاني المرضعات»]
إِلَيْكَ مِفْتَاحُ الدَّوْلَةِ
فِي الدَّوْلَةِ مَدِينَةٌ، وَفِي الْمَدِينَةِ قَرْيَةٌ
وَفِي الْقَرْيَةِ طَرِيقٌ، وَمِنَ الطَّرِيقِ يَلْتَوِي زُقَاقٌ
وَعِنْدَ الزُّقَاقِ فِنَاءٌ، وَفِي ذَلِكَ الْفِنَاءِ دَارٌ
وَتَدُورُ الدَّارُ عَلَى حُجْرَةٍ، وَفِي الْحُجْرَةِ سَرِيرٌ
وَعَلَى السَّرِيرِ سَلَّةٌ مِنْ زَهْرٍ جَمِيلٍ
مِنَ الزَّهْرِ. مِنَ الزَّهْرِ
سَلَّةٌ مِنَ الزَّهْرِ الْجَمِيلِ
•••
زَهْرٌ جَمِيلٌ فِي سَلَّةٍ، وَسَلَّةٌ عَلَى سَرِيرٍ
وَسَرِيرٌ فِي حُجْرَةٍ، وَحُجْرَةٌ فِي دَارٍ
وَدَارٌ فِي زُقَاقٍ، وَزُقَاقٌ فِي طَرِيقٍ عَرِيضٍ
وَطَرِيقٌ عَرِيضٌ فِي قَرْيَةٍ، وَقَرْيَةٌ فِي مَدِينَةٍ عَامِرَةٍ
وَمَدِينَةٌ عَامِرَةٌ فِي دَولَةٍ
إِلَيْكَ مِفْتَاحُ الدَّوْلَةِ
مِنَ الدَّوْلَةِ ذَاكَ هُوَ الْمِفْتَاحُ.
إلى السُّوق أول مرة [هوسمان]٤٤
يَوْمَ أَنْشَأْتُ أَذْهَبُ إِلَى الْأَسْوَاقِ، أَوَائِلَ عَهْدِي
بِالْأَسْوَاقِ
كَانَتِ الدَّرَاهِمُ فِي الْكِيسِ جِدَّ قَلِيلٍ
وَكَمْ طَالَ بِيَ النَّظَرُ، وَكَمْ طَالَ بِيَ الْوُقُوفُ
عَلَى أَشْيَاءَ فِي السُّوقِ لَا تُنَالُ
•••
تَغَيَّرَ الزَّمَنُ الْيَوْمَ، فَلَوْ أَرَدْتُ الشِّرَاءَ لَاشْتَرَيْتُ
هُنَا الدَّرَاهِمُ فِي الْكِيسِ، وَهُنَاكَ أَشْيَاءُ الْأَمْسِ فِي السُّوقِ
وَلَكِنْ أَيْنَ يَا تُرَى ذَلِكَ الْفَتَى الْمَحْرُومُ؟
طَالَمَا شَكَا قَلْبُ الْإِنْسَانِ، لَأَنَّ «اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ،
أَرْبَعَةٌ»
لَا هِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا نَوَدُّهَا حِينًا، وَلَا هِيَ خَمْسَةٌ كَمَا نَوَدُّهَا
بَعْدَ حِينٍ
وَأَحْسَبُهُ سَيَشْكُو إِلَى آخِرِ الْأَزْمَانِ.
مفردات ومثاني للسميسر٤٧
لا يداوي نفسه
حِسِّي صَحِيحٌ وَلَكِنْ
هَوَايَ يُوهِنُ حِسِّي
قَدْ صَحَّ رَأْيي لِغَيْرِي
وَلَمْ يَصِحَّ لِنَفْسِي
برق في ظلام
لَا تَغُرَّنَّكَ الْحَيَا
ةُ فَمَوْجُودُهَا عَدَمْ
لَيْسَ فِي الْبَرْقِ مُتْعَةٌ
لِامْرِئٍ يَخْبِطُ الظُّلَمْ
تصحيف
لَيْسَ يَخْلُو الْمَرْءُ مِنْ هَمْ
بِاكْتِسَابِ اللَّحْمِ وَالدَّمْ
حَيَوَانٌ حَيْرَانُ
صَحِّفُوهُ، فَهْوَ أَقْوَمْ
حصن مهلك
يَبْنِي عَلَى نَفْسِهِ سَفَاهًا
كَأَنَّهُ دُودَةُ الْحَرِيرِ
اللسان!
لَا تُوقِدَنَّ عَدُوًّا
وَأَطْفِهِ بِالتَّوَدُّدْ
فَالنَّارُ بِالْفَمِ تُطْفَى
وَالنَّارُ بالْفَمِ تُوقَدْ
ذلان
الْمَالُ ذُلٌّ وَذُلٌّ
أَلَّا يُرَى لَكَ مَالُ
فَاحْرِصْ كَأَنَّكَ بَاقٍ
فَمَا لِذِي الْفَقْرِ حَالُ
الطب والشريعة
مَا الطِّبُّ لِلدِّينِ إِلَّا
كَالرُّوحِ لِلْجُثْمَانِ
هَلِ الشَّرِيعَةُ إِلَّا
بِصِحَّةِ الْأَبْدَانِ
يبغض الشعراء
إِنِّي أُحِبُّ الشِّعْرَ لَكِنَّنِي
أُبْغِضُ أَهْلَ الشِّعْرِ بِالْفِطْرَهْ
فَلَسْتَ تَلْقَى رَجُلًا شَاعِرًا
إِلَّا وَفِيهِ خَلَّةٌ تُكْرَهْ
إلا جنسًا
تَحَفَّظْ مِنْ ثِيَابِكَ ثُمَّ صُنْهَا
وَإِلَّا سَوْفَ تَلْبَسُهَا حِدَادَا
وَظُنَّ بِسَائِرِ الْأَجْنَاسِ خَيْرًا
وَأَمَّا جِنْسُ آدَمَ فَالْبِعَادَا
في غير الليلة! [لورنس هوب]٤٨
لَا … غَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ!
إِنَّ الْمَطَرَ يَقْطُرُ حَزِينًا وَانِيًا …
عَبَرَاتُ أَسًى تَحْتَ سَمَاءٍ شَجِيَّةٍ
وَعَلَى الْبُعْدِ «ابْنُ آوِي» هَزِيْلٌ خَافِتُ الْعُوَاءِ
يَزِيدُ الْغَسَقَ وَحْشَةً وَعُزْلَةً
•••
النَّهْرُ الدَّافِقُ يَتَقَدَّمُ إِلَى الْبَحْرِ بِهَمْهَمَةِ الشَّكْوَى
وَالظِّلَالُ تَأْوِي إِلَيْهَا الْوَسَاوِسَ الْخَفِيَّةَ
وَعَيْنَايَ تَرْنُوَانِ نَحْوَ عَيْنَيْكِ، ابْتِغَاءَ عَزَاءٍ
فَتَلْقَاهُمَا الْأَهْدَابُ مُبَلَّلَةً بِالدُّمُوعِ
•••
إِنَّ الرُّوحَ الْهَائِمَةَ عَلَى أَعْتَابِ الدُّنْيَا تَسْتَجِدُّ فِيهَا
جُثْمَانَهَا
إِنْ دَخَلَتْ مِنْ خِلَالِ قُبُلَاتِنَا إِلَى حَظِيرَةِ الْحَيَاةِ
وَرِثَتْ كُلَّ مَا في قُلُوبِنَا مِنْ أَسًى
وَكُلَّ مَا فِي الْمَطَرِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ شَجَنٍ مَكْظُومٍ
•••
لَا. حِينَ تَشْتَهِي اسْتِجَابَةَ الْحُبِّ الْكُبْرَى
أَقْبِلْ إِلَيَّ وَالصَّبَاحُ يَرْتَعُ فِي الْأَنْوَارِ
وَالْبَلَابِلُ مِنْ حَوْلِنَا مَشُوقَةٌ تَصْدَحُ بِالْغِنَاءِ
بَيْنَ الْوُرُودِ مِنْ حُمُرٍ وَبِيضٍ
•••
وَكَذَاكَ حَيْثُ يَقْضِي اللَّهُ لِي تِلْكَ الْفَرِيضَةَ الْحُلْوَةَ
الْقُدْسِيَّةَ
مُذْعِنَةً لِمَشِيئَتِهِ الْإِلَهِيَّةِ
كَيْ أَمْنَحَ الدُّنْيَا صُورَةً مِنْ جَمَالِكَ
لَأُسَلِّمَنَّهَا إِذَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَمَعَهَا فَرَحِي فِيكَ
•••
لَيْسَ بِي يَا حَبِيبِي أَنْ أَكْتُمَكَ أَمْرًا
أَلَسْتَ وَشِيكًا أَنْ تَلْمَسَ الْخِدَاعَ فِي ذَلِكَ الْعِنَاقِ؟
آهٍ. عَلَى هَذَا لَا قِبَلَ لِي بِنَأْيِكَ. فَلَا تَنْصَرِفْ عَنِّي
إِنَّ رُوحِي تَهَبُ لَكَ عُزْلَتَهَا، فَاقْتَسِمْهَا وَخُذْ نَصِيبَكَ مِنْهَا
•••
دَعْ شُعَاعَ النُّجُومِ حِينَ يَتَفَرَّقُ السَّحَابُ الْوَئِيدُ
يُفَضْفِضُ مُحَيَّاكَ فِي تَمَامِهِ
إِنَّهُمْ لَلْقِدِّيسُونَ مَنْ لَهُمْ نَظَائِرُ تِلْكَ الْوُجُوهِ
عَجَبِي لِهَذَا الْوَجْهِ … يَنْشُدُ فِي فُؤَادِي مَلَاذَهُ وَمَأْوَاهُ.
فن التوليد [تيوجنيس]٤٩
الْحَمَلُ، وَالْحِمَارُ، وَالْحِصَانُ … كُلُّهَا يَا صَدِيقِي كِيرْنُوسُ
خَلَائِقُ نُعْنَى بِهَا، وَنَخْتَارُ لَهَا الْأَزْوَاجَ الْأَصَائِلَ
صِيَانَةً لِذُرِّيَّتِهَا
لَكِنَّ الرِّجَالَ يَا صَدِيقِي لَا يَسْأَلُونَ
وَلَا يَتَّقُونَ «خَضْرَاءَ الدِّمَنِ» مِنْ أَجْلٍ الْمَالِ
وَكَذَلِكَ كَرَائِمُ النِّسَاءِ يَبْذُلْنَ أَنْفُسَهُنَّ
وَيُؤْثِرْنَ الْأَغْنَى عَلَى الْأَفْضَلِ الْأَذْكَى مِنَ الرِّجَالِ
الْمَالُ. الْمَالُ … هُوَ الصَّيْحَةُ مِنْ كُلِّ سَبِيلٍ
فَكَمْ خَلَطَ الْمَالُ مِنْ عِرْقٍ كَرِيمٍ بِعِرْقٍ لَئِيمٍ، وَعِرْقٍ لَئِيمٍ
بِعِرْقٍ كَرِيمٍ
حَتَّى شِيبَتْ نَقَاوَةُ الدُّنْيَا جَمِيعًا
فَلَا جَرَمَ تَسَفُّلُ سُلَالَةِ الْقَوْمِ الْعَلِيَّةِ
فَهْيَ مَعْدَنٌ مَزْغُولٌ مُنْطَفِئُ الْبَرِيقِ.
يصلي بشرط! [أَبو الحسن الأفريقي]٥٠
تَلُومُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ حَلِيلَتِي
فَقُلْتُ: اغْرُبِي عَنْ نَاظِرِي. أَنْتِ طَالِقُ!
فَوَاللهِ، لَا صَلَّيْتُ لِلهِ مُفْلِسًا …
يُصَلِّي لَهُ الشَّيْخُ الْجَلِيلُ وَفَائِقُ
وَنَاشٌ، وَبِكْتَاشٌ، وَكِنْبَاشُ بَعْدَهُ
وَنَصْرُ بْنُ مُلْكٍ، وَالشُّيُوخُ الْبَطَارِقُ
وَصَاحِبُ جَيْشِ الْمَشْرِقَيْنِ الَّذِي لَهُ
سَرَادِيبُ مَالٍ حَشْوُهَا مُتَضَايِقُ
لِمَاذَا أُصَلِّي؟ أَيْنَ بَاعِي وَمَنْزِلِي
وَأَيْنَ خُيُولِي؟ وَالْحُلَى وَالْمَنَاطِقُ؟
وَأَيْنَ عَبِيدِي كَالْبُدُورِ وُجُوهُهُمْ
وَأَيْنَ جَوَارِيَّ الْحِسَانُ الْعَوَاتِقُ
أُصَلِّي وَلَا فِترٌ مِنَ الْأَرْضِ فِي يَدِي
وَلَا فِي رَجَائِي، إِنَّنِي لَمُنَافِقُ!
في رثاء ركن الدولة [أَبو بكر الخوارزمي]
طَوَى الْحَسَنَ بْنَ بُوَيْهِ الرَّدَى
أَيَدْرِي الرَّدَى أَيَّ جَيْشٍ هَزَمْ
طَوِيلُ الْقَنَاةِ، قَصِيرُ الْعِدَاتِ
ذَمِيمُ الْعُدَاةِ، حَمِيدُ الشِّيَمْ
فَصِيحُ اللِّسَانِ، بَدِيعُ الْبَنَانِ
رَفِيعُ السِّنَانِ، سَرِيعُ الْقَلَمْ
يَكِيلُ الرِّجَالَ بِأَقْدَارِهَا
وَيَرْعَى الْبُيُوتَاتِ رَعْيَ الْحُرَمْ
جَوَادٌ عَلَيْهِمْ، بَخِيلٌ بِهِمْ
إِذَا سَاءَ خَصَّ، وَإِن سَرَّ عَمْ
إِذَا كَانَ يُبْكِي الْوَرَى بِالدُّمُوعِ
وَيُبْكَى بِهِنَّ؟ فَأَيْنَ الْقِيَمْ؟
القاهرة قبل ألف سنة [إبراهيم بن القاسم]٥١
هَلِ الرِّيحُ إِنْ سَارَتْ مُشَرِّقَةً تَسْرِي
مُؤَدِّيَةً عَنِّي السَّلَامَ إِلَى مِصْرِ؟
فَمَا خَطَرَتْ إِلَّا بَكَيْتُ صَبَابَةً
وَحَمَّلْتُهَا مَا ضَاقَ عَنْ حَمْلِهِ صَدْرِي
وَمَا أَنْسَ مِنْ شَيْءٍ خَلَا الْعَهْدُ دُونَهُ
فَلَيْسَ بِخَالٍ مِنْ ضَمِيرِي وَلَا فِكْرِي
لَيَالٍ أَنِسْنَاهَا عَلَى غِرَّةِ الصِّبَا
فَطَابَتْ لَنَا، إِذْ وَافَقَتْ غُرَّةَ الدَّهْرِ
لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ قِصَارًا أَعُدُّهَا
فَلَسْتُ بِمُعْتدٍّ سِوَاهَا مِنَ الْعُمْرِ
فَكَمْ لِيَ بِالْأَهْرَامِ أَوْ دِيرِ «نُهْيَةٍ»
مَصَائِدُ غِزْلَانٍ هُنَالِكَ فِي الْقَفْرِ
إِلَى الْجِيزَةِ الدُّنْيَا وَمَا قَدْ تَضَمَّنَتْ
جَزِيرَتُهَا ذَاتُ الْمَوَاخِيرِ وَالْجِسْرِ
وَبِالْمَقْسِ فَالْبُسْتَانِ لِلْعَيْنِ مَنْظَرٌ
أَنِيقٌ إِلَى شَطِّ الْخَلِيجِ، إِلَى الْقَصْرِ
وَكَمْ بَيْنَ بُسْتَانِ الْأَمِيرِ وَقَصْرِهِ
إِلَى الْبِرْكَةِ الزَّهْرَاءِ مِنْ زَهَرٍ نَضْرِ
نَرَاهَا كَمِرْآةٍ بَدَتْ فِي رَفارِفٍ
مِنَ السُّنْدُسِ الْمَوْشِيِّ يُنشَرُ لِلتَّجْرِ
وَكَمْ بِتُّ فِي دَيْرِ الْقَصِيرِ مُوَاصِلًا
نَهَارِي بِلَيْلِي لَا أُفيقُ مِنَ السُّكْرِ
تُبَادِرُنِي بِالرَّاحِ بِكْرٌ غَرِيرَةٌ
إِذَا هَتَفَ النَّاقُوسُ فِي غُرَّةِ الْفَجْرِ
وَكَمْ لَيْلَةٍ لِي بِالْقَرَافَةِ خِلْتُهَا
لِمَا نِلْتُ مِنْ لَذَّاتِهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ
سَقَى اللهُ صَوْبَ الْقَصْرِ تِلْكَ مَغَانِيًا
وَإِنْ غَنِيَتْ بِالنِّيلِ عَنْ سُبُلِ الْقَطْرِ
ثوب رديد [توماس هاردي]٥٢
هَا هِيَ ذِي مُعَلَّقَةٌ فِي ضِيَاءِ النَّهَارِ عَلَى بَابِ دُكَّانِ
الرُّهُونِ
كِسْوَةٌ قَدْ سَامَتِ اللَّهْوَ سَوْمَهُ، وَعَمِلَتْ عَمَلَهَا فِيمَا مَضَى
وَعَلَى سِيمَاهَا دَلَالَاتُ الْخِبْرَةِ بِمَكَاسِرِ الرَّقْصِ وَمَثَانِيهِ
فَمَاذَا رَأَتْ لَعَلَّهَا؟ وَمَا هِيَ قَائِلَةٌ عَسَاهَا؟ لَوْ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ
الْمَقَالَ
•••
عَلَى الْكُمِّ مَا تَزَالُ غَبَرَةٌ مِنْ مَسَاحِيقَ، مَمْسُوحَةٌ بِالذِّرَاعِ
فِي سَاعَةٍ هَامَ هُيَامَ الْحَسْنَاءِ، وَعَلَتْ طِبَاقَهَا مَعَ
الْأَنْغَامِ!
وَسَرَتْ فِي مَحَاسِنِهَا الْحَيَاةُ، أَوْ فِي مَحَاسِنِهِنَّ عَلَى
الْأَحْرَى
وَكَائِنٌ هُنَاكَ مِنْ طَلْعَةٍ مَلِيحَةٍ قَدِ اسْتَنَدَتْ إِلَيْهَا لَا
مِرَاءَ
وَقَدْ أَبْقَتْ ثَمَّةَ بَقَايَاهَا الْوَاشِيَةِ، وَهْوَ يُمْعِنْ بِهِنَّ فِي
الدَّوَرَانِ
•••
تَفْصِيلُهَا وَلَا نُكْرَانَ نَمَطٌ كَأَنَّهُ غَيْرُ حَدِيثٍ، وَأَنْتَ
تَتَأَمَّلُهَا مِنْ قَرِيبٍ
فَهْيَ قَدْ طَالَ عَلَيْهَا الْعَهْدُ بِالْمَرَاقِصِ وَالسَّهَرَاتِ
لَكِنَّهَا عَلَى الْعِلَّاتِ قَدْ تَلَقَّتْ فِي أَحْضَانِهَا شَرِيكَاتٍ
أَنِيقَاتٍ
طَالَمَا جَاوَبْنَ لَابِسَ الْكِسْوَةِ بِالتَّأْمِينِ، مِنْ لِسَانٍ عَذْبٍ
حَنُونٍ
•••
أَيْنَ السَّيِّدُ الْآنَ وَا أَسَفَاهُ؟
السَّيِّدُ الَّذِي تَجَمَّلَ بِهَذَا الْكِسَاءِ
وَأَيْنَ السَّيِّدَاتُ؟ وَأَيْنَ الزَّمِيلَاتُ؟
مَا مِنْ أَحَدٍ يَقُولُ: فَلِسَانُ الْوِشَايِةِ هُنَا كَتُومٌ
مِنْهُنَّ مَنْ نَسِيَتْ فَلَا يَمُرُّ لَهَا عَلَى بَالٍ — أُولَئِكَ الَّلاتي
غَبَّرْنَ كُمَّيْهِ!
وَمِنْهُنَّ مَنْ عَلَى بَالِهَا لَيْلَةٌ هُوْجَاءُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ
تَذْكُرُهَا وَلَهَا حَسَرَاتٌ!
طفلان [هارولد منرو]٥٣
خَرَجَ الطِّفْلُ الْمُقَدَّسُ مِنْ جَانِبِ أُمِّهِ فِي بَرْدِ النَّهَارِ
يَعْدُو عَلَى حُقُولٍ جَفَّتْ مِنْ وَهَجِ الشَّمْسِ، وَبَيْنَ شَجَرَاتٍ مِنَ
الزَّيْتُونِ
يَلْتَمِعْنَ زَاهِيَاتٍ مُورِقَاتٍ، بَيْنَ الْخَضْرَاءِ مِنْهُنَّ
وَالشَّهْبَاءِ
•••
لَا رِكْزَ وَلَا نَغَمَ
وَلَا هَمْسَةً مِنْ رَقْرَقَةِ جَدْوَلٍ يَجْرِي
فَوَا رَحْمَتَا لِلطِّفْلِ الْبَرِيءِ! وَدَّ لَوْ لَعِبَ وَغَنَّى
وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَحْلُمَ وَيَتَنَهَّدَ
•••
وَعَلَى حِينِ غِرَّةٍ
أَقْبَلَ عَارِيًا فِي عَقَائِصِ شَعْرِهِ
عَدْوًا، عَدْوًا، مِنْ بَعِيدٍ …
ذَلِكَ الخَبِيثُ مِنْ نَسْلِ الدُّنْيَا الشَّهِيَّةِ
ذَلِكَ الطِّفْلُ الْجَمِيلُ، الَّذِي وَلَدَتْهُ عَذْرَاءُ أُخْرَى
هِيَ الزُّهَرَةُ … «رَبَّةُ الْهَوَى وَالْجَمَالِ»
•••
نَظَرَ الطِّفْلُ الْمُقَدَّسُ إِلَيْهِ!
بِالْعَيْنَيْنِ الزَّرْقَاوَيْنِ الْمَحْزُونَتَيْنِ، وَمَا بِهِمَا مِنْ
خَفَاءٍ
فَوَقَفَ «كُوبِيدُ» الْوَقَاحُ يَلْهَثُ تَعَبًا
وَفِي يَدِهِ الْقَوْسُ يُومِئُ بِهَا، وَالسَّهْمُ يَقْبِضُ عَلَيْهِ
•••
وَهَتَفَ هَاتِفٌ: هَلُمَّ عِيسَى! … أَلَكَ فِي اللَّعِبِ؟
إِلَيْهِ إِلَيْهِ … لِتَفْعَمَ بِالْفَرْحَةِ صُدُورُنَا
أَلَا تَرَاهُ فِي الْقَدَاسَةِ نِدًّا؟ أَخَائِفٌ أَنْتَ مِنْ قَوْسِهِ
وَسِهَامِهِ؟
أَيُّهَا الطِّفْلُ الْحَالِمُ الْجَمِيلُ؟
•••
ثُمَّ تَقَابَلَا …
كِلَاهُمَا يَنْظُرُ إِلَى صَاحِبِهِ نَظْرَةً طَوِيلَةً خَجْلَى
… وَالصِّبَا الْتَقَى بِالصِّبَا فِي سَاحَةِ الْغَابِ
وَلَكِنَّ الْقَدَاسَةَ لَا تَحِيدُ عَنْ سُنَّةِ الْحُزْنِ الدَّفِينَ
•••
وَمَضَتْ هُنَيْهَةٌ …!
فَانْطَلَقَ سَهْمٌ مِنْ قَوْسِ كُوبِيدِ
وَابْتَسَمَتِ الدُّنْيَا الْحَزِينَةُ لَحْظَةً
وَإِذَا السَّهْمُ يَنْفُذُ فِي الْبَشَرَةِ الْبَيْضَاءِ
وَإِذَا الدَّمُ يَقْطُرُ مِنَ الْقَلْبِ الْجَرِيحِ
•••
وَمَرِحَ كُوبِيدُ! …
وَنَفَضَ حَلَقَاتِ شَعْرِهِ وَتَدَانَى
وَإِذَا الطِّفْلُ الَّذِي وُلِدَ لِلْعَذَابِ
قَدْ فَاضَتْ عَلَى خَدِّهِ دَمْعَةُ إِشْفَاقٍ مَرْهُوبَةٍ
لِشَقَاءِ الْحَيَاةِ
•••
أَذَاكَ حُلْمٌ مُرَوِّعٌ؟ أَتِلْكَ غَاشِيَةٌ دَاجِيَةٌ؟
إِنَّ كُوبِيدَ لَيُسْلِمُ عِيسَى سِهَامَهُ يَتَفَرَّجُ بِهَا
وَيُعَالِجُهَا فِي يَدَيْهِ
وَإِنَّهُ لَيَنْزِلُ لَهُ عَنْ قَوْسِهِ لَعِبًا
وَلَكِنَّ عِيسَى يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ بَاكِيًا
وَيَظَلُّ «كُوبِيدُ» يَعْجَبُ، وَلَا يَدْرِي!
كلمات «ورد غطائها»! [صفي الدين الحلي]٥٤
قَالَتْ: كَحَلْتَ الْجُفُونَ بالْوَسَنِ
قُلْتُ: ارْتِقَابًا لِطَيْفِكِ الْحَسَنِ
قَالَتْ: تَسَلَّيْتَ بَعْدَ فُرْقَتِنَا
فَقُلْتُ: عَنْ مَسْكَنِي وَعَنْ سَكَنِي
قَالَتْ: تَشَاغَلْتَ عَنْ مَحَبَّتِنَا
قُلْتُ: نَعَمْ، بِالْبُكَاءِ وَالْحَزَنِ!
قَالَتْ: تَخَلَّيْتَ؛ قُلْتُ: عَنْ جَلَدِي
قَالَتْ: تَغَيَّرْتَ؛ قُلْتُ: فِي بَدَنِي
قَالَتْ: أَذَعْتَ الْأَسْرَارَ؛ قُلْتُ لَهَا:
صَيَّرَ سِرِّي هَوَاكِ كَالْعَلَنِ
قَالَتْ: سَرَرْتَ الْأَعْدَاءَ. قُلْتُ لَهَا:
ذَلِكَ شَيْءٌ لَوْ شِئْتُ لَمْ يَكُنِ
قَالَتْ: فَمَاذَا تَرُومُ؟ قُلْتُ لَهَا:
سَاعَةَ سَعْدٍ بِالْوَصْلِ تُسْعِدُنِي
ليل طويل [سيسيليا ميرلس]٥٥
طَالَ اللَّيْلُ، وَهَدَأَ الْقَمَرُ، وَهَبَطَ الْمَدُّ، وَبَرَدَتِ
الْجُدْرَانُ
فَامْضِ. وَامْضِ، وَسِرْ حَيْثُ تَرْمِي بِكَ قَدَمَاكَ
فَمَا بِالشَّاعِرِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى مَأْوًى!
•••
جَاوَزَتَ الْبَابَ الْأَخِيرَ، وَبَرَزَتَ إِلَى الْفَرَاغِ الَّذِي لَا شَيْءَ
فِيهِ
تَقَدَّمْ. تَقَدَّمْ، وَاخْبِطْ فِي جَوْفِ الظَّلَامِ
فَمَا بِالشَّاعِرِ فِي اللَّيْلَةِ السَّاجِيَةِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى رُقَادٍ
•••
تَقَدَّمْ وَافْقِدْ خُطُوَاتِكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ. إِنَّهُ هُوَ مِثْلُكَ
مَفْقُودٌ
فَمَا بِالشَّاعِرِ بَيْنَ يَدَيِ الْفَضَاءِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى حَيَاةٍ
•••
تَقَدَّمْ، وَسِرْ، مَا شَاءَ لِلَّيْلِ أَنْ يُخْلَقَ لِلسَّيْرِ فِيهِ
فَالشَّاعِرُ — وَلَا مُبَالَاةَ عِنْدَهُ — إِنَّمَا يَسِيرُ لِيَسِيرِ
وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ.
مرض يستجمل
مَاذَا يُرِيدُ السَّقَامُ مِنْ قَمَرٍ
كُلُّ جَمَالٍ لِوَجْهِهِ تَبَعُ
مَا يَرْتَجِي؟ خَابَ! مِنْ مَحَاسِنِهَا
أَمَا لَهُ فِي الْقِبَاحِ مُتَّسَعُ؟
غَيَّرَ مِنْ لَوْنِهَا وَصَفَّرَهَا
فَارْتَدَّ فِيهِ الْجَمَالُ وَالْبِدَعُ
لَوْ كَانَ يَبْغِي الْفِدَاءَ قُلْتُ لَهُ:
هَا أَنا دُونَ الْحَبِيبِ يَا وَجَعُ
نومة قاتلة [سحيم]٥٦
وَهَبَّتْ شَمَالٌ آخِرَ اللَّيْلِ قَرَّةٌ
وَلَا ثَوْبَ إِلَّا بُرْدُهَا وَرِدَائِيَا
تُوَسِّدُنِي كَفًّا وَتَحْنُو بِمِعْصَمٍ
عَلَيَّ، وَتُلْقِي رِجْلَهَا مِنْ وَرَائِيَا
وَمَا زَالَ بُرْدِي طَيِّبًا مِنْ ثِيَابِهَا
إِلَى الْحَوْلِ حَتَّى أَنْهَجَ الثَّوبُ بَالِيَا
صداقة سهلة [أَحمد بن محمد اليزيدي]٥٧
إِنِّي امْرُؤٌ أَعْذُرُ إِخْوَانِي
فِي تَرْكِهِمْ بِرِّي وَعِرْفَانِي
لَأَنَّنِي لَا لَهْوَ عِنْدِي وَلَا
لِيَ الْيَوْمَ جَاهٌ عِنْدَ سُلْطَانِ
وَأَكْثَرُ الْإِخْوَانِ فِي دَهْرنَا
أَصْحَابُ تَمْيِيزٍ وَرُجْحَانِ
فَمَنْ أَتَانِي مُنْعِمًا مُفْضِلًا
فَشُكْرُهُ عِندِيَ شُكْرَانِ
وَمَنْ جَفانِيَ لَمْ يَكُنْ لَوْمُهُ
دَأْبِي، وَلَا تَعْنِيفُهُ شَانِي
أَعْفُو عَنِ السَّيِّيءِ مِنْ فِعْلِهِمْ
وَأُتْبِعُ الْحُسْنَى بإِحْسَانِ
حَسْبُ صَدِيقِي أَنَّهُ وَاثِقٌ
مِنِّي بِإِسْرَارِي وَإِعْلَانِي
خلائق رجل [هدبة بن الخشرم]٥٨
وَمَا أَتَصَدَّى لِلْخَلِيلِ وَلَا أُرَى
مُرِيدًا غِنَى ذِي الثَّرْوَةِ الْمُتَقَطِّبِ
وَمَا أَتْبَعُ الْأَلْوَى الْمُدِلَّ بِوُدِّهِ
عَلَيَّ، وَلَا أَنْأَى عَنِ الْمُتَقَرِّبِ
وَلَسْتُ بِبَاغِي الشَّرِّ وَالشَّرُّ تَارِكِي
وَلَكِنْ مَتَى أَحْمِلْ عَلَى الشَّرِّ أَرْكَبِ
وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْرُ سَرَّنِي
وَلَا جَازِعٍ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ
لا صديق لميت [مجهول «ووُجد البيتان على قبرٍ بالمدينة»]
يَا مُفْرَدًا سَكَنَ الثَّرَى وَبَقِيتُ
لَوْ كُنْتُ أَصْدَقَ إِذْ بَلِيتَ بَلِيتُ
الْحَيُّ يَكْذِبُ. لَا صَدِيقَ لِمَيِّتٍ
لَوْ صَحَّ ذَاكَ، وَمِتَّ، كُنْتُ أَمُوتُ
رثاء أخ محسن [أَبو العتاهية]٥٩
لَقَدْ كُنْتُ أَغْدُو إِلَى قَصْرِهِ
فَقَدْ صِرْتُ أَغْدُو إِلَى قَبْرِهِ
أَخٌ طَالَمَا سَرَّنِي ذِكْرُهُ
فَقَدْ صِرْتُ أُشْجَى لَدَى ذِكْرِهِ
وَكُنْتُ أَرَانِي غَنِيًّا بِهِ
عَنِ النَّاسِ لَوْ مُدَّ فِي عُمُرِهِ
وَكُنْتُ إِذَا جِئْتُ فِي حَاجَةٍ
فَأَمْرِي يَجُوزُ عَلَى أَمْرِهِ
فَتًى لَمْ يَمَلَّ النَّدَى سَاعَةً
عَلَى عُسْرِهِ، كَانَ، أَوْ يُسْرِهِ
تَظَلُّ نَهَارَكَ فِي خَيْرِهِ
وَتَأْمَنُ لَيْلَكَ مِنْ شَرِّهِ
أَتَتْهُ الْمَنِيَّةُ مُغْتَالَةً
رُوَيْدًا تَخَلَّلُ مِنْ سِتْرِهِ
فَلَمْ تُغْنِ أَجْنَادُهُ حَوْلَهُ
وَلَا الْمُزْمِعُونَ عَلَى نَصْرِهِ
وَبُدِّلَ بِالفُرْشِ بُسْطَ الثَّرَى
وَطِيبَ نَدَى الْأَرْضِ مِنْ عِطْرِهِ
وَأَصْبَحَ يُهْدَى إِلَى مَنْزِلٍ
عَمِيقٍ يَجِدُّونَ فِي حَفْرِهِ
أَشَدُّ الْجَمَاعَةِ وَجْدًا بِهِ
أَشَدُّ الْجَمَاعَةِ فِي طَمْرِهِ
فَلَسْتُ أُشَيِّعُهُ غَازِيًا
أَمِيرًا يَسِيرُ إِلَى ثَغْرِهِ
وَلَا مُتَلَقِّيَهُ قَافِلًا
بِقَهْرِ عَدُوٍّ وَلَا أَسْرِهِ
وَتُطْرِيهِ آلَاؤهُ الْبَاقِيَاتُ
لَدَيْنَا إِذَا نَحْنُ لَمْ نُطْرِهِ
فَلَا يَبْعُدَنَّ أَخِي ثَاوِيًا
فَكُلٌّ سَيَمْضِي عَلَى إِثْرِهِ
اعتذار هاجر [محمد بن يسير البصري]٦٠
مَا تَصْنَعِينَ بِعَيْنٍ عَنْكِ طَامِحَةٍ
إِلَى سِوَاكِ، وَقَلْبٍ مِنْكِ قَدْ نُزِعَا
إِنْ قُلْتِ: كُنْتُ عَلَى وُدٍّ وَتَكْرِمَةٍ
فَقَدْ صَدَقْتِ، وَلَكِنْ ذَاكَ قَدْ مُنِعَا
وَأَيُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمِعْتَ بِهِ،
إِلَّا إِذَا صَارَ فِي غَايَاتِهِ، انْقَطَعَا
حب كلي [إبراهيم بن المهدي]٦١
لَمْ يُنْسِنِيكِ سُرُورٌ، لَا وَلَا حَزَنٌ
وَكَيْفَ يُنْسَى لَعَمْرِي وَجْهُكِ الْحَسَنُ؟
وَمَا خَلَا مِنْكِ قَلْبٌ لِي وَلَا بَدَنٌ،
كُلِّي بِكُلِّكِ مَشْغُولٌ وَمُرْتَهَنُ
نُورٌ تَجَسَّمَ مِنْ شَمْسٍ وَمِنْ قَمَرٍ
حَتَّى تَكَامَلَ مِنْهُ الرُّوحُ وَالْبَدَنُ!
الزمن [حاتم الطائي]٦٢
هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا الْيَوْمُ وَالْأَمْسُ وَالْغَدُ؟
كَذَاكَ الزَّمَانُ بَيْنَنَا يَتَرَدَّدُ
يَرُدُّ عَلَيْنَا لَيْلَةً بَعْدَ يَوْمِهَا،
فَلَا عُمْرُنَا بَاقٍ وَلَا الدَّهْرُ يَنْفَدُ
يوم الحشر
في وليمة … [الحسين بن الحسن الواساني]٦٣
ضُرِبَ الْبُوقُ فِي دِمَشْقَ وَنَادَوْا
لِشَقَائِي فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ
النَّفِيرَ! النَّفِيرَ! بِالْخَيْلِ وَالرَّجـْ
ـلِ إِلَى دَارِ ذَا الْفَتَى «الْوَاسَانِي»
جَمَعُوا لِي الْجُمُوعَ مِنْ جِيلِ جِيلَا
نَ، وَفَرْغَانَةَ، وَمِنْ دَيْلَمَانِ
وَمِنَ الرُّومِ وَالصَّقَالِبِ وَالتُّرْ
كِ وَبَعْضِ الْبُلْغَارِ وَالْيُونَانِ
وَمِنَ الْهِنْدِ والْأَعَاجِمِ وَالْبَرْ
بَرِ وَالْكَيْلَجُوجِ
٦٤ وَالْبَلْقَانِ
لَمْ يُحَاشُوا مِمَّنْ عَدَدْتُ مِنَ الْآ
فَاقِ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا نَصْرَانِي
وَالْبَوَادِي مِنَ الْحِجَازِ إِلَى نَجـْ
ـدٍ، مَعَدِّيِّهَا مَعَ الْقَحْطَانِي
كُلِّ شَكْلٍ، مَا بَيْنَ حُدْبٍ وَحُولٍ
وَمِنَ الْعُمْيِ أَوْ مِنَ الْعُورَانِ
وَشُيوخٍ قُبِّ الْبُطُونِ وَشُبَّا
نٍ رِحَابِ الْأَشْدَاقِ وَالْمُصْرَانِ
كُلِّ ذِي اسْمٍ مُسْتَغْرَبٍ أَعْجَمِيٍّ
مَنَعَتْ صَرْفَ إِسْمِهِ عِلَّتَانِ
كَمِرَنْدَ، وَطَغَتْكِينَ، وَطَرْخَا
نَ، وَكِسْرَى، وَخُرَّمٍ، وَطَغَانِي
وَخُمَارٍ، وَزَيْزَكٍ، وَخَوَنْدٍ
وَمَمِيشٍ، وَطَشْلَمٍ، وَجَوَانِ
وَطِرَادٍ، وَجَهْبَلٍ، وَزِيَادٍ
وَشِهَابٍ وَعَامِرٍ وَسِنَانِ
غُبَّرٍ جُمِّعُوا بِغَيْرِ عُقُولٍ
وَازِعَاتٍ عَنِّي، وَلَا أَدْيَانِ
هَلْ سَمِعْتُمْ بِمَعْشَرٍ جَمَعُوا الْخَيـْ
ـلَ وَسَارُوا بِالرَّجْلِ وَالفُرْسَانِ
رَحَلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ لَيْلَةَ «الْمَرْ
فَعِ»
٦٥ مِنْ أَجْلِ أَكْلَةٍ مَجَّانِ
شَرَهٌ بَارِدٌ وَحِرْصٌ عَلَى الْأَكـْ
ـلِ، فَوَيْلِي مِنْ مَعشَرٍ مُجَّانِ
لَسْتُ أَنْسَى مُصِيبَتِي يَوْمَ جَاءُو
نِي، وَقَدْ ضَاقَ عَنْهُمُ الْوَادِيانِ
وَرَدُوا لَيْلَةَ الْخَمِيسِ عَلَيْنَا
فِي خَمِيسٍ مِلْءِ الرُّبَى وَالْمَغَانِي
مُتَوَالٍ، كَالسَّيْلِ، لَا يَلْتَقِي مِنـْ
ـهُ، لِفَرْطِ انْتِشَارِهِ، الطَّرَفَانِ
أَشْرَفُوا بِي عَلَى زُرُوعٍ وَأَحْطَا
بٍ وَبَيْتٍ بِخَيْرِهِ مَلْآنِ
وَشُوَاءٍ مِنَ الْجِدَاءِ، وَمَعْلُو
فِ دَجَاجٍ، وَفَائِقِ الْحِمْلَانِ
وَشَرَابٍ أَلَذَّ مِنْ زَوْرَةِ الْمَعـْ
ـشُوقِ، بَعْدَ الصُّدُودِ وَالْهِجْرَانِ
يُخْمِلُ الْوَرْدَ فِي الرَّوَائِحِ وَالطَّعـْ
ـمِ، وَيَحْكِي شَقَائِقَ النُّعْمَانِ
أَذْكَرَتْنِي جُيُوشُهُمْ يَوْمَ جَاءُو
نِي بِيَوْمِ الْكُلَابِ وَالرَّحْرَحَانِ
٦٦
يَقْدُمُ الْقَوْمَ أَرْحَبِيٌّ هَرِيتُ الشـْ
ـشِدْقِ، رَحْبُ الْمِعَى، طَوِيلُ اللِّسَانِ
هُوَ نِمْسُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَالْوِزْ
زِ، وَذِئْبُ النِّعَاجِ وَالْخِرْفَانِ
لَسْتُ أَنْسَاهُ جَاثِيًا جَاحِظَ الْعَيـْ
ـنِ، عَبُوسًا فِي صُورَةِ الْغَضْبَانِ
كَالْعُقَابِ الْغَرْثَانِ
٦٧ يَقْتَنِصُ اللَّحـْ
ـمَ وَيَهْوِي إِلَى طُيُورِ الْخِوَانِ
وَالْأَدِيبُ الَّذِي بِهِ كُنْتُ أَعْتَدْ
دُ غَزَانِي لِلْحِينِ فِيمَنْ غَزَانِي
وَكَذَا الْكَاتِبُ الَّذِي كَانَ جَارِي
وَصَدِيقِي، وَمُشْتَكَى أَحْزَانِي
كُلَّمَا شَقَّقَ الْفَرَارِيجَ شَقَّقـْ
ـتُ لِغَيْظِيَ مِنْ فِعْلِهِ قُمْصَانِي
وَهْوَ فِي أَمْرِهِ مُجِرٌّ
٦٨ رَخِيُّ الـْ
ـبَالِ، لَمْ يَعْنِهِ الَّذِي قَدْ عَنَانِي
لَيْسَ هَذَا مِنْ شَهْوَةِ الْأَكْلِ. هَذَا
مِنْ طَرِيقِ الْبَغْضَاءِ وَالشَّنَآنِ
أَفْقَرُونِي، وَغَادَرُونِي بِلَا دَا
رٍ وَلَا ضَيْعَةٍ وَلَا حَيَوَانِ
ثُمَّ قَالُوا: هَلُمَّ شَيْئًا! فَنَادَيـْ
ـتُ غُلَامِي: قُمْ وَيْكَ فَاخْبَأْ حِصَانِي
فَتَمَالَوْا عَلَيَّ شَتْمًا وَلَعْنًا
وَاسْتَبَاحُوا عِرْضِي بِكُلِّ لِسَانِ
ثُمَّ رَاحُوا بَعْدَ الْعَشَاءِ إِلَى دَا
رِي فَلَمْ يَتْرُكُوا سِوَى الْحِيطَانِ
كَانَ لِي مَفْرَشٌ وَثِيرٌ مَلِيحٌ
فَوْقَهُ مَطْرَحٌ مِنَ الْمِيسَانِي
وَبِسَاطٌ مِنْ أَحْسَنِ الْبُسُطِ مَذْخُو
رٌ لِعُرْسٍ أَوْ دَعْوَةٍ أَوْ خَتَانِ
أَغْرَقُوهُ بِالْبَصْقِ وَالْقَيْءِ وَالْبَوْ
لِ فَأَضْحَى وَقَدْرُهُ بَعْرَتَانِ
هَوَّمُوا سَاعَةً كَتَهْوِيمَةِ الْخَا
ئِفِ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ، الْفَزْعَانِ
ثُمَّ قَامُوا لَيْلًا، وَقَدْ جَنَحَ النَّسـْ
ـرُ وَمَالَ السِّمَاكُ وَالْفَرْقَدَانِ
يَصْرُخُونَ: الصَّبُوحَ، يَا صَاحِبَ الْبَيـْ
ـتِ! فَأَبْكَوا عَيْنِي وَرَاعُوا جَنَانِي
سَحَبُونِي مِنْ عُقْرِ دَارِي عَلَى وَجـْ
ـهِي كَأَنِّي أُدْعَى إِلَى السُّلْطَانِ
هَلْ سَمِعْتُمْ فِيمَا سَمِعْتُمْ بإِنْسَا
نٍ عَرَاهُ فِي دَعْوَةٍ مَا عَرَانِي؟ …
لَمْ يَكُنْ ذَا الْقِرَانُ
٦٩ إِلَّا عَلَى شُؤْ
مِي، فَوَيْلِي مِنْ نَحْسِ ذَاكَ الْقِرَانِ
ولا دعوى [أَبو بكر بن ظِهار]٧٠
وَاللهِ مَا أَرَبِي مِنَ الدُّنْيَا
إِلَّا الْمُدَامُ وَوَجْهُ مَنْ أَهْوَى
فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى صَفَائِهِمَا
لَمْ يَبْقَ لِي أَمَلٌ وَلَا دَعْوَى
زحامٌ مِنَ العُطُورِ [يوان مي]
عَلَى ضَفَّةِ الْجَدْوَلِ الْغَرْبِيِّ
تُطِيفُ بِيَ الْأَحْلَامُ فِي الْغَسَقِ الْمُزَنْبَقِ
وَتُدَاعِبُنِي نَسَمَاتُ الرَّبِيعِ
فَتُرْسِلُ عَلَيَّ زِحَامًا مِنَ الْعُطُورِ
وَتَبَسِمُ فِي وَجْهِي حِينَ لَا أَدْرِي
عِطْرُ الْوَرْدِ مِنْ عِطْرِ الْبَشْنِينِ.
زهر الصفصاف [يوان مي]٧١
أَزْهَارُ الصِّفْصَافِ، كَنَدِيفِ الثُّلُوجِ … إِلَى أَيْنَ!
أَيْنَ تَمْضِي جُمُوعُكَ الضَّالَّةُ مَعَ الرِّيحِ؟
قَلَّمَا نُبَالِي وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مَا نَدْرِي!
•••
إِنَّمَا سَبِيلُنَا مِنْ سَبِيلِ الْهَوَاءِ
حَيَاتُنَا فِي دَوَّامَاتِهِ الْعَاصِفَةِ
وَمَوْتُنَا فِي الْهَاوِيَةِ هُنَاكَ.
وهم [يوان مي Yuan Mei ]
نَحْنُ نَبْكِي يَوْمَ نُولَدُ، وَغَيْرُنَا يَبْكِي يَوْمَ نَمُوتُ
وَلَقَدْ أَحْزَنُ وَغَيْرِي صَادِحٌ بِالْغِنَاءِ!
وَلَقَدْ أَصْدَحُ بِالْغِنَاءِ وَغَيْرِي يُطِيلُ الْبُكَاءَ
كُلُّهُ غَارِبٌ، كُلُّهُ ذَاهِبٌ، كَذَلِكَ الْجَدْوَلُ الْمُنْسَابُ
كُلُّهُ غُرُورٌ، كُلُّهُ يَدُورُ، كَمَا يَدُورُ ذَلِكَ الدُّولَابُ
نُجَدِّدُ الزِّنَادَ وَمَا بِالنَّارِ مِنْ تَجْدِيدٍ
وَمَا يُبَالِي النُّورُ مِنْ مِصْبَاحٍ فَانٍ، أَوْ مِصْبَاحٍ وَلِيدٍ؟
•••
إِنْ تَضْحَكْ فَحَقِيقٌ بِضَحِكِ السَّاخِرِ أُولَئِكَ السَّائِحُونَ
إِلَى مَعَابِدِ الْبُوذَا وَهَيَاكِلِ الْجِنَّةِ يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ
وَعِنْدَ أَصْنَامِها يَرْكَعُونَ وَيَخْشَعُونَ
إِنَّمَا النُّسُكُ سَآمَةٌ وَعَنَاءٌ
وَإِنَّمَا الرُّكُوعُ صُدَاعٌ وَإِعْيَاءٌ
طَحَالِبٌ عَلَى مُسْتَنْقَعَاتٍ تَسِيحُ!
وَأَيْنَ مَنْ يَقْبِضُ لَنَا ظِلَالَ الرِّيحِ؟
وَيَا وَيْلَتَا لَوْ تُجَابُ تِلْكَ الصَّلَوَاتُ
لَفَرَّقْتُهُمْ بِضَحِكَاتِي إِذَنْ إِلَى شَتَاتٍ وَفَوَاتٍ!
هرة كالدنيا [الفضل بن إسماعيل الجرجاني]
إِنَّ لِي هِرَّةً خَضَبْتُ شَوَاهَا
دُونَ وِلْدَانِ مَنْزِلِي بِالرَّقُونِ
٧٢
ثُمَّ قَلَّدْتُهَا، لِخَوْفِي عَلَيْهَا،
وَدَعَاتٍ تَرُدُّ شَرَّ الْعُيُونِ
كُلَّ يَوْمٍ أَعُولُهَا قَبْلَ أَهْلِي
بِزُلَالٍ صَافٍ، وَلَحْمٍ سَمِينِ
وَهْيَ تَلْعَابةٌ إِذَا مَا رَأَتْنِي
عَابِسَ الْوَجْهِ، وَارِمَ الْعِرْنِينِ
٧٣
فَتُغَنِّي طَوْرًا، وَتَرْقُصُ طَوْرًا
وَتَلَهَّى بِكُلِّ مَا يُلْهِينِي
لَا أُرِيدُ الصِّلَاءَ إِنْ ضَاجَعَتْنِي
عِنْدَ بَرْدِ الشِّتَاءِ فِي كَانُونِ
وَإِذَا مَا حَكَكْتُهَا لَحَسَتْنِي
بِلِسَانٍ كَالْمِبرَدِ الْمَسْنُونِ
وَإِذَا مَا جَفَوْتُهَا اسْتَعْطَفَتْنِي
بِأَنِينٍ مِنْ صَوْتِهَا وَرَنِينِ
وَإِذَا مَا وَتَرْتُهَا كَشَفَتْ لِي
عَنْ جِرَابٍ لَيْسَتْ مَتَاعَ الْعُيُونِ
٧٤
أَعْجَبُ الْخَلْقِ حِينَ تَلْعَبُ بِالْفَا
رِ فَتُلْقِيهِ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
كُلَّمَا مَاتَ حِسُّهُ أَنْشَرَتْهُ
بِشِمَالٍ مَكْرُوبَةٍ أَوْ يَمِينِ
وَتُصَادِيهِ بِالْغُفُولِ فَإِنْ رَا
مَ فِكَاكًا عَلَتْهُ كَالشَّاهِينِ
٧٥
وَإِذَا مَا رَجَا السَّلَامَةَ مِنْهَا
عَاجَلَتْهُ بِوَثْبَةِ التَّنِّينِ
٧٦
وَكَذَاكَ الْأَقْدَارُ تَلْعَبُ بِالْمَرْ
ءِ وَتَغْتَالُهُ بِقَطْعِ الْوَتِينِ
٧٧
بَيْنَمَا كَانَ فِي نَشَاطٍ وَأُنْسٍ
إِذْ سَقَاهُ سَاقٍ كُئُوسَ الْمَنُونِ
لوز [الفضل بن إسماعيل الجرجاني]٧٨
إِنِّي بُلِيتُ بِشَادِنٍ
بَلْوَاهُ عِنْدِي تُسْتَحَبُّ
فَإِذَا بَلَوْتُ طِبَاعَهُ
فَالْمَاءُ يُشْرَبُ وَهْوَ عَذْبُ
وَإِذَا نَضَوْتَ ثِيَابَهُ
فَاللَّوْزُ يُقْشَرُ وَهْوَ رَطْبُ
وَقَصَارُ وَصْفِي أَنَّهُ
فِيمَا أُحِبُّ كَمَا أُحِبُّ
كله قلوب [قابوس بن وشكمير الديلمي]٧٩
خَطَرَاتُ ذِكْرِكِ تَسْتَثِيرُ صَبَابَتِي
فَأُحِسُّ مِنْهَا فِي الْفُؤَادِ دَبِيبَا
لَا عُضْوَ لِي إِلَّا وَفِيهِ صَبَابَةٌ
فَكَأَنَّ أَعْضَائِي خُلِقْنَ قُلُوبَا
خانت فوفت! [أَبو بكر بن السراج]٨٠
مَيَّزْتُ بَيْنَ جَمَالِهَا وَفِعَالِهَا
فَإِذَا الْمَلَاحَةُ بِالْخِيَانَةِ لَا تَفِي
حَلَفَتْ لَنَا أَلَّا تَخُونَ عُهُودَنَا
فَكَأَنَّمَا حَلَفَتْ لَنَا أَلَّا تَفِي
صلاحُ الدِّين [ابن التعاويذي]
مَلِكٌ إِذَا عَلَقَتْ يَدٌ بِذِمَامِهِ
عَلِقَتْ بِحَبْلٍ فِي الْوَفَاءِ مَتِينِ
قَادَ الْجِيَادَ مَعَاقِلًا، وَإِنِ اكْتَفَى
بِمَعَاقِلٍ مِنْ رَأْيِهِ وَحُصُونِ
سَهِرَتْ جُفُونُ عِدَاهُ خِيفَةَ فَاتِحٍ
خُلِقَتْ صَوَارِمُهُ بِغَيْرِ جُفُونِ
أَضْحَتْ دِمَشْقُ، وَقَدْ حَلَلْتَ بِسَاحِهَا،
مَأْوَى الضَّعِيفِ وَمَؤْئِلَ الْمِسْكِينِ
لَكَ عِفَّةٌ فِي قُدْرَةٍ، وَتَوَاضُعٌ
فِي عِزَّةٍ، وَصَرَامةٌ فِي لِينِ
عمى وشيب [ابن التعاويذي]٨١
حَالَانِ مَسَّتْنِي الْحَوَا
دِثُ مِنْهُمَا بِفَجِيعَتَيْنْ
إِظْلَامُ عَيْنِي فِي ضِيَا
ءٍ مِنْ مَشِيبٍ سَرْمَدَيْنْ
قَدْ رُحْتُ فِي الدُّنْيَا مِنَ السـَّ
ـرَّاءِ صِفْرَ الرَّاحَتَيْنْ
في المرآة [ابن زهر الأَندلسي]٨٢
إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى الْمِرْآةِ أَسْأَلُهَا
فَأَنْكَرَتْ مُقْلَتَايَ كُلَّ مَا رَأَتَا
رَأَيْتُ فِيهَا شُيَيْخًا لَسْتُ أَعْرِفُهُ
وَكُنْتُ أَعْهَدُ فِيهَا قَبْلَ ذَاكَ فَتًى
فَقُلْتُ: أَيْنَ الَّذِي بِالْأَمْسِ كَانَ هُنَا؟
مَتَى تَرَحَّلَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، مَتَى؟
فَاسْتَجْهَلَتْنِي وَقَالَتْ لِي وَمَا نَطَقَتْ:
قَدْ كَانَ ذَاكَ، وَهَذَا بَعْدَ ذَاكَ أَتَى
تقدر؟ [محمد بن بركات الصوفي]٨٣
يَا عُنُقَ الْإِبْرِيقِ مِنْ فِضَّةٍ
وَيَا قَوَامَ الغُصْنِ الرَّطْبِ
هَبْكَ تَجَافَيْتَ وَأَقْصَيْتَنِي
تَقْدِرُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ قَلْبِي؟
صاحب «الأغاني» يتغنَّى! [أَبو الفرج الأَصفهاني]٨٤
الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى مَا أَرَى
مِنْ ضَيْعَتِي مَا بَيْنَ هَذَا الْوَرَى
صَيَّرَنِي الدَّهْرُ إِلَى حَالَةٍ
يَعْدَمُ فِيهَا الضَّيْفُ عِندِي الْقِرَى
بُدِّلْتُ مِنْ بَعْدِ الْغِنَى حَاجَةً
إِلَى كِلَابٍ يَلْبَسُونَ الْفِرَا
أَصْبَحَ أُدُمُ السُّوقِ لِي مَأْكَلًا
وَبَاتَ خُبْزُ الْبَيْتِ خُبْزَ الشِّرَا
وَبَعْدَ مُلْكِي مَنْزِلًا عَامِرًا
سَكَنْتُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الْكِرَى
فَكَيْفَ أُلْفَى لَاهِيًا ضَاحِكًا
وَكَيْفَ أَحْظَى بِلَذِيذِ الْكَرَى
سُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ مَا خَلْفَنَا
وَبَيْنَ أَيْدِينَا، وَتَحْتَ الثَّرَى
سمراء [كونتي كلن]٨٥
أُحِبُّكِ لِهَذِهِ الصِّبْغَةِ السَّمْرَاءِ، وَلَهَذَا الظَّلَامِ الْمُسْتَدِيرِ
عَلَى صَدْرِكِ
أُحِبُّكِ لِهَذَا الْحُزْنِ الْمُجْهِشِ فِي نَبْرَةِ صَوْتِكِ
أُحِبُّكِ لِهَذِهِ الظِّلَالِ الَّتِي تُهَوِّمُ عَلَيْهَا جُفُونُكِ
الْهَائِمَةُ
آهِ أَيَّتُهَا السَّمْرَاءُ الَّتِي خُلِقَتْ قَرِينَةً لِلْأَسَى
صُونِي كُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ مَخَائِلِ الْإِمَارَةِ
وَانْسَي يَوْمَ كُنْتِ الْجَارِيَةَ الْمَمْلُوكَةَ
وَاجْعَلِي هَذِهِ الشَّفَةَ الْغَلِيظَةَ الْوَافِيَةَ
تَسْتَوْفِي الضَّحِكَ مِنَ الْأَقْدَارِ!
مع الغنم [وليام هنري دافيز]٨٦
يَوْمَ كُنْتُ فِي بَلْتِيمُورَ، جَاءَنِي إِنْسَانٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ:
تَعَالَ. عِنْدِي أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةِ نَعْجَةٍ، وَسَنُبْحِرُ مَعَ الْمَدِّ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ
لَكَ أَيُّهَا الْفَتَى خَمْسُونَ شِلِنًا إِنْ أَبْحَرْتَ مَعَنَا، وَسَنَحْمِلُ
هَذِهِ الْغَنَمَ إِلَى جَلَاسْجُو، مِنْ بَلْتَيْمُورَ.
•••
طَوَيْتُ يَدِيْ عَلَى النَّقْدِ وَأَبْحَرْتُ مَعَ النَّقَّادِ،
٨٧ وَسُرْعَانَ مَا مَرَقَتْ بِنَا السَّفِينَةُ مِنَ الْمِينَاءِ!
وَسُرْعَانَ مَا أَوْغَلَتْ بِنَا فِي الْبَحْرِ الْأُجَاجِ الْبَعِيدِ
الْأَغْوَارِ
•••
وَانْقَضَتِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَتِلْكَ الْخَلَائِقُ هَادِئَاتُ
الطَّوَايَا
ثُمَّ تَعَالَى الثُّغَاءُ فِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ مِنْ خَوْفٍ. فَمَا كَانَ فِي
الْهَوَاءِ الَّذِي تَتَلَقَّاهُ أُنُوفُهَا نَفْحَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمُرُوجِ
الْفِيحِ.
وَبَاتَتْ — يَا لَهَا مِنْ مِسْكِينَاتٍ — تَسْتَرْوِحُ الْهَوَاءُ
وَبَاتَتْ تَصِيحُ صِيَاحَهَا الْهَاتِفَ بِالْمُرُوجِ الْخُضْرِ، الْمُهِيبَ
بِالْمَرْعَى الْبَعِيدِ
وَتِلْكَ لَيْلَةٌ لَمْ أَنَمْهَا … فَأُقْسِمُ لَا خَمْسُونَ شِلِنًا، وَلَا خَمْسُونَ
أَلْفًا بَعْدَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِمُغْرِيَتِي أَنْ أَصْحَبَ الْغَنَمَ فِي الْبِحَارِ
…!
شر من الحب والبغض [هنريك هيني]٨٨
لَقَدْ عُذِّبْتُ مِنْ قَبْلُ
وَقَدْ عُذِّبْتُ مِنْ بَعْدُ
بِقَوْمٍ دَاؤُهُمْ حُبٌّ
وَقَوْمٍ دَاؤُهُمْ حِقْدُ
وَفِي الْخَمْرِ الَّتِي أُسْقَى
وَفِي الْخُبْزِ الَّذِي أُطْعَمْ
•••
يَدٌ بِالْبُغْضِ سَمَّتْهُ
وَقَلْبٌ بَالْهَوَى سَمَّمْ
وَلَكِنْ شَرُّ مَا أَلْقَى
وَأَدْوَى كُلِّ أَدْوَائِي
•••
فَتَاةٌ لَا أَحَبَّتْنِي
وَلَا هَمَّتْ بِبَغْضَائِي
خطاب فتاة
إلى العجوز التي ستكونها بعد سنين [أليس مينل]٨٩
اسْمَعِي! أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَبْلَتْهَا السُّنُونَ
إِذَا طُوِيَتْ يَدُكِ النَّاحِلَةُ عَلَى هَذَا الْقِرْطَاسِ
فَاذْكُرِي تِلْكَ الَّتِي بَارَكَتْهُ بِلَمَسَاتِهَا وَقُبُلَاتِهَا
•••
أُنَادِيكِ يَا أُمَّاهُ. فَإِنَّ أَثْقَالَ السِّنِينَ كَسَرَتْكِ
بَلْ أُنَادِيكِ يَا بِنْتَاهُ. فَإِنَّ ذِكْرَى الزَّمَنِ أَيْقَظَتْكِ
وَمِنْ أَطْوَارِ قَلْبِي يَخْلُقُ الزَّمَنُ كُلَّ مَا فِيكِ
•••
آهٍ أَيَّتُهَا السَّائِمَةُ الْمَكْدُودَةُ. إِنَّ الصَّبِيحَةَ فِي السَّمَاءِ
لَشَمْطَاءُ
أَفَلَا تَذْكُرِينَ السُّحُبَ كَيْفَ تُسَاقُ؟
أَتَرَيْنَهَا كَانَتْ تَهْدَأُ عِنْدَ الْمَغِيبِ؟
•••
تَمَهَّلِي هُنَيْهَةً فِي خِتَامِ مَطَافِكِ الطَّوِيلِ
فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الْمُوحِشَةِ
لَأُلْفَةً لِسَاعَةِ التَّدَبُّرِ وَالتَّذْكَارِ
•••
يُؤْلِمُكِ أَيَّتُهَا الصَّامِتَةُ الْخَافِقَةُ تَذْكِيرِي إِيَّاكِ
بِتِلْكَ الْهِضَابِ — هِضَابِ الشَّبَابِ — الَّتِي عَصَفَتْ عَلَيْهَا
السَّمَاءُ
وَتِلْكَ الْأَعَاصِيرِ الْأَوَابِدِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْعَافِيَةِ، الَّتِي
خَلَّفْتِهَا وَرَاءَكِ
•••
اعْلَمِي أَنَّ الْبَطْحَاءَ الْمُوحِشَةَ الَّتِي تَدْرُجِينَ فِيهَا الْآنَ
إِنَّمَا هِيَ دُنْيَا مِسَاءٍ صَمُوتٍ
وَتَأَمَّلِي فِي تِلْكَ الْقِمَمِ الْمُغَشَّاةِ. إِنَّهَا تُسْفِرُ عَنْ
صَبَاحٍ
•••
اسْمَعِي هَاتِيكَ رِيَاحُ الْجَبَلِ تَهُبُّ بِالْغُيُوثِ
وَهَاتِيكَ الْقِمَمُ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ تَتَأَلَّقُ بِالشُّعَاعِ
حَاشَايَ أَنْ أَدَعَكِ تَذْهَبِينَ — نَاسِيَةً — إِلَى الْمَوْتِ
•••
لَيْتَنِي أَعْلَمُ أَيُّ جَانِبٍ مِنْ قَلْبِي هَذَا الْمُضْطَرِمِ
سَيَتْبَعُكِ
إِلَى حَيْثُ الرِّيَاحُ لَا تَعْصِفُ وَلَا تَتَهَزَّمُ
وَحَيْثُ أَزْهَارُ الْجِبَالِ الصَّبِيَّةُ لَا تَعِيشُ وَلَا تَجُودُ
•••
وَلَكِنْ دَعِي خِطَابِي وَفِيهِ مَا فِيهِ مِنْ خَوَاطِرِكِ الْمَفْقُودَةِ
يُنَبِّئُكِ كَيْفَ كَانَتِ الطَّرِيقُ فِي بِدَايَةِ الطَّرِيقِ
وَيَصْحَبُكِ إِلَى الْغَايَةِ، حِينَ إِلَى الْغَايَةِ تَنْتَهِينَ
•••
آهٍ. رُبَّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِكِ تَقُودُكِ فِيهَا خَوَاطِرِي
فَمَا تَشْعُرِينَ إِلَّا وَالرِّيَاحُ مِنْ وَطَنِكِ الْقَدِيمِ تَحُومُ
حَوَالَيْكِ
وَإِنْ أَخْفَاكِ عَنْهَا الزَّمَنُ وَالظَّلَامُ وَالسُّكُوتُ
•••
تَقُولُ لَكِ: كَمْ جَاشَتْ بِالْفَتَاةِ هَذِهِ الذِّكْرَيَاتُ
وَكَمْ رَانَتْ عَلَى الصَّبَاحِ ظُلُمَاتُ هَذِهِ الظِّلَالِ
وَكَمْ خَيَّمَ عَلَيْهَا هَذَا الْحُزْنُ الَّذِي تُفَارِقِينَهُ بِقَلْبٍ
حَزِينٍ
•••
وَبَعْدُ، فَمَالِي أَقْفُوكِ بِخَوَاطِرِي هَذِهِ لَيْتَ شِعْرِي؟
إِنَّ الْحَيَاةَ تَتَبَدَّلُ، وَإِنَّكِ مَعَ الْأَيَّامِ تَتَبَدَّلِينَ
فَيَا أَيَّتُهَا الطَّبِيعَةُ الَّتِي لَا تَتَبَدَّلُ. لَيْتَكِ تَرُدِّينَ إِلَيْهَا
فُؤَادِي الضَّلِيلَ
•••
سَتَعُودُ إِلَيْنَا نَسَمَاتُهَا بِقُبُلَاتِهَا
وَسَتَسْرِي إِلَيْنَا فِي الْمَسَاءِ كَأَنَّهَا قُبْلَةٌ فِي الصَّبَاحِ
وَسَيَنْفُثُ الصَّيْفُ نِعْمَتَهُ الَّتِي لَا يُغَيِّرُهَا الزَّمَانُ
•••
وَنَحْنُ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ لَنَا لَمْحَةٌ بَعْدَ لَمْحَةٍ، وَنَسَمَاتٌ بَعْدَ
نَسَمَاتٍ
تَتَعَقَّبُ إِحْدَانَا الْأُخْرَى فِي شَتَّى الْمَسَارِبِ وَالدُّرُوبِ
عَلَى نَفَحَاتِ الطُّفُولَةِ الْخَالِدَةِ الَّتِي تَتَأَرَّجُ بِهَا الرَّيَاحِينُ،
أَطْفَالُ الْخُلُودِ
•••
وَمَا أَكْتُبُ إِلَيْكِ هَذَا الْخِطَابَ الْمُسْتَطْلِعَ النَّاظِرَ إِلَى
الْغُيُوبِ
لِأُمَوِّهَ لَكِ الذُّبُولَ بِإِكْلِيلٍ مِنَ الْمَجْدِ وَالْفَخَارِ
وَأَحُفَّ هَذَا الذَّوَاءَ بِشَارَاتِ النَّصْرِ وَالنَّجَاحِ
كَلَّا! إِنَّمَا هُوَ شَبَابٌ وَاحِدٌ، وَيَنْطَوِي مِنَ الْحَيَاةِ الضِّيَاءُ
إِنَّمَا هُوَ صَبَاحٌ وَاحِدٌ، وَيَغْشَى النَّهَارَ السَّحَابُ
إِنَّمَا هِيَ شَيْخُوخَةٌ وَاحِدَةٌ، تَتَلَاقَى فِيهَا الْأَشْجَانُ وَالْهُمُومُ،
جُمُوعًا وَرَاءَ جُمُوعٍ
•••
صَهٍ يَا لِسَانِي، إِنَّ كَلِمَاتِي أَسَالَتْ عَبَرَاتِ عَيْنَيْكِ
صَهٍ. صَهٍ. فَمَا أَغْزَرَ يَنْبُوعَ الدُّمُوعِ
يَا لِلْجُفُونِ الْبَائِسَاتِ. مَا أَسْرَعَ مَا تَبْكِي، وَهْيَ قَرِيبَةٌ إِلَى
الرُّقَادِ
•••
عُذْرًا لِلْفَتَاةِ! لَقَدْ وَسْوَسَتْ لَهَا نَزْوَةٌ مِنْ غَرَائِبِ نَزَوَاتِ
الشَّبَابِ
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْبَائِسَةُ! أَلْقِ مِنْ يَدِكَ هَذَا الْخِطَابَ
إِنَّهُ حَطَّمَ قَبْلَكِ، فَانْسَيْ أَنَّنِي كَتَبْتُهُ إِلَيْكِ
•••
إِنَّ الَّتِي كَانَتْ تَنْظُرُ مِنْكِ إِلَى ذَلِكَ الْمُحَيَّا
هِيَ الْآنَ تَلْمَسُ بِرَاحَةِ الْبُنُوَّةِ شَعْرَكِ الْمُشْتَعِلَ
وَتُبَارِكُ هَذَا الشَّفَقَ الْحَزِينَ بِدُمُوعِ الصَّبَاحِ.
جغرافية! [جلال الدين الرومي]٩٠
أَيُّهَا السَّائِحُ الَّذِي طَوَّفَ فِي الْآفَاقِ، وَشَهِدَتْ عَيْنَاهُ أَخْصَبَ
أَرْضٍ
تَفِيضُ فِيهَا الْأَنْهَارُ، وَأَنْضَرَ مُرُوجٍ تَتَفَتَّحُ عَلَيْهَا
الْوُرُودُ
قُلْ لِي بِعَيْشِكَ! أَيُّ بِلَادٍ فِيمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ هِيَ أَجْمَلُ
الْبِلَادِ؟
… أَيَّتُهَا الْحَسْنَاءُ. أَتُرِيدِينَ أَنْ أَدُلَّكِ عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي
يَفُوقُ بِجَمَالِهِ كُلَّ
جَمَالٍ، وَيَسْمُو بِمَنْظَرِهِ عَلَى كُلِّ مَنْظَرٍ؟ ذَلِكَ يَا حَسْنَاءُ حَيْثُ
يُقِيمُ الْأَحِبَّاءُ
وَأَخْصَبُ الْأَرْضِ تِلْكَ الَّتِي وَطِئَتْهَا قَدَمُ الْحَبِيبِ!
سينارا [إرنست داوسون]٩١
أَمْسِ … وَيْحِي مِنْ لَيْلَةِ أَمْسِ! بَيْنَ شَفَتَيَّ وَشَفَتَيْهَا
هَبَطَ ظِلُّكِ يَا سِينَارَا، وَانْكَبَّتْ أَنْفَاسُكِ
عَلَى رُوحِي، بَيْنَ الْقُبُلَاتِ وَالْكُئُوسِ
وَكُنْتُ كَسِيفَ الْبَالِ، مُوحِشًا مِنْ هَوًى قَدِيمٍ
نَعَمْ كُنْتُ كَئِيبًا فَأَطْرَقْتُ بِرَأْسِي
وَكُنْتُ وَفِيًّا لَكِ يَا سِينَارَا، عَلَى مِنْوَالِي!
•••
قَلْبُهَا الدَّافِئُ أُبَادِلُهْ؟حِسُّهُ آنَاءَ اللَّيْلِ يَخْفِقُ عَلَى
صَدْرِي
وَيَنْطَوِي اللَّيْلُ كُلُّهُ وَهْيَ فِي ذِرَاعَيَّ بَيْنَ الْغَرَامِ
وَالْأَحْلَامِ
لَا نُكْرَانَ كَانَتْ قُبُلَاتُهَا الْمُشْتَرَاةُ مِنْ ثَغْرِهَا الْوَرْدِيِّ
حُلْوَةً شَهِيَّةً
بَيْدَ أَنَّنِي كَسِيفُ الْبَالِ مُوحِشٌ مِنْ هَوًى قَدِيمٍ
وَعَاوَدَتْنِي الْيَقَظَةُ وَشَهِدْتُ الْفَجْرَ الطَّالِعَ، وَقَلْبِي عَلَى مَا
أَقُولُ شَهِيدٌ
إِنَّنِي وَفَّيْتُ لَكِ يَا سِينَارَا، عَلَى مِنْوَالِي!
•••
نَسِيتُ كَثِيرًا، يَا سِينَارَا، وَمَعَ الرِّيحِ مَضَى كَثِيرٌ
وَرَمَيْتُ بِالْوَرْدِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فِي الزِّحَامِ
رَاقِصًا، ثُمَّ رَاقِصًا، لَعَلِّي أَنْزِعُ مِنْ رَأْسِي سَوْسَنَكِ الذَّابِلَ
الْمَهْجُورَ
وَلَكِنَّنِي كَسِيفُ الْبَالِ مُوحِشٌ مِنْ هَوًى قَدِيمٍ
إيْ وَاللَّهِ. غَمَرَتْنِي الْكَآبَةُ وَالرَّقْصُ طَالَ
وَوَفَّيْتُ لَكِ يَا سِينَارَا، عَلَى مِنْوَالِي
•••
مُسْتَزِيدًا مِنَ النَّغَمِ الْمَجْنُونِ، مُسْتَزِيدًا مِنَ الشَّرَابِ
الْعَنِيفِ
ثُمَّ يَفْرُغُ الْخِوَانُ، وَيَخْبُو الضِّيَاءُ، وَيَسْكُنُ الْحِرَاكُ
وَتَهْبِطُ ظِلَالُكِ يَا سِينَارَا … فَاللَّيْلُ لَيْلُكِ
وَإِنَّنِي لَكَسِيفُ الْبَالِ مُوحِشٌ مِنْ هَوًى قَدِيمٍ
جَوْعَانُ يَا سِينَارَا إِلَى الشَّفَةِ الْمُشْتَهَاةِ
وَوَفَّيْتُ لَكِ يَا سِينَارَا … عَلَى مِنْوَالِي.
لا بُدَّ! [الجوهري «صاحب الصحاح»]
الْعِزُّ فِي الْعُزْلَةِ لَكِنَّهُ
لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنَ النَّاسِ
شر السباع [أَبو سليمان الخطابي]٩٢
شَرُّ السِّبَاعِ الْعَوَادِي دُونَهُ وَزَرٌ
وَالنَّاسُ شَرُّهُمُ مَا دُونَهُ وَزَرُ
٩٣
•••
كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤْذِهِمْ سَبُعٌ
وَمَا نَرَى بَشَرًا لَمْ يُؤْذِهِ بَشَرُ
قَدْ أُولِعَ النَّاسُ بِالتَّلَاقِي
وَالْمَرْءُ صَبٌّ إِلَى هَوَاهُ
وَإِنَّمَا مِنْهُمُ صَدِيقِي
مَنْ لَا يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ
متملِّقٌ صريحٌ [العتبي]٩٤
لَا تَحْسَبَنَّ هَشَاشَتِي لَكَ عَنْ رِضًى
فَوَحَقِّ فَضْلِكَ إِنَّنِي أَتَمَلَّقُ
وَلَقَدْ نَطَقْتُ بِشُكْرِ بِرِّكَ مُفْعَمًا
وَلِسَانُ حَالِي بِالشِّكَايَةِ أَنْطَقُ
سلو [أُسامة بن منقذ]٩٥
لَمْ يَبْقَ لِي فِي هَوَاكُمُ أَرَبٌ
سَلَوْتُكُمْ، وَالْقُلُوبُ تَنْقَلِبُ
أَوْضَحْتُمُ لِي سُبُلَ السَّلْوِ وَقَدْ
كَانَتْ لِيَ السُّبْلُ فِيهِ تَنْشَعِبُ
إِلَامَ دَمْعِيَ مِنْ هَجْرِكُمْ سَرِبٌ
قَانٍ، وَقَلْبِي مِنْ غَدْرِكُمْ يَجِبُ
إِنْ كَانَ هَذَا لَمَا تَعَبَّدَنِي الـْ
ـحُبُّ، لَقَدْ أَعْتَقَتْنِيَ الرِّيَبُ
أَحْبَبْتُكُمْ فَوْقَ مَا تَوَهَّمَهُ النـْ
ـنَاسُ وَخُنْتُمْ أَضْعَافَ مَا حَسَبُوا
عناق أم خناق [علي بن الحسين أَبو الفرج]٩٦
تَعَانَقْنَا لِتَوْدِيعٍ عِشَاءً
وَقَدْ شَرَقَتْ بِمَدْمَعِهَا الْحِدَاقُ
وَضَيَّقْنَا الْعِنَاقَ لِفَرْطِ شَوْقٍ
فَمَا نَدْرِي عِنَاقٌ أَمْ خِنَاقُ
في كلمات [علي بن الحسن القهستاني]٩٧
وَمُقْرَطَقٌ
٩٨ يَسْطُو بِغُرَّةِ وَجْهِهِ
نُورٌ مِنَ الْحُسْنِ الْبَدِيعِ عَشِقْتُهُ
عَاقَرْتُهُ، أَسْكَرْتُهُ، نَاجَيْتُهُ،
جَدَّلْتُهُ، قَبَّلْتُهُ، سَرَّحْتُهُ
جاهلي يُحرِّمُ الخمر [صفوان بن أُمية]
لا جرم حرَّمها الإسلامُ بتَّة، ووُجِدَ في الجاهلية من يُحرِّمها ومنهم القائل:
رَأَيْتُ الْخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا
مَنَاقِبُ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الكَرِيمَا
فَلَا، وَاللهِ، أَشْرَبُهَا حَيَاتِي
وَلَا أَشْفِي بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا
دنيا بلا ساعة [أوليفر جوجارثي]١٠٢
أَلَا تُصْبِحُ الدُّنْيَا أَمْتَعَ وَأَشْهَى، لَوِ اسْتَرَحْنَا مِنْ هَذِهِ
السَّاعَاتِ
سِيَّانِ مَا صَمَتَ مِنْهَا، وَمَا شَقَّ الْكَرَى بِالْوَسَاوِسِ وَالدَّقَاتِ
•••
لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ أَكْرَمَ لِلْإِنْسَانِ وَأَجْدَرَ بِحَقِّهِ
مِنْ أَنْ تُدِيرَهُ تُرُوسٌ مِنَ الذَّهَبِ أَوْ مِنَ الْقَصْدِيرِ
•••
عَجَبًا وَاللهِ. مَا لِحَيَاةِ ابْنِ آدَمَ يَحْسِبُهَا عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ
الْعَجِيبُ …
هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يُفَتِّتُ الثَّوَانِيَ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى بَيَانِ
السِّنِينَ
•••
لَوِ اسْتَرَحْنَا مِنْهَا لَاسْتَرَحْنَا مِنْ تَنْظِيمِ أَوْقَاتِ الرَّحِيلِ
وَعَجَزْنَا عَنِ الْقِتَالِ بِالدَّارِعَةِ، وَتَصْوِيبِ الْمِدْفَعِ فِي
الْمَيْدَانِ
•••
أَجَلْ، وَلَشَقَّ عَلَيْنَا تَوْقِيتُ تِلْكَ الْآلَاتِ الَّتِي تَمْلَأُ الْمَدَائِنَ
بِالدُّخَانِ
وَتَقْذِفُ بِالنَّاسِ مَغِيظَةً — وَلَهَا الْحَقُّ — إِلَى غَيَاهِبِ
الْقُبُورِ!
•••
لَوِ اسْتَرَحْنَا مِنَ السَّاعَاتِ وَهَمَمْنَا بِالرَّحِيلِ إِلَى بَلَدٍ يَعْمُرُهُ
مَنْ يَعْمُرُهُ
لَكَانَ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى تَأْجِيرِ الْمَرْكَبَاتِ
•••
نَعَمْ وَنَرْجِعَ إِلَى الْحَارِسِ الْأَجِيرِ الَّذِي يَعْنِفُ بِإِيقَاظِنَا فِي
الصَّبَاحِ
وَيَتَجَاوَبُ الْفَضَاءُ وَرَاءَ الْخَانِ بِأَصْدَاءِ الْبُوقِ اللَّامِعِ
الطَّوِيلِ
•••
إِنَّ نُجُومَنَا تِلْكَ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، لَا تَعْرِفُ شَيْئًا عَنِ
السَّاعَاتِ، وَمَا لَهَا مِنْ لَوْلَبٍ
يَنْبُضُ بِالشَّرِّ الَّذِي يُفَرِّخُ بِهِ الْوَقْتُ كُلَّمَا قَيَّدْنَاهُ
بِالْمَعَاصِمِ وَالْجُدْرَانِ
•••
لَا جَرَمَ تَغْمِزُ النُّجُومُ وَتَسْخَرُ الْأَجْوَاءُ
مِنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَقْبِضُ يَدَهُ عَنْ شَرَابِهِ، بِدَقَّةٍ مِنْ
تِلْكَ التُّرُوسِ
•••
وَيَضِجُّ إِبْلِيسُ ضَاحِكًا إِذْ يَنْظُرُ إِلَى تِلْكَ الْأَرْوَاحِ
يَخْلُقُهَا اللَّهُ حُرَّةً أَبَدِيَّةً، وَتَرْبِطُ نَفْسَهَا بِحَرَكَةِ
أَدَاةٍ
•••
وَلَكَمْ عَجِبْتُ فِي هَذَا الْمَلْعَبِ الْعَبُوسِ، فَلَا أَدْرِي أَإِنْسَانٌ أَمْ
شَيْطَانٌ
ذَلِكَ الَّذِي يَهْتِفُ أَوَّلَ مَرَّةٍ! قَدْ حَانَ الْوَقْتُ أَيُّهَا السَّادَةُ
…
الْوَقْتُ قَدْ حَانَ
•••
أَلَا فَاطْرَحُوا عَنَّا تِلْكَ الْأَدَاةَ الَّتِي تَرُدُّ النَّاسَ أَشْبَاحًا
مُسَخَّرِينَ
تُجَزَّأُ لَهُمُ الْحَيَاةُ قِطْعَةً قِطْعَةً، وَتَمْتَلِئُ رُءُوسُهُمْ
بِالسَّفْسَافِ الْمَهِينِ
•••
اطْرَحُوا حَوَاجِزَ الزَّمَانِ وَأَرْصَادَ الْحَيَاةِ، وَكُلُّ وَهَقٍ مِنْ أَوْهَاقِ
الِاسْتِعْبَاءِ، يَئُولُ بِالنَّاسِ إِلَى حُطَامٍ
أَتَرَاهَا رَبَّعَتِ الدَّائِرَةَ؟ أَتَرَاهَا كَعَّبَتِ الْكُرَةَ؟ كَلَّا … فَهَذِهِ
تَقَاوِيمُهُمْ جَمِيعًا تُخْطِئُ الْحِسَابَ، وَتُلْجِئُنَا إِلَى السَّنَةِ
الْكَبِيسِ.
•••
وَكَمَا تَتَوَثَّبُ السَّنَةُ الْكَبِيسُ خَلِيقٌ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَتَوَثَّبَ
صُعُدًا وَرَاءَ كُلِّ مَوْعِدٍ يَرْبِطُنَا بِعَبِيدِ السَّاعَاتِ
•••
تَسْأَلُنِي: كَيْفَ نَعْرِفُ الثَّوَانِيَ يَوْمَذَاكَ؟ نَعْرِفُهَا بِمِقْدَارِ مَا
تَنْفَلِتُ صَيْحَةٌ مِنَ الشَّحْرُورِ وَهْوَ يَهْوِي إِلَى خَمِيلَةِ الْوَادِي
•••
وَالدَّقَائِقُ كَيْفَ نَعْرِفُهَا يَوْمَذَاكَ؟ نَعْرِفُهَا بِمِقْدَارِ مَا نَكْرَعُ
كُوبًا مِنَ الْجِعَةِ، أَوْ نُفْرِغُ التَّبْغَ مِنَ الْبِيبِ
•••
بَلْ نَتَّخِذُ الْقُلُوبَ مَقَايِيسَ لِلزَّمَانِ، كُلَّمَا خَفَقَتْ تَدَفَّقَتِ
الْحَيَاةُ بِالسُّرُورِ وَعَمَرَتْ بِالْأَغَانِي وَالْعَزَمَاتِ
•••
إِنَّ سَاعَاتِنَا لَتَخْتَلِسُ حَيَاتَنَا، وَتَنْقَضِي بِمَا عَبَرَ مِنْ
أَوْقَاتِنَا
أَمَّا الْقُلُوبُ فَكُلَّمَا انْدَفَعَتْ نَابِضَةً، زَادَ مَعَهَا نَصِيبُ الْحَيَاةِ.
يجري من الفراق [البحتري]
لَا تَعْذُلَنِّي فِي مَسِيرِ
كَ يَوْمَ سِرْتُ وَلَمْ أُلَاقِكْ
إِنِّي خَشِيتُ مَوَاقِفًا
لِلْبَيْنِ تَسْفَحُ غَرْبَ مَاقِكْ
١٠٣
وَعَلِمْتُ مَا يَلْقَى الْمُتَيـْ
ـيَمُ عِنْدَ ضَمِّكَ وَاعْتِنَاقِكْ
وَعَلِمْتُ أَنَّ لِقَاءَنَا
سَبَبُ اشْتِيَاقِي وَاشْتِيَاقِكْ
فَتَرَكْتُ ذَاكَ تَعَمُّدًا
وَخَرَجْتُ أَهْرَبُ مِنْ فِرَاقِكْ
نظرة [عبد الله بن الدمينة]
رَمَتْنِي بِطَرْفٍ لوْ كَمِيًّا رَمَتْ بِهِ
لَبُلَّ نَجِيعًا نَحْرُهُ وَبَنَائِقُهْ
وَلَمْحٌ بِعَيْنَيْهَا كَأَنَّ وَمِيضَهُ
وَمِيضُ حَيًا تُهْدَى إِلَيَّ شَقَائِقُهْ
١٠٤
ونظرة [أَعرابي]
نَظَرْتُ إِلَيْهَا حِينَ مَرَّتْ كَأَنَّهَا
عَلَى ظَهْرِ عَادِيٍّ فَتَاةٌ مِنَ الْجِنِّ
١٠٥
وَلِي نَظَرٌ لَوْ كَانَ يُحْبِلُ عَاشِقٌ
بِنَظْرَتِهِ أُنْثَى لَقَدْ حَبِلَتْ مِنِّي
إِما الغرام أو اللوم! [شاعر جعدي]
لَا خَيْرَ فِي الْحُبِّ وَقْفًا لَا تُحَرِّكُهُ
عَوَارِضُ الْيَأْسِ أَوْ يَرْتَاحُهُ الطَّمَعُ
لَوْ كَانَ لِي صَبْرُهَا أَوْ عِنْدَهَا جَزَعِي
لَكُنْتُ أَمْلِكُ مَا آتِي وَمَا أَدَعُ
إِذَا دَعَا بِاسْمِهَا دَاعٍ لِيُحْزِنَنِي
كَادَتْ لَهُ شُعْبَةٌ مِنْ مُهْجَتِي تَقَعُ
لَا أَحْمِلُ اللَّوْمَ فِيهَا وَالْغَرَامَ بِهَا
مَا حَمَّلَ اللهُ نَفْسًا فَوْقَ مَا تَسَعُ
حليفُ الذِّئب [الأُحيمر السعدي]
أَرَانِي وَذِئْبَ الْقَفْرِ إِلْفَيْنِ بَعْدَ مَا
بَدَأْنَا كِلَانَا يَشْمَئِزُّ وَيَذْعُرُ
تَأَلَّفَنِي لَمَّا دَنَا وَأَلِفْتُهُ
وَأَمْكَنَنِي لِلرَّمْيِ لَوْ كُنْتُ أَغْدِرُ
وَلَكِنَّنِي لَمْ يَأْتَمِنِّيَ صَاحِبٌ
فَيَرْتَابُ بِي، مَا دَامَ لَا يَتَغَيَّرُ
١٠٦
إمامة العشاق [عشرقة المُحاربية]١٠٧
جَرَيْتُ مَعَ الْعُشَّاقِ فِي حَلْبَةِ الْهَوَى
فَفُقْتُهُمُ سَبْقًا، وَجِئْتُ عَلَى رِسْلِي
فَمَا لَبِسَ الْعُشَّاقُ مِنْ حُلَلِ الْهَوَى
وَلَا خَلَعُوا إِلَّا الثِّيَابَ الَّتِي أُبْلِي
وَلَا شَرِبُوا كَأْسًا مِنَ الْحُبِّ مُرَّةً
وَلَا حُلْوَةً إِلَّا شَرَابُهُمُ فَضْلِي
مُنصفٌ! [الحكم بن عبدل الأَسدي]١٠٨
أَكُفُّ الْأَذَى عَنْ أُسْرَتِي وَأَذُودُهُ
عَلَى أَنَّنِي أَجْزِي الْمُقَارِضَ بِالْقَرْضِ
وَأَبْذُلُ مَعْرُوفِي وَتَصْفُوا خَلِيقَتِي
إِذَا كَدُرَتْ أَخْلَاقُ كُلِّ فَتًى مَحْضِ
وَأَقْضِي عَلَى نَفْسِي إِذَا الْحَقُّ نَابَنِي
وَفِي النَّاسِ مَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِي
وَلَسْتُ بِذِي وَجْهَيْنِ فِيمَنْ عَرفْتُهُ،
وَلَا الْبُخْلُ، فَاعْلَمْ، مِنْ سَمَائِي وَلَا أَرْضِي
أقوى من الموت [طهمان بن عمرو]١٠٩
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الْحَارِثيَّةَ سَلَّمَتْ
عَلَيَّ مُسَجًّى فِي الثِّيَابِ أَسُوقُ
١١٠
حَنُوطِي وَأَكْفَانِي لَدَيَّ مُعَدَّةٌ
وِلِلنَّفْسِ مِنْ قُرْبِ الْوَفَاةِ شَهِيقُ
إِذَنْ لَحَسِبْتُ الْمَوْتَ يَتْرُكُنِي لَهَا
وَيُفَرَجُ عَنِّي غمُّهُ فَأُفِيقُ
نور بغير قرى [علي بن الجهم]١١١
… وَقُلْنَ لَنَا: نَحْنُ الْأَهِلَّةُ، إِنَّمَا
نُضِيءُ لِمَنْ يَسْرِي بِلَيْلٍ وَلَا نَقْرِي
فَلَا نَيْلَ إِلَّا مَا تَزَوَّدَ نَاظِرٌ
وَلَا وَصْلَ إِلَّا بِالْخَيَالِ الَّذِي يَسْرِي
طب نواسي [عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أَبي طالب]١١٢
لَا تُفْشِ أَسْرَارَكَ لِلنَّاسِ
وَدَاوِ أَحْزَانَكَ بِالْكَاسِ
فَإِنَّ إِبْلِيسَ عَلَى مَا بِهِ
أَرْأَفُ بِالنَّاسِ مِنَ النَّاسِ
سعة الدنيا [ابن عبد ربه]١١٣
صِلْ مَنْ هَوِيْتَ وَإِنْ أَبْدَى مُعَاتَبَةً
فَأَطْيَبُ الْعَيْشِ وَصْلٌ بَيْنَ خِلَّيْنِ
وَاقْطَعْ حَبَائِلَ خِلٍّ لَا تُلَائِمُهُ
فَرُبَّمَا ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَى اثْنَيْنِ
الخالق والخلق [المواسي]١١٤
مَا الدُّنْيَا؟ مَا الْأُخْرَى؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ رَمَزَ الْحَبِّ
إِلَى ذَلِكَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
وَمَا الْجَمَالُ إِنْ لَمْ يَكُنْ شُعَاعَ النُّورِ
الَّذِي يَتَأَلَّقُ مِنْ حَوْلِهِ؟
•••
حَقٌّ لِلْجَدْوَلِ أَنْ يُزْهَى بِنَفْسِهِ
إِذْ كَانَ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فَيْضُهُ وَمِدَادُهُ
فَمَا هُوَ بِالْجَدْوَلِ بَعْدُ
وَلَكِنَّهُ هُوَ الْبَحْرُ الْمُحِيطُ حَيْثُ كَانَ
•••
تَنْجُمُ الْبِذْرَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْأَرْضِ
فَتُولَدُ لَهَا الْأَوْرَاقُ وَاللِّحَاءُ وَالثَّمَرَاتُ
لَكِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَاسِقَةَ الَّتِي نَجَمَتْ هَكَذَا
هِيَ وَدِيعَةُ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا تَزِيدُ!
•••
أَيَّتُهَا الطَّلْعَةُ الْمَعْشُوقَةُ! قِفِي بَيْنَ أَلْفِ مِرْآةٍ
وَانْظُرِي حَوْلَكِ تَرَيْ أَلْفَ وَجْهٍ تَلْقَّاكِ
مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. وَلَكِنَّهَا كُلَّهَا هِيَ أَنْتِ دُونَ سِوَاكِ
•••
فَهَبْ لِلرَّسَّامِ قُدْرَةٌ يَحْكِي بِهَا هَذَا الْجَبِينَ الْوَضَّاحَ
وَقُلْ: مَا الْعُيُونُ مُؤْتَلِقَاتٍ بِالنُّورِ؟ وَمَا الْخُدُودُ يُخْجِلْنَ
الْوُرُودَ؟
وَمَا الْكَلَامُ؟ وَمَا الصُّوَرُ؟ وَمَا الْأَصْدَاءُ وَالْأَنْغَامُ؟
مَا كُلُّ أُولَئِكَ إِلَّا «هُوَ» الَّذِي لَا شَيْءَ سِوَاهُ.
مفارقة [أَحمد بن مطرف العسقلاني]١١٥
الْعُمُرُ يُنْفَقُ فِي الدُّنْيَا مُجَازَفَةً
وَالْمَالُ يُنْفَقُ فِيهَا بِالْمَوَازِينِ
بشاشة مقطبة [الحسن بن رشيق القيرواني]١١٦
أُحِبُّ أَخِي وَإِنْ أَعْرَضْتُ عَنْهُ
وَقَلَّ عَلَى مَسَامِعِهِ كَلَامِي
وَلِي فِي وَجْهِهِ تَقْطِيبُ رَاضٍ
كَمَا قَطَّبْتُ فِي وَجْهِ الْمُدَامِ
وَرُبَّ تَجَهُّمٍ فِي غَيْرِ بُغْضٍ
وَضِغْنٍ كَامِنٌ تَحْتَ ابْتِسَامِ
عذر [إبراهيم الصولي]
إِنَّ امْرَأً ضَنَّ بِمَعْرُوفِهِ
عَنِّي لَمَبْذُولٌ لَهُ عُذْرِي
مَا أَنَا بِالرَّاغِبِ فِي خَيْرِهِ
إِنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ فِي شُكْرِي
كريم [إبراهيم الصولي]
أَسَدٌ ضَارٍ إِذَا هَيَّجْتَهُ
وَأَبٌ بَرٌّ إِذَا مَا اقْتَدَرَا
يَعْرِفُ الْأَقْصَى إِذَا أَثْرَى وَلَا
يَعْرِفُ الْأَدْنَى إِذَا مَا افْتَقَرَا
صراحة [إبراهيم الصولي]١١٧
خَلِّ النَّفَاقَ لِأَهْلِهِ
وَعَلَيْكَ فَالْتَمِسِ الطَّرِيقَا
وَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُرَى
إِلَّا عَدُوًّا أَوْ صَدِيقَا
بوتقة الحب [لويس ألكساندر]١١٨
إِلَيْكِ أَرُدُّ الْمَرَارَةَ الَّتِي أَعْطَيْتِنِيهَا
يَوْمَ سَأَلْتُكِ الْجَمَالَ الْمَرِحَ الطَّلِيقَ
•••
أَرُدُّ إِلَيْكِ الْمَرَارَةَ مَغْسُولَةً بِالْعَبَرَاتِ
فَالْآنَ هِيَ جَمَالٌ صَقَلَتْهُ السِّنُونَ
•••
أَخَذْتُهَا مَرَارَةً وَأَعَدْتُهَا جَمَالًا، فَهَكَذَا صَنَعْتُهَا
إِذْ نَقَّيْتُهَا مِنْ آفَتِهَا مُنْذُ عَهْدٍ بَعِيدٍ.
وصلة تجميل! [ابن أَبي مُرَّة المكي]١١٩
تَقُولُ اتَّئِدْ لَا يَدْعُكَ النَّاسُ مُمْلِقًا
وَتُزْرِي بِمَنْ تَسْعَى لَهُ وَتَعُولُ
فَقُلْتُ أَبَتْ نَفْسٌ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ
وَطَارِقُ لَيْلٍ غَيْرَ ذَاكَ يَقُولُ
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا عَمْرَكِ اللهَ أَنَّنِي
كَرِيمٌ عَلَى حِينِ الْكِرَامُ قَلِيلُ
وَإِنِّيَ لَا أَخْزَى إِذَا قِيلَ مُمْلِقٌ
سَخِيٌّ وَأَخْزَى أَنْ يُقَالَ بَخِيلُ
فَلَا تَتْبَعِي الْعَيْنَ الْغَوِيَّةَ وَانْظُرِي
إِلَى عُنْصُرِ الْأَحْسَابِ كَيْفَ يَئُولُ
وَلَا تَذْهَبَنْ عَيْنَاكِ فِي كُلِّ شَرْمَحٍ
لَهُ قَصَبٌ جُوْفُ الْعِظَامِ أَسِيلُ
١٢٠
عَسَى أَنْ تَمَنَّى عِرْسُهُ أَنَّنِي لَهَا
بِهِ، حِينَ يَشْتَدُّ الزَّمَانُ، بَدِيلُ
إِذَا كُنْتُ فِي الْقَوْمِ الطِّوَالِ فَضَلْتُهُمْ
بِعَارِفَةٍ حَتَّى يُقَالَ طَوِيلُ
وَلَا خَيْرَ فِي حُسْنِ الْجُسُومِ وَطُولِهَا
إِذَا لَمْ يَزِنْ حُسْنَ الْجُسُومِ عُقُولُ
وَكَائِنْ رَأَيْنَا مِنْ فُرُوعٍ طَوِيلَةٍ
تَمُوتُ إِذَا لَمْ تُحْيِهِنَّ أُصُولُ
فَإِنْ لَا يَكُنْ جِسْمِي طَوِيلًا فَإِنَّنِي
لَهُ بِالْفِعَالِ الصَّالِحَاتِ وَصُولُ
وَلَمْ أَرَ كَالْمَعْرُوفِ: أَمَّا مَذَاقُهُ
فَحُلْوٌ وَأَمَّا وَجْهُهُ فَجَمِيلُ
هو لا يشكو! [ابن أَبي مُرَّة المكي]
أَضْعَفَ وَجْدِي وَزَادَ فِي سَقَمِي
أَنْ لَسْتُ أَشْكُو الْهَوَى إِلَى أَحَدِ
آهٍ مِنَ الْحُبِّ! آهِ مِنْ كَمَدِي!
إِنْ لَمْ أَمُتْ فِي غَدٍ فَبَعْدَ غَدِ
جَعَلْتُ كَفِّي عَلَى فُؤَادِيَ مِنْ
حَرِّ الْهَوَى وَانْطَوَيْتُ فَوْقَ يَدِي
كَأَنَّ قَلْبِي إِذَا ذَكَرْتُكُمُ
فَرِيسَةٌ بَيْنَ سَاعِدَيْ أَسَدِ
خروف [أَعرابي وتُروى لهُذيل بن ميسر من فزارة؟]
تَزَوَّجْتُ اثْنَتَيْنِ لِفَرْطِ جَهْلِي
بِمَا يَشْقَى بِهِ زَوْجُ اثْنَتَيْنِ
فَقُلْتُ: أَصِيرُ بَيْنَهُمَا خَرُوفًا
يُنَعَّمُ بَيْنَ أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فَصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وَتُمْسِي
تُدَاوَلُ بَيْنَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ
رِضَى هَذِي يُهَيِّجُ سُخْطَ هُذِي
فَمَا أَعْرَى مِنِ احْدَى السَّخْطَتَيْنِ
وَأَلْقَى فِي الْمَعِيشَةِ كُلَّ ضُرٍّ
كَذَاكَ الضُّرُّ بَيْنَ الضَّرَّتَيْنِ
لِهَذِي لَيْلَةٌ وَلِتِلْكَ أُخْرَى!
عِتَابٌ دَائِمٌ فِي اللَّيْلَتَيْنِ
فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَبْقَى كَرِيمًا
مِنَ الْخَيْرَاتِ، مَمْلُوءَ الْيَدَيْنِ
فَعِشْ عَزْبًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْهُ
فَضَرْبًا فِي عِرَاضِ الْجَحْفَلَيْنِ
المروءة أو «الجنتلمان» [سالم بن وابصة]١٢١
أُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الْفَوَاحِشَ سَمْعُهُ
كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا
سَلِيمَ دَوَاعِي الصَّدْرِ لَا بَاسِطًا أَذَى
وَلَا مَانِعًا خَيْرًا وَلَا نَاطِقًا هُجْرَا
إِذَا مَا أَتَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زَلَّةٌ
فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرَا
غِنَى النَّفْسِ مَا يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ خَلَّةٍ
وَإِنْ زَادَ شَيْءٌ، عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرَا
أعور مليح [ابن جني]١٢٢
لَهُ عَيْنٌ أَصَابَتْ كُلَّ عَيْنٍ
وَعَيْنٌ قَدْ أَصَابَتْهَا الْعُيُونُ
نسج العناكب على إنسان [أَبو النجيب شداد]١٢٣
عَبْدُكَ تَحْتَ الْحَبْلِ
١٢٤ عُرْيَانُ
كَأَنَّهُ — لَا كَانَ — شَيْطَانُ
يَغْسِلُ أَثْوَابًا كَأَنَّ الْبِلَى
فيِهَا خَلِيطٌ، وَهْيَ أَوْطَانُ
أَرَقُّ مِنْ دِينِيَ إِنْ كَانَ لِي
دِينٌ، كَمَا لِلنَّاسِ أَدْيَانُ
يَقُولُ مَنْ يُبْصِرُنِي مُعْرِضًا
فِيهَا، وَلِلْأَقْوَالِ بُرْهَانُ
هَذَا الَّذِي قَدْ نَسَجَتْ فَوْقَهُ
عَنَاكِبُ الْحِيطَانِ إِنْسَانُ
سحاب [القاضي التنوخي]١٢٥
سَحَابٌ أَتَى كَالْأَمْنِ بَعْدَ التَّخَوُّفِ
لَهُ فِي الثَّرَى فِعْلُ الشِّفَاءِ بِمُدْنَفِ
أَكَبَّ عَلَى الْآفَاقِ إِكْبَابَ مُطْرِقٍ
يُفَكِّرُ، أَوْ كَالنَّادِمِ الْمُتَلَهِّفِ
وَمَدَّ جَنَاحَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ جَانِحًا
فَرَاحَ عَلَيْهَا كَالْغُرَابِ الْمُرَفْرِفِ
غَدَا الْبَرُّ بَحْرًا زَاخِرًا وَانْثَنَى الضُّحَى
بِظُلْمَتِهِ فِي ثَوْبِ لَيْلٍ مُسَجَّفِ
تُحَاوِلُ مِنْهُ الشَّمْسُ فِي الْجَوِّ مَخْرَجًا
كَمَا حَاوَلَ الْمَغْلُوبُ تَجْرِيدَ مُرْهَفِ
أجرومية [هنريك هيني]
مُنْذُ آلَافِ الْحِقَبِ، صَمَدَتِ الْكَوَاكِبُ فَوْقَنَا صَامِتَةً
تَنْظُرُ كُلُّ وَامِضَةٍ مِنْهَا إِلَى أُخْتِهَا، نَظْرَةَ شَوْقٍ وَأَسًى
•••
مَا أَجَزْلَهَا وَمَا أَجْمَلَهَا، تِلْكَ اللُّغَةَ الَّتِي يَتَنَاجِينَ
بِهَا
هَلْ مِنْ فَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ اللُّغَاتِ
فَطِنَ يَوْمًا إِلَى لَحْنِ تِلْكَ الْمُنَاجَاةِ؟
•••
لَكِنَّنِي أَنَا قَدْ فَطِنْتُ لَهَا فِطْنَةً لَا تُنْسَى
فِي لَمَحَاتِ حَبِيبِي السَّمَاوِيَّةِ قَرَأْتُ أُصُولَ تِلْكَ
الْأَجْرُومِيَّةِ.
الأحمق [هنريك هيني]
مَنْ أَحَبَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَوْ غَيْرَ مَحْبُوبٍ … ذَاكَ إِلَهٌ!
وَمَنْ عَاوَدَ الْحُبَّ غَيْرَ مَطْلُوبٍ … فَذَلِكَ هُوَ الْأَحْمَقُ
•••
إِنَّنِي أَنَا لَذَلِكَ الْأَحْمَقُ!
لِأَنَّنِي أُحِبُّ حُبِّيَ الثَّانِيَ، وَمَا أَنَا بِمَحْبُوبٍ
وَهَاؤُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَكَوَاكِبَ السَّمَاءِ تَضِجُّ بِالضَّحِكِ
سَاخِرَةً
وَأَنَا أَضْحَكُ مَعَهَا، وَأَمُوتُ.
[ابن لنكك البصري]١٢٦
لَا تَخْدَعَنْكَ اللِّحَى وَلَا الصُّوَرْ
تِسْعَةُ أَعْشَارِ مَنْ تَرَى بَقَرْ!
فِي شَجَرِ السَّرْوِ مِنْهُمْ مَثَلٌ
لَهُ رُوَاءٌ وَمَا لَهُ ثَمَرْ
اللحن المقصور [الحسن بن إسحاق اليمني]١٢٧
لَعَمْرُكَ مَا اللَّحْنُ مِنْ شِيمَتِي
وَلَا أَنَا مِنْ خَطَأٍ أَلْحَنُ
وَلَكِنَّنِي قَدْ عَرَفْتُ الْأَنَا
مَ فَخَاطَبْتُ كُلًّا بَمَا يُحْسِنُ
خيالُ الضَّرير
من أوصاف بشَّار [بشار بن برد]١٥٣
طَالَ هَذَا اللَّيْلُ، بَلْ طَالَ السَّهَرْ
وَلَقَدْ أَعْرِفُ لَيْلِي بِالْقِصَرْ
وَكَأَنَّ الْهَمَّ شَخْصٌ مَاثِلٌ
كُلَّمَا أَبْصَرَهُ النَّوْمُ نَفَرْ
•••
وَحَدِيثٍ كَأَنَّهُ قِطَعُ الرَّوْ
ضِ، وَفِيهِ الصَّفْرَاءُ وَالْحَمْرَاءُ
•••
وَتَخَالُ مَا جَمَعَتْ عَلَيـْ
ـهِ ثِيَابَهَا ذَهَبًا وَعِطْرَا
•••
كَأَنَّمَا خُلِقَتْ مِنْ مَاءِ لُؤْلُؤَةٍ
فَكُلُّ أَعْضَائِهَا وَجْهٌ بِمِرْصَادِ
•••
قَدْ أَلْبَسُ الْعَيْشَ ذَا الرِّقَاعِ وَلَا
أَلْبَسُ ثَوْبَ الْإِخَاءِ مُنْخَرِقَا
•••
فَيَا عَجَبًا زَيَّنْتُ نَفْسِي بِحُبِّهَا،
وَزَانَتْ بِهَجْرِي نَفْسَهَا وَتَحَلَّتِ
•••
إِذَا سَفَرَتْ طَابَ النَّعِيمُ بِوَجْهِهَا
وَشُبِّهَ لِي أَنَّ الْمَضِيقَ فَضَاءُ
•••
طَالَ الثَّوَاءُ عَلَى تَنَظُّرِ حَاجَةٍ
شَمِطَتْ لَدَيْكَ فَمَنْ لَهَا بِخِضَابِ؟
•••
وَلَهَا مَبْسِمٌ كَغُرِّ الْأَقَاحِي
وَحَدِيثٌ كَالْوَشْيِ، وَشْيِ الْبُرُودِ
•••
إِذَا نَطَقَتْ صِحْنَا وَصَاحَ لَنَا الصَّدَى
صِيَاحَ جُنُودٍ وُجِّهَتْ لِجُنُودِ
•••
… أَنَّى وَلَمْ تَرَهَا تَهْذِي؟ فَقُلْتُ لَهُمْ:
إِنَّ الْفُؤَادَ يَرَى مَا لَا يَرَى الْبَصَرُ
•••
فَقُلْتُ: دَعُوا قَلْبِي وَمَا اخْتَارَ وَارْتَضَى
فَبِالْقَلْبِ، لَا بِالْعَيْنِ، يُبْصِرُ ذُو اللُّبِّ
وَمَا تُبْصِرُ الْعَيْنَانِ فِي مَوْضِعِ الْهَوَى
وَلَا تَسْمَعُ الْأُذْنَانِ إِلَّا مِنَ الْقَلْبِ
•••
وَخُذِي مَلَابِسَ زِينَةٍ
وَمُصَبَّغَاتٍ فَهْيَ أَفْخَرْ
وَإِذَا دَخَلْتِ تَقَنَّعِي
بِالْحُمْرِ، إِنَّ الْحُسْنَ أَحْمَرْ
•••
وَتَوَقَّ الطِّيبَ لَيْلَتَنَا
إِنَّهُ وَاشٍ إِذَا سَطَعَا
•••
بَاكَرْنَ عِطْرَ لَطِيمَةٍ
وَغُمِسْنَ فِي الْجَادِيِّ غَمْسَا
•••
إِذَا وَضَعَتْ فِي مَجْلِسِ الْقَوْمِ نَعْلَهَا
تَضَوَّعَ مِسْكًا مَا أَصَابَ وَعَنْبَرَا
•••
لَقَدْ عَشِقَتْ أُذْنِي كَلَامًا سَمِعْتُهُ
رَخِيمًا، وَقَلْبِي لِلْمَلِيحَةِ أَعْشَقُ
تابوت [هنريك هيني]
أَحْلَامُ الْعَلْقَمِ، وَأَغَانِي الْبَلْوَى، حَانَتْ سَاعَةُ الدَّفْنِ! فَإِليَّ
إِليَّ — بِالتَّابُوتِ الْوَاسِعِ الطَّوِيلِ
سَأَطْوِي فِيهِ وَدَائِعَ شَتَّى. مَا أَنَا بِقَائِلٍ مَا هِيَ وَلَا بِمُطْلِعٍ
أَحَدًا عَلَى صِفَاتِهَا … إِنَّمَا الْبُغْيَةُ تَابُوتٌ كَبِيرٌ … أَعْظَمُ مِنْ
صِهْرِيجِ «هِدِلْبِرْجِ»
١٥٤ الْعَظِيمِ وَأَنْشُدُكُمْ لَهُ مَرْكَبَةً عَلَى غِرَارِهِ! كُلُّ عَمُودٍ
مِنْ عِمْدَانِهَا الْمَكَنِيَّةِ، يُطَاوِلُ الْقَنْطَرَةَ الَّتِي تَرَوْنَهَا تَحْنُو
عَلَى أَمْوَاجِ الرَّيْنِ الْعَرِيضِ
وَهَاتُوا لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مَارِدًا؛ كُلُّ مَارِدٍ مِنْهُمْ أَوْثَقُ فَقَارًا
مِنْ مِثَالِ الْقِدِّيسِ «كُرِيسْتُوفِ» فِي كَنِيسَةِ كُولِنِ الْكُبْرَى
إِنَّهُمْ سَيَحْمِلُونَ التَّابُوتَ جَمِيعًا، وَيُنْزِلُونَهُ إِلَى قَرَارِ
الْبَحْرِ الْعَمِيقِ، فَمَا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ تَابُوتٍ قَدِيرٍ، مَكَانٌ دُونَ ذَلِكَ
الْمَكَانِ الْكَرِيمِ
وَلَكِنْ مَا بَالُهُ يَرْسَخُ وَلَا يَتَزَحْزَحُ؟ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْوِقْرُ
الثَّقِيلُ …؟
أَعَلِمْتُمْ مَا بَالُهُ يَا رِفَاقُ! … لَقَدْ أَوْدَعْتُه حُزْنِي، وَقَدْ
أَوْدَعْتُهُ حُبِّي.
لا بديل [الأَفوه الأَودي]١٥٥
كُلُّ جُزْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا
كَائِنٌ مِنْ حُسْنِهِ مَثَلَا
لَوْ تَمَنَّتْ فِي بَرَاعَتِهَا
لَمْ تَجِدْ فِي حُسْنِهَا بَدَلَا
خير الكلام [أَحمد بن الخصيب]١٥٦
خَيْرُ الْكَلَامِ قَلِيلٌ
عَلَى الْكَثِيرِ دَلِيلُ
وَالْعِيُّ مَعْنًى قَصِيرٌ
يَحْوِيهِ لَفْظٌ طَوِيلُ
آخر الكأس [إبراهيم بن هلال الصَّابي]١٥٧
الْعُمْرُ مِثْلُ الْكَأْسِ يَرْ
سُبُ فِي أَوَاخِرِهَا الصَّدَى
جلساء مأمونون [ابن الأَعرابي]١٥٨
لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ
أَلِبَّاءُ، مَأْمُونُونَ، غَيْبًا وَشُهَّدَا
يُفِيدُونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عِلْمَ مَا مَضَى
وَعَقْلًا وَتَأْدِيبًا، وَرَأْيًا مُسَدَّدَا
فَلَا فِتْنَةٌ تُخْشَى وَلَا سُوءُ عِشْرَةٍ
وَلَا نَتَّقِي مِنْهُمْ لِسَانًا وَلَا يَدَا
فَإِنْ قُلْتَ أَمْوَاتٌ، فَمَا أَنْتَ كَاذِبٌ،
وَإِنْ قُلْتَ أَحْيَاءٌ فَلَسْتَ مُفَنَّدَا
طارقان [الحسين بن محمد السهواجي]١٥٩
وَقَدْ كُنْتُ أَخْشَى الْحُبَّ لَوْ كَانَ نَافِعِي
مِنَ الْحُبِّ أَنْ أَخْشَاهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ
كَمَا حُذِّرَ الْإِنسَانُ مِنْ نَوْمِ عَيْنِهِ
وَنَامَ وَلَمْ يَشْعُرْ أَوَانَ هُجُوعِهِ
وأبوه [العباس بن الأَحنف]١٦٠
انْظُرْ إِلَى جَسَدٍ أَضَرَّ بِهِ الْهَوَى
لَوْلَا تَقُلُّبُ طَرْفِهِ دَفَنُوهُ
مَنْ كَانَ خِلْوًا مِنْ تَبَارِيحِ الْهَوَى
فَأَنَا الْهَوَى، وَأَخُو الْهَوَى، وَأَبُوهُ
إلا الكبائر [الحسين بن عبد الله البغدادي]
أَنَا لَا أَصْبِرُ عَمَّنْ
لَا يَجُوزُ الصَّبْرُ عَنْهُ
كُلُّ ذَنْبٍ فِي الْهَوَى يُغـْ
ـفَرُ لِي، مَا لَمْ أَخُنْهُ
شجرة السم [وليام بليك]١٦١
غَضِبْتُ مِنْ صَدِيقِي، وَتَكَلَّمْتُ، فَخَفِيَ الْغَضَبُ وَانْتَهَى
وَغَضِبْتُ مِنْ عَدُوِّي، وَلَمْ أَتَكَلَّمْ، فَخَفِيَ وَنَمَا
•••
رَوَيْتُ الْغَضَبَ بِمَاءِ الْمَخَاوِفِ، وَسَقَيْتُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
بِالدُّمُوعِ
وَشَمَّسْتُهُ بِالْبَسَمَاتِ الْكَوَاذِبِ، وَرَوَّحْتُ عَلَيْهِ بِالْحِيَلِ
الْمُخَادِعَاتِ
•••
وَرَاحَ يَنْمُو، وَيَتَفَرَّعُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
ثُمَّ حَمَلَتْ شَجَرَتُهُ تُفَّاحَةً ذَاتَ لَوْنٍ بَهِيجٍ
رَآهَا عَدُوِّي تَبْرُقُ فِي الضِّيَاءِ، وَعَرَفَ أَنَّهَا تُفَّاحَتِي
فَتَسَلَّلَ إِلَى الشَّجَرَةِ فِي جُنْحِ الظَّلَامِ
وَأَقْبَلَ الصَّبَاحُ بِنُورِهِ وَافَرَحَاهُ. فَإِذَا هُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
طَرِيحٌ.
إنصاف النجوم [علي بن بسام]١٦٢
لَا أَظْلِمُ اللَّيْلَ وَلَا أَدَّعِي
أَنَّ نُجُومَ اللَّيْلَ لَيْسَتْ تَغُورُ
لَيْلِي كَمَا شَاءَتْ: فَإِنْ لَمْ تَجُدْ
طَالَ، وَإِنْ جَادَتْ فَلَيْلِي قَصِيرُ
متعود [كُثَيِّر عزة]
فَإِنْ تَبْذُلِي لِي مِنْكِ يَوْمَ مَوَدَّةٍ
فَقِدْمًا تَخِذْتُ الْقَرْضَ عِنْدَ بُذُولِ
وَإِنْ تَبْخَلِي «يَا لَيْلُ» عَنِّي فَإِنَّنِي
تُوَكِّلُنِي نَفْسِي بِكُلِّ بَخِيلِ
وَلَسْتُ بِرَاضٍ مِنْ خَلِيلٍ بِنَائِلٍ
قَلِيلٍ، وَلَا رَاضٍ لَهُ بِقَلِيلِ
وَلَيْسَ خَلِيلِي بِالْمَلُولِ وَلَا الَّذِي
إِذَا غِبْتُ عَنْهُ بَاعَنِي بِخَلِيلِ
وَلَكِنْ خَلِيلِي مَن يُدِيمُ وِصَالَهُ
وَيَحْفَظُ سِرِّي عِنْدَ كُلِّ دَخِيلِ
أدوية الحب [أُمُّ الضَّحَّاكِ المُحاربيَّة]١٦٣
سَأَلْتُ الْمُحِبِّينَ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا
تَبَارِيحَ هَذَا الْحُبِّ مِنْ سَالِفِ الدَّهْرِ
فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا يُذْهِبُ الْحُبَّ بَعْدَمَا
تَبَوَّأَ مَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالصَّدْرِ؟
فَقَالُوا: شِفَاءُ الْحُبِّ حُبٌّ يُزِيلُهُ
لِآخَرَ، أَوْ نَأْيٌ طَوِيلٌ عَلَى الْهَجْرِ
أَوِ الْيَأْسُ حَتَّى تَذْهَلَ النَّفْسُ بَعْدَمَا
رَجَتْ طَمَعًا، وَالْيَأْسُ عَوْنٌ عَلَى الصَّبْرِ
سيان [علي عبد العزيز الجرجاني]١٦٤
وَفَارَقْتُ حَتَّى مَا أُسَرُّ بِمَنْ دَنَا
مَخَافَةَ نَأْيٍ أَوْ حِذَارَ صُدُودِ
فَلَيْسَ قَرِيبًا مَنْ يُخَافُ بُعَادُهُ
وَلَا مَنْ يُرَجَّى قُرْبُهُ بِبَعِيدِ
سلفة من الصبر [علي عبد العزيز الجرجاني]
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَسْتَقْرِضَ الْمَالَ مُنْفِقًا
عَلَى شَهَوَاتِ النَّفْسِ فِي زَمَنِ الْعُسْرِ
فَسَلْ نَفْسَكَ الْإِنْفَاقَ مِنْ كَنْزِ صَبْرِهَا
عَلَيْكَ، وَإِنْظَارًا إِلَى زَمَنِ الْيُسْرِ
فَإِنْ فَعَلَتْ كُنْتَ الْغَنِيَّ، وَإِنْ أَبَتْ
فَكُلُّ مَنُوعٍ بَعْدَهَا وَاسِعُ الْعُذْرِ
الأحمق [مسكين الدَّارمي]١٦٥
اتَّقِ الْأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهُ
إِنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلَقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَ مِنْهُ جَانِبًا
حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ وَهْنًا فَانْخَرَقْ
وَإِذَا جَالَسْتَهُ فِي مَجْلِسٍ
أَفْسَدَ الْمَجْلِسَ مِنْهُ بالْخَرَقْ
كَحِمَارِ السُّوءِ إِنْ أَشْبَعْتَهُ
رَمَحَ النَّاسَ، وَإِنْ جَاعَ نَهَقْ
أَوْ كَعَبْدِ السُّوءِ، إِنْ جَوَّعْتَهُ
سَرَقَ الْجَارَ، وَإِنْ يَشْبَعْ فَسَقْ
طريق مؤنس [رسته الأصبهاني]١٦٦
قَدْ مَاتَ كُلُّ نَبِيلٍ
وَمَاتَ كُلُّ نَبِيهِ
لَا يُوحِشَنْكَ طَرِيقٌ
كُلُّ الْخَلَائِقِ فِيهِ
دموع الحديث [ذُو القرنين التغلبي]١٦٧
لَوْ كُنْتَ سَاعَةَ بَيْنِنَا مَا بَيْنَنَا
وَشَهِدْتَ حِينَ نُكَرِّرُ التَّوْدِيعَا
أَيْقَنْتَ أَنَّ مِنَ الدُّمُوعِ مُحَدِّثًا
وَعَلِمْتَ أَنَّ مِنَ الْحَدِيثِ دُمُوعَا
هاربٌ في مكانه [فرلين]١٦٨
آهٍ. إِنَّ نَفْسِي لَحَزِينَةٌ، جِدُّ حَزِينَةٍ
وَمِمَّ؟ … مِنْ جَرَّاءِ امْرَأَةٍ!
•••
وَتَعَزَّيْتُ، وَمَا مِنْ عَزَاءٍ
وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ قَدْ فَرَّ مِنْهَا مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ
•••
فَرَّتْ رُوحِي، وَفَرَّ قَلْبِي، لِيَضْمُدَ الْجِرَاحَ
وَالرُّوحُ وَالْقَلْبُ لَا يَسْلُوانِ
وَتَعَزَّيْتُ، وَمَا مِنْ عَزَاءٍ
وَإِنْ كَانَ قَلْبِي قَدْ فَرَّ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ
•••
ثُمَّ قَالَ الْقَلْبُ الْوَاهِنُ لِلرُّوحِ الْحَائِرَةِ:
أَمُمْكِنٌ هَذَا؟ أَلَيْسَ هَذَا بِعَجِيبٍ؟
أَمُمْكِنٌ أَنَّكِ فَارَقْتِ مَنْفِيَّةً
وَنَأَيْتِ فِي حُزْنٍ وَإِبَاءٍ؟
•••
قَالَتِ الرُّوحُ: وَهَلْ أَعْلَمُ أَنَا مَا هُنَالِكَ؟!
وَهَلْ أَدْرِي فِي أَيِّ مَكَانٍ تُعَدُّ لَنَا خَفَايَا الشِّبَاكِ؟!
جَائِزٌ أَنْ أَبْتَعِدَ مَا ابْتَعَدَتْ، وَأَرْحَلُ حَيْثُ رَحَلَتْ
وَلَكِنَّنِي لَمْ أَبْرَحْ حَيْثُ كُنْتُ، وَلَا أَزَالُ أُقِيمُ.
تعالَي [كرستينا روزتي]١٦٩
تَعَالَيْ فِي سَجْوَةِ اللَّيْلِ
تَعَالَيْ فِي الصَّمْتِ النَّاطِقِ: صَمْتِ الْأَحْلَامِ
تَعَالَيْ بِالْوَجْنَةِ الْبَضَّةِ وَالْعَيْنِ الْوَضِيئَةِ
كَشُعَاعِ الشَّمْسِ عَلَى صَفْحَةِ الْمَاءِ
إِيهٍ يَا ذِكْرَى الرَّجَاءِ وَالْحُبِّ فِي السَّنَوَاتِ الْخَالِيَاتِ
تَعَالَيْ فِي الدُّمُوعِ
•••
مَا أَحْلَاكَ يَا حُلْمُ!
مَا أَشَدَّ مَا حَلَوْتَ! مَا أَمَرَّ مَا حَلَوْتَ …!
مَا كَانَ أَوْلَى بِالْيَقَظَةِ مِنْكَ أَنْ تَكُونَ فِي جَنَّاتِ
الْفِرْدَوْسِ
حَيْثُ الْأَرْوَاحُ الْمُتْرَعَةُ بِالْحُبِّ تَسْكُنُ وَتَتَلَاقَى
حَيْثُ الْعُيُونُ الظَّوَامِئُ تَتَشَوَّفُ إِلَى الْبَابِ الْبَطِيءِ
الَّذِي يَنْفَتِحُ لِيَدْخُلَ مِنْهُ الْمُقْبِلُ، وَلَا يَنْفَتِحُ لِيَخْرُجَ مِنْهُ
مُفَارِقٌ
•••
بَلْ تَعَالَيْ إِلَيَّ فِي الْأَحْلَامِ، نَسْتَعِيدُ مَا كَانَ
وَلَوْ صُورَةً كَصُورَةِ التِّمْثَالِ قَدْ بَرَدَتْ مِنْهُ الْحَيَاةُ
تَعَالَيْ فِي الْأَحْلَامِ. عَسَى أَنْ أُعْطِيَكِ نَبْضَةً بِنَبْضَةٍ وَنَفَسًا
بِنَفَسٍ
وَتَكَلَّمِي بِرِفْقٍ. وَانْحَنِي بِرِفْقٍ، كَمَا كُنَّا مِنْ قَدِيمٍ
آهٍ. مَا أَبْعَدَهُ مِنْ قَدِيمٍ!
منسيات مذكورات [كرستينا روزتي]
وَدِدْتُ لَوْ ذَكَرْتُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، وَالسَّاعَةَ الْأُولَى، وَاللَّحْظَةَ
الْأُولَى
لَحْظَةَ اللِّقَاءِ … أَوَّلَ لِقَاءٍ
وَدِدْتُ لَوْ أَذْكُرُهَا أَكَانَتْ مُصْحِيَةً أَمْ غَائِمَةً، وَفِي الصَّيْفِ
كَانَتْ أَمْ فِي الشِّتَاءِ
إِنَّهَا انْطَلَقَتْ بِنَا غَيْرَ مَرْصُودَةٍ، وَفِي غَيْرِ سِجِلٍّ مَحْفُوظٍ
كُنْتُ فِي غَفْلَةٍ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا أَرَى، وَمَا سَوْفَ أَرَى
كُنْتُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ شَجَرَتِي وَهْيَ تَنْبُتُ مِنْ جَوْفِ الثَّرَى
تِلْكَ الشَّجَرَةُ «الَّتِي سَيَنْقَضِي كَمْ مِنْ رَبِيعٍ» وَهِيَ لَا تَحْمِلُ
زَهْرَةً
لَيْتَنِي أَذْكُرُ سَاعَتَهَا …
يَوْمٌ فِي الْأَيَّامِ أَتَى وَانْقَضَى وَلَا أَثَرَ. كَأَنَّهُ ذَوْبُ الثَّلْجِ
الَّذِي مَضَى
كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعْنِي شَيْئًا، كَأَنَّهَا كَانَتْ تَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ
فَلَا يُسْأَلُ عَنْهَا
أَلَا لَيْتَنِي أَسْتَعِيدُ الْيَوْمَ ذِكْرَاهَا
ذِكْرَى اللَّمْسَةِ الْأُولَى إِذِ الْيَدُ مُصَافِحَةٌ أُخْرَى
آهٍ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ.
صديق مراء [يزيد بن الحكم الثقفي]١٧٠
تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ
وَعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِي
١٧١
عَدُوُّكَ يَخْشَى صَوْلَتِي إِنْ لَقِيتُهُ
وَأَنْتَ عَدُوِّي؟ لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِي
تُصَافِحُ مَنْ لَاقَيْتَ لِي ذَا عَدَاوَةٍ
صِفَاحًا، وَكَيْدِي بَيْنَ عَيْنَيْكَ مُنْزَوِي
أَرَاكَ إِذَا لَمْ أَهْوَ أَمْرًا هَوِيتَهُ
وَلَسْتَ لِمَا أَهْوَى مِنَ الْأَمْرِ بِالْهَوِي
تَمَلَّأْتَ مِنْ غَيْظٍ عَلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ
بِكَ الْغَيْظُ حَتَّى كِدْتَ بِالْغَيْظِ تَنْشَوِي
جَمَعْتَ، وَفُحْشًا، غِيبَةً وَنَمِيمَةً:
خِصَالًا ثَلَاثًا لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِي
كيف [مجنون ليلى]
وَكَيْفَ أُطِيعُ الْعَاذِلَاتِ وَحُبُّهَا
يُؤَرِّقُنِي، وَالْعَاذِلَاتُ هُجُوعُ
غناء [أَبو علي البصير]١٧٢
غِنَاؤُكِ عِنْدِي يُمِيتُ الطَّرَبْ
وَضَرْبُكِ بِالْعُودِ يُحْيِي الْكُرَبْ
وَلَمْ أَرَ قَبْلَكِ مِنْ قَيْنَةٍ
تُغَنِّي فَأَحْسِبُهَا تَنْتَحِبْ
وَلَا شَاهَدَ النَّاسُ إِنْسِيَّةً
سِوَاكِ لَهَا بَدَنٌ مِنْ خَشَبْ
وَوَجْهٌ رَقِيبٌ عَلَى نَفْسِهِ
يُنَفِّرُ عَنْكِ عُيُونَ الرِّيَبْ
وَلَوْ مَازَجَ النَّارَ فِي حَرِّهَا
حَدِيثُكِ أَخْمَدَ مِنْهَا اللَّهَبْ
الوراثة [توماس هاردي]
أَنَا وَجْهُ الْأُسْرَةِ
يَبْلَى اللَّحْمُ وَالدَّمُ وَأَنَا حَيٌّ لَا أَبْلَى
أَنْقُلُ الْأَشْبَاهَ وَالْمَلَامِحَ مِنْ زَمَنٍ مَجْهُولٍ إِلَى زَمَنٍ
مَجْهُولٍ
وَأَقْفِزُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ
عَلَى هَاوِيَةِ الظَّلَامِ وَالنِّسْيَانِ
•••
تِلْكَ الْمَعَارِفُ الْمُتَعَاقِبَةُ
الَّتِي فِي وُسْعِهَا بِثَنْيَةٍ فِي عِطْفٍ
أَوْ نَبْرَةٍ فِي صَوْتٍ، أَوْ لَمْحَةٍ فِي عَيْنٍ
أَنْ تَزْدَرِي بِالْآجَالِ الْمَقْدُورَةِ لِلْإِنْسَانِ
تِلْكَ هِيَ أَنَا
تِلْكَ هِيَ الشَّيْءُ السَّرْمَدُ فِي الْفَانِي
الَّذِي لَا يُلَبِّي دَعْوَةَ الْفَنَاءِ.
نشيدُ الصَّيدِ [داننزيو]١٧٣
لَمْ يَزَلْ نِقَابُ الطَّلِّ الضَّبَابِيِّ يَحْجُبُ وَجْنَةَ الصَّبَاحِ
الْوَرْدِيَّةِ
وَاسْتَمِعْ هُنَاكَ … مَا أَخَفَّ وَطْءَ الثَّعَالِبِ وَهْيَ تَرْكُضُ فِي
الْآجَامِ!
•••
وَعَلَى مِهَادِ الدِّمَقْسِ كِلَارَا — كِلَارَاي — تُنْفِقُ سَاعَاتِ الْكَسَلِ فِي
الْأَحْلَامِ
يَصْعَدُ إِلَيْهَا نَسِيمُ الْمُرُوجِ الْبَلِيلُ دَفِيءُ الْأَنْفَاسِ
وَسِيَّانِ فِيهَا الْأَعْشَابُ وَالْأَزْهَارُ، فِي نُضْرَةِ الْجَمَالِ
•••
ارْفَعِي أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ الْحُلْوَةُ مِنْ ضَجْعَتِكِ الْغَائِرَةِ
كُلَّ مَا فِي ذَلِكَ الرَّأْسِ الْبَدِيعِ مِنْ هَالَةِ فَخَارٍ
وَاسْمَعِي … إِنَّ الْكِلَابَ لَتَعْوِي فِي الْفِنَاءِ
عِوَاءً كَفِيلًا بِيَقَظَةِ الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ
أَلَا تَسْمَعِينَ الْبُوقَ الْمَرِحَ يَدْعُوكِ إِلَى الطِّرَادِ؟
إِلَيْهِ. إِلَيْهِ!
إِنَّ الظِّبَاءَ قَدْ فَارَقَتْ خُدُورَهَا
عَلَى فِجَاجِ الْبَلُّوطِ وَالْعَوْسَجِ الْقَدِيمِ
•••
لُفِّي ذَيْنِكِ النَّهْدَيْنِ الْكَاعِبَيْنِ فِي قَبَاءٍ
لَهُ مِنَ الرُّجُولَةِ شَدٌّ وَإِحْكَامٌ
إِنِّي لَأَسْمَعُ فَرَسَكِ الْحَبِيبَ
يَصْهِلُ لَكِ فِي طَرَبٍ وَانْتِشَاءٍ، وَيَدُقُّ بِالْحَافِرِ الْقَلِقِ
مَتْنَ الطَّرِيقِ الْمَرْصُوفِ
•••
هَا أَنْتِ ذِي عَلَى السَّلَالِمِ سَيِّدَتِي. هَا هَا
هَلُمِّي هَلُمِّي، بَدَارِ بَدَارِ
الصَّبَاحُ الْمُوَرِّدُ يَتَوَهَّجُ عَلَى الْقِمَمِ
فَإِلَى الْمُرُوجِ إِلَى الْمُرُوجِ! وَإِلَى الْفَضَاءِ …
لا أدري [زيد بن رزين]١٧٤
وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَبِالْمُلْكِ تَبْتَغِي
نَجَاحَ الَّذِي حَاوَلْتَ، أَمْ تَتسَرَّعُ
وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَشَيْءٌ تُحِبُّهُ
يَسُرُّكَ، أَمْ مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ أَنْفَعُ
وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي بِأَيَّةِ بَلْدَةٍ
صَدَاكَ، وَلَا عَنْ أَيِّ جَنْبَيْكَ تُصْرَعُ
السياط هينة [ابنة الحباب]١٧٥
أَقُولُ لِعَمْرٍو وَالسِّيَاطُ تَلَفُّنِي
لَهُنَّ عَلَى مَتْنَيَّ شَرُّ دَلِيلِ
فَأَشْهَدُ — يَا غَيْرَانُ — أَنِّي أُحِبُّهُ!
بِسَوْطِكَ فَاضْرِبْنِي وَأَنْتَ ذَلِيلِي
وقطع اللسان [ابنة الحباب]
خَلِيلَيَّ إِنْ أَصْعَدْتُمَا أَوْ هَبَطْتُمَا
بِلَادًا هَوَى نَفْسِي بِهَا فَاذْكُرَانِيَا
وَلَا تَدَعَا، إِنْ لَامَنِي ثَمَّ لَائِمٌ
عَلَى سَخَطِ الْوَاشِينَ أَنْ تَعْذُرَانِيَا
فَقَدْ شَفَّ قَلْبِي بَعْدَ طُولِ تَجَلُّدِي
أَحَادِيثُ مِنْ يَحْيَى تُشِيبُ النَّوَاصِيَا
سَأَرْعَى لِيَحْيَى الْوُدَّ مَا هَبَّتِ الصَّبَا
وَإِنْ قَطَّعُوا فِي ذَاكَ عَمْدًا لِسَانِيَا
إن لم يكن موتٌ فرثاء! [ابن مناذر]١٧٦
كلُّ حَيٍّ لَاقِي الْحِمَامِ فَمُودٍ؛
مَا لِحَيٍّ مُؤَمِّلٍ مِنْ خُلُودِ
لَا تَهَابُ الْمَنُونُ شَيْئًا وَلَا تَرْ
عَى عَلَى وَالِدٍ وَلَا مَوْلُودِ
وَلَقَدْ تَتْرُكُ الْحَوَادِثُ وَالْأَيـْ
ـيَامُ وَهْيًا فِي الصَّخْرَةِ الْجُلْمُودِ
وَأَرَانَا كَالزَّرْعِ يَحْصُدُهُ الدَّهـْ
ـرُ، فَمَا بَيْنَ قَائِمٍ وَحَصِيدِ
وَكَأَنَّا لِلْمَوْتِ رَكْبٌ مُخِبُّو
نَ، سِرَاعًا لِلْمَنْهَلِ الْمَوْرُودِ
إِنَّ عَبْدَ الْمَجِيدِ يَوْمَ تَوَلَّى
هَدَّ رُكْنًا مَا كَانَ بِالْمَهْدُودِ
مَا دَرَى نَعْشُهُ وَلَا حَامِلُوهُ
مَا عَلَى النَّعْشِ مِنْ عَفَافٍ وَجُودِ
وَيْحَ أَيْدٍ حَثَتْ عَلَيْهِ، وَأَيْدٍ
دَفَنَتْهُ، مَا غَيَّبَتْ فِي الصَّعِيدِ!
حِينَ تَمَّتْ آدَابُهُ وَتَرَدَّى
بِرِدَاءٍ مِنَ الشَّبَابِ جَدِيدِ
وَسَقَاهُ مَاءُ الشَّبِيبَةِ فَاهْتَزْ
زَ اهْتِزَازَ الْغُصْنِ النَّدِ الْأُمْلُودِ
وَسَمَتْ نَحْوَهُ الْعُيُونُ وَمَا كَا
نَ عَلَيْهِ لِزَائِدٍ مِنْ مَزِيدِ
وَكَأَنِّي أَدْعُوهُ وَهْوَ قَرِيبٌ
حِينَ أَدْعُوهُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدِ
فَلَئِنْ صَارَ لَا يُجِيبُ لَقَدْ كَا
نَ سَمِيعًا هَشًّا إِذَا هُوَ نُودِي
وَلَئِنْ كُنْتُ لَمْ أَمُتْ مِنْ جَوَى الحُزْ
نِ عَلَيْهِ لَأَبْلُغَنْ مَجْهُودِي
لَأُقِيمَنَّ مَأَتَمًا كَنُجُومِ الـْ
ـلَيْلِ زُهْرًا يَلْطُمْنَ حَرَّ الْخُدُودِ
مُوجَعَاتٍ يَبْكِينَ لِلْكَبِدِ الْحَرْ
رَى عَلَيْهِ وَلِلْفُؤَادِ الْعَمِيدِ