نظام الحكومة في عهد الأسرة الثانية عشرة
(١) نظام الحكم
أما نظام الحكم الذي وضع في عهد الدولة الوسطى فيعتبر بالنسبة لتاريخ مصر عهد رخاء؛ إذ به وطدت وحدة البلاد، وامتدت حدودها، وهو في الواقع يعد عصرًا ذهبيًّا، ويرجع الفضل في ذلك إلى قوة شكيمة مؤسسها العظيم وأخلافه من بعده في تنفيذ المنهاج الذي وُضع لهذا النظام بكل دقة وعناية يشد أزرهما نشاط وحزم، وإذا لم يصلنا من المعلومات عن النظم الإدارية إلا الشيء القليل نسبيًّا، فإن ما لدينا يمكننا من القول بأن ما بلغته مصر في ذلك العهد من التقدم لا يقل بكثير عما وصلت إليه حكومات عصرنا الحديث من النظام والعدالة الاجتماعية.
وإذا كانت مصر في عهد الملوك الأول من الأسرة الثانية عشرة لا تزال تمثل في ظاهرها أحوال الحكومة الإقطاعية، فإن حقيقة الأمر تنبئ بأن العصر الذهبي للإقطاع قد أصبح خبر كان، حقًّا قد ظهر بلاط الأمراء بأبهة وفخامة أكثر مما كان في عهد الانتقال الذي كان عصر فقر وبؤس، ولكن ذلك في الواقع برق خلب، لا يمكن أن يعطينا صورة حقيقية عن قوتهم وعظم جاههم؛ إذ كان هؤلاء الأمراء في ذلك الوقت لا يستمدون مواردهم من قوتهم الشخصية، بل من النشاط الجديد الذي ينبعث من حكومة قوية الأركان، ومن الرخاء الذي تفيض به البلاد، فمنذ عهد «أمنمحات الأول» لم تعد المقاطعات تعتبر أنها حكومات داخل حكومة، ويتضح ذلك من مجرد كون ملوكها يقيمون من جديد المعابد للآلهة المحليين في كل المقاطعات، وهذا برهان محس على سيادتهم، وبخاصة إذا علمنا أنهم أقاموا هذه المعابد على يد مهندسيهم وموظفيهم، لا على يد أمراء المقاطعات وهم كهنتها العظام. حقًّا إن أملاك التاج الخاصة لم يعد لها وجود في المقاطعات منذ زمن بعيد، ولكن في مقابل ذلك كانت تجبى الإتاوات من المواد الطبعية في كل المقاطعات للبيت المالك، وقد كان أمير المقاطعة مكلفًا توريدها، وكانت تحضر بطاقات في مكتب الوزير ليحصي فيها كل سكان البلاد في سنين معينة.
وكذلك كانت كل الأمور الخاصة بقانون الأحوال الشخصية مثل الوصايا تحرَّر أمام شهود وبحضور الموظفين (الكُتاب) الذين كانوا يشرفون على هذه الإدارة لا أمام إدارات المقاطعة.
(٢) تقسيم مصر الإداري
وقد كانت مصر في عهد الدولة الوسطى مقسمة قسمين رئيسيين: وهما الوجه القبلي والوجه البحري، كما يدل على ذلك قائمة المقاطعات التي كُشف عنها حديثًا في معبد «سنوسرت الأول» الذي وجدت أحجاره مستعملة في مباني «البوابة» الثالثة التي أقامها «أمنحوتب الثالث» في معبد «الكرنك»، وقد أعيد بناء معبد «سنوسرت» هذا ثانية في ناحية من معبد «الكرنك»، ويلاحظ أن كلًّا من هذين القسمين قد رُسم فوقه سماء واحدة منفصلة عن الأخرى؛ ولذلك نجد في هذه الوثيقة أن مقاطعات الوجه القبلي قد غُطيت بسماء تبتدئ بالمقاطعة الأولى، وتنتهي عند المقاطعة الثانية والعشرين، وكذلك الحال مع مقاطعات الوجه البحري، نجده تحت سماء منفصلة أيضًا مما يدل على أن كلًّا من القطرين كان عالمًا منفردًا بنفسه قبل توحيد القطرين.
(٢-١) تقسيم الوجه القبلي قسمين إداريين
والظاهر أن تقدُّم الفرعون في جمع كل السلطة في يده كان مستمرًّا؛ فنرى أن كل مقابر حكام المقاطعات التي يمكن أن يحدد تاريخها يرجع عهدها إلى النصف الأول من هذه الأسرة، فالمقابر الضخمة التي نُحتت في الصخور في عهد كل من «سنوسرت الثاني» حوالي عام ١٨٨٠ق.م، وبخاصة مقابر أمير «منعات خوفو» المسمى «خنوم حتب الثاني» في «بني حسن»، ومقبرة أمير مقاطعة الأرنب المسمى «تحوتي حتب» في «البرشة»، ومقبرة أمير «النوبة» المسمى «سرنبوت الثاني» في «إلفنتين» كل هذه تعد أفخم المقابر، غير أنها في الوقت نفسه كانت آخر ما أقيم لأمراء في جبانات هذه المقاطعات، هذا ولا نجد قط في أية بقعة من بقاع القطر مقبرة لحاكم مقاطعة، أو لوحة تذكارية لأمير مقاطعة إلا رجع تاريخها إلى ما قبل عهد هذين الفرعونين، وهذه الحقيقة تحتم علينا أن نفرض حدوث انقلاب بعيد المدى في عهد «سنوسرت الثالث»، أو على الأقل ينبغي أن نعترف أن مثل هذه المقابر قد انقضى عهدها؛ أي إن حكم المقاطعات قد قُضي عليه نهائيًّا، وقد استمر بقاء الأملاك العقارية بطبيعة الحال، وحفظ لبعض الأسر مركزها الأميري. وعندما تصادفنا أسرة قوية من هذا النوع (في عهد الأسرة الثالثة عشرة أو حتى في عهد أوائل الدولة الحديثة في المقاطعة الثالثة من الوجه القبلي «الكاب») ونشاهد في قبورها إحياء هذا التقليد ثانية؛ وهو الذي كان خاصًّا بأمرائها القدامى، فإنا نرى مع ذلك رؤساء هذه الأسرة لا يحملون لقب حكام المقاطعات القديم «حري زازات»، بل يحملون ألقاب موظفين قد وضعت حديثًا، وعلى ذلك يظهر لنا في عهد كل من «سنوسرت الثالث» و«أمنمحات الثالث» أن قوة الأشراف واستقلالهم قد قُضي عليه قضاء مبرمًا، ومن المحتمل أن الأنظمة التي تكلمنا عنها فيما سبق لم تكن قد وضعت إلا في هذه الفترة.
(٣) الإدارة الرئيسية
وكانت إدارة البلاد تسير على نمط إدارة الدولة القديمة، فكانت تسير بعدد عظيم من المصالح (بيوت) والمخازن، وبيوت للمالية يقوم بإدارتها جم غفير من الموظفين على رأسهم حاملو أختام الملك، وأمناء الخزانة، ومديرون أيضًا. وقد حافظ النظام الجديد على معظم الألقاب القديمة، غير أن ترتيب وظائف المصالح لا يزال معقدًا، فقد كانت تحتوي على آلاف من العمال والنحاتين وعمال المناجم، والحمالين والمجدِّفين … إلخ، وكل هؤلاء كانوا يعملون لخدمة الفرعون، وقد استمر دفع الأجور من الموارد الطبعية، كما كانت الحال في عهد الدولة القديمة، وذلك بمنحهم عطايا من المائدة الملكية، وكان يعطاها كل على حسب درجته، هذا بالإضافة إلى هدايا كان يقدمها الفرعون من حقوله وعبيد أجنبية أو موال مصريين، وحيوانات وأشياء ثمينة من كل نوع.
(٤) أعمال المالية العامة
أما أعمال المالية العامة فكان يشرف عليها رئيسان للخزانة، وكان عملهما ينحصر في مراقبة الدخل والخراج، وجزية البلاد الخاضعة لمصر، وكذلك محصول المحاجر والمناجم، هذا إلى مباني الأشغال العامة، وكان الرئيس الأعلى للإدارة وممثل الفرعون في داخل البلاد وخارجها هو الوزير الذي يضع الخارجين عن الطاعة تحت النير، ويلاحظ الموظفين، ويدير شئون ترقيتهم، ويفصل في منازعات الحدود، «ويجعل الأخ وأخوته يعودون إلى بيوتهم متصالحين بقرار فمه.» وقد كان في الوقت نفسه هو رئيس الشرطة في العاصمة، وقد كان منذ أقدم العهود هو الذي يشرف على محكمة ستة البيوت، وهذه المحكمة كما قلنا تتألف من الثلاثين العظام للوجه القبلي، فاللقب القديم يظهر ثانية ولكنه يفقد معناه الأول، والواقع أنه لم يعد يعني مدير المقاطعات، بل يعني ممثلي السلطة المركزية التي كانت تقسم فيها أعظم أمور الإدارة أهمية، فمثلًا كان على أحد هؤلاء الأعضاء أن يجمع بيانات عن أحوال البيوت، وآخر كان مكلفًا من قبل الفرعون أن يقوم برحلات تفتيشية أو بإقامة مبانٍ، وفي كثير من الأحوال كانوا يرأسون مثل الوزير حملات حربية.
(٥) بطانة الفرعون
والظاهر أن هؤلاء الحراس هم الجنود الذين كان يعتمد عليهم ملوك الأسرة الثانية عشرة في حراستهم؛ إذ كان الجيش قبل تأليفهم يتكون من فرق من المقاطعات، ومن جنود الشرطة «مازوي» النوبيين، وكان الفرعون يضم أحيانًا إلى هؤلاء رديفًا دائمًا له، وكانوا يجنَّدون إما بالاقتراع أو كانوا جنودًا محترفين، ثم كوِّنت فرقة الحرس هذه، وكان يطلق عليها «رجال حاشية الملك»، وأخيرًا نجد أن الفرعون قد أخذ يسترد مكانته الدنيوية والروحية في نفوس الشعب، وصار ينظر إليه القوم بأنه ابن «رع» الذي أنجبه من ظهره، وأنه أصبح المختار من قبله ليحكم مصر وغيرها، وكذلك أصبح في يده السلطة المطلقة في البلاد، كما كانت الحال في عهد عظماء ملوك الدولة القديمة، وقد بدأ فعلًا روح الوحدة يدب في جسم الدولة بصورة ظاهرة خلال حكم أواخر ملوكها، وبخاصة في عهد «أمنمحات الثالث» وسلفه من قبله، ويرجع الفضل في ذلك لجيل الموظفين الجديد الذي عمل ملوك هذه الأسرة على إنشائه ليلتف حولهم، وليكون لهم نصيرًا وظهيرًا على تسيير أداة الحكم في البلاد، والقضاء على حكام المقاطعات كما أسفلنا. ولا غرابة إذن في أن نرى هؤلاء الموظفين حريصين على بث روح الطاعة والمحبة لمليكهم في نفوس أولادهم، وقد بلغ بهم حب الفرعون درجة جعلت تعاليم بعضهم لأبنائه تدور حول حب الفرعون وخدمته والإخلاص له، لا أن ترشدهم إلى الحياة الصالحة السعيدة كما كانت التعاليم التي وصلت إلينا حتى الآن، كما أسلفنا عند الكلام على «أمنمحات الثالث».
وهذا الكتاب هو المعروف بورقة بولاق نمرة ١٨، وعلى حسب ما ذُكر في هذه الوثيقة نجد أنه قد جاء بعد الوزير في ترتيب الوظائف التي كان أصحابها يشرُفون بالمثول بين يدي الملك، القائد، ثم مدير الحقول، ثم كاتب الوثائق الملكية، وأحيانًا رئيس الموظفين، وكل منهم كان يحمل لقب حامل الختم للوجه البحري، وهذه الوظيفة كان يحملها كذلك مدير قاعة الإدارة العامة؛ وهي المركز الرئيسي الذي كان يدير منه الوزير شئون الدولة. ومن بين الوظائف التي كانت متصلة بإدارة البلاط اتصالًا وثيقًا وظيفة «فم نخن» أو «قاضي نخن» «هيراكنبوليس» وهي «الكاب» الحالية، وإن صاحبها قد رُقي فيما بعد إلى وظيفة حامل الختم للوجه البحري.
وقد كان يوجد بجانب هذه الوظائف أنواع جديدة من المشرفين مثل المشرف على مائدة الحاكم، وهو بوجه خاص تابع لإدارة بيت المال أو الخزانة، وغير ذلك من المشرفين بالترتيب حتى المشرف على حراس الكلاب. وكذلك تذكر لنا هذه الوثيقة ألقابًا قديمة خاصة بالبلاط والإدارة، فمن ذلك نجد كثيرًا ممن يحملون لقب «عظيم عشرة الوجه القبلي» وأسنُّ رجال القاعة، وكذلك ألقاب محضة مثل «قريب الفرعون».
وقد حفظ لنا كذلك كتاب الإحصاء هذا بعض معلومات سمحت لنا بأن نأخذ فكرة عامة عن إدارة الموارد الطبعية الاقتصادية، وهي تعد من أصعب الأمور وأعوصها في هذا العصر؛ إذ وجدنا مقيدًا فيها مجمل الحقائق العامة عن المواد الغذائية التي كانت تقدَّم لرجال البلاط وغيرهم في مقر الحكم «بطيبة»، ويشمل ذلك كل من كان يأكل من مائدة الفرعون من الموظفين، وهؤلاء كان يزداد عددهم بطبيعة الحال ازديادًا عظيمًا في المواسم والأعياد. ولما كانت هذه الورقة من الأهمية بمكان فإنا سنورد هنا ملخصًا لها ليرى القارئ ما كانت عليه البلاد من الوجهة الاقتصادية والاجتماعية والدينية.
(٥-١) كتاب الإحصاء لبلاط الفرعون من عهد الأسرة الثالثة عشرة
(٥-٢) الكاتب ومسك دفتره
يُدعى الكاتب الذي وجدت معه البردية في القبر حسب كتابات أخرى وجدت مع الورقة «نفر حتب» ويحمل لقب «كاتب البيت العظيم للحريم»، والمدهش أنه لم يأتِ اسمه بين الموظفين الذين ذُكروا في هذه الورقة، وقد كانت إدارته في «طيبة»، وكان مختصًّا بمسك الدفاتر الخاصة بإطعام البلاط والأسرة المالكة، وكذلك موظفي البلاط، وكانت الميزانية اليومية تشمل الدخل والخرج، وقد كان كل منهما يدوَّن في سجل على انفراد ثم يصفى حسابهما، وما تبقى يرحَّل لحساب اليوم التالي، ومما تبقى من هذه الورقة يمكننا مراقبة حسابات المؤن المنصرفة في البلاط من المدة التي تقع بين ٢٦ من الشهر الثاني لفصل الفيضان حتى اليوم الرابع من الشهر الثالث من نفس هذا الفصل، وقد دوِّنت هذه المدة على وجه الورقة، ثم من اليوم السادس عشر إلى اليوم الثامن عشر من نفس الشهر من السنة الثالثة من حكم الملك «سبك حتب» وهذا الجزء الأخير مدوَّن على ظهر الورقة، وقد دوَّن الكاتب فضلًا عن ذلك القوائم الخاصة بتلك المصاريف العظيمة لأولئك الأشخاص العديدين، ومنها ترى الآن الجم الغفير من الموظفين الذين كانت معهم أسرهم أحيانًا يعيشون من فيض البلاط الملكي.
(٥-٣) المصروفات التي كانت تُعطى بأمر شفوي
كان الرئيس المباشر للكَتبة هو مدير هيئة الموظفين لحجرة الأرزاق المسمى «رنف ام اب»، وهذا الموظف الكبير، كان يصدر الأمر للكاتب، وكان هو بدوره يتلقى معلوماته من مكتب الفرعون مباشرة؛ ولذلك كانت القاعدة المتبعة في بداية الأمر الذي يصدره أن يكتب «…»
ولهذا أتى مدير هيئة المستخدمين لحجرة الأرزاق بالأمر الذي صدر له من مكتب الفرعون، ولما كانت هذه الأوامر تصدر الواحد تلو الآخر، فإن الصيغة كانت تُختصر، فيكتب فقط: «أمر آخر قد جاء من أجله هذا الموظف الكبير.» وفي حالة شاذة قد أعطى كذلك إدارة «خنت» أمرًا، ولما كان «رنف ام اب» هو الذي يتسلم أوامر المؤن، فإنه لم يسمح لكاتب الإدارة «خنت» بالدخول في مكتب الفرعون، بل كان يتسلم هذا الأمر على يد خادم؛ ولذلك كان يعبر عن ذلك في بادئ الأمر الصادر بهذه الطريقة كما يأتي: الأمر الذي خرج به خادم الحاكم (الملك). وكانت محتوياته يعبر عنها في كل الأوامر بصورة واحدة تقريبًا: اسمحوا لفلان أن يتسلم شيئًا من الطيبات؛ وعلى ذلك كان الكاتب يؤشر على الأمر: «يُعمَل حسب الأمر»، وبهذه الطريقة كانت تصدر الأوامر بصورة مدهشة في الدقة لدرجة أننا وجدنا في حالة واحدة، صدر الأمر بصرف أشياء طيبة، ولم تُذكر قط تأشيرة مثل هذه في أمر آخر.
والآن يتساءل المرء هل كان للكاتب قاعدة معينة يسير على مقتضاها؟ والواقع أنه لا بد أن نسلم بأنه كانت هناك طريقة للتوزيع حسب نظام معلوم لتنفيذ هذه الأوامر الخاصة بالمؤن. ففي ما يختص بالخبز، والجعة كانت نسبة التوزيع فيهما هي عشرة إلى واحد، وقد استنتجنا ذلك من الموازنة بين الأوامر والتأشير على تنفيذها، وهي التي ستمر علينا مفصلة هنا في توزيع الطعام؛ ففي حالة نجد أن الفرد حينما يأخذ عشرة أرغفة يأخذ إبريقًا واحدًا من الجعة، وفي حالة أخرى نجد أن فردًا أخذ من الخبز ثلاثين رغيفًا، ومن الجعة ثلاثة أباريق. وكان يطلق على مفردات الطعام باعتبارها وحدة مشتركة لفظة «فكا»؛ أي (هبة)؛ وهذه الكلمة تدل في هذه البردية على الزيادة التي تُعطى فوق المرتب المعتاد؛ وبخاصة هبة العيد من الطعام وما شابه ذلك. ومثلها كلمة «شابو» = هبة، ونكاد لا نعلم قط الأساس الذي كان يسير عليه الموظف في صرف أشياء خاصة، ففي بعض الأوامر القليلة نجد أن الكاتب كان يقتصد في تعداد المئونة المنصرفة، ثم يؤشر بما يدل على صرفها بالعبارة المألوفة، غير أنه يأتي بعد ذلك ببعض ألفاظ غير مفهومة، ثم جزء مهشم يجوز أنه يحتوي على لقبين.
(٥-٤) المصروف بأوامر مكتوبة
كان الكاتب يصله مع الأوامر الشفوية أوامر أخرى مدوَّنة كان ينقلها هو، وهي ما يطلق عليها في عرفنا أوامر عادية، وقد كانت هذه الأوامر لا تخرج عن تلك التي تصدر من مصلحة رئيسية، وكانت في العادة إلى إدارات المخازن وهي: إدارة مخزن رأس الجنوب، وإدارة ما يقدِّمه القوم، ثم إدارة الخزانة، وقد أطلق على الجهات الثلاث لفظ «ثلاث الإدارات». وقد كان الكاتب من باب الحيطة يدوِّن اسم الرسول الذي يحمل الأمر، وعلى هذا النحو كان الأمر يسير في طريقه الطبعي بكل وضوح، فكان على الكاتب أن يعمل عملية توزيع المئونة، أما عملية الصرف الرئيسية فكانت تقوم بها الإدارة المختصة. فمثلًا كان بعث «المازوي» يتسلم مؤنًا من الإدارات الثلاث للمخازن، وقد كتب لرجال البعث مع الأمر مقدار ما يصرف من المؤن من كل إدارة، وكذلك كانت الحال بالنسبة للعطايا التي كانت تصرف من هذه الإدارات الثلاث للبلاط، حيث كانت إدارة رأس الجنوب تقوم بصرف النصيب الوافر من هذه المؤن، فتصرف من الخبز مثلًا ٨٥٠ رغيفًا في مقابل ٤٦٠، ٣٦٠ رغيفًا تصرفها الإدارتان الأخريان على التوالي، وبهذه الطريقة كانت كل إدارة تعرف ما يصدر لها من الأوامر وما يجب عليها أن تنفذه. أما الأعمال الكتابية المتبادلة فكان على الكاتب الخاص بمسك الدفاتر بكل إدارة أن يعده للتنفيذ وبذلك يسهل العمل.
(٥-٥) المصروف من غير أوامر
عُهد به لموظف مخزن فلان، أو سُلم إلى عامل البيت، أو الخادم فلان.
على أنه في نفس المتن نجد موظفًا آخر اسمه «بيت اللحم» يتسلم شهدًا وبخورًا. ومما هو جدير بالملاحظة في كل هذه الأشياء التي أُخذت من الحجرة المختومة (أو المغلقة) أنها لم تسجَّل في الحساب الختامي اليومي.
(٥-٦) الدخل
وكان يوجد بجانب مجموعة أوجه الصرف الثلاثة التي ذكرناها قوائم عدة خاصة بالدخل. وكان يعبَّر عن الدخل اليومي المعتاد بلفظة مشتقة في المصرية من فعل دخل كما في العربية، وفي أحوال أخرى خاصة كان يعبر عن الدخل بكلمة «إتاوة»؛ أي ما يُؤتى به، والفرق بينهما يصبح واضحًا عندما يتتبع الإنسان قيد الخبز في الحساب الختامي اليومي؛ إذ نجد هناك خبز الدخل وخبز كل منهم على حدة. والواقع أن ذلك كان صحيحًا لدرجة أن الدخل أو الخرج العادي كان دائمًا يعتبر من الدخل «عقو»، أما الدخل الخاص، أو الهبات الخاصة فكانت تعتبر من الإتاوة «إنو»، ولكن عند عدم وجود خبز من الإتاوة في الإيراد يكون خبز الدخل كافيًا. وإذا اتفق أنه في يوم ما لا يوجد توزيع هبات فإن العنوان «خبز الإتاوة» لا يوجد كذلك في النقوش. ولدينا لأجل مسك دفاتر الدخل اليومي قائمة تعتبر كقاعدة أساسية نريد فحصها، وقد نُقلت هنا برمتها لما لها من الأهمية لفحص هذا الموضوع، وقد وضعت في بداية الجزء الذي بقي لنا من هذه البردية: ورد فعلًا بمثابة دخل السيد (الملك) له الحياة والصحة والسعادة.
ورد لإدارة مخزن رأس الجنوب | إدارة مخزن ما يقدمه القوم | إدارة المالية | المجموع | |
---|---|---|---|---|
خبز مختلف الأنواع | ٨٥٠ | ٤٦٠ | ٢٠ (٣) | = ١٦٣٠ |
جعة في إبريق دس | ٧٠ | ٣٦ | ٤ (٢) | = ١٣٠ |
حلوي | ١ | = ١ | ||
حنو | ٥٢ | = ٥٢ | ||
خبز حرت | ٢ | = ٢ | ||
خضر في حزم | ١٠٠ | ٥٠ | (٥٠) | = ٢٠٠ |
فمما سبق نجد أن هذا الدخل كان في الواقع يوزع إلى ثلاث إدارات للمأكولات، وسنجد الأرقام التي وضعناها بين قوسين مكررة بصورة واحدة، وكذلك العناوين الستة التي وضعت لأنواع المأكولات في الميزانيات الأخرى التي وردت في هذه الورقة.
فهذه القائمة تضع أمام الكاتب الدخل الذي يُصرف منه العطايا الضرورية، وهذا الدخل كان قد وضع لمدة ٢٧ يومًا، يُصرف منه كل يوم أكثر من ٥٠ رغيفًا من الخبز و٥ أباريق من الجعة، كما تدل على ذلك كل عمليات الطرح الختامية، وقد كان الأمر الكتابي التابع لهذه القائمة موجهًا إلى مكتب الوزير «إدارته»، وقد نقله الكاتب على عجل، وإذا كانت هناك زيادة فإنها كانت تدوَّن ويؤشَّر عليها بملاحظة قصيرة، ويعبر عنها كما يأتي: وردت بمثابة زيادة للسيد (الفرعون) له الحياة والصحة والسعادة، ثم تُذكر الزيادة بعدد الأرغفة والجعة. أما الدخل الذي كان خارجًا عن ذلك «الإتاوة»، فكان الكاتب دائمًا يقيده لضرورة طارئة، مثل مصاريف الأعياد، وكان حساب كل منهما يظهر منفصلًا عن الآخر من أول الأمر، ولكنا لا نعلم كيف كان جَبْي هذا، فهل كان عن طريق الضريبة أو الجزية أو محصول الأملاك الفرعونية؟ كل هذا لا نعلم عنه شيئًا قط، وقد كان هذا بالنسبة للكُتاب على حد سواء؛ لأنه كان يدوِّن ما كانت تمليه إدارة المخزن بوصفه دخلًا، وهذا الدخل كان ينقسم ثلاثة أقسام: (١) ما يجب أن يدخل. (٢) ما دخل فعلًا. (٣) ما بقي ولم يسدَّد بعد. أما موضوع ما دخل فعلًا فنجد البرهان عليه في الميزانيات التي في القوائم.
ولدينا قوائم للدخل من إدارة «رأس الجنوب»، ومن «إدارة» ما يقدمه الشعب، ففي الإدارة الأولى كان الموظف الأعلى المسئول عنها هو الوزير، غير أننا نجد في قائمة أخرى مماثلة أن المورِّد للأطعمة هو مدير هيئة المستخدمين لبيت الأرزاق، وقد كانت الأشياء التي تُصرف في عيد «منتو» للمئونة يعبَّر عنها: هبات لعيد «منتو»، دون أن يذكر اسم الموظف الذي يصرفها، وإننا إذ نجد في أول مكان ذكرت فيه قائمة الإتاوة «إنو» نرى في الواقع النموذج للتعبير عنها في القيد في كل القوائم الأخرى الخاصة بهذا النوع من الدخل.
فثلاثة أنواع الخبز «بعت» و«بايت» و«برسن نزم» وهي التي تُسمى إجمالًا في الميزانية دائمًا باسم خبز مختلف الأنواع «تا-شبن»، تُذكر بعد أنواع مختلفة من الفطائر. وكذلك كان عدد الفطائر الذي كان يكتب أحيانًا بالمداد الأحمر، وأحيانًا بالمداد الأسود، يدل على مختلف أنواع الفطائر أو نوع الغلة التي صُنع منها، ثم تتبع ذلك الجعة مع ذكر نوعها وحلاوتها؛ ففي القائمة الأولى قسمت هذه إلى «نزمت خنتو (؟)» و«شويت» و«حنباس تاحز»، ولكن كان يطلق عليه في الميزانية الخاصة بدخل العيد أنواعًا أخرى مختلفة من الجعة مثل جعة «قفط» وجعة «جاشو نشو دس» (مكيال)، أو إناء خاص وغير ذلك. وعند هذا الحد تنتهي القائمة بكومة القربان المجهزة بكل شيء. وتبتدئ محتويات هذه الكومة بالجعة في إبريق «قبي»، وأنواع أخرى من الجعة، ثم يأتي بعد ذلك فطائر مشطرة، وخبز «بَيِت حثا»، وخبز «برس وزع»، وخبز أبيض، وخضر، و«نبات الأرض»، وطير «عشا». ومما يبرهن على أن أكوام القربان هذه لم تكن لغرض القربان فقط، أنها كانت تُضم مع مجموعة جعة، حسب الميزانية، وقد كانت كومة القربان تُمد كذلك بأنواع فطائر أخرى، مع إضافة فطائر حلوة و«كعك حلو»، ونجد أن الكاتب قد جمع ثلاث قوائم قصيرة للإتاوة في واحدة (مجموع دخل هذه الأيام)، وذلك اختصارًا في تسجيل الميزانية، ونجد غير دخل إدارتي «رأس الجنوب» وإدارة «ما يقدمه الشعب» دخلًا خاصًّا قد أضيف إليهما، وقد كُتب عليه ما أُخذ بوساطة الخادم لهذا اليوم، ويحتوي ذلك على جعة وفطائر، وخبز، وكذلك نجد في قائمة دخل عنوانها: «مجموع دخل هذا اليوم»، وفي هذه القائمة نجد مذكورًا الموظفين المختلفين، هذا إلى ذكر إحدى أخوات الملك بوصفها مورِّدة للطيور أو العطور، فذكرت الطيور «زن زن» والبط «ست» والإوز «سر» والحمام، ثم جاء ذِكر الكندر «بخور»، كل هذه الأشياء كانت تقدَّم هدية لعيد «منتو» السابق الذكر، وقد قدَّم كل واحد من الموظفين ما يمكنه أن يقدمه، فالوزير الذي كان على رأس القائمة قدَّم قطعة من البخور طولها ذراع، أما رئيس الكتبة «رنف ام اب» فقد قدَّم خمس حمامات، في حين أن مدير الأملاك الأعظم قد ضرب الرقم القياسي؛ إذ قدَّم أحد عشر من الطيور المختلفة، ولا ندري إذا كان ذلك مجرَّد مصادفة أم لا.
(٥-٧) المتأخر
ولا بد أن نقول كلمة مختصرة هنا عن المتأخر الذي نجد ذكره من وقت لآخر في أنحاء البردية، فمثلًا نجد في ٢٩ يومًا أن ٩٠ رغيفًا من المتأخر قد سدِّدت، وكذلك لدينا قائمة أخرى، غير أنه مما يؤسف له ممزقة، وقد كتب فيها: «خصم من المتأخر»، وكان لا يزال هناك متأخر، جديد آخر؛ وعلى أية حال فإنه لم يكن هناك مراقبة شديدة في موضوع المتأخر؛ ولذلك يفهم الإنسان ضمنًا أن المتأخر كان يتراكم بعضه على بعض.
(٥-٨) الميزانية
ونجد من أنواع السجلات التي فحصناها حتى الآن أن الكاتب كان يضع ميزانيته يوميًّا وسنشرحها هنا ببعض التفصيل، كما جاء في لوحة ٢٧ / ٢ من رقم ٣–١٥:
٣ | الدخل المتنوع للسيد (الفرعون) له الحياة والصحة والسعادة | خبز متنوع | جعة إبريق دس | خبز حرت | حلوى | خضر حادت مكيال | خرشو حزم | ||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
السنة الثالثة الشهر الثالث من فصل الفيضان | دخل | إتاوة | إناء (باجا) | إناء (حنو) | |||||
٤ | قائمة بدخل السيد له الحياة والصحة والسعادة في السنة الثالثة الشهر الثالث من فصل الفيضان | ١٦٨٠ | ١٣٥ | ٢ | ١ | ٥٢ | ٢٠٠ | ||
٥ | نقل ما تبقى من السنة الثالثة الشهر الثاني من فصل الفيضان يوم آخر الشهر | ٢٠٠ | ٢ | ||||||
٦ | نقل ما أخذ بأمر ملكي من معبد آمون | ١٠٠ | ١٠ | ||||||
٧ | نقل ما نقص في هذا اليوم من دخل الإتاوة | ٩٣٨ | ٩٠ | ٧ | ٧ | ||||
٨ | المجموع – وما يخصم من هذه القائمة | ١٩٨٠ | ٩٣٨ | ٢٣٧ | ٩ | ١ | ٥٢ | ٧ | ٢٠٠ |
٩ | ما يعطاه بيت الفرعون من دخل مقدَّمًا | ٦٢٥ | ١٥ (+) ٤٥ | ٢ | ١ | ٥٢ | ١٠٠ | ||
١٠ | عطايا جرايات المخزن التي يعطاها الناس وبيت المرضعات | ٦٣٠ | ٦١ | ٥٠ | |||||
١١ | عطايا المخزن التي يأخذها الخدم الكثيرون المخلصون | ٥٢٥ | ٣٨ | ٥٠ | |||||
١٢ | هدايا تُعطى للعظماء وأصحاب | ٣١٠ | ٣٥ | ٥ | ٧ | ||||
بيت المرضعات | |||||||||
١٣ | هدايا تُعطى لكبير المقاطعة والتابع والمواطنين | ٢٩٠ | ٢٢ | ||||||
١٤ | مجموع ما صُرف | ١٧٨٠ | ٦٠٠ | ٢١٦ | ٧ | ١ | ٥٢ | ٧ | ٢٠٠ |
١٥ | المتبقي | ٢٠٠ | ٣٣٨ | ٢١ | ٢ | طيب | طيب | طيب | طيب |
ونرى من هذه القائمة أنه من السطر الثالث إلى الثامن كان يحتوي مجموعها على الإيرادات التي منها أخذ المنصرف الذي تشتمل عليه الأسطر من ٩–١٤، ويلاحظ أن الجملة التي في السطر الثامن وهي التي ترجمناها: ما يخصم من هذا (أي الوارد)، وهي في الواقع تساوي في حسابنا اليوم علامة ناقص. أما السطر الثالث فيتألف منه العنوان الكلي للقائمة، والسطر الرابع يقدم لنا الدخل اليومي على أساس القوائم السالفة الذكر التي أُضيف لها زيادات مرتبة حسب مصدرها، وكل قائمة يقابلها العنوان الذي كُتِب فوقها. ولا نجد شاذًّا في هذه الأعمدة التي تحتوي على الأعداد إلا عمود الخضر، فإنه قسم إلى «حادت» وهو (مكيال للخضر) و«خرش» (حزمة خضر)، أما السطر الخامس، فيعني نقل ما تبقى من ميزانية اليوم السابق، والسطر السادس يدل على ملحق يومي من معبد آمون. ومما هو جدير بالملاحظة هنا أن معبد «آمون» هذا كان في نهاية الدولة الوسطى يعيش على الضرائب التي تجبَى له، في حين أن معبد «منتو» في مدينة «المدمود» وتمثاله كانا يعيشان على أعطية العيد وطعام العيد.
وأخيرًا نجد في السطر السابع كذلك إضافة ما نقص في اليوم؛ أي إنه أضيف ما وجد ناقصًا بعد عمل حساب الدخل السابق في هذه القائمة (راجع لوحة ٢٧، ١٨، ٢٥). أما المنصرف فقد وُضع في ثلاثة أسطر ويحتوى على العطايا التي تورَّد يوميًّا، ففي السطرين العاشر والحادي عشر نجد أن لفظتي «بعت-شنع» قد عُبر عنهما بجرايات المخزن.
أما السطر التاسع فقد جاء فيه ما يُعطى للبيت المالك، والسطر العاشر ما يُعطى لموظفي البلاط، وأما السطر الحادي عشر فيحتوي على ما يُعطى للخدم، أما السطران ١٢، ١٣، فيحتويان على مصاريف خاصة.
والسطر الخامس عشر يحتوي على الباقي المنصرف وهو ما يُنقل إلى ميزانية اليوم التالي. ويلاحظ أن الصنف الذي جاء فيه المنصرف قدر الدخل كان يعبَّر عنه عند المصري بكلمة «طيب» (أي مضبوط). وعلى أية حال يلاحَظ هنا أنه في أحوال كثيرة كان ما يصرفه الكاتب من بعض المواد لا يظهر في القائمة، وبخاصة اللحوم؛ ولذلك يجب أن يبحث عن ذلك في قوائم أخرى غير هذه.
(٥-٩) الأشخاص الذين يُطعَمون في مناسبات منوَّعة طعامًا خاصًّا
- أولًا: الملكة المسماة «إي» التي كانت لا بد تتمتع بنصيب وافر من العناية، فقد كانت نظيراتها من الملكات الأخر المعروفات تملك بيتًا خاصًّا، وكذلك كان لها أملاكها الخاصة، وكانت لها إتاوة خاصة تورَّد إليها في صورة نوع من الخبز لم نجد نظيره في هذه البردية مثل الخبز «شنس» والخبز «خاز»، وفي موضع آخر نجد أن الكحل … إلى «بيت الأرزاق» (قب) يورَّد إلى دخل الملكة، ومن ثم نعلم أن كلمة «قب» قد حدِّد معناها بأنها مكان للمئونة أو ما يشبه ذلك.
- ثانيًا: وقد كانت تحفظ أشياء مشابهة للأشياء السابقة كذلك في بيت مدير هيئة المستخدمين لبيت الأرزاق، واسمه «رنف ام اب» وهو نفس رئيس الكتبة الذي جاء ذكره كثيرًا في هذه الورقة.
- ثالثًا: وقد ذُكر اسم السيدات هنا خلافًا لما جاء ذكره … في الطعام والقوائم الخاصة بالعيد في موضعين فقط، ففي واحد منهما كان خاصًّا بتوزيع البخور والنبيذ لإقامة الشعائر الدينية، فمن بين الذين تسلموا ذلك أخت أمير «أرمنت». هذا إلى ذِكر امرأتين إحداهما تسمى «خوتي» والثانية «ست نت بر …» في أحد الطلبات العادية المحفوظة في هذه الورقة.
- رابعًا: ولدينا سجل يختلف عن النموذج المتبع تمامًا؛ إذ قد ابتدئ بدون أمر سابق: إنها زيادة للموظفين، وأخوات الفرعون، وأصحاب بيت المرضعات في هذا اليوم حسب الأمر … لكل واحد منهم من تلك الزيادة التي في مخزن بيت الصباح (؟) وفي بيت «خنت» غير أنه مما يؤسَف له أننا لا نعلم شيئًا البتة عن تلك المصاريف.
- خامسًا: قد جاء ذكر أصحاب الحرف كثيرًا في السجلات، فمثلًا نجد أنهم كانوا يتسلمون عطاياهم التي كانوا يتناقشون في أمرها مع الرئيسين: وهما عظيم عشرات الجنوب، والمشرف على الكتبة (XXII, 13–20) ويجب أن يكون أصحاب الحرف أولئك تابعين لمصنع للأعمال اليدوية، ونجد حسب ما جاء في طلب آخر وهو الوحيد الذي قد أُشير فيه إلى وحدات الطعام بالضبط أن عمال صناعة السفن قد نالوا زيادة خاصة (XXII, 13–22).
- سادسًا: وقد ورد في هذه الورقة ذكر هبة لمواطنين مختلفين من عامة الشعب مرة واحدة، وكانت هذه الهبة تحتوي على طعام. وقد عبر عنها بصريح العبارة أنها وُزعت في قاعة الاستقبال الملكية، وقد اشترك فيها كبار المدينة، وتابع الفرعون، والمواطنون وكان عددهم يبلغ نحو العشرين.
- سابعًا: بعث «المازوي»: وهذا البعث يُعتبر من الأشياء القليلة التي نعلم عنها بعض التفاصيل في هذه الورقة، فنعرف أولًا أن هذا البعث من «المازوي» الذين جاءوا من بلاد النوبة، قد شغل موضوع إطعامهم حيزًا كثيرًا من الورقة. فنسمع أولًا في اليوم الثاني من الشهر الثالث من فصل الفيضان، عن توريد من إدارة «خنت» لأجل «المازوي» الذين أُتوا مطأطئين الرءوس، وفي اليوم التالي ذكر لنا اجتماع رجال هذا البعث، ومن ثم نفهم أنهم لم يأتوا إلى العاصمة بوصفهم رجال شرطة. يدل على ذلك أيضًا وصف استقبالهم: «لقد استقبِلوا شخصيًّا وأحضِروا بوساطة كاتب الوزير فلان.» وبعد ذلك تأتي القائمة التي ذُكروا فيها وهي: اثنان من كبار «المازوي» وتابع، و«مازوي» «حو» و«مازوي» صغير وثلاث سيدات من سيدات الإدارة (؟)، وقد وُزع رجال بعث «المازوي» على إدارتين من إدارات المخازن الثلاثة لصرف المؤن منهما، وقد صدر أمر عادي للإدارة بإطعامهم، غير أنه قد وقع ما يحدث في كل زمان ومكان من الأمور المتناقضة لإنجاز شيء واحد يصدر به أوامر مختلفة متضاربة في أمر صرف العطايا لإطعام بعث المازوي، فقد أصدر رئيس الكتبة المسمى «رنف ام اب» طلبًا شفويًّا بإطعامهم، وهو يحتوي على عدد مخالف بالمرة للعدد الذي يحتويه الأمر الكتابي، ولا نعلم أي الأمرين قد نُفذ؛ لأن المتن عند هذه النقطة وُجد مهشمًا في الميزانية، وما ذكر من رجال «المازوي» حتى الآن، وهم الذين اتخذت الإجراءات لإطعامهم، يتألف منهم عماد البعث، في حين أن قائدهم الذي كان يحمل اسمًا أجنبيًّا «آو شبكوي» قد وصل بعدهم ببضعة أيام؛ أي في اليوم الثامن عشر من الشهر، وقد أرسل الوزير في الوقت نفسه كاتبًا ليستقبله، وكتب له أمرً لإدارة «رأس الجنوب» لصرف الجراية له.
- ثامنًا: مقتطف من يوميات الفرعون: كثيرًا ما يحدث أن نجد في المكان
الذي تُكسر عنده البردية موضعًا له أهميته، وهذا نفس ما حدث في
البردية التي بين أيدينا على ما يظهر؛ إذ نجد أنه قد تبقى في
أيدينا قطعة من يوميات الفرعون، وهي تحدِّثنا عن مشروع يقصه
علينا الملك نفسه، فالجزء الموجود يقول:
السنة الثالثة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الرابع سار … من باب طريق الفرعون في القصر … وسار إلى هذا المكان … وأقلع نحو الشمال أمام … وقد نزل في هذا المكان في وقت اﻟ … ووقعت هناك مذبحة معه بوساطة (؟) الخشب (؟) … ونزل الرقيق وعذب في الجزيرة (؟) … وبقي مستيقظًا في أماكن الحياة والصحة والعافية …
ومن بقايا هذه الأسطر التي ضاع نصفها الأخير يمكننا أن نقدِّر أن الفرعون قد قام بسياحة نهرية في مكان ما، ونزل فيه وأمضى الليلة، أما الغرض الذي كانت ترمي إليه هذه الرحلة فيمكن استنتاجه من كلمة مذبحة التي جاءت في سياق الكلام، وكذلك كلمة «تب خت» التي تعني نوعًا من التعذيب «الخازوق»، فلا بد أنه كان هناك نوع من التأديب بالذبح، أما عن التفسير الحقيقي لهذه الرحلة فنحن بعيدون جدًّا عنه لقلة ما بقي من المتن. ولكن المهم أنه قد بقي لدينا محتويات الأمر الذي صدر بإعداد المعدات لهذا المشروع قبل يوم سفرها بيوم؛ أي في اليوم الثالث من نفس الشهر، فقد صدر الأمر بتجهيز سرير، ثم استحضار التين المجفف، والبلح والشعير والشوفان، وكانت كلها تُكال بمكيال «حقات» = (جالون) وقد كان التوريد منظمًا بالنسبة لإدارات التوريد، حتى إدارة «رأس الجنوب»، وهي أغنى الإدارات كانت تورد ضعف إدارتي المخزنين الآخرين. وقد ختمت قائمة المأكولات بنوعين من الخبز وهما خبز «أحا» وخبز «الحقل»، ومن هذا يرى القارئ كيف كان يستعد الفرعون أو الجيش للقيام بحملة أو رحلة.
- تاسعًا: زيارة تمثال الإله صاحب «المدمود»: أشرنا فيما سبق إلى أن
معبد الإله «منتو» في «المدمود» وتمثاله كانا يلعبان دورًا
هامًّا في العهد الذي كُتبت فيه هذه الورقة أكثر من الدور الذي
كان يلعبه الإله «آمون» نفسه في «طيبة»، والواقع أن لدينا
تسجيلًا من بين كثير من الكتابات الأخرى يوضح لنا بشيء من
التفصيل ما كان يحدث في ثلاثة أيام من عيد الإله «منتو»، وهي
من اليوم السادس والعشرين إلى اليوم الثامن والعشرين من الشهر
الثاني من فصل الفيضان، وذلك عن زيارة تمثال هذا الإله للبلاط
الفرعوني، وما يتبع ذلك من الأعياد التي كانت تُقام تكريمًا
لهذه الزيارة، والتي تفتتح بقربان كان يقدِّمه البلاط في
«المدمود»، وتحتوي على ثور وخمسة طيور وبخور. وفي اليوم نفسه
قد أسند إلى مدير هيئة المستخدمين لحجرة الأرزاق المسمى «ككي»
(وقد ذُكر مرارًا بالنسبة لزملائه رؤساء الكُتاب في هذه
الورقة) شرف الذهاب إلى «المدمود» لإحضار تمثال الإله. وقد
أعطى له هبة من الطعام خاصة، وكان قد أعلن في اليوم الثاني
بأنه يوم عيد خاص، وقد حُملت صورة الإله «منتو» في «المدمود»،
وكذلك صورة الإله «حور نزتف» (حور المنتقم لوالده) إلى القصر
الفرعوني، ويلاحظ أن صورة «حور نزتف» المذكورة هنا لم يأتِ لها
ذكر في هذه الورقة في غير هذا المكان، وقد وضع كل من التمثالين
في قاعة الاستقبال بالقصر الملكي، وقد كان يسير في ركاب تمثال
الإله «منتو» نساء (حريم) الإله، وكذلك كان الفلاحون يقدِّمون
له البقر قربانًا، وقد قدِّم لكل من التمثالين هبة حرة، وأخرى
بأمر ملكي. وخلافًا لذلك كانت توزع الأعطيات الخاصة في يوم
العيد هذا على كل رجال البلاط، وفي اليوم التالي كان يتسلم نفس
هذا الموظف المسمى «ككي»، الذي أحضر تمثال الإله طعامًا خاصًّا
قد أشير إليه كما يأتي: تأمل! إنه خاص بالعودة إلى المدمود؛ أي
خاص برحلة إعادة تمثال الإله إلى مقره الأصلي في «المدمود».
وأخيرًا نسمع كذلك عن قربان أخير لعودة تمثال الإله في هذا
اليوم، وهذا القربان كان في الواقع يتألف من بخور يطلق نصفه
عند خروج التمثال من حجرة الاستقبال الملكية، ونصفه الآخر عند
وصول التمثال إلى «المدمود» مقر الإله الأصلي.
ونعرف عن حادث آخر هام له علاقة بعيد الإله «منتو» تفاصيل هامة: ففي اليومين السابع عشر والثامن عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان كان يحتفل بعيد الإله، وكانت توزع الأطعمة العظيمة إكرامًا لذلك، وقبل أن نفحص القوائم الطويلة الخاصة بالأشخاص وهم الذين قد رُتبوا حسب مكانتهم يجب أن نتكلم باختصار عن القوائم الباقية المحفوظة لنا في هذه الورقة.
- عاشرًا: لدينا أربعة أنواع من قوائم الأشخاص يجب أن نفرِّق بينها:
- (أ) قائمة بأسماء الأشخاص العادية لكل يوم.
- (ب) قائمة يتبعها تصميم لتوزيع الطعام على دائرة مجتمع البلاط الضيقة.
- (جـ) قائمتان بتوزيع العطايا في زيارة تمثال الإله خارج «المدمود».
- (د) القوائم الخاصة بالطعام في عيد «منتو».
أ
هذه القائمة مضافًا إليها السجل السابق الذكر الذي يشتمل على الدخل اليومي يؤلفان معًا بقية بداية البردية، هذا خلافًا للملاحظات اليومية التي تحتوي على المعلومات التي تُستعمل في كل يوم، وفضلًا عن ذلك فإن مثل هذه السجلات التي يجب أن تبقى كانت قبل كل شيء أساسًا ترتكز عليه الميزانية المتكررة يوميًّا. ففي القائمة نجد أنه كان يوزع على كل شخص إبريق جعة، فقائمة الأشخاص إذن قد استُخدمت أساسًا لتوزيع الجعة في أحد الأعمدة الثلاثة الخاصة بالمنصرف من الحساب الختامي، وتحتوي مع ذلك على أشخاص من البلاط يتمتعون بطعام يومي، وقد حُفظ لنا من أسماء هؤلاء الأشخاص أربع أخوات للفرعون وخمسة بيوت لأخوات أخريات للفرعون، والمقصود من كلمة البيت هنا أن بعض زوجات الفرعون الثانويات كان لهنَّ عقار، وقد كان لبعضهن بجانب عقارهن نصيب خاص في هبات العيد، وهذه الهبة لم ترد في الورقة أنها أُعطيت لأحد غيرهنَّ؛ ولذلك يجب أن يفرض الإنسان أنهنَّ كنَّ قد تُوفين، وأن أملاكهنَّ كانت لا تزال باقية في يد أولادهنَّ الذين كانوا لا يزالون يتسلمون نصيبهم من البلاط. وفي القائمة التي نبحث فيها يأتي بعد أولئك الزوجات الملكيات موظفون آخرون وهو «فم نخن» وعظيم عشرات الجنوب، وأسنُّ رجال المحكمة، وقريب الفرعون؛ ثم مدير هيئة المستخدمين لحجرة الأرزاق، وهما اللذان سبق ذكرهما، وهؤلاء الموظفون يكادون يعتبرون هيئة موظفي بلاط الفرعون الضيقة، وقد كُررت أسماؤهم في مثل هذه القوائم أو في مجموعات مماثلة، أو في قوائم أخرى.
ب
والواقع أن أفراد هذه القائمة هم نفس الأشخاص الذين جاء ذكرهم في القائمة «أ»، غير أنه هنا يُبذل لهم هبة خاصة لا تستند على أمر من المكتب الفرعوني، فعلى رأس هذه القائمة في هذه المرة نجد الملكة، ثم يأتي بعدها الأمير «رع نف» وثلاثة أميرات. وقد حُشر بين أخوات الملك وبيوته امرأتان إحداهما زوجة لقاضي «نخن» والثانية زوجة «أسن رجال المحكمة»؛ ولذلك يلاحَظ أنهما كانا يحتلان مكانة علية، وبخاصة أنهما وضعا في الترتيب قبل زوجيهما، وعلى ذلك لا بد أنهما كانا يعدان من الأسرة المالكة. أما الموظفون الذين تجري عليهم الهبات في هذه القائمة فإنهم تقريبًا هم الموظفون الذين ينحصر عددهم في دائرة أشخاص البلاط الضيقة جدًّا، وأما الأشياء التي كانت تجري عليهم فهي الخبز، والجعة، والفطائر. وقد كانت الملكة وحدها هي التي تأخذ من هذه الأشياء نصيبًا وافرًا بنسبة ثلاث أو خمس مرات أكثر من الآخرين، هذا فضلًا عن أنها كانت تمتاز بهبة من الخضر. أما نسبة توزيع هذه المواد فكان المتوسط بنسبة ١٠ أرغفة إلى إبريق واحد من الجعة وفطيرة واحدة.
ﺟ
ننتقل بعد ذلك إلى القوائم الخاصة بطعام العيد، وهي التي تؤلف الجزء الرئيسي من هذه البردية.
وكذلك لا بد أن العمال الذين كانوا يشتغلون في البلاط، وغيرهم من جماعات الناس، لا يمكن أن يكون عددهم عظيمًا، ومما يؤسف له أنه ليس لدينا صورة واضحة في هذه الورقة تمكننا من معرفة الإطعام اليومي في البلاط الفرعوني، كما شاهدنا في الصورة التي وجدناها في طعام العيد؛ وذلك لأن الميزانية اليومية تتحدث عن مجموع حسابي، ولم تتحدث لنا قط عن كيفية توزيع هذا المجموع. فالجماعات الثلاث التي كان يجب إطعامها هم الأسرة المالكة والموظفون، والخدم، كانوا يتسلمون يوميًّا على وجه التقريب العطايا التالية بالتوالي، فالأسرة المالكة كانت تأخذ ٦٢٥ رغيفًا، ٤٥ أبريقًا من الجعة، ١٠٠ حزمة من الخضر مضافًا إلى ذلك الحلوى وفطائر «حرت»، أما الفئة الثانية وهم الموظفون فكان يُصرف لهم ٦٣٠ رغيفًا، ٦١ إبريقًا من الجعة، ٥٠ حزمة خضر، وطائفة الخدم كان يُصرف لهم ٥٢٥ رغيفًا، ٣٨ إبريقًا من الجعة، ٥٠ حزمة خضر.
والواقع أننا إذا أمعنا في النظر إلى التفاصيل الدقيقة التي وجدناها فيما بقي لنا من «ورقة بولاق» هذه، وبخاصة في تفاصيل الأطعمة الطبعية التي كانت تقدَّم في بلاط الفرعون في وقت أفول مجد الدولة الوسطى، فإنا نعلم منها حقائق متفرقة مما يجعلها وثيقة من أهم الوثائق التي وصلت إلينا عن تاريخ الإدارة المصرية وسيرها في العهد الفرعوني.
(٦) نموذج الموظف المثالي في هذا العهد
أما عما ينتظره الإنسان من الموظف المستقيم فقد رُسمت لنا صورة مثالية في الأدب التعليمي لهذا العصر، وأحسن مثال لذلك ما وجدناه في شكاوى الفلاح الفصيح، عندما وصف لنا في صورة رائعة للموظف المتعسف بغير حق، وما يجب أن يكون عليه الموظف المستقيم العادل.