الحروب والعلاقات الخارجية
كانت الثقافة والأنظمة الحكومية في عهد الدولة الوسطى مصرية بحتة، لا يعزى شيء منها إلى بلد أجنبي؛ لذلك كان تقدمها محليًّا، ولكن هذه الحال قد أخذت تتبدل بعض الشيء على يد ملوكها العظام، والواقع أن مصر كانت تجد كفايتها في تربة بلادها، وكانت لا تخرج عن نطاق حدودها، إلا عندما كانت إحدى الممالك المجاورة تهدد حدودها، أو عندما كانت تغير على تخومها طلبًا للغنائم. ولم تشذ مصر عن هذه الخطة على ما يظهر إلا عند قيامها بالتوسع في رقعتها من جهة الجنوب في أوائل الدولة الوسطى، حيث قد امتدت الحدود المصرية في عهد الدولة القديمة إلى الشلال الثاني، وقد بقي السبب الذي دعا إلى هذا الفتح غامضًا حتى كُشفت عنه الحفائر الأثرية التي قامت في بلاد النوبة كما ذكرنا آنفًا.
ولما تولى ملوك الأسرة الثانية عشرة عرش الملك، رأوا من واجبهم أن يعيدوا سيطرة الفراعنة القدامى على فتوحاتهم في بلاد النوبة ويدافعوا عن حدودها الأخرى بعد أن ضاعت في عهد الفوضى الذي تلا الأسرة السادسة. ففي أوائل عهد «أمنمحات الأول» نجد مذكورًا في النقوش أن من بين أعدائه السود والأسيويين، ولكن يحتمل أن هؤلاء كانوا جنودًا مرتزقة، يحاربون في جانب أعدائه من المصريين، وعلى أية حال فقد افتخر قائده «نسومنتو» بأنه قد هزم «المنتيو» (الأسيويين) و«الحروشع»؛ أي سكان الرمال من الأسيويين، وخرب قراهم، والظاهر أنه تقدم في زحفه حتى «فلسطين».
وكان من نتائج هذه الحملات على بلاد «النوبة» أن وضعت في يد المصريين مناجم الذهب التي كانوا يستغلونها؛ وتشمل أودية سهل صحراء وادي «علاقي». وفي عهد «سنوسرت الثاني» رجع «أميني» وهو «أمنمحات الثاني» إلى مصر يصحبه حراس أقوياء، ومعه ما حصل عليه من الذهب المستخرج من هذه الجهة. وقد أقيمت قلعة لحماية الطريق إلى هذه المناجم في المكان المسمى الآن «كوبان» حيث تنفصل الطريق من وادي النيل. أما إخضاع هذا الإقليم فقد تم على يد الفرعون «سنوسرت الثالث»، وقد قام بعدَّة حملات في العام الثامن والثاني عشر والسادس عشر والتاسع عشر من حكمه، ضد الكوش الخاسئين، ومنذ حملته الأولى إلى هذه الجهات قام بحفر قناة صالحة للملاحة في صخور الشلال الأول لنقل جنوده فيها، على أن هذه الحروب لم تعدم مجالًا للقيام بأعمال بطولة عظيمة، اللهم إلا أن الفرعون وضباطه قد وجدوا فيها مادة للفخار، فقد حرقوا القرى، ونهبوا الحقول، وأتلفوا الآبار، وساقوا السكان إلى ذل الاستعباد.
وهذه الرسائل قد كُتبت على ظاهر الورقة أما خلفها فكتب عليه متن سحري. ولسوء الحظ لم نجد رسالة من هذه الرسائل كاملة، ويظهر أن صاحبها كان من كبار رجال الدولة.
والرسائل تحدثنا عن ذهاب بعض «النوبيين» إلى «سمنة» لتصريف متاجرهم، وكذلك عن قوم من «المازوي». وقد ذكر في هذه الرسائل أكثر من مرة الخطوات التي اتخذت لاقتفاء أثر حركات أهل الجنوب في الصحراء. والشيء الذي يسترعي النظر في أمر هذه الرسائل وما جاء فيها أن الحكومة كانت تهتم في هذا العصر باتخاذ التدابير لإرسال تقارير رسمية عن مثل هذه المعاملات البسيطة في ذاتها لترسلها إلى الجهات العليا، وإلى الحصون الأخرى غير قلعة «سمنة»، وتحفظ منها صورة في سجلاتها.
(١) التحصينات التي أقامها «سنوسرت الثالث» في بلاد النوبة
كان من بين الأوراق التي كشف عنها «كوبيل» في معبد «الرمسيوم» والتي يرجع عهدها لعصر الدولة الوسطى بردية مهشمة، وقد ظهر بعد فحصها أنها تحتوي على قائمة مفردات مرتبة في مجاميع فنية، والظاهر أنها كانت تُستعمل في وقتها بمثابة كتاب هجاء، أو قاموس، أو دائرة معارف إذا قسناها بنظائرها في عصرنا. ومما يؤسف له جدَّ الأسف أن لم يبقَ لنا من محتويات هذه البردية أكثر من ٣٢٣ كلمة مختلفة، يضاف إلى ذلك حاشية غريبة تشمل أسماء نحو عشرين نوعًا من الحيوانات المختلفة كُتبت أسماؤها باختصار، ومن بين هذه الأسماء التي ورد ذكرها في هذه البردية أسماء زيوت وطيور، ونباتات وحيوانات من ذوات الثدي، وأسماء فطائر، وأنواع حبوب، وبعض أسماء أجزاء من جسم الإنسان، وفي وسط هذه المجاميع وجد كذلك قائمة بأسماء حصون في بلاد «النوبة»، غير أن هذه القائمة لم تقتصر على ذكر هذه الحصون النوبية، بل استمرت تذكر لنا سلسلة من أسماء مدن الوجه القبلي. وتنحصر أهمية هذا القسم الجغرافي من هذه البردية في ذكر هذه القلاع والمدن مرتبة حسب الموقع الجغرافي ترتيبًا متتابعًا من الجنوب إلى الشمال، والمهم في هذا أنه لم تصلنا وثيقة أخرى من عصر مبكر كهذه وموضوعه على هذا النحو من الترتيب. وتدل شواهد الأمور أن هذه الورقة يرجع تاريخها إلى أواخر الدولة الوسطى.
- (١)
… … …
- (٢)
قلعة «خع مع خرو» ومعناها «سنوسرت الثالث» مظفر، وموقعها قلعة «سمنة الغرب» الحالية.
- (٣)
قلعة «انتو بدوت» «صد الأقواس» وهي قلعة «قمة» الحالية وتسمى كذلك «سمنة الشرق».
- (٤) قلعة «خسف أونو» «صد الؤنو» وهي «أورونارتي» الحالية، ويطلق عليها كذلك اسم «جزيرة الملك»، وقد عثر في هذا المكان على اللوحة التذكارية التي أقامها «سنوسرت الثالث» في السنة السادسة عشرة من حكمه، وقد جاء في بدايتها ما يأتي: «لوحة أقيمت في السنة السادسة عشرة الشهر الثالث من فصل الشتاء في الوقت الذي أقيمت فيه القلعة المسماة «صد الؤنو»» (L. D. 11, 631 h).
- (٥)
قلعة «وعف خاسوت» (كبح الممالك)، ومن الجائز توحيدها ببلدة «شالفاك» الواقعة على الشاطئ الغربي للنيل على مسافة قريبة من سكة حديد محطة «سرس». وقد قام الأستاذ «ستيندورف» بحفائر في داخل هذه القلعة، فوجد فيها مباني عظيمة ذات جدران سميكة. ومن الجائز أنها كانت مخازن للأسلحة أو الحبوب … إلخ.
- (٦) قلعتا «در-وتيو» (إخضاع سكان الواحة) و«إقن»؛ وهاتان القلعتان تقعان بين القلعة الخامسة و«بوهن» = (وادي حلفا)، ومن الطبعي والمحتمل أن توحدا بقلعتي «مرجيس» و«دينارتي» على التوالي، غير أننا لا يمكننا الآن أن نفرق بينهما على وجه التأكيد، ولكنا من جهة أخرى نعرف بعض التفاصيل عن «إقن» من لوحة الحدود الصغيرة التي عثر عليها في سمنة (L. D. 11, 136 I) وهي التي أقامها «سنوسرت الثالث» كما سلف ذكره. وذكر لنا الكابتن «ليونز» أن القلعة الأولى اسمها «مرجيس» ولكن المستر «سومرز كلارك» ذكرها في مقاله باسم «متوكا» (J. E. A. Vol. 111, P. 165) وقد أقيمت هاتان القلعتان لصد أهالي السودان المغيرين.
- (٧)
قلعة «بوهن» وهي (وادي حلفا الحالية).
- (٨)
قلعة «إنق تاوى» = (ضام الأرضين).
- (٩)
قلعة «خسف مزاو» = (صد المازوي). وهاتان القلعتان الأخيرتان لا بد أنهما تقعان قبل «وادي حلفا» و«عنيبة». ويظن الأستاذ «جاردنر» أن موقع الأولى هو المكان المعروف الآن «بسرة الغرب» على مسافة ١٥ ميلًا من شمال حلفا. أما الثانية فلا يمكن تحديد موقعها على وجه التحقيق.
- (١٠)
قلعة «معام» وهي «عنيبة» الحالية، وتقع على الشاطئ الغربي، ولا تزال بقاياها إلى الآن.
- (١١) قلعة «باقي» وهي «قبان» أو «كوبات» الحالية وتقع على الشاطئ الشرقي للنيل، وعلى مسافة بضعة أميال شمالي «كوبان» توجد قلعة «كشتامتة» = (إككور) أو (كوري)، ويرجع تاريخ أقدم جزء فيها إلى الدولة القديمة، غير أن هذين المكانين لم يُذكرا في البردية، ولكن المستر «فرث» Firth يظن أنهما يكوِّنان مع «كوبان» وحدة.
- (١٢) قلعة «سنمت» Snmt وهي «بجة» الحالية.
- (١٣)
قلعة «آبو» (إلفنتين أو أسوان الحالية)؛ وقد جاء ذكرها في مقبرة «رخ مارع» وزير «تحتمس الثالث».
- (١٤)
وجد اسم هذه القلعة مهشمًا في البردية.
- (١٥)
وجد اسم هذه القلعة مهشمًا في البردية.
- (١٦)
«خني» (بلدة السلسلة).
وتحدثنا هذه الرسائل عن أهل الجنوب الذين نزحوا إلى الحدود المصرية ليبيعوا سلعهم؛ إذ كانوا يصرفون متاجرهم ثم يقفلون راجعين إلى أوطانهم، وكذلك نجد أن بعض أهل «المازوي»، وهم الذين كانوا يعلنون أنهم أتوا لخدمة الحكومة المصرية، قد سرحوا إلى الصحراء. ومن ثم يظهر أن هؤلاء القوم لم يكن مصرحًا لهم أن يتخطوا الحدود، وهذا يتفق مع الأمر الملكي الذي نُقش على لوحة «سمنة» الصغرى؛ حيث يذكر فيها أن النوبي الذي أتى ليتجر مع «إقن» الواقعة شمالي الحدود، أو الذي جاء لأمر رسمي يمكنه أن يمر شمالي «حح»، وهي التي تعرف الآن عادة بأنها واقعة في إقليم سمنة، وكذلك لا يسمح لقوارب النوبيين أو قطعانهم بأية حال من الأحوال أن تتخطى الحدود. فالنوبيون الذين كان يسمح بمرور بضائعهم كانوا تجارًا قاصدين «إقن»؛ حيث كانت تصرف بعض أنواع من منتجات بلادهم، وكانوا يقطعون باقي رحلتهم بالقوارب فقط، وكانت هذه القوارب دائمًا مصرية.
(٢) نشاط مصر خارج حدودها من جهة آسيا
وقد استمر ملوك الأسرة الثانية عشرة يستغلون محاجر «وادي الحمامات»، وكانت الحملات قد بدأت ترسَل إلى «بنت» منذ عهد الأسرة الحادية عشرة كما سبق ذكر ذلك، وقد كانت تبتدئ رحلتها من ميناء «ساوو» (وادي جاسوس).
أما المحاصيل التي كانت تأتي من «بنت» فقد ذُكرت بالاسم مرات عدة في النقوش، وليس من المحتمل أنه كانت توجد علاقات تجارية حرة بين تجار مصر، وتجار بلاد العطور؛ وذلك لأن السفن كانت مِلك الفرعون. أما رؤساء الحملات البحرية فكانوا يلقَّبون بحاملي أختام الفرعون (وكلاء)، يرافقهم جنود الفرعون. وقد وصلت إلينا قصة خرافية من هذا العصر، وهي تصوِّر لنا إلى أي حد كانت هذه الحملات تؤثر في مخيلة الشعب.
وقد كانت «آسيا» كذلك ميدانًا للحروب، غير أنه مما لا شك فيه أن سيطرة كل من «أمنمحات الأول» و«سنوسرت الأول» لم تمتد قط كما نعلم من قصة «سنوهيت» أكثر من إخضاع شبه جزيرة «سينا»، وكذلك عندما يحدثنا «منتو حتب» وزير «سنوسرت الأول» أنه أخضع الأسيويين، وجعل سكان الرمال يلزمون السكينة والسود يجنحون إلى السلم، فإن ذلك لا يكفي لأن يجعلنا نفكر في أنه كانت تقوم هناك حرب حقيقية.
وقد سار بجيشه نحو الشمال ليخضع الأسيويين «مونتو ساتت» وعسكر في إقليم يسمى «سكمم»، أو «زكمم». وهذا الاسم لا بد أنه اسم جمع كنعاني ومعناه سكان «زخم» وتقع وسط «فلسطين».
ولما كان كل ما ذكرنا يوحي بوجود سيادة مصرية في بلاد آسيا كالتي كانت لها في بلاد النوبة؛ آثرنا أن نفرد بابًا خاصًّا عن المعلومات التي وصلت إلينا حتى الآن في هذا الصدد فنقول:
الإمبراطورية المصرية في آسيا في عهد الدولة الوسطى
لا يزال حتى الآن موقف مصر بالنسبة إلى البلاد المتاخمة لها من جهة الشمال يحوطه بعض الغموض والإبهام، ولكن الكشوف الحديثة في مصر وفي تلك الأصقاع الشمالية المجاورة تزيح الستار عن ذلك شيئًا فشيئا، ومن ثم يمدنا ما توافر لدينا من المصادر ببعض الشيء لبحث هذا الموضوع على ضوئها واستخلاص نتيجة منها بقدر ما تسمح المعلومات التي في متناولنا.
والواقع أن العلاقات بين الأمم تنحصر في القوى الكامنة في كل منها، وما تقوم به الواحدة من معاملات مع جارتها، وردَّ الفعل الذي ينتج عن تلك المعاملات، فقد يكون السيطرة وقد يكون المساواة، وهذا يتوقف على قوة البلاد الحيوية. ففي عصر ما قبل الأسرات المتأخر تدل البحوث على أن آسيا كان لها تأثير عظيم على سكان وادي النيل، ولكن سرعان ما نرى أن مصر قد استثمرت بدورها شبه جزيرة «سينا» ومن المحتمل «فلسطين» من الوجهة الاقتصادية، وذلك في عهد الدولة القديمة، ولكن نجد ثانية في العهد الإقطاعي الأول أن الأسيويين قد غزوا الوجه البحري، وبعد ذلك عادت مصر وزحفت ثانية إلى الأقاليم الأسيوية في عهد الدول الوسطى ونشرت بعض سلطانها، أما العصر الذي تلا سقوط الدولة الوسطى، فيشاهد أن الهكسوس قد اجتاحوا البلاد المصرية واستوطنوها لمدة طويلة، ثم لم نلبث أن رأينا نجم الغزاة قد أفل، وقامت الدولة الحديثة، وأسست إمبراطورية شاسعة في آسيا، ثم مال الميزان كرة أخرى، وأخذت كفة مصر تهوي، عندما أراد أعداؤها في القرن الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد أن يغزوها.
ومما سبق نعلم أن الأدوار التاريخية التي مرت على البلاد كانت واضحة لا يعتروها أي غموض، غير أننا في عهد الدولة القديمة والعهد الإقطاعي وعهد الدولة الوسطى لا نعلم إلا القليل عن مقدار نفوذ مصر، وامتداد حدودها في البلاد المتاخمة لها وبخاصة من جهة الشمال.
والسؤال الذي نريد أن نضعه الآن هو: ما نوع السيطرة الإمبراطورية المصرية في عهد الدولة الوسطى؟
وفي الحق أن الدولة الوسطى لم يجلس ملوكها على عرش الملك آمنين؛ إذ نعلم أن ملوك الأسرة الحادية عشرة، وملوك الأسرة الثانية عشرة، قد بذلوا زمنًا طويلًا وجهدًا عظيمًا في توطيد سلطانهم داخل البلاد، وبعد أن تم لهم ذلك أصبحوا في مأمن للسير إلى أقطار خارج حدودهم، فنعلم أن «سنوسرت الثالث» قد مد سلطان بلاده حتى الشلال الثاني، ووصلت المحاط التجارية في عهده حتى «كرمة» بجوار الشلال الثالث، فهل كان سلطان مصر مشابهًا لذلك في «سوريا» و«فلسطين»؟
كان أهم أثر يلفت النظر عثر عليه أخيرًا هو الجزء الأسفل من تمثال جالس لشخص يدعى «تحوتي حتب» وقد عثرت عليه بعثة «المعهد الشرقي الأميركي» في بلدة «مجدو» بفلسطين وهي «تل المتسلم الحالية» وكذلك عثر مع هذه القطعة على ثلاث قطع أخرى عارية من النقوش، وقد حدد رئيس الحفائر عمر هذه القطعة حسب الطبقة التي وجدت فيها من المعبد، وأكد أنها ترجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، أما مادة هذا التمثال فهي الجرانيت الأسود الصلب، أو حجر البازلت. ويستدل من القطعة الباقية من التمثال على أنه كان جالسًا على كرسي وراحته اليسرى على ركبته، ويده اليمنى قابضة على منديل وموضوعة على فخذه، ويرتدي قميصًا مجدولًا ذا طيات في جزئه الأمامي، وتدل عضلات الساق الأيسر التي لا تزال محفوظة على أن صانع التمثال كان ماهرًا.
- (١)
على الجانب الأيسر: «قربان يقدمه الملك إلى «خنوم» رب الأرض الأجنبية وللإله ليقدم قربانًا من خبز وجعة أو [وما شيه] وطيور … إلخ، إلى روح المحترم الشريف (حاكم) ومراقب التاجين أو «العرشين»، والمشرف على الكهنة، ورئيس الخمسة، والصديق الملكي، والمطلع على أسرار [بيت الملك؟] والحاكم العظيم [لمقاطعة الأرنب] … والمحبوب الملكي … على رأس اﻟ … «وتحوتي حتب» الذي وضعته «ست خبر كا».«
- (٢) على الجانب الأيمن: نقش ما يأتي:
قربان يقدمه الملك إلى «تحوتي حتب» رب الكلمات المقدسة … المحترم في حضرة الإله العظيم، الحاكم «الشريف» ومراقب التاجين (أو العرشين) والمشرف على الكهنة والقاضي وحاكم «بوتو» وفم نخن (هيراكنبوليس) وهي (الكاب الحالية) وكاهن … عشرون … في القصر وكاهن «تحوت الأعظم» والكاهن سم (وهو لقب كهنوتي عظيم جدًّا) الذي قرأ له المتن … ابن كاي «تحوتي حتب»؛ أي «تحوتي حتب» بن «كاي».
- (٣) على العمود خلف القاعدة: «… في بيت «تحوت» عظيم الكشف وحاكم [الجبلين]، ويحتمل أن اللقبين الأخيرين هما لقبان دينيان لبعض كهنة في معبد «خنوم» إله الشلال، وهذه النقوش التي أوردناها هنا رغم ما أصابها من التهشيم فإنها تدل بالموازنة على أنها للموظف المصري والكاهن، «تحوتي حتب» ابن «كاي» واسم أمه «ست خبر كا»، ويستخلص من الأسماء والألقاب التي وردت في النقش أن «تحوتي حتب» هذا هو بلا نزاع نفس «تحوتي حتب» حاكم مقاطعة الأرنب، وهي المقاطعة الخامسة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي، وعاصمتها «هرمو بوليس» «الأشمونين» الواقعة على الجهة المقابلة للنيل قبالة «البرشة» الحالية، (Sethe, “Historische Biographische Urkunden des Mittleren Reiches,” Vol. I, Par. 688 ff.).»
ونجد في نقوش قبر هذا الأمير أنه كان يدعى «الطفل الملكي» في عهد «أمنمحات الثاني»، وفي عهد «سنوسرت الثالث» كان لا يزال موظفًا نشيطًا يقوم بمهام مقاطعته، وقد قلده والده «كاي» حُكم مقاطعة الأرنب، وأمه تسمى «ست خبر كا»، ولا نزاع في أن هذه القطعة الصغيرة من تمثال هذا الأمير كانت من تمثال خاص ببلدة «مجدو» في وقت ما خلال حياة «تحوتي حتب» كاهن الإله «تحوت» الأعظم في «الأشمونين»، وحاكم مقاطعة الغزال في مصر الوسطى.
والآن يتساءل المرء ما الذي دعا إلى وجود مثل هذا التمثال في بلدة «مجدو»؟ وأقرب الظن أن صاحبه كان مقيمًا في هذه البلدة يؤدي عملًا ما، ولكن ما هذا العمل؛ هل كان عضوًا في مستعمرة تجارية هناك؟ والجواب على ذلك لا بد أن يكون بالنفي؛ لأن ألقابه وما يوحي به مجال حياته في عهد ثلاثة ملوك بالتتابع من ملوك الأسرة الثانية عشرة لا يدل على أنه كان تاجرًا، ولا أنه كان قد نُفي من الأرض مثل «سنوهيت»، ولكن من المحتمل أنه كان يقوم بأعمال سفير مصري في هذه الجهة، رغم أننا لا نعرف شيئًا كثيرًا عن المبعوثين المصريين في ذلك الوقت لنتأكد من أن رجلًا في منزلة «تحوتي حتب» ومسئولياته يمكن أن يرسل سفيرًا إلى بلدة مثل «مجدو»، وعلى ذلك لا بد أن نلخص فيما يلي ما جاء على بعض الآثار التي وصلتنا من عهد الدولة الوسطى من أرض آسيا أو لها علاقة بها، لنصل إلى نتيجة تزيح الستار عن وجود هذا التمثال في مثل هذا المكان؛ إذ الواقع أنه قد عثر على بعض القطع الأثرية في «آسيا»، وتحمل أسماء مصرية، غير أن هذه يمكن أن تُنسب إلى أعمال تجارية قام بها صاحبها. ولكن تمثال «تحوتي حتب» الذي نحن بصدده وتمثالًا آخر لشخص يُدعى «سنوسرت عنخ» كُشف عنه في «رأس شمر»، كان كل من صاحبيهما له مركز مسئول في خارج البلاد المصرية، وإذا كانت هذه النظرية صحيحة فلا بد من تغيير الفكرة السائدة عن علاقات مصر بآسيا، وهي التي كانت تعد علاقات تجارية وثقافية وحسب، ولم تكن علاقات حربية، أو إدارية.
وتدل شواهد الأحوال على أن ملوك الدولة الوسطى قد مدوا نفوذهم في «آسيا» كما كانت الحال في بلاد النوبة، وبخاصة من الوجهة الإدارية؛ مما جعلها تقبض بالقوة على شرايين التجارة الرئيسية مع بلادها عبر الحدود المصرية في الشمال والجنوب.
وسنورد هنا قائمة بالآثار الهامة التي وجدت خاصة بمسألة العلاقات بين مصر وسوريا وفلسطين، وهي في مجموعها على ما يظهر توحي بوجود إمبراطورية من نوع خاص في هذه الأقاليم الأسيوية المتاخمة.
وبعبارة أخرى فإن هذه القوة لا يمكن أن تحمي الحدود المصرية في «آسيا» في عهد «أمنمحات الثالث»، وعلى أية حال فإنه لا يمكن للباحث أن يفهم هذا العصر بوجه عام دون أن يدرس الخطوات التي أدَّت إلى إقامة «الهكسوس» في مصر، وتدل البحوث الحديثة على أنهم كانوا قد بدءوا ينزحون إلى البلاد المصرية قبل عهد الأسرة الثانية عشرة، ثم بلغوا منتهى مجدهم بعد أن مزقوا شمل قوة الدولة الوسطى.
وفضلًا عن ذلك يوجد في نهاية قائمة الجعارين التي دوَّنها الأستاذ «رو» ملخص نسبي للآثار المصرية التي عثر عليها في فلسطين لمختلف الدول التي قامت في مصر، ففي الدولة الوسطى نجد النسبة ٣ إلى ٧ في عهد الهكسوس، إلى ١٠ في الدولة الحديثة، ٣ في العصر الذي تلا الدولة الحديثة، وهذه النسبة لا تشعر حقًّا بوجود دولة مصرية في آسيا في عهد الدولة الوسطى، ولكن على الرغم من ذلك فإنها نسبة تشعر ببداية تلفت النظر إلى مد النفوذ المصري في «آسيا».
(٣) علاقة مصر بجزر البحر الأبيض المتوسط
هذا وقد عثرنا على بعض الأواني التي تعزى إلى «كريت» في حفائر الجيزة، غير أنها لم توجد في مقابر، بل وُجدت في الرمال والأتربة المتراكمة حول المقابر المدفونة تحت هذه الرمال.