الأدب في عهد الدولة الوسطى
لا نزاع في أن ما بقي لنا من تراث أدب الدولة الوسطى يعد بمثابة مرآة ينعكس عليها انعكاسًا صادقًا روح العصر الذي تمثله. وفي الحق أن المظهر الروحي لهذا العصر يبرز في الطليعة بوضوح بيِّن، وإن كان غالبًا لا يجد من التعابير الخلابة المتكلفة في نظرنا ما يعبر به، كما نجد في أدب العصر الذي سبقه، وهو عصر الكارثة التي حلت بالبلاد في باكورة العصر الإقطاعي، كما أوضحنا ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب، ومع ذلك فإن الحركة العنيفة التي قاستها مصر واكتوت بويلاتها كانت لا تزال تهز البلاد في أوائل العهد الذي نحن بصدده، ولا أدل على ذلك من تعاليم «أمنمحات» التي تعتبر أهم قطعة أدبية في هذا العصر فهي وصية جاءت على لسان «أمنمحات» لابنه ووريثه «سنوسرت الأول»، استعرض فيها الكاتب «خيتي» كل مأساة حياة «أمنمحات»، فهذا الملك العظيم المخلِّص لبلاده، وصاحب الانتصارات في عدة مواقع يقف وحيدًا وقت الشدة، ولا أحد يعترف له بجميل ممن كانوا حوله؛ إذ قامت ضده مؤامرة في عقر داره صمد أمامها ولاقى فيها حتفه، ولكنه نصح لابنه من وراء صحائف قبره أن يحتمل أعباء الملك مثله بقلب شجاع (راجع [أمنمحات الأول ٢٠٠٠–١٩٧٠ق.م] … إلخ).
وفي هذا الوقت نفسه كتبت «نبوءات نفرروهو» وهي تمجد «أمنمحات» في صورة تنبؤات قيلت في الأزمان الغابرة (انظر [أمنمحات الأول ٢٠٠٠–١٩٧٠ق.م] … إلخ)، وكذلك ألفت مخاطرات «سنوهيت» في باكورة عهد الأسرة الثانية عشرة وهي عبارة عن حوادث تاريخية حيكت في ثوب أدبي قصصي، ويجد القارئ في هذه القصة مع حوادثها الظاهرة أنها قد اندمج في نسجها الفني تنسيق روحي (راجع [أمنمحات الأول ٢٠٠٠–١٩٧٠ق.م، سنوسرت الأول حوالي (١٩٨٠–١٩٣٦ق.م)] … إلخ).
وأخيرًا نجد في هذه المجموعة الأدبية «قصة الغريق» وهي لا تقل في الحوادث الخرافية التي تروى عن البحار السندباد المصري؛ بل إن مغزاها في تجارب الحياة هو أن يحافظ المرء على شجاعته وثقته بنفسه والهدوء ورباطة الجأش (راجع [أمنمحات الثاني ١٩٣٨–١٩٠٣ق.م] … إلخ)، يضاف إلى كل ما تقدم تعاليم «خيتي بن دوا وف» لابنه «بيبي» وقد فصلنا فيها القول فيما سبق.
هذا من جهة الأدب القصصي والتعليمي، أما في فنون الشعر فقد وصلتنا من هذا العهد بعض قصائد مديح وأخرى دينية محضة. وكذلك لدينا بعض الأغاني الدنيوية الطريفة، وأخيرًا وصلت إلينا مسرحية لتتويج الفرعون من عهد «سنوسرت الأول» (راجع كتاب الأدب المصري جزء ٢ ص١٩ … إلخ).