كتاب الطريقين إلى عالم آخرة «أوزير»
(١) مقدمة
كان من نتائج الثورة الاجتماعية التي قام بها عامة الشعب من جراء الظلم الذي حاق بهم من طبقات الأشراف في البلاد؛ أن انقلبت الأوضاع الاجتماعية المألوفة رأسًا على عقب، فأصبح السيد مسودًا، وصار الفقير غنيًّا، فسادت الفوضى مدة من الزمان مما دعا إلى قيام جماعة من حملة الأقلام المصلحين يطالبون بالعدالة الاجتماعية ويندِّدون بالملك الذي كان منزويًا في عقر داره يلهو ويلعب، ولا علم له بشيء مما آلت إليه البلاد من سوء الحال وفساد النظام، وقد ظل هؤلاء الكُتاب يعالجون الموقف بحكمتهم ويصورونه بصور شتى محسة إلى أن قُيض لهم النجاح في مهمتهم الشاقة، وظهر المصلح العظيم المنتظَر في شخص الفرعون «أمنمحات الأول» كما أسلفنا؛ فأعاد للبلاد بعض مجدها القديم وبث فيها روح العدالة، وأخذ يفسح المجال للحرية الشخصية من الناحية الاجتماعية والقضائية، غير أن هذه الحركة الفكرية العظيمة التي أوجدها أولئك الكُتاب لم تقف عند هذا الحد من الإصلاح الاجتماعي بل اتسعت دائرتها وتشعبت نواحيها، فكان مما تناولته الناحية الدينية، ولا سيما ما يختص منها بحقوق الإنسان في عالم الآخرة والجنة السماوية التي كانت حتى هذا العهد وقفًا على الفراعنة وأسرهم؛ من أجل ذلك أخذ القوم يفكرون في أمر آخرتهم وما فيها من نعيم وبدءوا يطالبون بمساواتهم أمام الإله دون فرق بين فقير وغني.
وعلى أثر ذلك نجد بعض الأفكار الدينية الشعبية الجديدة أخذت تظهر في المتون الدينية الخاصة بهذا العهد؛ أي العهد الإقطاعي الأول، بعد أن تحرَّر القوم من سطوة العقائد الدينية الملكية التي كانت قد طغت على ديانتهم جملة وجعلتها كأن لم تكن. وأول ما ظهرت هذه العقائد الشعبية في «متون التوابيت» التي كانت تتعارض في كثير من الأمور مع متون العقيدة الشمسية الأصلية، وهي التي كانت العماد الأول الذي تقوم عليه ديانة الملوك، والتي نراها منتشرة في «متون الأهرام»، كما فصلنا القول في ذلك، على أن مثل هذه المتون الدينية الجديدة لم تكن شائعة في بادئ الأمر بل كانت محلية، وإن أصبحت فيما بعد ذائعة منتشرة وكونت وحدة عظيمة في عهد الدولة الحديثة؛ إذ ظهرت في صورة كتب يتداولها أفراد الشعب على السواء، ونخص بالذكر منها كتاب «أمي دوات»؛ أي (ما يوجد في العالم السفلي) ثم «كتاب البوابات»، وهي الأبواب التي كان لزامًا على المُتوفَّى أن يمر بها في طريقه إلى عالم الآخرة الذي هو جنة المأوى، وأخيرًا «كتاب الموتى» الذي كان يحتوي على عدة فصول توضع بجوار المُتوفَّى في تابوته ليكون دليلًا له، وحافظًا من كل الأخطار التي تعترضه في سبيله إلى جنة الخلد.
- العهد العتيق: مصدره الرواية.
- الدولة القديمة: مصدرها «متون الأهرام» التي يوجد فيها كثير مما يرجع إلى العهد العتيق.
- الدولة الوسطى: مصدرها «كتاب الطريقين» و«متون التوابيت»؛ وقد أخذا كثيرًا عن «متون الأهرام».
- الدولة الحديثة: مصدرها «كتاب الموتى» وهو مأخوذ من كتب العصر السالف وعنه أخذ كتاب «ما يوجد في العالم السفلي» و«كتاب البوابات».
- العصر المتأخر: مصدره النصوص السالفة جميعًا.
ويمكننا القول إن «متون الأهرام» التي كانت لا تخرج في معظم الأحيان عن مجموعة من الفصول الدينية والتعاويذ السحرية غير المتصلة الحلقات؛ قد جمعت من المعتقدات العتيقة ما يوافق هوى الملك الحاكم وذوقه، وقد كانت المصدر الأصلي الذي أخذ عنه المؤلفون في الأدب الجنازي فيما بعد، وبخاصة «متون التوابيت» و«كتاب الموتى». ومثل هذه المؤلفات كان يستعين بها المُتوفَّى لضمان حياة في عالم الآخرة ملؤها السعادة والنعيم.
أما الصنف الثاني من المؤلفات التي ظهرت في نفس الوقت الذي ظهر فيه «كتاب الموتى» فكان الغرض منه أن يقص عليه قصة متصلة الحلقات كما يقصها علينا «كتاب الطريقين»، وأعني بذلك كتاب «ما يوجد في العالم السفلي» و«كتاب البوابات»، ولكن الغريب في هذين المؤلفين أننا لم نجد نسختين من أي كتاب منهما متحدتين في ألفاظهما تمامًا، وقد يعزى ذلك إلى اختلاف العقيدة، وإلى الآلهة المحليين الذين كانوا يلعبون دورًا عظيمًا في معتقدات القوم؛ من أجل ذلك كله لم تصلنا رواية متفق عليها يسير الكل على نهجها في طول البلاد وعرضها، ولكن نرى بوجه عام أن مجموع الشعب متمسكون بلب ما في هذه النسخ المختلفة، فكانوا يرسمون في النسخ التي توضع معهم في قبورهم؛ الشخصيات الهامة بين الآلهة والمناظر التي تدور حولها المتون، وإن كان الحوار فيها يختلف بعض الشيء، وهذا الاختلاف كما قلت راجع إلى المعتقدات المحلية.
وإذا كان القارئ أو الباحث المدقق سيجد بعض الإبهام في «كتاب الطريقين»، فإن جريرة ذلك لا تقع على جامع هذا الكتاب، بل يجب أن نعزو ذلك إلى جهلنا التام بديانة الشعب في هذا العهد بعينه، بل والعهد الذي سبقه، فقد ظهر هذا المؤلف في عصر كانت البلاد غارقة فيه في بحر من ظلمات الفوضى والارتباك الاجتماعي والسياسي، فكان فيه التدهور الخلقي والديني بطبيعة الحال على أشد ما يكون من العنف، وإذا وجدنا أن التشويش والتشويه والغموض تسود فصول هذا المؤلف فإن ذلك راجع إلى أننا بعيدون كل البعد عن فهم الأفق العقلي والديني لمؤلفيه، فمن الجائز أن ما يظهر أمامنا مشوشًا غامضًا كان في نظر أهل هذا العهد منطقيًّا مفهومًا. وهذه الحقيقة يدركها تمامًا أولئك الذين يدرسون التاريخ القديم وتطوراته، ولا يبعد من جهة أخرى أن هذه الكتب كانت مبهمة كذلك على غير المتعلمين في هذا العصر، وهم الذين يقبلون في كل زمان ومكان ما يلقيه عليهم رجال الدين دون معارضة أو سعي لتفهمه، وبخاصة إذا كان يتفق وعقليتهم الساذجة.
(٢) مصادر كتاب الطريقين
وصل إلينا حتى الآن من الكشوف الأثرية عشر نسخ من كتاب الطريقين، تسعٌ منها محفوظة على رقع توابيت موجودة بالمتحف المصري.
وقد نشرت متون هذه التوابيت بطريقة مختصرة، وبخاصة متون توابيت متحف القاهرة، هذا فضلًا عن أنه لم يحاول أحد من العلماء ترجمتها أو درسها درسًا شافيًا. ومما يؤسف له أنه حتى التوابيت التي أبقتها يد التخريب لم نجد بينها إلا أربعة دوِّن عليها هذا الكتاب بحالة لا بأس بها: ثلاثة منها بمتحف القاهرة، وتحمل الأرقام التالية ٢٨٠٨٣، ٢٨٠٨٥، ٢٨٠٨٩ في السجل الرسمي، وهي التي سنعتمد عليها، أما النسخة الرابعة ففي متحف برلين وقد دوِّن التابوت الذي كتبت عليه تحت رقم ١٤٣٨٥ في سجل المتحف.
ومما يجب التنويه عنه هنا أن نسخة «برلين» قد امتازت بطابع خاص؛ إذ تحتوي على بعض متون لا نظير لها في نسخ متحف القاهرة كما سنرى بعد، على أنها وإن كانت من جهة أخرى ينقصها ثلثا المتون التي كُتبت على نسخ متحف القاهرة؛ هذا بالإضافة إلى أن جزءًا كبيرًا من المصوَّر الجغرافي الذي وجدناه على توابيت متحف القاهرة وبخاصة الصور الإيضاحية قد خلا منها مصور متحف «برلين».
(٣) ما نعرفه عن ديانة الشعب في عهد الدولة القديمة
والواقع الذي لا مراء فيه أن كل فرد كان له دين يسير على منهاجه، وأنه من أجل ذلك كان يقيم لنفسه مقبرة يعدها بكل ما في استطاعته من عتاد مادي، وكذلك نعرف أن القوم كانوا مدة حياتهم يتعبدون إلى آلهة مختلفة ويتضرعون إليها كلما أصابهم خَطب أو حلت بهم مصيبة، كما كانوا يستعطفونهم ليمدوهم بالقربان الملكي بعد مماتهم. على أنه في الوقت الذي نعرف فيه كل ذلك لم تصلنا من جهة أخرى أية معلومات عن جنة الشعب التي كانوا يتطلعون إليها ويبتغون النعيم فيها، وجل ما نعرفه أنهم كانوا ينتظرون يوم حساب أمام الإله العظيم إذا دعا الأمر إلى ذلك.
(٣-١) جنة الفرعون السماوية المحرَّمة على الشعب
(٣-٢) جنة الشعب مركزها الأرض
ذكرنا فيما سلف نقلًا عن «متون الأهرام» أن الملك وذريته كانوا يعرجون إلى السماء فينعمون هناك بجنة الخلد، أما الألوف وهم عامة الشعب فكان مأواهم الأرض، والواقع أنه لدينا بعض الإشارات في المتون الجنازية توحي إلينا بأن جنة عامة الشعب كانت على الأرض، فقد كان يظن حتى نهاية الأسرة الخامسة تقريبًا أن مركز هذه الجنة هي حقل القربان الذي يظن أن موقعه كان في بلدة «هليوبوليس» (عين شمس) وهذه البقعة المباركة كانت تعتبر المركز الرئيسي لعبادة الإله «رع»، الذي كان يزعم القوم أنه أول من حكم الدنيا ناشرًا العدل والمساواة بين الجميع، ولكنه تخلى عن حكم العالم الدنيوي ورفع نفسه إلى عالم السموات، وكان من جراء ذلك أن رفع معه حقل قربانه إلى العالم العلوي، وأصبح مأواه الأبدي السماء مثل والده «رع»، وهناك ينعم بعيشة راضية في حقول قربان والده. أما عامة الشعب فقد ترك لهم حقول القربان التي على الأرض في «هليوبوليس» ليتمتعوا بها، وقد جرت العادة أن تقام مقابر القوم في تلك الجهة كلما وجد إلى ذلك سبيل، ويمكن التدليل على وجود حقول قربان في السماء وأخرى على الأرض بما وصل إلينا من النقوش الجنازية التي تركها الملوك والقوم في مقابرهم، فقد جاء في «متون الأهرام» ما يثبت صراحة وجود حقول قربان للملوك في عالم السماء، أما عن وجود هذه الحقول على الأرض ليتمتع بها أفراد الطبقة الوسطى وعظماء القوم فلدينا صيغة جنازية نقرؤها كثيرًا، ولكنا نمر بها مر الكرام دون التدقيق فيما تحتويه من معنى عميق، وهذه الصيغة هي جزء من دعاء للمتوفى شائع الاستعمال يطلب فيه أن يقرب له قربان ملكي، وأن يعيش عمرًا طويلًا، وكذلك يدعى له بأن «يتمكن من السير على الطرق الطيبة التي سلكها المقربون من قبل.» وليس ثمة شك في أن هذه الصيغة تشير إلى حادث معين خاص بشعيرة بعينها كان يحتفل بها القوم، وكانت تؤدى عند دفن المتوفى. وتفصيل ذلك أن المُتوفَّى كان لزامًا عليه أن يزور قبل الدفن المعابد القديمة التي كانت مقامة من قديم الزمان في «بوتو» («ابطو» الحالية القريبة من «دسوق») و«سايس» «صا الحجر» «هليوبوليس» وغيرها، وهذه المعابد كانت أهم المراكز الرئيسية في طول البلاد وعرضها من أقدم العهود. وتدل شواهد الأحوال على أن هذه الشعيرة كان يقوم الشعب بأدائها قبل ظهور ديانة «أوزير» وقبل أن تحتل «العرابة المدفونة» المكانة الأولى في عبادة هذا الإله، وقبل أن تطغى عبادته على الشعائر التي كانت تقام في المدن الدينية العظيمة السالفة الذكر.
فهؤلاء كانوا بهذا الوضع لا يزالون في منزلة الخدم للفرعون؛ ولهذا صحبهم الفرعون معه. أما باقي طبقات الشعب فلا نعلم شيئًا عنهم قط، والظاهر أنهم كانوا محرومين التمتع بالجنة العلوية في خلال الدولة القديمة.
(٣-٣) وصف جنة الفرعون
إن «بيبي» هو أحد أولاد «جب» (إله الأرض) الأربعة الذين يجولون جنوبًا وشمالًا ويقفون متكئين على صولجاناتهم، وعطورهم ممتازة، ولباسهم الأرجواني، وطعامهم التين، وشرابهم الخمر، و«بيبي» هذا يعطر مما يعطرون به، و«بيبي» هذا يرتدي مما يرتدونه و«بيبي» هذا يأكل مما يأكلونه ويشرب مما يشربونه، و«بيبي» هذا على وئام معكم فهو يعيش مما تعيشون منه، فعليكم أن تقدموا له وجبته مما يعطيه إياكم والدكم «جب» (إله الأرض)؛ وبذلك لن يجوع واحد منكم ولن يُبلى، وعليكم أن تقبضوا بشدة على يد «بيبي» هذا للحياة أمام الشذي العَطِر. إن عظام «بيبي» هذا تجمع، وأعضاؤه قد ركبت ليجلس على عرشه (أي بعد أن فككها الموت).
ومما سبق يمكننا أن نستخلص أن الجنة السماوية كما صورها ملوك مصر في عهد الدولة القديمة كانت جنة لذة ومتاع، وفي الواقع إن هي إلا صورة لحياة الفراعنة على الأرض، ولكن دعنا الآن نفهم ماذا حدث لهذه الجنة التي وُعد بها الملوك في عالم السماء في «كتاب الطريقين» الذي ظهر في العهد الإقطاعي الأول عندما بدأنا نعرف شيئًا عن عقيدة الشعب في أمر آخرته، والجنة التي كانت تصبو إليها نفسه.
(٣-٤) الفرق بين روح الملك وروح الفرد العادي
ومن وقتئذ أصبحت الامتيازات التي كانت وقفًا على الملك وحده؛ مُلكًا مشاعًا لعامة الشعب، هذا فضلًا عن أنهم أخذوا يتمتعون بنسيم الحرية والعدالة الاجتماعية والدينية، فأخذوا يعبرون عن آرائهم ومعتقداتهم الدينية التي ظلت زمنًا طويلًا تضيق عليها كل المنافذ فكانت تغلي في صدورهم كالحمم الذي يتقد في جوف بركان تحت ستار المذهب الملكي، الذي كان قد طغى على كل ما سواه، ولكن عندما حدث الصدع العظيم بتداعي القوة الملكية عند نهاية الدولة القديمة، وجدنا المذهب الأوزيري الذي كان بلا شك مذهب عامة الشعب، أخذ ينمو وينتشر ويزداد قوة على قوة ونفوذًا على نفوذ، مما وسع هذا الصدع وسمح لأفكار الشعب الدينية ومعتقداتهم أن تندفع إلى الخارج وتأخذ في الظهور في صورة حمم ملتهب، على أن الشعب لم يكتفِ في أي مكان في البلاد بحرية التعبير عن معتقداته وصلواته الخاصة به، بل طالب بحق التمتع بالجنة السماوية التي وُعد بها الملوك، فأجيب مطلبه بعد حرب شعواء، قلبت خلالها كل الأنظمة الاجتماعية رأسًا على عقب.
ومن ثم نجد أن كثيرًا من «متون الأهرام» الخاصة بالملوك قد اندمجت في المتون الدينية الخاصة بعامة الشعب في هذا العصر، ولما استحوذ أفراد الشعب على حق التمتع بالآخرة السماوية، وهي التي كانوا يتطلعون إليها؛ أصبح منذ ذلك الحين باب السماء مفتوحًا أمامهم على مصراعيه ولم ينزلوا منذ ذلك الوقت عن هذا الحق المكتسب بالنضال، وبقي في أيديهم طوال العهود التالية من العصور التاريخية المصرية، ولكن يلاحظ أن خيال أفراد الشعب الذي كان محشوًّا بالخرافات قد شوَّه هذه الجنة التي اكتسبوها بنضالهم العنيف؛ لدرجة أنه يصعب علينا أحيانًا أن نتعرَّف عليها بوصفها الجنة السماوية التي كان يتمتع بها الملوك أمثال «وناس» و«بيبي» و«تبيي» وغيرهم، ويسيرون فيها مع أولاد «حور» مرتدين الأرجواني، ينبعث من أجسامهم شذى العطور، وأكلهم فيها التين، وشرابهم خمر الجنة وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ (سورة محمد الآية ٤٧).
(٤) شرح كتاب الطريقين إلى عالم الآخرة
والآن نبدأ بشرح كتاب الطريقين كما جاء على مصوَّر التابوت رقم ٢٨٠٨٣ وهو المحفوظ الآن بالمتحف المصري؛ وذلك لأنه يحتوي على إيضاحات كثيرة مصوَّرة أكثر من أية نسخة وُجدت حتى الآن، رغم ما أصاب هذه النسخة من العطب في بعض أجزائها. وسنستعين في تكملة الأجزاء المهشمة بالنسخة التي على التابوت رقم ٢٨٠٨٥، وهذا التابوت لامرأة تدعى «سات حزحتب»، ومما يستحق الملاحظة هنا أن الصيغ التي استعملت في تابوت «سات حزحتب» وهي امرأة من الطبقة الوسطى نفس الصيغ التي استعملها «سبي» قائد الجيش صاحب التابوت الأول، وهذا يبرهن لنا على أن هذه الصيغ الطنانة الرنانة الألفاظ وما جاء فيها من تهديد ووعد ووعيد — وهي الألفاظ التي كان مفروضًا أن يتلوها المُتوفَّى — كانت تعاويذ سحرية محضة؛ هذا إلى جانب أنها تدل على المساواة الدينية المطلقة بين أفراد الشعب على مختلف طبقاتهم دون فرق بين قائد جيش وامرأة متوسطة الحال.
وقبل البدء في وصف هذا المصور يجدر بنا معرفة أن تابوت «برلين» يختلف مصوَّره عن مصورات توابيت القاهرة؛ هذا فضلًا عن أنه خالٍ من كل صور إيضاحية.
(٤-١) وصف مصور تابوت «سبي» رقم ٢٨٠٨٣ مع موازنته بتابوت «برلين»
هذا؛ ويختلف مصوَّر تابوت «برلين» بعض الشيء عن مصوَّرات القاهرة، وقد ضربنا عنها صفحًا تفاديًا من الإطالة.
المتون الخاصة بهذا الجزء
هذا هو الوصف الإجمالي لبداية هذا المصوَّر لعالم الآخرة حسب العقيدة الشعبية الجديدة، وسنتناول الآن شرح متون هذا الجزء وصوره مفصلين القول عن الخطوات التي كان يجب على المُتوفَّى اتباعها في سياحته بإحدى هاتين الطريقين، وما يجب عليه أن يفعله ليتغلب على العقبات والصعاب التي كانت تعترضه في تلك السياحة الخطرة.
كان أول عمل يقوم به المُتوفَّى أن يتلو المتن الذي قد كُتب في المستطيل الملون باللون الأحمر وحوله، وهو الذي يمثل «بوابة» هذا القسم، وقد وصفناه فيما سلف.
لقد أخذت النجوم المتلألئة التي في الأفق الشرقي تأفل عند سماع صوت «نوت» (إلهة السماء) عندما كانت تفسح طريق «رع» أمام الواحد القديم حتى يسير في دورته (اليومية)، فلترقَ إلى العلا يا «رع» الذي في محرابه (الذي في سفينة النهار) واستنشق النسيم، وشم ريح الصبا، وابتلع … شبكتك في اليوم الذي تقدم فيه الخضوع لإلهة العدالة (ماعت)، وتقسم فيه أتباعك عندما تتقدم السفينة نحو «نوت» (إلهة السماء)، والآلهة القدامى يتقدَّمون عند سماع صوتك.» وعند هذه النقطة من المتن تنتهي أنشودة إله الشمس، ومن ثم يخاطَب المتوفى، فيقال له: «احسب عظامك، ورتب أعضاءك، وول وجهك شطر الغرب الجميل الذي تذهب إليه مجدَّدًا كل يوم؛ لأنك هذه الصورة الذهبية عندما توحد مع قرص السماء مع النجوم اللألاءة التي تعمل دورتك معها، وعندما تجدد يوميًّا مثل «رع» يعم الحبور في الأفق والترحاب من أمراسك (أي حبل سفينة الشمس الذي أصبح يمثل في صورة شخص).
فصل السياحة في سفينة «رع» العظيمة
تعالي أسرعي؛ لأن الأب ينطق بقرار «ماعت» (العدالة)، إنه الإله «آتوم» أسرع.» هكذا صاح الذي في أصيله في حينه، «تأمل! لقد أتيت لأحضر له فكي «روستاو»، والنور الذي هو عين الشمس. هذه إشارة صريحة إلى الطريقين اللذين يسلكهما المتوفى؛ أي طريق الماء وطريق الأرض، وقد مثل كل منهما بفك الإله «جب» إله الأرض، (وفي نسخة أخرى قد مثلتا بطريقي «روستاو»)؛ ولأجل أن أضم إليه جموعه (يقصد هنا أعضاءه المختلفة التي تفككت وانتثرت بعد الموت)، وأبعد عنه الثعبان «أبو فيس» المؤذي؛ ولأجل أن أشفي له جراحه (بالتفل عليها)، وقد مهدت طريقي ومررت عليها بينكم، وإني أنا الذي يسكن بين الآلهة، تعالَ ودعني أمر قدمًا في سفينة رب «سيا» (إله الفهم)، أنت يا صورة «حوروز» (ويا صورة تحوت) الذي يشعل النار ويطفئها، ولقد مهدت طريقي يأيها الوالد المقدس، ويأيها القرد المقدس (أي تحوت). لقد دخلت الأفق، فانتقل بجانب الأمراء المقدسين، سأكون شهيدًا على من في السفينة المقدسة، وسأمر قدمًا على حاشية اللهيب اللامع التي خلف رب صاحب الذؤابة (أو أصحاب الذؤابات).» ثم يختم متن تابوت متحف القاهرة بالعنوان التالي: اقتحام الباب الذي يسمى ««حور» سيدها»: إنك تدير السفينة التي هي عينك (أي عين إله الشمس) يأيها الأب (أي رع). ثم يتلو ذلك: «تعويذة المرور على ردهات النار الخاصة بباب سفينة «رع» كل يوم.»
ومما هو جدير بالملاحظة في هذه المتون السالفة أن العقيدة الشمسية هي الفكرة الهامة فيها، مما يدل على أن هذه العقيدة كانت هي السائدة في هذا الوقت رغم ظهور العقيدة الأوزيرية وشيوعها. فنجد الجزء الأول يحتوي على أنشودة مدح لإله الشمس الذي كان يتطلع إليه المُتوفَّى بوصفه ابنه ليعد له مكانًا في سفينته التي كان يسيح فيها كل يوم من الشرق إلى الغرب؛ أي إن المُتوفَّى كان يرغب في أن يوحد بإله الشمس «رع». أما الجزء الثاني فقد كُتب على ما يظهر في صورة تعويذة سحرية الغرض منها إعداد سفينة للمتوفى يمكنه العبور بها إلى عالم الآخرة، ويدل المتن على أن المُتوفَّى قد وصل فعلًا إلى باب «روستاو» بعد اقتحام الحواجز النارية التي كانت مقامة في سبيله، وبخاصة ردهة النار التي تظهر على المصوَّر في شكل مستطيل، ويسمى بابها: «حور سيدها»، وهو الباب الناري المرسوم على الجهة اليسرى من هذه الردهة (رقم ٧).
على أنه يوجد في متن التابوت رقم ٢٨٠٨٥ المحفوظ بمتحف القاهرة إيضاحات كُتبت بالمداد الأحمر في نهاية هذا الفصل، وهي تمدُّنا بفكرة سديدة عن المقصود من هذا الكتاب، وهي: «إن من لا يعرف بداية هذا الكتاب ونهايته، يغمر الخوف اسمه الذي في جوفه، وإن فلانًا يعرفه ولا يجهله، وإنه الروح المسلح الذي على رأس الأبواب، وكل إنسان يعرف هذا الفصل يكون مثل «رع» في شرقي السماء، ومثل أوزير في أعماق العالم السفلي، وسينزل إلى رجال البلاط الأربعة أصحاب النار، ولن يُحرق بها أبدًا وأنه وصلها بسلام آمنًا.»
ولا نزاع في أن هذا الإيضاح يدل بجلاء على أنه تعويذة سحرية، كما أنه يضع أمام القارئ الفكرتين الهامتين الخاصتين بعالم الآخرة، وهما العقيدة الشمسية والعقيدة الأوزيرية. ويلاحظ هنا ما جاء في المتن أن المُتوفَّى سيكون مثل «رع» في شرق السماء ومثل «أوزير» في أعماق العالم السفلي، والعقيدة الأخيرة مضادة للأولى تمامًا؛ وذلك لأن إله الشمس في شرق السماء يدل على الحياة، أما الإله «أوزير» الذي يعيش في العالم السفلي المظلم فيدل على الموت، ومع ذلك فإن العقيدتين قد امتزجتا وصارتا تكوِّنان فكرة واحدة؛ لأن «أوزير» توحد مع الإله «رع» كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ولا نزاع في أن هذا متن سحري به يتمكن المُتوفَّى من التغلب على كل الصعاب التي تعترضه في عالم الآخرة بقوة الكلمة التي فيه؛ ومن أجل ذلك نجد أن المُتوفَّى قد انتحل فيه لنفسه ألقاب الإله الأعظم ومناقبه، ويلاحظ أن المُتوفَّى قد اتخذ لنفسه هذه الصفات في بداية العهد الذي سمح فيه لعامة الشعب أن يعتنقوا المذهب الشمسي؛ أي مذهب الإله «رع» ويتمتعوا بمميزاته، ثم يستمر بعد ذلك المتن فاستمع لما جاء فيه على لسان المتوفى: «لقد اجتزت طريقي «روستاو» برًّا وبحرًا، وهما طريقا «أوزير» اللتان توصلان إلى السماء، وكل امرئ يمكنه السير عليهما يكون صاحب سلطان على أتباع «تحوت»؛ (أي القمر)، ويكون في وسعه أن يخترق كل سماء يُريد أن يعرج فيها، أما من لا يعرف كيف يسير على هاتين الطريقين فإنه سيُقضى عليه ويصبح قربانًا للموتى، أو يصير طعامًا للمعدمين، ولن يقام له العدل أبدًا. وإني من أتباع سماء «أوزير» والوارث بعد الرئيس (أي «أوزير»)، وإني «سبي» (اسم المُتوفَّى صاحب التابوت) محيي «أوزير» وإني أنا الذي أضرب لك الحراس «حات حزو» الذين هم ملك إله الشمس (وقد مثل هنا في صورة أسد).» وفي نهاية المتن نجد الشرح التالي: «تعويذة المرور عليها؛ أي (الطريق).»
ومما هو جدير بالملاحظة أن المُتوفَّى يخبر حراس الباب المؤدي إلى «روستاو» في هذه التعويذة أنه ليس بزائر جديد، بل إنه على علم بالسياحة بطريقي الماء واليابسة في عالم الآخرة، وأنه هو الذي بعث الحياة من جديد في نفس «أوزير» صاحب هذه الآخرة، بل إنه أكثر من ذلك ادعى أنه حامي الإله «رع» وبعبارة أخرى يدعى أنه هو المسيطر على الإلهين الرئيسيين اللذين يشرفان على السياحة السماوية والسياحة السفلية، وهذه التعبيرات الخارقة لحد المألوف من القوة والتهديد لا نجدها قط إلا في التعاويذ السحرية، وهذا المتن هو نهاية ما جاء على تابوت القاهرة رقم ٢٨٠٨٣.
قرأنا في التعويذة السالفة أن طريقي «روستاو» بالماء وباليابسة هما «لأوزير» وأنهما يوصلان إلى السماء، وقد كان لزامًا على المُتوفَّى بعد أن ينتخب إحدى هاتين الطريقين أن يقتفيها دون أن يحيد عنها قيد شعرة؛ إلى أن يصل إلى هدفه المنشود وهو «روستاو»، وإلا كان مصيره جهنم وبئس القرار. وبعد ذلك كان على المُتوفَّى أن يقوم برحلة أخرى ليصل إلى سماء العالم السفلي حيث يستمر في رحلته في عالم الآخرة الأدنى؛ إلى أن يصل ثانية إلى شرقي السماء ليحيا مع الإله «رع» ثانية، وهكذا كل يوم. والواقع أن طريق الماء السالفة الذكر ليست طريق السماء، بل من المحتمل جدًّا أنها كانت بالنيل؛ لأن المُتوفَّى كان دائمًا عند قدماء المصريين يُحمل إلى مقرِّه الأخير على ظهر النيل، أو على الأرض حسب الأحوال؛ أي إنه كان صاحب الخيار في ذلك. ونعنى بالنيل هنا نيل عالم الآخرة.
تاريخ روستاو ومعناها
أما عن «روستاو» فلا بد أن نذكر أن هذا الاسم كان في بادئ الأمر يطلق على جبانة «منف» منذ الدولة القديمة، وقد جاء ذكرها في «متون الأهرام»، والواقع أن هذا الاسم كان يطلق بنوع خاص على جبانة الجيزة الغربية من منطقة الأهرام، ومن المحتمل أن هذا الاسم قد اشتُق من معناه اللغوي وهو: «باب الممرات»؛ أي باب المقابر في الجبانة، ومن ثم استعمل هذا الاسم في عالم الخرافات الخاصة بالمذهب الأوزيري؛ ولذلك نجد هذا الاسم يذكر منذ ظهور «كتاب الطريقين» في مملكة «أوزير» التي تقع في العالم السفلي في عهد الدولة الوسطى، وبخاصة في المتن الذي أصبح يطلق عليه فيما بعد الفصل السابع عشر من كتاب الموتى. وهاك الفقرة التي جاء فيها ذكر «روستاو» في هذا الفصل، وهي تُظهر بوضوح كيف أن ديانة «أوزير» أخذت تطغى على المذهب الشمسي (مذهب رع)؛ أي إن ديانة الشعب أصبح لها مكانة عظيمة، فاستمع لما يقوله المُتوفَّى أيًّا كانت منزلته الاجتماعية. وقد وُضع ذلك في صورة سؤال وجواب: إني أسير على الطريق المعروفة أمام جزيرة «العدل»، ما معنى هذه العبارة؟
انظر إليَّ إني شخص قد بُعثت مثل «أوزير» وعظامه لم يلقَ بها بعيدًا.
ونجد سطرين عموديين أمام البناء الأحمر المستطيل الشكل (انظر رقم ٧) جاء فيهما: «إن باب السماء قد فتحه «أوزير» أمامي … انظر إنه «رع» الذي معي معلنًا الطريق الخاصة ببحيرتي «شو» (إله الجو)؛ وإني فلان الذي أحيا «أوزير».»
ثم يشاهد بعد الحجرة التي تكلمنا عنها في الصف الأعلى من المصور مبنى قُسِّم قسمين أفقيين يفصلهما شريط أحمر، ويلاحظ أن القسم الأعلى أضيق من الأسفل، وفيهما شُق الطريقان، فأعلاهما يمثل نهرًا متعرِّجًا أزرق اللون، أما الطريق السفلية فمتعرِّجة كذلك ذات لون أسود.
وعندما كان يصل المُتوفَّى إلى هذه النقطة في رحلته كان لزامًا عليه أن يسلك الطريق التي اعتزم انتهاجها؛ لأنه كان حتمًا عليه أن يستمر في السير فيها مهما كان الأمر؛ إذ كان محظورًا عليه أن يحيد عنها، أو يلتفت يمينًا أو يسارًا، أو يرجع خطوة واحدة إلى الوراء؛ إذ كان في ذلك هلاكه؛ لأنه كان يوجد بين هاتين الطريقين بحيرة مستقيمة طويلة من النار كان مصيره السقوط فيها إذا حاد عن الطريق، وقد مثلت على المصوَّر بالخط الأحمر الذي يفصل بين شقي الصف الأعلى الذي نحن بصدده الآن.
وسنفرض الآن أن المُتوفَّى قد اختار لنفسه السير في طريق الماء ليصل إلى عالم الآخرة الذي فيه «أوزير»، فكان أول واجب عليه أن يبتدئ رحلته عند النهاية العليا للصف الأعلى من المصوَّر حيث يبتدئ النهر ذو اللون الأزرق، ومن ثم ينحدر هذا النهر بشدة وينطلق محاذيًا بحيرة النار مسافة قصيرة، وبعد ذلك يتعرَّج كثيرًا، ويشاهد في أول هذه الطريق شيطان جاثم بمثابة حارس، وقد مثل في صورة تمساح أحمر الجسم يقبض بيده على سكين ضخم مهدِّدًا به كل من يحاول الاقتراب منه، (انظر رقم ٩) وقد كمن أمام بناء مستطيل الشكل أصفر اللون، والظاهر أن هذا المبنى مسكون بطائفة من الأرواح؛ وبعد أن يجتاز المُتوفَّى هذا المبنى يجد النهر يسير مصعدًا في منحنى شديد، وقد أقيم على الجانب الأسفل منه بناء آخر مستطيل الشكل كالسابق، ويظهر أنه مسكون بأرواح أيضًا (انظر رقم ١٤). ثم يصادف المُتوفَّى تمساحًا أصفر اللون مسلحًا بسكين عظيم، غير أن رأسه هنا يشبه رأس الحمار، وله قرنا غزال، وقد كمن جاثمًا على بناء مستطيل آخر مقبب أصفر اللون، وهذا البناء مسكون كذلك بأرواح (انظر رقم ١٨)، وبعد أن يجتازه الراحل بأمان يعترضه حارسان آخران خبيثان في طريقه، أحدهما في صورة شيطان رجيم له رأس حمار وجسم ثعبان، يخرج من رقبته ثعبان آخر رافعًا وجهه أمام هذا الشيطان؛ ولا بد أن المقصود من خروج الثعبان الثاني من رقبة هذا الشيطان، هو جعله مؤذيًا؛ لأن جسم الشيطان وحده في صورة جسم ثعبان لا يجعله مؤذيًا؛ وذلك لأن رأس الحمار لا يمكنه أن ينفث سم الثعبان القاتل، هذا بالإضافة إلى أنه لم يكن له مخالب ليقبض بها على سكين، وهو يحرس أحد البنائين المستطيلين اللذين يظهران مختفيين جزئيًّا في منحنيات النهر، وكان لزامًا على الراحل أن يمر بهما (انظر رقم ١٩ و٢٠).
ويلحظ أن الطريق بعد اجتياز هذه العقبة قد أصبح خاليًا من الشياطين، وأهم ما يصادفه الراحل بناء مستطيل لونه أصفر ويُرى مقامًا على انحناء سفلي في النهر، ثم يرتفع في علوه حتى الإطار الأزرق الخارجي (انظر رقم ٢٢)، وتخبرنا النقوش المفسرة له أنه حقل «القربان المشهور» الذي سبق الكلام عنه. بعد ذلك يشاهد أن النهر يصعد من هذا المنحنى حتى الإطار الأزرق الذي يحيط بكل عالم الآخرة، ثم ينثني كرة أخرى وينتهي عند شاطئ بحيرة النار أمام جدار سميك؛ وبذلك ينتهي الجزء الأول من طريق الماء.
وجدير بالملاحظة هنا أن الرسام قد قلب وضع المتون المفسرة للرسم، فجعل متن طريق الماء مكان متن الطريق البرية، وكذلك يلاحظ أنه ليس هناك فرق عظيم بين متن تابوت «برلين» ومتون «توابيت القاهرة» في هذا الجزء من المصوَّر؛ ولذلك سنكتفي بترجمة متن تابوت كامل من توابيت القاهرة مع إضافة الزيادات الهامة التي تكون في متن «برلين».
ترجمة المتون الخاصة بالجزء السابق
بحيرة النار العظيمة المحاطة باللهب، وكل إنسان لا يعرف أن يدخل في النار فإنه سيعذَّب فيها. وأن الراحل وريث الإله «أوزير» الذي سيمر هناك بباب بحيرة العدل.
إني أنا الذي ولد في «روستاو» ووارث «أوزير» (أي ابنه حور)، وأن اسمي أصبح منعمًا بوساطة الذين أصبحوا منعمين (وهم الملوك الذين تُوفوا) هناك في «بوتو» وفي معبد «أوزير»، وهم الذين تتقبلهم آلهة الأرض (الثعابين) في «روستاو» عندما يقودون «أوزير» في المكانين المقدسين له، وإني أحد قوَّادهم إلى مكاني «أوزير» المقدسين (ما يقابل على الأرض الوجه القبلي والوجه البحري).
ولا بد أن هذه التعويذة كانت تُتلى للتمساح ذي الرأس الآدمي (انظر رقم ٨)، وسُمي «الحارس صاحب الصوت المحزن».
وهذا العيد في الأساطير المصرية كان يتمثل في عصبة الإله «ست» إله الشر وشركائه في قتل «أوزير»، وهم الذين تحولوا إلى ماعز أو كباش في بلدة «بوصير»، ثم ذُبحوا أمام مجلس القضاة، وبعد ذلك أُخذت دماؤهم وأعطيت للسكان في «بوصير» ليسمدوا بها أراضيهم.
وفي هذه التعويذة نشاهد أن الإله «تحوت» ومذهبه الذي كان مقر عبادته بلدة «هرموبوليس» (الأشمونين الحالية) قد برزا تمامًا. كما يلاحظ أن الإله «تحوت» هو الذي أعاد للإله «حور» عينه (والعين هنا هو القمر) بسلام؛ في حين أن «تحوت» نفسه كان يمثل القمر سابحًا في كبد السماء منتصرًا على الظلام الذي كان يمثل «ست» إله الشر والظلمة.
ونرى أنه عندما صار المُتوفَّى منتصرًا؛ أي مبرئًا من كل ذنوبه أمام محكمة العدل، وأصبح يتحلى بكل صفات «حور الأكبر»، أمر حارس الباب أن يخلي سبيله ليدخل من الباب الذي يؤدي إلى «روستاو». والظاهر أن هذه التعويذة كانت تتلى عند الاقتراب من البناء المستطيل الأصفر الثاني، (١٤) وهو الذي كتب فيه أسماء ستة عفاريت أخرى وهم (١) «انحر». (٢) «الصوت العظيم». (٣) «مين». (٤) الثائر. (٥) الهائج. (٦) …
(١) النار المحرقة. (٢) اليقظ القلب. (٣) المتنبه الوجه. (٤) حاد الوجه. (٥) الذرب. (٦) العالي الصوت.
أما اسم الشيطان الذي له رأس حمار وجسم ثعبان فهو المراقب «المقنع الوجه»، (١٥) والثعبان الناري يدعى: «البحيرة التي تقطر» (نارًا) (٢٠)؛ وقد وصف بأنه يعيش مع الذين يعيشون في بيت الشاطئ (أي شاطئ بحيرة النار).
إن «أوزير» الراحل هو الإله «روتي» المسلح (أي الإله «رع» في صورة أسد)، وإن «أوزير» الراحل يعتبر ضمن أتباع أول أهل الغرب (أي أتباع أوزير) يوميًّا، وأراضيه في «حقل القربان» بين الذين يعرفون الشعائر المقدسة، وبين عمال «أوزير» الراحل، وهو الكاتب الذي بجانب «تحوت»، وإني أنا الراحل الذي يطهر «أوزير» هذا، ويطلق البخور يوميًّا بين الذين يحضرون القربان، وقد أمر «أنوبيس» (إله الجبانة) أولئك الذين يحملون القربان «لأوزير» الراحل بألا يأخذها منه أولئك الذين في الأسر، وإن «أوزير» الراحل مثله كمثل الأفق الأعلى، يبشر بمقدم المُتوفَّى عند الباب (باب الجنة).
إن كل روح من أرواح الشاطئين (أي شاطئا البحيرة النارية) قد وُضع فيه (في هذا المبنى) بين أتباع «أوزير»، أما التابعون الذين يقطنونه فإنهم أولئك المنعمون الذين يجلسون فيه في حماية الشاطئين هناك على مقربة من ربهم، وهم سكان حقول القربان الذين يطعم معهم «أوزير»، وكذلك كل سكان حقل القربان ممن يؤتى لهم بخير منه مع «أوزير» يوميًّا.
ومن مدلول هذا المتن نعلم أننا أمام حقل القربان السماوي الذي جاء ذكره في «متون الأهرام» بوصفها متونًا شمسية، ولكنه هنا قد صبغ بالمذهب الأوزيري لشيوعه في هذا العصر، وهو الذي كان مقره على الأرض في «عين شمس» كما سبق تفصيل ذلك.
وكان الراحل يعتقد أنه ليس في مقدوره التمتع بطيبات «حقل القربان» إلا إذا كان مجهزًا بالتعويذة التالية التي كُتبت في المكان الذي يتلو هذا البناء الأصفر.
وهي: (٢٥ و٢٦) «تعويذة لوجود الإنسان في «حقل القربان» بين الآلهة أتباع «أوزير» كل يوم طعامهم … بين الأحياء، وأنهم ليسوا أمواتًا أبدًا، ونصيب الراحل من الحقول موجود هناك، وهو يرى «أوزير» كل يوم، وكذلك «تحوت»، وأنه لن يصده الأشرار أرباب الأبواب، (أي حراسها)؛ لأنه ليس من بين أولئك الذين ذهبوا ليوقع عليهم العقاب.»
تعويذة لوجود الإنسان في «حقل القربان» بين الذين بعثهم أوزير، وبين أتباع «تحوت»، ومعهم خبزهم بين الأحياء الذين لا يموتون، بل مُنحوا ريح الحياة في أنوفهم … وهم الذين لا يموتون أبدًا، وكل إنسان يملك نصيبه من الخصب في حقل القربان، وسيرى «أوزير» كل يوم مع «تحوت» ولن يطرده الأشرار حراس الأبواب الذين يصدون البطش.
وبهذا تنتهي المتون التي دوِّنت على الجزء الأول من طريق الماء على تابوت القاهرة الذي نحن بصدده.
وصف طريق البر إلى عالم الآخرة
والآن نعود بالقارئ لبحث الطريق اليابسة التي كان يسير عليها الراحل إلى عالم الآخرة إذا وقع عليه اختيارها.
ولأجل أن نفهم سيره في هذه السبيل يجب علينا أن نعود بالقارئ إلى الحجرة الخلفية التي تتفرع من الطريق الثانية من ركنها الأسفل الواقع خلف جدار من نار، عند هذه النقطة يتفرع طريق اليابسة ذو اللون الأسود ويسير بانحدار ملتوٍ يأخذ في الاتساع حتى يصبح منحنيًا واسعًا، وعند هذه النقطة يعترض الراحل أول شيطان حارس للطريق في صورة «بو الهول» له رأس إنسان ذو لحية طويلة، ويحلي رأسه قرص شمس وضع على قرني كبش، وجسمه وقائمتاه الخلفيتان لأسد. أما قائمتاه الأماميتان فتشبهان الدودة التي كان المصري يفزع منها في كل زمان ومكان خوف أن تأكل جسمه بعد الموت، والظاهر أن هذا الحيوان الغريب في مجموع أعضائه كان من مارج من نار.
بعد ذلك يعترض الراحل في سيره انحناء ثانٍ يقوم بحراسته حارس في هيئة كلب أصفر اللون، ويلاحظ أنه واقف على قائمتيه الخلفيتين، وقابض بمقدمتيه على سكين. ونجد في نفس هذا الانحناء شيطانًا آخر في صورة «بو الهول» له رأس إنسان محلى بريشة، ويقبض بمخلبه على سحلية ويلتفت خلفه، والظاهر أنه حارس غير مؤذٍ؛ إذ يحدثنا المتن أنه يعلن قدوم الراحل. ويعقب هذا الانحناء سبيل مرتبك متشعب يخرج منه ثلاث طرق كلها مسدودة، والجزء الأوَّل من هذا المكان المتشعب النواحي على هيئة مربع منحرف الأضلاع. ويرى في شيطان حارس جسمه جسم دودة ورأسه رأس ثور، وفي الجزء الثاني من هذا المكان، وهو بناء متوازي الأضلاع، ويُرى حارس في صورة حيوان صغير ذي رأس أسود يشبه رأس الحمار وجسمه جسم نمس، ومن المعلوم أن النمس كان حيوانًا مقدسًا يرمز به للإله «آتوم»؛ أي الشمس عند الغروب.
ولا بد أن نلاحظ هنا أن المصوَّر الذي رسم على قعر تابوت «برلين» يختلف عن مصوَّر تابوت القاهرة في بعض النقط، هذا فضلًا عن أنه خالٍ من الرسوم الدالة على صور أولئك الحراس الذين وجدناهم على تابوت القاهرة، وقد سبق وصفهم.
المتون المفسرة للمناظر السالفة
وبعد وصف الطريق وما فيها من عقبات نتكلم عن المتون التي تفسر لنا ماهية الصور التي عليها، وهي التي وصفناها فيما سلف.
هذه التعويذة خاصة بالمرور عليها (أي على الطريق) وإنهم (أي الحراس) أصحاب هذه البحيرة.
والتعويذة (٣٠) هي: «دعني أمر بسلام، إني أسلك طريقي، دعني أقلع بالسفينة، إن صفاتي هي صفاتها (أي السفينة)، وما ينبغي أن يعمل ضدي سيعمل ضدها إذا اتفق أنكم قمتم بعمل شيء ضدي، وإن واجبي أن أكون ضد التمساح (الخطر).»
وبعد هذه التعويذة يذكر لنا اسم الحارس الأول الذي مثل في صورة «بو الهول» وهو (٢٩): ««اللاعن الذي يصد التمساح»، هذا هو حارس المنحنى وهذا هو اسمه»، وبعد أن ينجو الراحل من خطر هذا الشيطان، كان عليه أن يتلو التعويذة الآتية لأجل أن يعتصم من الأخطار التي كانت تقترب منه بسرعة وهي: (٣٢) «إني إنسان يصيد التماسيح عندما تقترب منه، ويملك بيضة «رع» (قرص الشمس) فيخفيها اليوم ويظهرها في الصباح المبكر، وإن حارسها هو مخفيها، وإني أنا المهاجم له، وإن أبغض شيء عندي أن أنثني عندما أتعرَّف عليه، وإنه لن يسكن في الأفق؛ لأني سأقصيه مع الإله بوصفه ثائرًا» (ضدِّي).
ويظهر أن هذه التعويذة كانت موجهة لشيطان حارس في صورة حيوان يشبه الكلب اسمه «مدس حر» (صاحب الوجه القاطع) حارس الباب هذا هو اسمه.» أما «بو الهول» الذي يقوم بحراسة المنحنى الذي يأتي بعد الأول فقد كتب معه الشرح التالي (٣٣) «اسمه «معكتي نتر» (أي الحامي المقدس) وهذا هو حارس المنحنى، وأنه حارس من ينزل فيه (أي المنحنى).» على أنه توجد تعويذة لاتقاء خطر هذا الحارس وهي: (٣٤) «لقد أتى الراحل مثل «حور» فخار الأفق السماوي عند أبواب الأفق، وإن الآلهة تفرح عند اقترابه، وحينئذ يكون شذى عبير الآلهة متجهًا نحوه، ولن ينتابه شر حراس الأبواب، ولن يعادوه، وإنه الخفي الوجه في معبد الإله.»
نذكر بعد ذلك التفسير الذي صحب الشيطان الممثل برأس ثور (٤١) وجسم دودة وهو (٤١): «إن وجهك وجه فرس بحر يضرب الغاضب (أو القرن الذي يطعن الغاضب)»؛ وعلى ذلك يلاحظ أن الرسام لا بد قد أخطأ في رسمه، وقد كان لزامًا على الراحل أن يتلو التعويذة التالية ليمر بسلام في الجزء الثاني من هذا المكان وهي: (٤٢) «هذه هي التعويذة الخاصة باختراقها (أي الطريق) بالذين على بحيرتهم.»
ويأتي بعد ذلك اسم الشيطان الحارس الممثل برأس حمار وجسم نمس وهو: «وجه حمار» هذا هو اسمه.» أما التعويذة التي كان يتلوها الراحل لينجو من شر هذا الشيطان الحارس فهي (٣٥): «إني فلان صاحب الاسم العظيم، وإني أنا العظيم الذي يمهد طريق «ماعت» (العدالة)، وإن ما أشمئز منه هو مكان المحاكمة الظالمة، وإن صفاتي هي صفات حور الأكبر الذي نفذ ما يرغب فيه، وعلى ذلك لن يقبض علي، ولن أصد عن الأبواب، وإني الراحل بوصفي «روتي» (إله الشمس) المسلح، وإني «حقات» (إلهة تحمي «أوزير») سيدة المحيط الأزلي، وإني أعيش على الآثم، وإني أرث أفق «رع»، وإني الراحل بوصفي «آتوم» (الشمس المغربة) رب السكين، وإني أقول بأني أرث الأفق، وإني أمهد طريقًا للإله «رع» عندما يضع الوراثة، وإني أعرف اسمه.»
فصل في تنعيم الروح الذي ولد من «أوزير» يقول الراحل: لقد فُتحت أبواب السماء، لقد فُتحت أبواب الأرض، لقد فُتحت أبواب الغرب (الآخرة)، لقد فُتحت أبواب الشرق، لقد فُتحت أبواب محاريب الجنوب والشمال، ولقد فُتحت الأبواب والبوابات على مصارعها عندما يشرق «رع» من الأفق، ولقد فتحت له أبواب سفينة الشمس الليلية، ولقد فتحت له أبواب سفينة الشمس النهارية عندما يصل «شو» (إله الفضاء) وعندما يخلق «تفنوت» (إلهة الندى) وهما اللذان كانا يتبعانه من بين الذين في ركابه.
وهنا نجد الثعبان أو الحية ذات الرأسين يعترض الطريق وقد كتب اسمه (٤٥): «سركت» التي على امتداده (أي على امتداد الطريق).
أما التعويذة نفسها فهي (٣٧): إني فلان الذي يبلِّغ رسالات الإله «رع»، ولقد حضرت، وإني أبلغ الرسالة لسيدها.» والظاهر أن التعويذة كانت موجهة للشيطان الذي رأسه رأس كبش وجسمه جسم دودة، وقد كتب عنه (٣٨): «إنه حارس المنحنى واسمه صاحب الوجه الذي ينبئ عنه والذي يعيش على القذى.» وكذلك نعلم عنه ما يأتي (٤٦): إنه هو الذي في المنحنى.»
أما الثعبان العادي فقد ذكر عنه (٤٧، ٤٨) أنه حارس المنحنى (أو حارس منحنى البحيرة) الذي يصد حامل المقمعة، والذي يخاطب والدته في صورة «شيفت» (إله في صورة كبش يُعبد في إهناسية المدينة).»
أما التعويذة التي كان يجب على المُتوفَّى أن يتلوها ليفر من سكين الحارس الذي في صورة فرس البحر فإنها وجدت على كل من تابوت القاهرة وتابوت «برلين» وهي (٤٩): «إني فلان صاحب الأوجه العدة الذي يجعل صوت السماء يرعد، والذي يصعد إلى «رع» (أو الذي يبلغ الصدق «لرع»)، والذي يقمع قوة «أبو فيس» (الثعبان عدو رع)، ويخترق القبة الزرقاء، ويقف عاصفة (أو ثورة) نواتي الإله «رع»؛ وذلك لأني أعطيت سيفي الذي أخفيته، وأعلنت حضور رب القربان في صوره إلى المكان الذي هي فيه (أي سفينة الشمس).
وأخيرًا قيل عن القرد الحارس الذي يقف في نهاية الطريق البرية ما يأتي (٣٩-٤٠): «عظيم الوجه الذي يصد التماسيح حارس محرابه.» وكذلك قيل عن القرد والتمساح معًا: «إنهما حارسا منعطف البحيرة.»
وبذلك ينتهي الجزء الأول من الطريق البرية، والواقع أن وصفه هي وصف الطريق المائية.
(٤-٢) الجزء الثالث من مصور تابوت القاهرة رقم (٢٨٠٨٣)
لقد لاحظنا في الجزء السابق أن كلًّا من طريق البر وطريق الماء ينتهي عند شاطئ بحيرة النار أمام جدار سميك قد مثل عليه ثلاثة أبواب سود موضوعة بعضها فوق بعض يؤدي كل منها إلى الإقليم الذي يقع خلفه، فالباب العلوي منها على ما يظهر كان خطره لا يقل عن الخطر الذي كان يتهدَّد الراحل حتى الآن عند الأبواب التي مر منها، والمساحات التي تقع خلفها هذه الأبواب قد قُسمت أفقيًّا في الرسم ثلاثة أقسام يفصل كل منها عن الآخر حاجز من نار، وكل جزء يحتوي على ساكنيه من الشياطين العجيبة الخلق، الشاذة التركيب، ولكن يظهر أنه لم يخلق واحد منهم من مارج من نار، ففي القسم الأعلى نجد حارس الباب الرئيسي له جسم دودة ورأس تشبه رأس القط أو رأس ابن آوى، وكذلك مقدمتاه، ويشاهد ملوِّحًا بسكين في كل من مخلابيه ويشاهد خلفه مباشرة كبش أسود طبعي الشكل، هذا وقد رسم خلف الحارس الأول عشرة كباش جاثمة، وكل منها على حامل، ويلحظ أنه في يد كل من ثمانية منها سكين، وكذلك يرى أن خمسة منها قد رشق في مؤخر كل منها سكين، وهذا القسم يعلوه حاجز من نار.
أما الجزء الثاني الذي هو أسفل السابق فنجد أن الحارس الأول الذي عند الباب مباشرة قد مثل على هيئة رجل قد مثل نصفه الأسفل خط سميك متموِّج أسود اللون ويحمل في يده عصا، أما الحارس الذي يليه فهو في صورة آدمي مثل جالسًا في الفضاء؛ وهذا الوضع نشاهده كثيرًا في الرسوم الخاصة بعالم الأرواح المصرية، ويوجد بكثرة في كتاب «ما يوجد في العالم السفلي» وفي «كتاب البوابات»، وهذا المخلوق يحمل في يده سيفًا عظيمًا، ويشاهد خلفه مباشرة عشرة رءوس كل منها يمثل رأس أرنب ومرتكزة على حامل أسود متموِّج قد رشق فيه سكينان واحد منهما أسود والآخر أبيض اللون.
أما القسم الثالث فنجد الحارس الأول الذي يقف عند الباب مباشرة قد مثل في صورة آدمي محنط له رأس كلب أو ابن آوي، ويلاحظ أنه قد وضع يده على الباب إما ليفتحه للراحل الذي كان يعرف التعويذة السحرية الحقيقية، أو ليمنع فتحه لكل من يجهل هذه التعويذة، وخلف هذا الحارس يشاهد قط محنط يحمل في يده قضيبًا، وخلف هذا الحارس يأتي سبعة جعارين سود يرتكز أسفل كل منها على عماد ملتوي الشكل، وينتهي كل من هذه الأقسام الثلاثة بباب أسود كالذي نجده عند بداية كل منها، ومما هو جدير بالملاحظة هنا أن هذا الرسم يختلف عن الرسم الذي على توابيت القاهرة الأخرى.
وأهم ما يلفت النظر في هذا الجزء من «كتاب الطريقين» هو أشكال الشياطين الحراس، فبعضها قد صُبغ بصبغة المذهب الشمسي الصريح؛ إذ نجد أن الكباش تمثل الكثير من الآلهة المصرية مثل الإله «آمون رع» والإله «خنوم» والإله «حرشاف» وكذلك الإله «رع» نفسه بوصفه إله الشمس ليلًا.
أما مجموعة الكائنات الثانية التي مثلت في الجزء الثاني برءوس اثني عشر أرنبًا فإنها تعيد إلى ذاكرتنا في الحال مجموعتي ساعات الليل والنهار، وقد رمز لعددهما هنا بالسكين الأسود والسكين الأبيض المرشوقة في العمود الأسود المتموج الذي يرتكز عليه كل رأس من هذه الرءوس.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن الأرنب كان الحيوان المقدس الذي كانت تتقمصه الإلهة «وننت» التي كان يرمز بها للمقاطعة الخامسة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي، وعاصمتها «الأشمونين» الحالية، وهي المقاطعة التي كان يعبد فيها الإله «تحوت» إله القمر، هذا فضلًا عن أن كلمة ساعة كانت تكتب بصورة الأرنب في اللغة المصرية القديمة.
أما مجموعة الكائنات الثالثة في القسم الثالث وهي الجعارين فهي معروفة لنا بأنها صور لإله الشمس «خبر» وقت الصباح.
المتون الخاصة بهذا الجزء التي على التابوت ٢٨٠٨٣
والظاهر أن الحارس الأول لم يسمَّ، أما الحارس الآخر وهو في صورة كبش أسود فنُعت (٥٤) «رب الغضب»، في حين أن الكباش الجاثمة لم يذكر إلا اسم واحد منها وهو (٥٥) «عظيم الريح». وقد أطلق على جميعها اسم (٥٦) «الحرَّاس» عامة؛ ولذلك نجد أنهم نُعتوا في المتن بالذين في حراسته (أي الباب)، ولا بد أنهم هم الحراس الذين جاء ذكرهم في التعويذة التي كان يتلوها الراحل لأجل اقتحام هذه العقبة، والتعويذة هي (٥٧) «إني فلان عظيم الصوت في السماء وأنتم يأيها العظماء، ابتعدوا يأيها الحراس (أي الأموات)، إني أنا الذي أمهد الطريق لأسيادكم.» وعنوان هذه التعويذة هو: «فصل المرور عليها» (يقصد المرور بثلاثة الأبواب التي كان لا بد أن يمر منها الراحل، أما اسم الحارس الأول الذي يحرس القسم الثاني فهو (٦١): بيت نافث اللهيب»، واسم الشيطان الجالس في الفضاء في صورة إنسان هو (٦٢): «صاحب الأوجه النارية». أما الكائنات التي مثل كل منها برأس أرنب فقد أطلق عليها اسم (٦٠): «الحراس له» (أي الباب)، وكذلك كانوا ينعتون (٦٣): «أرباب الصولجانات»، هذا فضلًا عن أننا نجد العنوان التالي: «فصل المرور عليها (أي الطريق).» ثم يتلو ذلك نص التعويذة (٦٤): «إن وجهي مثل وجه» حور «ومثل وجه التاج العظيم، والصولجانات ملكي، وإني أنا الراحل.»
والظاهر أن هذه التعويذة كانت تمكن المُتوفَّى من المرور؛ إذ نجده يوحد نفسه بتلك الكائنات التي كان لزامًا عليه أن يمر بها، وفي هذه الحالة كان يدعي لنفسه السيادة عليهم، وكان الحارس الأول للقسم الأول يُسمى (٦٨): «صاد الأعداء»، (٦٩): «ضارب الوجه»، أما تسعة الجعارين التي نشاهدها في المصور بعد هذا القط فكان يطلق عليها لقب (٧٠): «الذين وكل إليها أمرها» (أي أمر الطريق)، وكان لزامًا على الراحل أن يتلو (٦٦): «فصلًا للمرور عليها»، وهذا الفصل هو (٧١): «إني أنا الراحل الذي يجلس أمام عين «حور» لأقيم العدل بوصفي «تحوت» (مثل رع) وإن صفاتي صفات «تحوت» (الذي كان يجلس عند المحاسبة ويشرف عليها).» وبعد ذلك يواصل الراحل سيره فيصادف بعد تخطي هذه الأبواب برجًا عاليًا أزرق اللون، وقبته حمراء كتب عليها كلمة (٧٢) «نار». والواقع أن الراحل قد دخل الآن جزءًا هامًّا من عالم الآخرة، وقد أفلح الرسام في تصويره تصويرًا منطقيًّا. فقد قسم هذه المساحة المستطيلة الشكل ثلاثة أقسام أفقية، يحتوي القسم الأسفل منها على ما يظهر على متن مؤلف من سبعة أسطر أفقية قد مُحي معظمها، أما القسمان الآخران فتدل ظواهر الأمور على أنهما كانا مهبطًا لشياطين غريبة الشكل، وسنرى أنها قد وُزعت على مقدار طول الطريق، ويلاحظ هنا أنه قد صار يطلق على الطريق العلوية الطريق البرية، وهي التي كانت حتى الآن تظهر في الرسم بأنها الطريق المائية، رغم أن المتن الذي كان يفسر مناظرها يدل صراحة على أنها الطريق البرية.
ويلاحظ أنه كان مصورًا على القسم الأول في الأصل خمسة كائنات لم يبقَ منها إلا ثلاثة صورت في شكل آدمي ملونة باللون الأحمر، مما يدل على أنها قد خُلقت من نار، غير أن كل واحد من هذه المخلوقات العجيبة له رأس جعل، وقد مثل كل واحد منها جالسًا في الهواء، ويحمل في يده اليسرى صل، وفي اليمني سحلية.
أما القسم الثاني فقد كان مسكونًا بخمسة كائنات غريبة الشكل كذلك مُحي واحد منها.
ويلاحظ أن الكائن الأول قد مثل في صورة إنسان له رأس كبش أحمر اللون يجلس في الفضاء أيضًا، ويقبض بيده اليسرى على صل عظيم في حين أن صلًّا آخر يُرى خارجًا من فمه، ويواجه صفًّا من الكائنات العجيبة الشكل مُحي واحد منها، واثنان منها قد أصابهما عطب في النصف الأسفل منهما.
وأول هذه الكائنات الثلاثة الباقية ذو لون أزرق ورأسه رأس حيوان يصعب تحقيق نوعه، ويلاحظ أن سكينًا قد رشق في كتفه وآخر قد مرقت في دبره، وفي يده سحلية حمراء اللون. أما الكائن الثاني فهو قط أصفر اللون، والكائن الثالث يمثل ابن آوى برأس أحمر وجسم إنسان أزرق.
وهنا ينتهي هذا القسم من «كتاب الطريقين» ببرج أزرق اللون تعلوه قبة من نار، غير أنه ينقصه هنا شكل التيه الذي شاهدناه مرسومًا في نهاية القسم السابق. ومما أوضحناه نعرف أن الطريقين لا تزالان مستمرتين ولكنهما ليستا في العراء كما كانت الحال من قبل؛ إذ نشاهد من الآن فصاعدًا أنهما تمران في ربوع وطرق ومبانٍ مسقوفة.
نجد أولًا مكتوبًا على القبة الحمراء القائمة عند بداية هذا القسم كلمة «نار»، كما كُتب في داخل البرج نفسه تعويذة هامة وهي (٧٣): «تعويذة طريقي «روستاو» وهما الطريقان اللتان توصلان إليه، ومن سار على واحدة منهما فإنه محرم عليه السير على الأخرى؛ إذ يصد، ومن يعرف هاتين الطريقين فإنه سيجدهما دائمًا؛ وذلك لأن لهما جدرانًا عالية تحميهما مدى حادة خاصة «بروستاو». وهاتان الطريقان إحداهما على الماء والأخرى باليابسة.
ومن هذه التعويذة نعرف بوضوح أن المُتوفَّى قد حذر صراحة التردد بالعدول عن إحدى الطريقين بعد اختيارها؛ لأنه لو حاول ذلك كان فيه هلاكه، ومن ثم نعلم أن الطريقين لا تزالان مستمرتين، أما الإشارة إلى الجدران الشاهقة المحمية بالمدى فالمقصود منها ذلك البناء المقبب الذي وصفناه فيما سبق، والظاهر أن هذا الإقليم هو في الواقع «روستاو».
وبعد أن يجتاز المُتوفَّى البرج في سلام كان لزامًا عليه أن يتلو تعويذة أخرى؛ هي في الواقع تكملة للسابقة وهي (٧٤): يأيها المتعبون «الأموات»، والذين قد أكبوا بوجوههم على أحجارهم، ومن قد أخفيت محياهم، والذين يعيشون على صدقهم، ومن أسنانهم هي سن، «أوزير» (أي عمرهم مثل عمر أوزير)، إني أنا عظيم القربان في وقته المحدد، والذي يسلك طريقه في النار، والذي أحيا «أوزير»، وإني أنا الذي مهد الطريق، فدعوني أمر حرًّا، وأرى «رع»، وأكون بين أولئك الذين يقدمون القربان، (وإني أنا الواحد الخفي في المحيط العظيم، وإني محاكم الرجلين «حور» و«ست»، وإني قد أتيت ومحوت كل ضار بأوزير).
ومما ينبغي النص عليه هنا أنه بالرغم من أن هذا المتن أوزيري الصبغة، وأنه خاص «بروستاو» أن المُتوفَّى كان يعقد أمله الأخير على رؤية «رع»، على أن رؤيته كانت لا تتسنى له إلا نهارًا في السماء أو ليلًا في العالم السفلي. وكذلك يشير هذا المتن إلى «تحوت» إله القمر الذي لمح به عند ذكر الرجلين «حور» و«ست»، هذا ونجد في الجزء الأعلى من هذا القسم متنًا مفسرًا له هو؛ «الطريق إلى «روستاو» على اليابسة، الطريق إلى روستاو على الماء.»
وعلى أثر دخول الراحل في هذا القسم كان لزامًا عليه أن يتلو التعويذة التالية (٧٦): «إني أنا الراحل الخفي، والفيضان الذي يفصل بين الرجلين («حور» و«ست») ولقد أتيت لأبعد الحزن وأخفف آلام «أوزير» ولقد أتيت لأصد الشر.
أما أوَّل شيطان حارس في الصف الأعلى فينعت (٧٨): «النيل المنتشر» واسم الحارس الثاني هو (٧٨): «المعطي له» واسم الحارث الثالث (٧٩): «نحب كاو» وهو ثعبان عظيم له رأسان وذيله ينتهي برأس ثالث، كما جاء ذكر ذلك في كتاب «ما يوجد في عالم الآخرة»، وهو معروف بأنه مقدِّم القربان، وقد ذكر عنه ما يأتي: «إن صاحب هذه الصورة موجود في مكانه «نت مو» على الطريق المقدس المؤدية لطريق «روستاو»، وإنه يسافر إلى كل مكان يوميًّا ويعيش من فيض ما يخرج من فمه.»
ونجد هنا أنه رغم تغيير صورة هذا الحارس فإن «نحب كاو» كان يعمل بوصفه حارس طريق «روستاو» وهي الوظيفة التي كان يقوم بها على تابوت رقم ٢٨٠٨٣، أما الحارس الرابع فاسمه (٨٠): «الآكل آبائه».
أما في القسم الثاني فأول حارس فيه يسمى (٨٢): «الطارد ست»، أما الحارس الثاني فيحمل اسمًا غريبًا وهو (٨٣): «والد ثور عين شمس السيئ الحظ»، واسم الحارس الثاني قد مُحي بعض الشيء، وما تبقى من الأسماء الأخرى قد مُحي كلية.
والمتن الذي يشغل الصف الأسفل من هذا الجزء من المصور قد هشم تهشيمًا كبيرًا، وقد وجدنا فيما بعد أنه الفصل ١٤٦ من كتاب الموتى وهو (٨٨): لقد ثُبت بقوة الأملاك في العرابة، وقد مهد الطريق «لروستاو» لأجل أن يختلط بأولئك الذين يرون الآلهة في القصر العظيم، وهم يقدِّمون له الثناء؛ ولقد حضرت اليوم أمام باب «إمنتت» (أي باب الآخرة في الغرب)، وفي رواية أخرى «باب الأرباب» (أي أرباب الآخرة).
الجزء الأخير من الصف العلوي
هذا الجزء من الصف العلوي لا يزال يمثل جزءًا من البناء، وهو الشرفة التي كان يطل منها الفرعون عادة ليوزع المكافآت على عظماء رجال دولته في مناسبات خاصة في عالم الدنيا؛ غير أن الجزء الأسفل من مناظره قد هشم في المصور الذي بين أيدينا، والجزء الأعلى يحتوي على صورة قرد ضخم أحمر الوجه وخلفه يشاهد صورة آدمي يظهر كأنه جالس على الأرض.
بعد ذلك ننتقل إلى جزء آخر مؤلف من قسمين؛ وضع أحدهما فوق الآخر، أعلاهما يمثل مبنى طويلًا مقسمًا عدة أقسام، فنجد في بدايته جدارًا من الخشب الأحمر يفصله أفقيًّا عن الجزء الأسفل حاجز من نار، وخلف الحاجز الأحمر فاصل أصفر ففاصل أسود، ثم آخر أصفر، ويلي ذلك باب ناري يدور على عقب أسود، ثم يصادف الراحل مساحة ملونة باللون الأصفر ومقسمة عموديًّا تسعة أقسام، وفي نهاية ذلك يصادفنا حارس في صورة إنسان عادي، غير أن رأسه قد مُحي، وهو يضع إحدى يديه على آخر جزء من القسم الأصفر الذي وصفناه الآن، ويده الأخرى على مصراع الباب التالي الذي يشاهد خلفه وهو من نار أيضًا، ويعقب ذلك فجوة في التصميم قد زال كل ما عليها من صور ورسوم، وبعد هذه الفجوة يشاهد بناء منحدر قد جثم فوقه صقر أزرق اللون يظهر أنه الإله «سكر» رب «روستاو» (أي صقر «روستاو» وهو إله الموتى في «جبانة منف»؛ أي صورة من صور «أوزير»)، ويُظن أن هذا البناء الذي على هيئة قصر يمثل نهاية المطاف ويعدُّ «روستاو»، وأن القرد الذي يمثل مكانة بارزة في هذه المتون يمثل الإله «تحوت»، كما أن الصقر يمثل «سكر»، وهو مظهر من مظاهر «أوزير».
أما الجزء الأسفل من هذا القسم فقد هشم معظمه؛ اللهم إلا الجزء النهائي فقد حفظ لنا منظرًا يشاهد فيه الراحل متجهًا نحو باب، وهذه أول مرة يشاهد فيها المُتوفَّى مرسومًا في «كتاب الطريقين».
المتن الخاص بهذا القسم كما وجد على تابوت القاهرة
(٦٧) إنه جدار من الخشب وإني أفتح الطريق إلى «روستاو» وإني أخفف آلام «أوزير»، وإني أنا الراحل الذي ينتج ما يوجد، والذي يتعرف على عرشه، والذي يمهد طريقه في الوادي العظيم؛ وإني مهدت الطريق، وحافظت على النور البهي (نور الشمس)؛ لأجل أن أمرُّ به، هذا هو ما تقوله بسبب ظلمة الليل، وإن كل روح منعم سيعرفها (التعويذة) فإنها تعيش بين الأحياء، وستحفظ النار جسم «أوزير»؛ وكل إنسان يعرفها (أي التعويذة) لن يسقط أبدًا في «روستاو»؛ ومكانه الخفي هو «روستاو» منذ أن عرف أنه قد أنزل فيها على جبله الرملي، وستكون له الكلمة التي أعطيت في «روستاو» (وفي رواية أخرى: إنه هو الذي جعل نفسه ينزل فيها على جبله الرملي، وأنه صاحب «العرابة المدفونة» التي فيها بقايا «أوزير» سيد «روستاو».)
«وجبل الرمل» المذكور هنا هو أحد مميزات «روستاو»، كما جاء ذكر ذلك في متون الأهرام وفي كتاب «ما يوجد في عالم الآخرة»؛ إذ المفهوم أن الرمال تحفظ الأجسام من البلى ولذا كانت الأجسام تُدفن في الرمل.
ويتلو هذا المتن آخر وجد كذلك على تابوت «برلين» وهو (٦٨): «كل إنسان سيعرفها (التعويذة) لن يسقط أبدًا؛ وذلك لأنه يعرف تعويذة المرور على الجن الذين رءوسهم منكبة على أحجارهم، وهم أربعة الحراس للأبواب الأربعة، والراحل هذا هو صاحب الاسم العظيم يخلق النور، ويأتي لك «يا أوزير»، وإنه يمجدك ويساعد الذين جمعوا له مادة جسمه، (أو الذين طهروا مادة جسمه).»
ومما يلاحظ في هذا المتن أن الراحل يدعي أنه يخلق النور في الظلام، وهذه فكرة موجودة منذ متون الأهرام.
ثم يتلو علينا الراحل بعد ذلك تعويذة طويلة يحتمل أنه كان يلقيها عند الاقتراب من باب النار المزدوج وهي (٧٢-٧٣) إنها طريق «تحوت» هذا صاحب بيت الصدق: مرحبًا بك يا «تحوت» يا من مع أتباع «رع»، إن هذا الراحل قد أحضر العين السليمة ثانية، وإنها للامعة، وإن الراحل هذا قد أقصى عنها المرض، وبذلك هي لامعة. تأمل! إن الراحل يأتي إليك مع أتباعك الليليين بين أولئك الذين يقدِّمون القربان، وإن الراحل قد نزل سفينتك يا «رع»، وإن ماء الراحل في النار التي تضيء الظلمة بين أولئك الذين يأتون بالقربان التي تجلب «لماعت» (العدالة) عندما تخترق بحيرتها، وإن الراحل يسمع كلام الثعبان «هيو» المشرف على الحي العظيم الشمالي (من السماء)، وإن الراحل هذا يسرع الخطى ليحمي «رع» من غضب الثعبان «أبو فيس» (عدو «رع» أثناء رحلته الليلية).
ففي هذه التعويذة نجد أن المتن قد صُبغ بصبغة العقيدة الشمسية؛ أي مذهب ديانة الإله «رع»، وكذلك وجه الكلام فيها للإله «تحوت»، وقد ادعى فيها الراحل أنه قد أعاد عين الإله (أي القمر) إلى حالتها الأولى من الصحة بعد أن كان «ست» قد اقتلعها من «حور». وكذلك يلاحظ أن الراحل كان يتبع «تحوت» الذي كان يمثل هنا «القمر» في عالم الظلام. أما الجزء الثاني فشمسي الصبغة، ويشير إلى أن المُتوفَّى يسبح مع الشمس في سفينتها، ويظهر أن له ضلعًا في المحافظة على الإله «رع» من هجمات الثعبان «أبو فيس» الذي كان يعتبر أكبر عدو خطر لإله الشمس خلال رحلته في عالم الآخرة السماوية (أي في المخاطرات التي كان لا بد أن يقابلها هذا الإله كما جاء في الأساطير أثناء سياحته السفلية)، وفي هذه الحالة كان الراحل يوحد نفسه بالإله «حور الأكبر» الذي يقوم غالبًا بهذا الدور في سفينة الشمس كما كان يقوم به «ست» أحيانًا.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن هذه المجموعة من المتون موجودة في تابوت القاهرة رقم ٢٨٠٨٩، ولكن في غير المكان الذي وجدت فيه على المصور في متون تابوت ٢٨٠٨٣، هذا فضلًا عن أن الأولى أطول ولكن تدل على نفس المعنى الذي في الثانية وهي: أنها طريق «تحوت» إلى بيت الصدق، وإني من أتباع «تحوت» ليلًا في وقت تخبئتهم، دعني أحضر «تحوت»، وإني أنا الذي فتحت العالم السفلي (دوات) إلى «رع»، وإني أنا الذي أرفع رأسك وأجدف في سفينتك، وإني أمهد طريقك في السماء، وإني أنزل في مكان سفينتك التي أحملك فيها ليلًا، وإني قابع في جهة مياه «وعرت» (مكان في السماء)، وإني أنا الذي مهدت الطريق … والإله «حتبي» قد أعد الطريق، وإني قد أقصيت مرض العين من وجه رب الخلق، وإني شفيت بالبصق جراح «رع» وبذلك سيعيش عيشة راضية؛ وإني أعرف الثعبان «أبو فيس» وأتباعه. مرحبًا بك يا «تحوت» الذي بين أتباع «رع»، إني أنا الذي أحضرت العين السليمة فهي براقة، وإني أنا الذي أقصيت الظلمة عن العين المتعبة، وبذلك أصبحت براقة ثانية. تأمل! لقد أتيت إليك بين أتباعك هؤلاء مع أولئك الذين أحضروا القربان، ولقد نزلت في سفينة «رع»، ولقد أطفأت النار بالماء وكشفت الظلمة عن أولئك الذين حضروا بالقربان التي جلبت لماعت (العدالة) المسافرة بالماء، ولقد سمع «رع» صوت الثعبان «هيو» في الإقليم الشمالي العظيم من السماء … وإني أنا مخلِّص «رع» من غضب الثعبان «أبو فيس»، وأنه لن يضع في أغلاله، وإني أنا الكائن «شد حرو» الذي يشفي الجروح، ويخدم باب المعبد ويلبس الإله ما حيك له. دعني أحضر إليك يا «تحوت»، وإني لن أطرد من جوارك خلال الليل، فإني أنا الذي أحضرت العين السليمة (أي القمر)، والذي خلصها ممن ألحق بها الأذى، وهذا هو خلاص بيت القمر (أي تحوت).
ومن المحتمل أن بيت «تحوت» المشار إليه هنا هو القصر الذي أقيم على هيئة قبة في مصور تابوت رقم ٢٨٠٨٣، ويلاحظ أنه قد صور في أعلى صف في هذا المصور في داخل مبنى يحتوي على سلسلة من الحجرات الضيقة والأبواب النارية، وكذلك نرى أن بداية هذا القسم هو حاجز من النار. ولدينا متن في تابوت «برلين» يفسر لنا معناه، وهو: «إنه جدار من الخشب الأحمر أفتح به الطريق إلى «روستاو».»
أما فيما يخص أي رجل هناك فإنه سيرى «أوزير» كل يوم وسيكون الهواء في أنفه، ولن يموت أبدًا ما دام يعرف تعويذة المرور عليها (أي الطريق).
دعني أمرُّ في سلام … أوزير مار بكل الأبواب، إني أقف منتصبًا، وقد جعلت اسمي في «روستاو» منذ عرفت أني قد ثويت فيها.
مرحبًا بك «يا أوزير» – مرحبًا بك «يا أوزير»، إني أرفع بقوتك وبسلطانك حسب المحاكمة، وإنك قوي في «روستاو»، وإنك مهيمن في «العرابة المدفونة» عندما تجول فيها، ووجهك لسماء «رع»، وكل الناس قد رأوك، إنك الواحد الذي يناديك «رع» عندما ينزل إلى السماء «السفلى» ويسبح فيها إلى الأفق «الشرقي ثانية»، وإني أقول مثل «أوزير»: إني الراحل، هذا الإنسان الروحاني، الشريف القوى، وإني أتكلم بما يحدث مثل ما يقوله هو، ولن أبعد من أمامك «يا أوزير» يا من قد قدِّم له القربان أمس، وإني قد أتيت بنفسي اليوم، وقد مهدت طريقي، وإني أفرح وأسير في صورة «أنوبيس» (إله الموتى)، وإني أنا الراحل «شاد النواصي» الذي يخرج من الأفق، وإني أنا الراحل، وإني أنا «نونت» هذه التي تأتي من صولجانها، وإني ذلك الراحل صاحب التاج العظيم، وإني أنا الراحل الثالث للإله «حقا»؛ لأنتقم للإلهة «ماعت» (العدالة)، وإني أنا الراحل الذي أنتقم لعينه، وإني أنا الذي ثويت أمس وبُعثت اليوم، وإني قد مهدت طريقي، أما حارس الباب الذي أحاربه في الطريق بقوِّة عندما أخرج مثل «رع» ضد أعدائي فقد ظفرت به، وقد جعلني لا أدعه ينجو من أمامي عندما سمعت أمام مجلس القضاة الذي وضعني على الطريق الرئيسية، وصولجان الإله كان بين مخالبي التي هي مخالب أسد، وهي ملك كفي الذي يشبه كف التمساح، وإني قد هيأت طريقي التي أحضرت عليها أعدائي، وإني أنا الراحل، وإني «أوزير» صاحب المكان الخفي، والذي على رأس أهل الغرب (الأموات)، عندما وضعت على رأس الأربعة (؟)، وإني أنا الراحل، وإني سيد الدم في أيام الظهور، وإني سيد الأقوياء (حراس الأبواب)؛ وإني لم أسرق، وإني قد مهدت طريقي التي أمام المعبد، وأملك أكفاني من الكتان العجيب (؟)، وهي التي قد أُحضرت لي مع التاج الأحمر العظيم، وهو الذي أُعطِيته حتى أتمكن من الظهور به في هذا اليوم على أعدائي، ولقد أُحضر لي لأكون قويًّا به.»
وبعد هذا الفصل نجد في نفس تابوت «برلين» أن الفصل السادس عشر يتلوه مباشرة وليس يفصله عن السابق إلا شريط رفيع جدًّا، وقد ذكرنا فيما سبق جزء ١ منه وهاك ما تبقى: «إني … إلى السماء والأرض، وإني هذا الراحل القوي في قلبه، وإني أملك إله القطيع، وإني أملك الآلهة الخمسة أرباب القطيع، وإني أنا ذلك المخصب أحمل بذرتي جاعلًا هذا وذاك خصبًا.»
القسم الأسفل من مصور كتاب الطريقين
إن «محن» هو الذي في داخلها (السفينة)، وإن «أوزير» هو الذي أحضره إلى «حور» الكبير، وإن «رع» هو الذي صنعها (السفينة) لأجل أن يقضي على أي فرد ضده في الأفق عندما تكون حاشية الأفق مقسمة (قسمين من الملاحين)، وذلك عندما يحضرون عظيمهم «رع»؛ لأن ما ينطق به موجود في الآلهة الذين تتألف منهم الحاشية، وهم من المواطنين، والذين سمحت لهم أن يذهبوا إلى سماء «رع» (وهذه السماء كانت من قبل وقفًا على الملوك) ويضيئون فيها ليلًا. وكل إنسان بين أتباعه سيعيش إلى الأبد في ركاب «تحوت» الذي منح قوة الإضاءة ليلًا؛ وجعل قلب «أوزير» فرحًا؛ لأنه أحد الذين يرافقونه، وقد وضع بين أتباعه مثل رجال الحاشية.
ومن أمتع ما جاء في هذا المتن أنه ينتظم عدة آراء ترجع إلى متون قديمة وأخرى ظهرت في العصر الذي نحن بصدده، فمثلًا نجد الثعبان «محن» لم يأتِ ذكره في متون الأهرام، وقد صور هنا في صورة صل له رأسان في نهايتي جسمه الذي شُكل بصورة سفينة، وسنرى فيما بعد أنه سيحل محل رأس إله وذراعيه؛ وكذلك نجد في «كتاب ما يوجد في العالم السفلي» أنه سيظهر بوصفه حامي الإله «رع»؛ لأنه يشكل جسمه بطريقة تجعله يحل محل الناووس الذي يقف فيه الإله في سفينة الشمس، وقد كان لا يوجد إلا في سفينة الليل فقط؛ إذ إن ظهوره في الصف الأسفل من المصور يبرهن على أن البحث هنا ينحصر في السياحة الليلية لإله الشمس «رع». ومما يلفت النظر في هذا المتن كذلك ما جاء فيه من أن القوم (الناس) سيسمح لهم بالذهاب إلى سماء «رع» ويضيئون هناك ليلًا، وهذا القول بلا نزاع إشارة إلى الاعتقاد القديم الخاص بالعقيدة النجمية، وهي التي كانت حتى ذلك العهد وقفًا على المتوفين من الملوك؛ أي إن الملك كان يصبح نجمًا بعد أن يرتفع إلى السماء، ولكن أصبح الآن هذا الحق مشاعًا لعامة الشعب كما أصبح المصير الشمسي حقًّا لهم. ولا أدل على أن هذا الحق المكتسب كانت لا تزال ذكراه قوية في أذهان الكُتاب الدينيين مما جاء في هذا المتن مشيرًا إلى أن المُتوفَّى كان ذاهبًا إلى سماء «رع» مع أنه في السطر التالي لهذه الفكرة نجد أن الإله الرئيسي المشار إليه هو «تحوت» الذي يضيء كذلك ليلًا ويشرح قلب «أوزير» (المُتوفَّى). وقد احتفظ عامة الشعب بما نالوه من حق التمتع بالآخرة النجمية؛ ولذلك لم يعد الملك وحده يتمتع بهذا الحق ويفتخر بأنه سيصير نجمًا لا يأفل، بل نجد أنه حتى الموظف المشرف على البيت كان ينعم بمثل هذا الحق.
إن «أوزير» الراحل قد دخل أفق «رع» وساح مظفرًا ومضيئًا وجه «تحوت» (ولدينا في هذه العبارة برهان على أن القمر كان في اعتقاد المصريين يأخذ نوره من الشمس)؛ لأجل أن يصغي إلى «رع» ويقضي على العقبات التي تعترضه في طريقه.
لا تدع «أوزير» الراحل يغرق في سياحته على يد من وجهه في حجره، (اسم إله)؛ وذلك لأن اسم «رع» في جوف «أوزير» الراحل، (أي إن المُتوفَّى يدَّعي هنا إنه يعرف الاسم السري للإله «رع»؛ وهو الاسم الذي كان يعرفه الإله وحده، ولكن «إزيس» انتزعته منه بحيلة (راجع «كتاب الأدب المصري القديم» ص١١٣)»، وشرفه في فمه، وهو الذي يتكلم لمن يصغي إلى كلماته، الفخار لك يا «رع» يا رب الأفق: سلام عليك يا من تطهر المنعمين، ويا من تقرر ضد القدر، إن قيادة السفينة خالية من كل سوء. تأمل! ها هو ذا «أوزير» الراحل (أي إنه قد وصل إلى نهاية المطاف).
أما اسم حارس الباب الثالث فإنه يحمل الاسم القبيح (٥): «الآكل براز دبره»، ولا بد للراحل من أن يتلو التعويذة التالية ليتخلص من شره (١٠): تقهقر أيها القبيح الذي يسكن المستنقع، إن ظهرك من الخشب الخشن؛ لأنك تبتلع بمثابة طعام نبات «ممت»، إن الراحل يعرفك ويعرف اسمك … تقهقر واسجد، ودع ذراعيك يسقطان، وبذلك يظهر نور الشمس ليلًا عندما يكون روحه في السماء، وتبعد الظلمة عن الوجه (الوجه هنا هو السماء).» وهذه التعويذة موجهة للتمساح غير أننا لا نعرف إذا كان حارس الباب قد مثل في صورة هذا الحيوان أم لا.
أما اسم حارس الباب الرابع فقد هشم المتن الخاص به وما تبقى منه هو (٧): «… هو حارس الباب الرابع»، ويدل ما بقي من رسمه على أنه كان في صورة حيوان، والتعويذة التي كان يتلوها الراحل عند الاقتراب منه هي (١١): «يا «شو» ويا «روتي»، إن «شو» في السماء و«روتي» في الأرض (روتي يقصد به الإلهة «تفنوت»)، إن الراحل هذا يخاطبك لتفصل السماء عن الأرض، اسجد تقهقر … إنها تبعث الخوف، وإن الممقوت الوجه يرتعد خلف الإله المقدس الذي يعلن إعداد السفينة التي تقوم بالسياحة العظمى (أي سفينة الشمس التي تسبح كل يوم من الغرب إلى الشرق)، وإن شرفه قد فُصل فيه، وقد أمر «تحوت» أن يصلح من شأن السفينة المكسورة في الصباح المبكر، فإذا أتيت فإنك ستصد على يد الراحل هذا، وإن الراحل هذا يأتي فرحًا معلنًا صور «رع» الأربع عندما ولد «حور» بكر أولاد «رع»، ويقوم بدورته السماوية. وكذلك يرى الراحل بين أولئك المجدفين (الذين يجدفون في سفينة الشمس).»
فيشاهد في هذا المتن رغم ما فيه من الإبهام أن المُتوفَّى يدَّعي لنفسه مكانة بين المجدفين في سفينة الشمس؛ أي إنه يوحد نفسه بالنجوم الثابتة، وهي التي نعلم أنها تُسير سفينة الليل.
إن الراحل وهو «روتي» (إله الشمس) يأتي، والراحل هذا ينجي «ماعت» (العدالة)؛ والراحل هذا يمهد الطريق، ويتسلم التاج العظيم المزدوج الذي على رأس «رع»، و«أمراس» الراحل التي أحضرتها له، وقد مهدت الطريق التي يمر عليها الراحل، وإن العدالة هي دليلي خلال الليل على يد روح الظلام.»
ففي هذه التعويذة نلحظ أن العدد أربعة قد احتل مكانة بارزة، وهو في هذه المرة يعبر عن أربعة الأرواح التي في السموات الأربع السالفة الذكر، وهذه الأرواح التي هي أشير إليها في كتاب «ما يوجد في العالم السفلي وهي «أوزير»، و«رع»، و«آتوم»، و«خبر رع».» ورغم أن المتن هنا مهشم فإنه يحتمل أن فيه إشارة إلى محاسبة يخلص المُتوفَّى منها العدالة المزدوجة، وهما «إزيس» و«نفتيس».
وفي داخل الباب نجد متنًا مهشمًا جاء فيه (١٥): «إنه يعيش على حراس الأبواب الأربعة الذين لا يريدون أن يخبروا كيفية المرور منها.»
ونعلم من مضمون هذه التعويذة أن حراس الأبواب سيعيشون على الأرواح الجاهلة التي لا تعرف كيف تسير على الطريق.
والحقيقة أن مثل هذه التعويذة، إن هي إلا إغراء بارع على حض الناس على شراء نسخة من «كتاب الطريقين» لتوضع معهم في القبر. هذا إلى أن ذكر «حور الأكبر» بوصفه أحد الثلاثة الذين صعدوا إلى سيدهم، مما يلفت النظر، ومن المحتمل أن هذا الثالوث مكوَّن من «حور» و«أوزير» و«تحوت» أما سيدهم فهو الإله «رع».
ويستمر المتن فيقول: «إن الذي يضع الرغفان بصوت عالٍ» هو اسم حارس الباب الثالث، وهو الثالث الذي قد صعد إلى سيده، والذي يعيش على لهيب كلمته، فصل المرور فيها بالذي كان قبله، وإن وقاية الراحل في هذا في يده …»
وتستمر التعويذة على ما يظهر في داخل الباب؛ إذ جاء فيها: «افتح لمن يقصي ظلمة «رع» (الكسوف والعاصفة)، والذي يتسلح بسحر طيب شافٍ كل يوم، والذي يقصي بناره الظلمة و(؟)، إن الراحل هذا قد حضر إلى «رع» في سفينته، وأن الراحل هذا هو أحد الآلهة الذين في جانب السماء، وإنه يعلن ما في يومه فرحًا، وأنه لن يصدك عن السبيل.»
ارفع عاليًا وصعِّد فلانًا هذا، ارفع عاليًا فلانًا هذا؛ لأن «أبو فيس» يفزع منه منذ أن شفى الجروح الأربعة، وأن الراحل قد رئي يشفي الآلام ويخففها، وأن الراحل هذا لم يصد أمام «رع»، وأن «حور» الأكبر هو الذي في هذه السماء التي تعد سيدة كل السموات، وكل إنسان يعرف هذه التعويذة، وهو عظيم في صورته سيكون عظيمًا هناك، مرحِّبًا بك يا «رع»، فإن الراحل هذا عندما يرى حسنك فلن تصل الروح الخبيثة إلى حارسك.» وفي مصور التابوت رقم ٢٨٠٨٣ يستمر المتن قائلًا: «هذا هو مورد السماء التابع لمسكن الإله، وأنه قد أسس في السماء وبدايته في النار ونهايته في الظلمة.»
وإن من قرأ «متون الأهرام» وما جاء فيها عن جنة النعيم لا يسعه إلا أن يتصور أن هذه الصيحة قد أتت من حافة المياه السماوية؛ حيث يجد الإنسان المنعمين في جنة الخلد يشربون من رحيقها، إلى هذا المكان الذي هو الجحيم والظلمة التي فسرت كذلك بأنها توجد في السماء أيضًا!
ففي هذا المكان الذي نحن بصدده في المصور نرى سفينة عجيبة الصورة لا يمكن تعرف كنهها إلا بعد إعمال الفكر، وبخاصة عندما يشاهد المجاديف الأربعة الصغيرة الموضوعة على إحدى جانبيها، وكذلك يلاحظ أن مؤخرتها ومقدِّمتها تنتهي بصقر جاثم على سكين، ويشاهد في وسطها مومية جالسة على عرش، وهذه المومية لها رأس حيوان يعتقد البعض أنه رأس فأر أو ضفدعة، غير أن الأذنين القصيرتين المنفصلتين ليستا من خصائص هذين الحيوانين، بل تشبهان أذني القط. ويشاهد خلف العرش الذي في السفينة صل منتفخ الصدر، وهذه السفينة تسير على سماء صافية زرقاء، ويدل المتن المفسر لهذا المنظر أن السفينة تسبح في مكان روح منعم حقيقة، ولن ترسو قط على المرفأ (أي لن تموت قط). ومن ذلك نستخلص أن المُتوفَّى يعمل سياحة أبدية مع الشمس من الشرق إلى الغرب وبالعكس كل يوم في سفينة «رع» التي تقوم كل يوم بسياحة بالليل وأخرى بالنهار.
وبعد ذلك ننتقل إلى صورة من أعظم الصور المنطقية في كل صور هذا التابوت؛ إذ نجد مجرى ماء متعرج يلف حول سفينة كبيرة تنتهي كل من مقدمتها ومؤخرتها برأس إنسان ذي لحية، ويظهر أن هذه السفينة قد صُنعت من نار؛ لأن لونها أحمر، وقد شغل كل سطحها محراب ذو لون أصفر حمل سقفه على عمودين على هيئة ساق بشنين، وفي داخل المحراب يقف إله في صورة إنسان ذي لون أصفر، ومن المتن نفهم أنه الإله «أوزير». أما المتن الخاص بهذه السفينة فهو ما يأتي (٣٣): «ثابتة الحياة، هذا هو اسم هذه السفينة»، والظاهر أن كلًّا من الرأسين اللذين يمثلان مقدمة السفينة ومؤخرتها يمثل إلهًا، فالرأس الذي في المقدمة يُسمى (٣٢): «نحح» والذي في المؤخرة يسمى (٣٤) «سبا»، أما الإله الذي في وسط المحراب فقد قيل عنه إنه (٢٨): «أوزير» صاحب المعبد الأرضي للأرواح الأربعة.» ورغم أن الإله «ست» لم يُرسم في السفينة فإنه كان موجودًا فيها كما يدل على ذلك المتن الذي يقول (٢٩): «ست» صاحب الأرض ذات الأرواح الأربعة.»
والإشارة إلى أعضاء «أوزير» المنعمة هنا ترمز لأعضاء «أوزير» التي مزقها «ست» وطوَّح بها في مختلف جهات القطر، وهي التي جمعتها «إزيس» من كل هذه الجهات بعد أن أقامت لكلٍّ معبدًا في الجهات التي وجدت فيها.
وكذلك نجد فوق السفينة مباشرة مكتوبًا (٣٥): «إنه لا يجهل «ست»، قف «يا أوزير» وانصب «نفسك».» ونقرأ كذلك أمام السفينة العبارة التالية (٣٦): «إن روح الليل هي أذناك، وإن العين السليمة قد أُعطيتها.»
أما عن المُتوفَّى فيقول المتن (٣٦–٣٨): «إن الراحل هذا يصعد إليك بعين «حور» (وعين حور هي القربان)؛ لأجل «أوزير»، وإن عينك قد طهرت، قم واحيَ! وإن فلانًا هذا قد ارتاح، وإن «تحوت» سيد الأشياء (القربان) هو الذي يطهر محراب الراحل هذا، وهو سيد طعام «أوزير»، وسيد قربان الراحل هذا ابن «أوزير»، ساكن الأرض العالية (أي الجبانة) التي يملكها الإله «أكبر» والإله «محنت» (؟).»
ثم يتلو ذلك عنوان بالمداد الأحمر جاء فيه متن مهشم، ويأتي بعده متن كُتب بالمداد الأسود هو (٥٩): «إن رب الجميع تكلم للصامت (أي «أوزير») عن الآلام في السياحة: يا رجال الحاشية الأصحاء بما أنتم فيه من سكينة، إني أكرر لكم أعمالي الجميلة جدًّا؛ لقد عملت ما سَر قلبي في داخل «محن» (السفينة)؛ لأني أخرست الشر وعملت الطيبات أربع مرات في داخل باب الأفق، وقد خلقت النَفَس الذي يستنشقه كل إنسان في حياته، وإني أنا الذي خلقت الفيضان العظيم، وجعلت الفقير قويًّا مثل العظيم، وهذا هو عملي هناك، وقد جعلت كل إنسان مثل أخيه، ولم آمر بعمل شر لهم؛ وبذلك أجعل قلوبهم راضية بما فعلت، هذا هو عملي هناك، ولقد جعلت أفئدتهم صالحة حتى يذكروا الغرب (الآخرة)؛ ولأجل أن يقدِّموا للآلهة الأربعة الخفية، هذا هو عملي هناك، ولقد خلقت الآلهة الأربعة من عرقي، والناس من دموع عيني.
وإن الراحل هذا هو الضوء الذي ينير كل يوم (أي الشمس) في مكان النوم عندما يذهب رب الجميع للنوم، وعيني الخاصة بالليل (القمر) لمتعب القلب (أي أوزير)، وإن الراحل هذا ضمن بحارة سفينة «ماعت» (العدالة)، وإن الراحل هذا هو رب الفيضان والسياحة السماوية التي لا يترك فيها عضو من أعضاء الراحل هذا، وإن الإله «حور» والإله «حقا» قد قضيا على هذا الشر جميعًا، الذي رآه الراحل هذا، وإن الراحل هذا قد جلس في مكانه، وإنه يفصل بين التعس والقوي بالعدل، … وإن الراحل يمضي ملايين السنين التي يملكها «صاحب القلب المتعب» (كتاب عن الموت) (أوزير) وهو ابن «جب» (إله الأرض) …
ولا مراء في أن القارئ لا يتردد لحظة في القول بأن هذا المقال الأخير هو أعظم قطعة خلقية قدَّمها لنا مؤلف كتاب الطريقين في ختام مطافه؛ إذ نجد أن رب العالم؛ (أي الخالق) يحدِّثنا عن جزء من قصة خلق العالم، فقد برأ الآلهة الأربعة من عرقه، وذرأ الناس من دموعه؛ وبذلك أوجد نَفَس الحياة للخلق، وذرأ الفيضان، وجعل الضعيف والقوي أمامه سواءً؛ فعدل بينهما، وجعل كل الناس إخوانًا، وعرف أن قلوب الناس قد جُبلت على الشر غير أنه تنحى عن المسئولية في ذلك؛ لأنه لم يخلقه كذلك، بل على النقيض جعل قلوب الناس سليمة؛ حتى يذكروا يومًا لا ريب فيه؛ ويتدبروا واجبهم نحو الإله خالقهم يوم يقدِّم كل إنسان ما عملت يداه ويكون الجزاء من جنس العمل.