سعنخ. أب تاوى. منتو حتب (٢٠٨٨–٢٠٧٠ق.م)
وعلى أثر وفاة = نب. تب. نفر = أنتف الثالث = خلفه على العرش بِكر أولاده، ولُقب باسم
«حور سعنخ-أب تاوى» ومعناه: «الذي يجعل قلب الأرضين يعيش» ابن الشمس «منتو حتب».
وقد دون المؤرخ الذي وضع قائمة أجداد الفرعون تحتمس الثالث، اسمه في الكرنك بالصورة
الآتية، «حور الجد» منتو حتب «المبرأ» في أول طغراء للأسرة، وذلك بعد اسم أمير المقاطعة
«أنتف» مباشرة، ولكنه بعد ذلك أتم مهمته بطريقة تدل على عدم الاعتناء، ولذلك لا ندهش
إذا كان قد ارتكب غلطة رخيصة كهذه (Prisse; Monuments Divers, Pl. I;
Sethe, Urkunden IV P. 608).
والواقع أن «سعنخ-أب-تاوى» كان ترتيبه واضحًا [وهو الرابع] في ورقة تورين، فإنك تجد
عند هذه النقطة في الورقة يظهر حكم ملك طوله ٨–[…] وهو ما يمكن تصحيحه ١٨ حتى يتفق مع
المجموع الكلي لعدد السنين التي حكمتها هذه الأسرة حسب الفحص الأخير الذي قام به
الأستاذ «فرينا» في ترتيب قطع ورقة تورين الممزقة (Farina, II Papiro
dei re P. 53 Pl. V; Winlock, J. E. A. 1940 P. 119).
وإن العلم الذي اتخذه هذا الأمير لنفسه «منتو حتب» يعد عدولًا ظاهرًا عن الاسم
التقليدي القديم للأسرة وهو «أنتف»، ولكن يظهر أن كثيرًا من أولياء عهود هذه الأسرة كان
يختصر ويسمي نفسه «منتو حتب»، وإن كان الحفيد الأكبر «لسعنخ أب تاوى» كان يسمى أنتف،
فاسما «منتو حتب» و«أنتف» كانا يتبادلان إذن في أفراد هذه الأسرة أو على الأقل من
الأسماء التقليدية فيها.
والظاهر أن الأمير الجديد كان في عنفوان الشباب وبهجة العمر في عام ٢٠٨٨ قبل الميلاد
عندما ذهبت روح «نب. تب. نفر» إلى الأفق «وهو المقر الأخير حيث توجد الآلهة.» وقد كان
«حنو ون» الذي اقتبسنا من لوحته هذا التعبير في خدمة ابنه = حور سعنخ [أب تاوى] بعده:
(Sethe, A. Z. 1905 P. 132, Gauthier B. I. F. A. O. 1906. P.
39).
وفي هذا الوقت كان الفرعون في «هيراكليو بوليس» لا يزال يئن من الهزيمة التي ألحقها
به «واح عنخ» وأراد أن ينتقم فقام بهجوم على الوجه القبلي عام ٢٠٧٤ق.م، وكان النصر في
جانبه إلى درجة ما، وقد جاء على لوحة «كاور أنتف» السالفة الذكر ما يأتي: السنة الرابعة
عشرة هي السنة التي ثار فيها طيبيو، ولا بد أنه قد مات في هذه السنة نفسها، وهو نفس
الشخص الذي نراه مصورًا على هذه اللوحة مع أزواجه الثلاث وهن «ماري» Mery و«إيوتو» Iutu و«إرو» Iru ولا يمكن أن تكون إحداهن مشجعة للفنون، فإن اللوحة
التي رسمن عليها تدل على خشونة وعدم دقة في النحت.
الحالة في هيراكليو بوليس
وفي تلك الفترة كان الفرعون «واح. كا. رع. خيتي» ملك هيراكليو بوليس يتقدم في
السن، وقد أخذ على نفسه أن ينتحي ناحية ليكتب طائفة من التعاليم وتجارب الحياة التي
مارسها لينتفع بها ابنه مري-كارع (Gardiner, J. E. A. 1914 P. 22,
Scharff, Merikare P. P. 7, 18ff).
وقد كان في رأيه أن الخطر العظيم لا يحيق ببلاده إلا من الأجانب النازحين من
«آسية»، ومن ثم اعتقد أن الوجه القبلي لا يستحق مثل العناية التي توجه إلى الشمال
منزح أولئك الأسيويين؛ ولذلك نراه يحض ابنه على أن يترك «طيبة» تسلك طريقها وبخاصة
بعد أن ألحق بها هزيمة نكراء، فأصبح السلم مخيمًا على ربوع البلاد، وليس لدينا ما
يدعو إلى عدم تصديقه حين يقول: «إنهم لا يهاجمون حدودنا وإني لفخور بطينة و«مقي»
والحدود الجنوبية حتى طود حيث يظهر أن انتصاره بلغ إلى هذه الجهة، ولقد انقضضت
عليهم كالصاعقة، ولم يحدث مثل هذا على يد المرحوم الملك «مري أب تاوى» مؤسس أسرة
«إهناسية المدينة»، ثم يقول: حافظ على مهادنة الجنوب الذي يأتي إليك محملًا
بالهدايا … وطالما يأتي إليك الجرانيت دون عائق فلا تحدِث تلفًا بآثار آخرين، واقطع
أحجارك من محاجر طره … وإذا كانت تخومك من جهة الصعيد في خطر؛ فإن الحال كذلك من
جهة البدو الذين يتمنطقون بالحزام، ويجب عليك أن تقيم حصونًا لصدِّهم في مصر
السفلى.»
وهذا الاقتباس من تعاليم «مري كارع» يدل صراحة على أن الفرعون «واح-كارع» كان
محاطًا بالخطر من كلا الجانبين مما جعله يشعر بفداحة الخطر الذي كان يقترب منه،
ولكن لم يكن في استطاعته أن يتصور مقدار سيطرة الأمراء الصغار الذين كانوا يحكمون
«طيبة» على مصر في الوقت الذي كان هو فيه قانعًا بقطع أحجار الجرانيت الأحمر من
أسوان بإذن من سكان الوجه القبلي.
حالة البلاد في الجنوب
ومن جهة أخرى كان توقع اشتعال الحرب يملأ ذهن كل طيبي ويشغله عما سواه؛ ولذلك لا
نُدهش عندما نقرأ في النقوش أن أحد أبناء «سعنخ أب تاوى» الذي نرجح أنه قضى نحبه في
حياة والده كان جنديًّا في ساحة القتال، فقد اشترى «هِرس» من طيبة قطعة من تابوت
نشرها «الأستاذ جرفث» (Griffith, Proceedings of the Society of
Biblical Archaeology, (1891) P. 41) وهذا التابوت كان يضم جسم
الأمير حامل الختم الملكي، بِكر أولاد الملك، وقائد الجنود «هرو نفر» المُبرأ الذي
وضعته الزوجة الملكية العظيمة «ست شرت»، وإذا كان اسم الملكة يشَك في قراءته فليس
هناك مجال لأي شك في أن والده هو «سعنخ-أب-تاوي»، وليس هذا بغريب فإن الحال إذا
تحرجت واستطاع العدو أن يسترد طيبة كان من الطبعي أن يهب أولاد الملك في طليعة جيش
والدهم للدفاع عن أملاكهم.
ولم يعثر على الشيء الكثير من آثار هذا الفرعون حتى الآن؛ اللهم إلا خاتمًا من
حجر ستايتيت على شكل عجل جاثم على الأرض، وقد نقش عليه على ما يظهر «سعنخ أب تاوى»
(M. M. A. 10, 130, Newberry, Scarabs, Fig.
87) وكذلك يظهر أن أحد أتباع هذا الفرعون الذين دُفنوا في
دندرة قد ترك لنا شظية منقوشة نقشًا غائرًا عليها اسم هذا الملك
(Petrie, Denderah XII).
وفاة الملك وآثاره
وقد تُوفي «سعنخ أب تاوى منتو حتب الأول» في عام ٢٠٧٠ق.م، بعد أن حكم ثمان عشرة
سنة كانت مليئة بالمتاعب والحروب، وقبل موته كان قد بدأ ينحت لنفسه أكبر مقبرة (صف)
من المقابر الملكية الواقعة في الجنوب، وقد انتخب موضعها بكل تواضع خلف مقابر
آبائه، وقد كان تصميمها على أن تكون ٣٠٠ متر أو يحتمل أنها نحو ٦٠٠ ذراع في الطول؛
وبذلك تكون أكبر من أية مقبرة أقامها من سبقه من رجال أسرته، غير أن الأجل المحتوم
لم يمهله ليتم تشييدها، ولا بد أنه كان قد مضى على وفاته نحو أربعين سنة أو يزيد
عندما توفيت زوجه «اعح» وهي والدة خلفه، ومن المحقق أنها قد دُفنت في مقبرة زوجها؛
إذ تدل كل الأحوال على أنه لا يوجد في الدير البحري قبر يتناسب مع منزلتها يمكن أن
تكون قد دفنت فيه غير هذا القبر.
وقد أقام أتباعه حول قبره العظيم هذا مثواهم الأخير، بل تدل الدلائل على أن بعض
من بدأ حياته في عهده من عظماء القوم لم يمُت إلا في عهد خلفه، على أننا، فضلًا عن
ذلك، نرى أن بعض المحافظين الذين جاءوا بعد موت هذا الفرعون بقرن مثل «أنتف بن
مايت» وكثيرًا من أهالي «طينة» غيره الذين كانوا أقل ثراء منه كانوا لا يزالون
يدفنون موتاهم في الجزء الجنوبي من هذه الجبانة
(Petrie, Qurneh, P.
2).
١