يوميات

السبت

بابتسامةٍ لطيفةٍ مؤدبة أبلغني الأستاذ أحمد حمروش أنه — بصفته مدير المسرح القومي — يأسف أشدَّ الأسف لأن ظروف الفرقة لن تمكنها من تقديم مسرحيتي «اللحظة الحرجة» في الموسم القادم. أمَّا أنا فقد ضَحِكتُ بصوتٍ عالٍ مرتفع؛ ذلك أن موقف الفرقة من هذه المسرحية موقف لا يستحق إلا الضحك بصوتٍ عالٍ مرتفع؛ فقد أصدرتُها في كتابٍ عام ١٩٥٧، وعُرض الكتاب على لجنة القراءة فانقَسمَت اللجنة على نفسها، وأيَّد نصف الأعضاء تقديمها بشدة، وعارض النصف الآخر تقديمها بشدةٍ أيضًا، وأخيرًا حلًّا للإشكال قرَّرَت اللجنة أن أجتمع باثنَين من أعضائها، واحدٍ من الحزب المؤيد وآخرَ من الحزب المعارض، للاتفاق على إجراء بعض التعديلات وقبِلَت الفرقة حينئذ تمثيلها، ثم عادت ورفضتها، ثم عادت وقبِلَتها وأَبرمَت معي عقدًا ينص على تمثيلها في الموسم القادم. وفي أوائل هذا الصيف أعلَنَت الفرقة أنها ستُقدِّم المسرحية ضمن برنامج الموسم القادم. وها نحن ذا، ولم يصل الصيف إلى منتصفه يعود الأستاذ حمروش ويبلغني أن الفرقة تأسف، إلخ. إلخ. ولم أشأ مجادلته في الموضوع فأنا أعرف أن المُجادَلة لا فائدة منها إذ إن المسرحية فيها عيبٌ خطير؛ إذ إن فيها رأيًا معينًا في إحدى قضايانا العامة. ويبدو أن الفرقة حريصةٌ على أن تنتقي رواياتها بحيث تخلو من أي رأي، أو إذا احتاج الأمر لرأيٍ مُعيَّن فمن المستحسن أن نستورد هذا الرأي من كاتبٍ غربي، أمَّا الكُتاب العرب فمُحرَّم عليهم إبداء الرأي أو مناقشةُ أي قضيةٍ من خلال أية وجهةِ نظرٍ خاصة. حبَّذا لو كان شوقي قد قال:

أَحَرَامٌ عَلَى بَلَابِلِهِ «الرَّأْيُ»
حَلَالٌ لِلطَّيرِ مِنْ كُلِّ جِنْسِ؟

الاثنين

في رأي الأستاذ يوسف السباعي أن اليوميات تنقسم قسمَين: يوميات دمُها ثقيلٌ وهي التي تتحدث عن السياسة، ويوميات دمُها خفيفٌ وهي التي تتحدث في أي أمرٍ آخرَ من أمور المجتمع والدنيا. ويبدو أننا في هذه الآونة محتاجون لشيءٍ كثيرٍ من ثقل الدم. ويبدو أن على الأستاذ يوسف السباعي بالذات أن يقوم بالجزء الأكبر من تلك المهمة الشاقة؛ ففرنسا ديجول قد حدَّدَت موعدًا لتفجير قنبلةٍ ذرية في صحراء أفريقيا الكبرى. والظاهر أن الاستعمار لا يزال يلجا إلى أسلوبه الماكر الخبيث في شَغلنا بجَبهةٍ ما ليضرب في جبهةٍ أخرى.

ومنذ بضعة أسابيع وهجوم الفرنسيِّين يشتد على جيش التحرير في جبال أوراس وما حولها بطريقةٍ الهدفُ منها إبادة وحداته إبادةً تامة، وإنهاء الحرب التحريرية في الجزائر. وتفجير قنبلةٍ ذرية يصلح كوسيلةٍ فعالة جدًّا في مساندة الهجوم الذي تَشنُّه القوات الفرنسية من الشمال.

ليس هذا فقط، بل تفجير مثل تلك القُنبلة، وفي أفريقيا بالذات، ممكن — في رأي فرنسا — أن يُفلِح في استعادة هيبتها التي فقدتها في أفريقيا والشرق العربي وحرب السويس. من أجل هذا فحاجة فرنسا إلى هذا الإرهاب الذري أصبَحَت مسألةَ حياةٍ أو موتٍ بالنسبة إليها.

وديجول يعلم تمامًا أنه لو اجتَمعَت إرادة دول أفريقيا المستقلة وشبه المستقلة. وساندها الرأي العام العالمي فلن يستطيع تفجير القنبلة. وديجول يعلم أيضًا أن الدولة الوحيدة القادرة على تكتيل دول أفريقيا وإثارة الرأي العام العالمي، هي الجمهورية العربية المتحدة. ومن أجل هذا فلا بد من شغل الجمهورية العربية المتحدة وصرف أنظارها عن فرنسا وتجربتها الذرية. وفي عمليات الاستدراج لا تجد فرنسا خيرًا من حليفتها إسرائيل تصلُح لتستعملها كمِخلَب قِطٍّ في تلك العملية القذِرة — فليتحرك إذن موسى ديان ويُكهرِب الجو بتصريحاته الوقِحة، ولنتحرَّك نحن للرد عليه وإيقافه عند حده، ولتنتهز فرنسا الفرصة وتُفجِّر القنبلة.

يجب ألَّا ننسى في خضم هذه المعركة القائمة بيننا وبين إسرائيل عدُوتَنا اللدودة فرنسا، ومحاولتها المجرمة للفتك بحرب التحرير الجزائرية، وتلويث جو أفريقيا الطاهرة بإشعاعاتها الذرية. لماذا لا يَعقِد مؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي اجتماعًا عاجلًا لبحث المشكلة؟ لماذا لا ندعو إلى مؤتمرٍ سريعٍ للدول الأفريقية ليمنع انفجار القنبلة؟ لماذا لا تتصل جمعيات أدبائنا العرب ونقابات أطبائنا ومُحامِينا وصحفيِّينا واتحادات عمالنا بالنقابات والهيئات المُمثَّلة في بقية دول آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا والعالم كلِّه لإيقاف هذه الحُثالَة الاستعمارية الفرنسية عند حدها؟

إذا كانت مسألة تفجير القُنبلة واستعادة الهَيبة بالنسبة لفرنسا مسألة حياة أو موت. أليس من الواجب أن نعتبرها نحن أيضًا مسألة حياتنا أو موتنا؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤