لماذا نتركهم ينتظرون
من يوم أن كتبَتُ «هذا رأيي» عن مشكلة تخفيض الإيجار، وسيل خطابات القراء لا ينقطع، وكل خطابٍ منها يحمل مأساةً، ويستغيث، والجميع يَتلهَّفون على صدور القانون. وكم كنت أتمنى أن يَطَّلِع السيد وزير الشئون البلدية والقروية عليها لِيلمَس بنفسه إلى أي حدٍّ خانقٍ تُمسِك أزمة الإيجارات المرتفعة بتلابيبِ عددٍ كبير من المُواطنِين، ولكني أعتقد أنه بغير حاجةٍ إلى هذا، وربما هو أكثر منا جميعًا علمًا بالوضع. كل ما أُريد قوله بهذه المناسبة، أن هناك من يظنون أن في صدور قانون التخفيض ما قد يُثبِّط هِمَّة بعض المُلَّاك ويَدفَعُهم إلى العدول عن بناء المساكن الجديدة، وهذه في رأيي حُجةٌ لا معنى لها؛ فإن ننتظر إلى أن نستنفد قدرة أصحاب المال على البناء لنساوي الإيجارات الجديدة بالقديمة فهو انتظارٌ قد يطول، بل لا يحتمل أن يكون له آخر. فهل نترك مئات الألوف من المُواطنِين يختنقون من أجل أن نُغري المُلَّاك على البناء؟ ثم هل حالت قوانين التخفيض الأولى بين أصحاب النقود وبين البناء؟ بالعكس إن ما نعلمه أن بضعة قوانين أُصدِرَت لتحد حركة استثمار النقود في بناء المساكن، ونحن يمكن أن نُشجِّع البناء بِوسائلَ كثيرة، بخفض أسعار الإسمنت والخشب والحديد مثلًا، بِبيع أراضي الحكومة للمُلَّاك بالتقسيط، بِأي طريقٍ آخر إلا طريق تركِ آلاف المُواطنِين لقمةً سائغةً لأصحاب البيوت يفرضون عليهم ما شاءوا من إيجارات.
ثم إن التخفيض الذي حدث تحايَلَ عليه أصحاب العقارات من ناحيةٍ أخرى؛ فأصبحوا يُحدِّدون خُلُوَّ رِجلٍ لا يقل عن مائة جنيهٍ للشقة إذا خلَت في عماراتهم، والقانون يتركهم بغير عقاب. هم إذن يستفيدون إذا خُفِّضَت الإيجارات ويَستفِيدون إذا بَقِيَت بغَيرِ تخفيضٍ أمَّا الخاسرُ في الحالتَين فهو المُستأجِر المِسكِين.
إني أرجو السيد محمد أبو نصير أن يتخذ إجراءً عاجلًا حاسمًا يُوقِف جشَع المُلَّاك عند حده، مُجرَّد الجشَع، أما الربح الحلال فلا اعتراض لأحد عليه.
إن مئاتِ الآلاف من المُواطنِين المظلومِين الذين جفَّت حُلوقهم من الشكوى يَتحرَّقون انتظارًا لهذا الإجراء، فإلى متى ندعهم ينتظرون؟!