ليس بمستوى المعيشة وحده
في هوليود لا يوجد ممثلون من مصر، ولكن هناك أطباء مصريون أصبحوا من أشهر الأطباء في لوس أنجيلوس العاصمة الغنية لأمريكا، والتي تُعتبَر هوليود أحد شوارعِها الطويلة التي لا يزيد ارتفاع المباني فيها عن دَورَين.
في حي «بيفرلي هيلز» أو تلال بيفرلي الذي يحيا فيه كبار النجوم والملكات السابقات وبينهن الملكة السابقة نازلي وابنتها، في هذا الحي الخيالي الحافل بأجملِ ما يمكن أن ترى العين من فيللات وقصور، يقطُن طبيبٌ مصريٌّ اسمه الدكتور الهادي سالم في منزلٍ كبير تُحيطه غابةٌ فيها شلالاتٌ وعصافيرُ وحمام سباحة، ولديه سيارتان كاديلاك موديل ٦٦ إحداهما سوداء والأخرى بيضاء، والدكتور الهادي سالم جرَّاحٌ ومُتخصِّصٌ في جراحة الصدر ومحل ثقة أغلب نجوم هوليود ومُخرجِيها ومُنتِجِيها، ويتقاضى في العملية الواحدة بضعة آلافٍ من الدولارات.
هذا الجرَّاح الكبير ظل يُلِحُّ أكثر من عامَين للالتحاق كمُدرسٍ بإحدى كليات الطب لدينا، ولكن وزارة التعليم العالي آنذاك رَفضَت الاعتراف بشهادته واضطرَّته اضطِرارًا للهجرة والعمل في أمريكا. ورغم هذا كله فقد صرَّح لي ونحن جلوس في شُرفة قصره المُطِلة على شلال الماء الصناعي بأن منتهى أمله أن يعود لمصر وأن يُتاح له أن يزاول مهنته العلمية ويَخدمَ مواطنِيه في بلده؛ فإن الآلاف التي يربحها ومستوى المعيشة الفاخر الذي يحيا فيه لم يستطيعا لِلحظة أن يُنسياه أنه لا يزال محرومًا من خدمة بلده ومواطنِيه، ممنوعًا من المشاركة في الثورة الحضارية الكبرى التي تَشِع من القاهرة.
عُدتُ ليلتها إلى حجرتي في الفندق الصغير المليء باليابانيين والعجائز الأمريكيات وأنا أُفكِّر في هذه الحقيقة الغريبة، حقيقة أنه ليس بمستوى المعيشة وحده يحيا الإنسان، وحتى ليس بكافٍ أن يُحِس المرء أنه يمُتُّ إلى شعب. إن مجرد الانتماء وحده لا يكفي. لا بد أن يُحس الإنسان أنه يصنع شيئًا من أجل هذا الانتماء، وهذا هو الشيء الذي يُعذِّب آلافًا ممن يتركون بلادهم ويُهاجرون ويَحيَون في مستوى أكثرَ ارتفاعًا وغِنى. المشكلة أنهم يُحسُّون أنهم يَحيَون «وحدهم» في هذا المستوى، حياةً مهما كانت فالإحساس الأقوى أنها مُؤقَّتة، وأن شيئًا أقوى منهم ومن كل تفكيرهم ينتمي ويرنو إلى اللحظة التي يقوم فيها بعملٍ من أجل هذا الانتماء.