من شرفة المجلس
تتبعت — كغيري من المُواطنِين — مُناقَشاتِ مجلس الأمة خلال الأسبوع الماضي، ولا أقول إني قد أُصِبتُ ببعض خَيبة الأمل؛ فقد أعجَبَني أن انبرى نُوابُنا الجُدد يُسطِّرون ردًّا تاريخيًّا على بيان السيد على صبري رئيس الوزراء. وقد كُنتُ أُشفِق عليهم من الرد؛ فالبيان جامعٌ شاملٌ يُعتبَر في حد ذاته وثيقةً سياسيةً خطيرةً جديرة بأن نحتفظ بها دليلًا على أننا قد دخلنا حكومةً وشعبًا عصر العلم، وأن «خطب العرش» قد انتهى عهدُها إلى الأبد، وأننا الآن في عصر «خُطب الأرقام»، خُطب التقارير الدقيقة والبيانات المُوجَزة والنظرة الشاملة لحياتنا ومسراتنا.
ولكن الرد جاء مُكمِّلًا لتلك النظرة، شاملًا ما أمكنه الشمول، وإن كُنتُ لا أزال أعتبر أن بيان الحكومة كان أكثرَ ثوريةً واشتراكيةً من بيان المجلس، كان أكثرَ اندفاعًا للتعجيل بعصر الاشتراكية الكاملة بقَدْر ما كان رد النواب أكثرَ مَيلًا إلى الأناة وطمعًا في مزيدٍ من المكاسب لبعض أشكال الإنتاج الفردي التي لا تزال ساريةً في حياتنا.
وقد أعقب ذلك المناقشاتُ، ولم أستطع أن أتصوَّر ما حدث، وأن يقف الاشتراكي «القديم» حلمي الغندور، والاشتراكي «الثوري» علوي حافظ يتحدثان عن القطاع الخاص وكأنهما يتحدثان عن مظلومٍ أو يلتمسان تخفيف الحكم لمحكومٍ عليه. إن المسألة في رأيي ليست مفاضلةً بين القطاع الخاص والقطاع العام، وليست محاولةً لإثبات ضرورة وحتمية القطاع الخاص، إنما المشكلة في رأيي أن المناقشة على هذا النمط تُعتبَر استمرارًا للمناقشات الجزئية التي حَدثَت في مؤتمر القوى الشعبية، تُعتبَر تركًا للمسائل المهمة الخطيرة، أهم مسائل، وإغراق المواطنِين في مناقشاتٍ فرعيةٍ جانبية ليست هي خط حياتنا الأساسي الذي نُحاول دفعه إلى مرحلة الانطلاق. إن ثورتنا الاشتراكية ليست بَضعَ مكاسب يحظى بها عددٌ من المواطنِين مقابل بِضع خسائرَ تَحيق بعددٍ آخر، وللحظ وحده وللنصيب أن يحكم بمن تَحيق الخسائر وعلى من تنهال المكاسب.
إن اشتراكيَّتنا ليست ظلمًا هنا وعدلًا هناك؛ فنحن لسنا في مجال توزيع العدل أو الظلم، ولسنا في مجال إنصافِ هذا من ذاك ولا محاولة تدعيم قطاعٍ ضد قطاع. نحن لسنا في مجال توزيع أرباح الاشتراكية. نحن لا زلنا في مجال تحقيق الاشتراكية وتدعيمها وإرساء قواعدها بطريقةٍ من العبث بل من السخف أن نَتلفَّت لنرى على قدَم مَن خطَونا ومن تألَّم لهذا القرار أو ذاك. إننا بسبيل تطبيق ما جاء بميثاقنا القومي والمهم ليس جزيئيات هذا التطبيق، ليس سعر الذُّرة الصفراء، ليس حفر تُرعة أو إقامة مستشفى، ليس النقص في الخِدمات أو توزيع المصانع. المهم هو الخطَّة، المهم هو النظرية، المهم هو «لماذا» وليس «كيف».
أَعتقِد أننا جميعًا، مواطنِين وأعضاءً في الاتحاد ونُوابًا، في حاجةٍ إلى الارتفاع بأنظارنا إلى مستوى نرى فيه الخط العام لحياتنا ونُناقش هذا الخط ونُعدِّله ونسأل عن حكمته. نحن لا زِلنا في المعركة التفكيرية والتطبيقية للاشتراكية، ويجب أن تكون هذه المعركة الكبرى وحدها هي شُغلنا الشاغل. يجب أن نتعلم كيف نُفكِّر للشعب المصري كله، وليس فقط لحاضره أو لقطاعاته وإنما لمستقبله كله. يجب أن يعتبر كلٌّ منا نفسه مسئولًا عن هذا الشعب كله، مسئولًا عن توفير غِذائه وكِسائه وعملِه وأمنِه وحُريتِه جميعًا إلى الآن وإلى الأبد؛ فنحن لا نمثل فئاتٍ أو قطاعاتٍ وإنما نحن نُمثِّل شعبًا، نُمثِّل ماضِيَه وحاضِرَه، ومن واجبنا أن نعرف كيف نُمثِّل مستقبله، كيف نُناقش ونتعلم وننقُد النظرية التي تصنع حاضره ومستقبله وندعمها ونُطوِّرها لِنصنع من هذا الحاضر وذاك المستقبل شيئًا أَروعَ حتى مما جاء في الميثاق.