ذرَّة إنسانية يا ناس
لامني بعض السادة القُراء على موقفي من الامتناع عن نَشرِ شكاواهم، وهم أحرارٌ في لومهم هذا، ولكني سأقص عليهم قصةَ آخرِ شكوى نَشرتُها في هذا الباب؛ فمع تأكيدي وإصراري على أنها الأخيرة فقد أصر السيد صبري غالي سلامة صاحبها على الحضور إلى الجريدة لشكري أولًا وثانيًا لتسليمي شكوى أخرى، طويلةٍ جدًّا، مفادها أنه خائف أن تقوم إدارة المهمَّات التي يعمل بها بالتنكيل به لأنه جرؤ واشتكى. وما كاد يمضي أسبوعٌ حتى كان قد أرسل لي شكوى أُخرى مفادها أنه للآن لم يتم في موضوعه شيء؛ وكانت الشكوى هذه المرة من سَبعِ صفحات، وأرفق بها طلبًا تقدَّم به إلى رئيسه يطلُب إحالته إلى جهةٍ لا أذكرها الآن لعلاجه. وما كادت تمضي بضعة أيام حتى وجَدتُ المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب يدق لي تليفونًا ويطلب مني الحضور لاستلام خطابٍ مُسجَّل، وذهبتُ وإذا بالخِطاب من تسع صفحات وإذا به من السيد صبري غالي سلامة وإذا به شكوى أخرى مَرفقٌ بها طلبٌ آخر يتقدم سيادته إلى وزير المالية ويرجو استبدال جزءٍ من معاشه ليتمكن من علاج نفسه، ويُوصيني أن أبذل «الوساطة» لدى وزير المالية أو الخزانة لاستعجال صرف النقود، وما كِدتُ أعود إلى البيت حتى وجدُت في انتظاري خطابًا مسجلًا آخرَ منه بنفس المعنى.
والسيد صبري غالي سلامة ليس إلا قارئًا واحدًا من عشرات الآلاف من القراء، وإذا كان سيادته يعتقد أنه بهذه المطاردة المُعذِّبة سيُحرِّك ضميري فإني آسفٌ إذ أقول له ولغيره: إن ضميري لا يتحرك إطلاقًا بالمُطارَدات، بل لا أعتقد أن أيَّ ضميرٍ ممكنٌ أن يتحرك بهذه الوسيلة، إنه من باب أولى يتحجر! وبهذه الطريقة يُغلِق الباب أمام الكثيرِين جدًّا ويُحيل العمل الصالح إلى عملٍ طالح. أيها الناس الجالسون فوق المكاتب في إدارة المهمات وفي وزارة الخزانة، أَنقِذوا هذا الرجل من مرضه وأنقذوني منه. أرجوكم، أستحلفكم برحمةِ آبائكم ومَعزَّة أولادِكم أن يتحرك ضميركم أنتم ذلك الذي يملك التصرُّف والنقود، ويُنقِذ هذا الرجل الذي جاوز الخمسِين من مرضه، ألا تُوجَد لديكم ذرَّة إنسانيةٍ واحدة؟!