عمل كبير
من أروع الأعمال المسرحية التي شاهدتها على المسرح المصري مسرحية «بلدتنا» لثورنتون وايلدر، ولا أعني روعتها من ناحية التأليف وإنما من ناحية الإخراج والتمثيل. لقد أحسستُ أن جيلًا جديدًا قد نشأ حقيقةً في المسرح، وأن جهود حمدي غيث لم تَذهَب سُدى، وأن المسرح القومي أصبح لأبطاله الكبار منافسون خطِرون في تلك الأجيال الجديدة الصاعدة.
لقد فوجئتُ بأن سمير العصفوري الذي أخرج المسرحية تخرَّج هذا العام فقط أو أواخر العام الماضي في معهد التمثيل؛ فقد كان عسيرًا عليَّ أن أُصدِّق أن شابًّا صغيرًا كهذا يستطيع أن يفهم التجديد في المسرح بهذه الأصالة، وأن يُضمِّن اللوحاتِ التي قدَّمها في الفصول الثلاثة ذلك الشعرَ الخفيَّ المُوحي، وذلك الارتباطَ التامَّ بين حلقات الحياة؛ الميلاد والزواج والموت. إني أُهنئ المسرح العالمي للتليفزيون والمسرح عامةً بسمير العصفوري. كل ما أرجوه له ألا تُفسِده الحياة الفنية النتِنة، والإغراءات والقِيَم الصغيرة. نفس الرجاء أسوقه إلى بطلة المسرحية الدقيقة الموهوبة ناهد رشاد، ومهندس الديكور ومترجمة الرواية التي أعفَتنا من كثيرٍ من حذلَقات المُترجمِين. العجيب أيضًا في هذه المسرحية أني أرى لِعُمر الحريري أولَ دورٍ أقتنع به؛ فأدواره التي يقبلها دائمًا مُتشنِّجة وعصبية لا تُتيح لقدرته الأصلية الانطلاق. هنا كان كما أراد المُؤلِّف تمامًا، كالنسمة، كالمادة الكونية الرقيقة الخالدة، كالفنان، المادة التي تُراقِب وتُحصي وتُسجِّل ثم تبتسم في سخريةٍ قائلةً إلى اللقاء.