التربية البدنية وفائدتها
وقد تلوموني أشد اللوم لأني عنيت بالناحية العقلية الخالصة من شئون التعليم العام، ولم أقف إلى الآن عند ما يهتم له رجال التربية والتعليم في هذا العصر الحديث أشد الاهتمام، وهو ما يتصل بالتربية البدنية من أنواع الرياضة على اختلافها ومن العناية الدقيقة المتصلة بصحة التلاميذ والمعلمين، فأحب أن تعلم أني لم أعرض عن ذلك تفريطًا فيه أو تقصيرًا في ذاته، ولأني أشك في قيمته وبعد أثره في تكوين الشباب وإعدادهم النافع للحياة، وإنما أعرضت عنه لأني لا أحسن العلم به ولا القول فيه.
وقد كتب فيه من هو أعلم به وأقدر عليه مني وهو الدكتور حافظ عفيفي باشا، وحسبي أن أسجل هنا أني أشاركه فيما يرى كل المشاركة وأدعو كما يدعو إلى أن تُعنَى الوزارة عناية جد وصدق بأبدان الشباب كما تُعنَى — أو كما نريد أن تُعنَى — بعقولهم، ولكني أتمنى في الوقت نفسه ألا تتخذ العناية بالرياضة وسيلة إلى إهمال التعليم أو إلى إغراء التلاميذ باللعب الفارغ وإضاعة الوقت فيما لا يغني، وأظن أني لست في حاجةٍ إلى تفصيل هذا، فقد فهمت عني وزارة المعارف كما فهم عني نظار المدارس ومراقبو الألعاب الرياضية ما أريد أن أقول.
إنما المسألة الخطيرة التي أستطيع أن أقف عندها، والتي يجب أن أقف عندها، والتي لا يتم هذا البحث إلا بحلها هي هذه: كيف السبيل إلى تحقيق هذا التعليم العام الذي نقترحه إذا لم نهيئ له المعلمين القادرين على النهوض بأعبائه في غير تقصيرٍ ولا قصور؟ والجواب على هذه المسألة أن لا سبيل إلى تحقيق هذا التعليم قبل أن نهيئ المعلم الصالح تهيئة صالحة، وأن التعليم سيظل عندنا مضطربًا فاسدًا أشد الاضطراب وأقبح الفساد حتى ننظم إعداد المعلمين تنظيمًا حسنًا، وأنا أعلم أن هذا مؤلم ولكن الشجاعة في أن نحتمل الألم عالمين به، وفي ألا نسير سيرة النعامة التي تخفي رأسها حتى لا ترى الشر الذي يقبل عليها به الصائد، فالحقيقة المرة المؤلمة هي أن تعليمنا السيئ سيظل سيئًا أعوامًا تطول أو تقصر بمقدار ما نبذل من جهدٍ في سبيل إعداد المعلمين الصالحين، فكيف السبيل إلى إعداد هؤلاء المعلمين الصالحين؟ هذه هي المسالة التي يجب أن نفرغ لها ونطيل الوقوف عندها شيئًا والتي نبتدئ بها البحث عن شئون التعليم العالي.