إعداد دروسٍ بالجامعة للمعلمين
كل هذه الاقتراحات نافع فيما أعتقد، ولكن الأخذ به لن يؤتي ثمره إلا بعد وقتٍ طويل، ولا بد مع ذلك من أن نفكر في التعليم القائم الآن، ومن أن نفكر في المعلمين الذين ينهضون بأعبائه، ومن أن نصلح ما يمكن إصلاحه من شئونه وشئونهم، وقد حاولت الجامعة هذا الإصلاح وقبلت منها وزارة المعارف ما حاولت، ولكنهما لم تنتهيا إلى ما كانتا تنتظران. اقترحت الجامعة وقبلت وزارة المعارف أن يختلف فريق من المعلمين إلى دروسٍ خاصة تنظم لهم في كليتي العلوم والآداب ليتصلوا بالحياة العلمية، وليتعمقوا علومهم التي يعلمونها، ولتتحقق الصلة بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي على وجهٍ ما، وقد نظمت هذه الدروس بالفعل واختلف إليها المعلمون، ولكنهم اختلفوا إليها كارهين؛ لأن أعمالهم في المدارس أكثر وأثقل من أن تتيح لهم الوقت وفراغ البال لشهود هذه الدروس والاستعداد لها، ولأن كثيرًا منهم كانوا يجدون غضاضة ومضضًا في أن يكونوا معلمين وجه النهار ومتعلمين في آخره، وفي أن يعودوا طلابًا على نحوٍ ما بعد أن فرغوا من الطلب، ثم لأن اختلافهم إلى هذه الدروس، واحتمال المشقة المادية والمعنوية في سبيله، وتضييع ما يحتاجون إليه من الراحة بعد جهدهم الدراسي الثقيل، كل ذلك لم يكن شأنه أن ينتج لهم نفعًا ماديًّا ما، ومن الإسراف والظلم أن تطلب إلى رجال لهم أسرهم وعليهم ما عليهم من الواجبات لهذه الأسر أن يضيفوا إلى جهدهم الرسمي الثقيل جهدًا آخر ثقيلًا لا لشيءٍ إلا ليتثقفوا ويتعمقوا العلم، فهم أحرار في أن يتثقفوا كما يشاءون، وهم قادرون على أن يتزيدوا من الثقافة إن أرادوا، وهم كانوا من أجل هذا يقبلون على هذه الدروس كارهين لها زاهدين فيها، ولولا إشفاقهم من غضب الوزارة لما أقبلوا عليها ولا اختلفوا إليها.
ومع ذلك فالفكرة في نفسها قيمة والخير كل الخير أن تستمر التجربة وأن تتعاون عليها الجامعة والوزارة ولكن بشرطين؛ الأول: أن تنتهي هذه الدراسة إلى امتحان أو مسابقة يظفر الناجحون فيها بإجازة علمية خاصة وأن تكون لهذه الإجازة قيمة مادية بحيث تكفل للظافر بها أن يرقى من درجة إلى درجة أو أن ينال علاوة مالية قيمة في مرتبه. والثاني: أن تخفف الوزارة عن المختلفين إلى هذه الدروس أعباء العمل المدرسي أو أن تعفيهم منه كله أثناء هذه الدراسة، وأنا واثق بأن هذه التجربة إذا لم تنتهِ إلى إصلاحٍ عميق لشئون التعليم فإنها سترتفع به عن منزلته التي هو فيها ارتفاعًا حسنًا.
وقد فرغت الآن من شئون التعليم العام وما يتصل به من المسائل والمشكلات، ومن مشكلة إعداد المعلمين خاصة، وآن لي أن أقف وقفات قصارًا عند مسائل تمس التعليم العالي من جهةٍ ثم الثقافة العامة من جهةٍ أخرى.