كلمات غامضة لرقم «صفر»!
فجأةً توقَّف العرض فوق شاشة جهاز التليفزيون الداخلي في حجرة «أحمد»، حتى ظن أن الجهاز قد أصابه عطل ما، غير أن كلمةً سريعةً كانت كافيةً لأن تجعله يهدأ، ويبتسم. كانت الكلمة السريعة قد ظهرت فوق شاشة الجهاز، وهي كلمة «معذرة». لقد عرف أن هناك تعليماتٍ من رقم «صفر» وأن عليه أن يستعد. مرةً أخرى عاد العرض، إلا أن «أحمد» كان قد بدأ يفكِّر فيما يمكن أن يصل إليه من تعليمات.
دقَّ جرس التليفون، فرفع السمَّاعة بسرعة وجاءه صوت «ريما»: هل أنت جاهز؟
ابتسم؛ فقد عرف أن التعليمات قد صدرت إليهم جميعًا، فقال في هدوء: الشياطين دائمًا جاهزون.
وعندما انتهت جملته، شدَّت عينَيه كلمات ظهرت من جديد على الشاشة، في نفس الوقت الذي كان صوت «ريما» يقول: هل تقرأ التعليمات الآن؟
أجاب بسرعة: نعم وإلى اللقاء.
وضع السمَّاعة، وقرأ على شاشة جهاز التليفزيون: الاجتماع بعد عشر دقائق. استعدَّ للسفر.
ثم اختفت الكلمات من فوق الشاشة، فشرد يفكِّر: إن معنى هذا … أن المسألة عاجلة. قفز من مكانه وبدأ يجهِّز الحقيبة الصغيرة ذات الجيوب السرية، ثم توقَّف لحظةً يستعيد كل ما يمكن أن يحتاجه، لكنه لم يجد شيئًا ينقصه. لقد جهَّز كلَّ ما يحتاجه فعلًا. ونظر في ساعة يده، ثم أخذ طريقه إلى الخارج. كانت هناك ثلاث دقائق على الاجتماع. وفي الطريق إلى القاعة كان الشياطين يتحرَّكون في نفس اللحظة وكأنهم يتحرَّكون تبعًا لمصدر واحد. وعندما جمعتهم صالة الاجتماعات في المقر السري، كان هناك إحساس واحد يسيطر عليهم.
إن المغامرة الجديدة ليست كأي مغامرة سابقة، وإن هناك في الأُفق شيئًا مختلفًا. كانوا صامتين تمامًا، تلتقي أعينهم، ثم تفترق دون أن يكون هناك معنًى سوى الترقُّب. لحظات، ثم ظهرت الخريطة الإلكترونية، فجرت أعينهم عليها؛ فهي في النهاية يمكن أن تُنبئهم بشيء، خصوصًا وأن رقم «صفر» قد تأخَّر بعض الوقت.
كانت الخريطة للمحيط الهادي. مساحة زرقاء عميقة، ثم قطعتها خطوط الطول والعرض، وظهرت على جانبَي المحيط مجموعة اليابسة التي تُطل عليه. في الشرق الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أمريكا اللاتينية، وفي الغرب الفلبين وتايوان، وجزء كبير من آسيا. في الشمال الغربي جزر اليابان، وخلفها الصين. في الشمال الاتحاد السوفيتي، وفي الجنوب أستراليا. ظهرت دائرة حمراء توقَّفت عند خط عرض ١٩°، وبين خطَّي طول ١٦٠° و١٨٠°، ثم ظهر اسم جزيرة «ويك». ظلَّت الخريطة بلا تفاصيل أكثر من ذلك، وكان هذا يعني أن جزيرة «ويك» هي المكان المقصود. فجأةً بدأت تظهر نقط كثيرة كان واضحًا أنها تمثِّل جزرًا أخرى في نفس المنطقة، لكنها ظلَّت بعيدةً عن جزيرة «ويك». ظهرت جزر «مارشال»، و«مارياناس»، و«فينكس» و«جلبرت»، ومجموعة جزر كريسماس الشمالية، وجزر «فولكانو»، ومجموعة جزر «هاواي». كانت مياه المحيط مزدحمةً بمجموعات الجزر، وكان أقربها إلى جزيرة «ويك» جزيرة «جونستن».
كان الشياطين يفكِّرون: كيف يمكن الوصول إلى جزيرة «ويك» هذه، إذا كانت هي المقصودة، خصوصًا وأنها بعيدة عن شاطئ آسيا وأمريكا؛ فهي تقع تقريبًا في ثلث المسافة بين القارتَين الكبيرتَين، وأقرب إلى قارة آسيا؟ فجأة … قطع تفكيرهم صوت أقدام رقم «صفر» تقترب، وفي نفس اللحظة اختفت مجموعات الجزر من فوق الخريطة، وبقيت جزيرة «ويك» وحدها، وكان هذا يعني بالتأكيد أنها المكان المقصود.
جاء صوت رقم «صفر» مُرحِّبًا بهم في كلمات سريعة صمت بعدها لحظة، ثم أضاف: ربما كان الاستعداد السريع للسفر يبدو مثيرًا وغامضًا، لكن الحقيقة أنه من الضروري ألَّا نفقد وقتًا كثيرًا. إن المغامرة الجديدة لها نفس الغموض والإثارة؛ فنحن هذه المرة أمام عدو أكثر ذكاءً من كل الذين تعاملنا معهم.
صمت لحظة، كان الشياطين يستمعون إليه في تركيز شديد، وكانت كلمات الغموض والإثارة كافيةً لأن تشد انتباههم، وعندما قال رقم «صفر» إنه عدو ذكي، أكثر ذكاءً من كل الذين تعاملوا معهم، كان هذا وحده كافيًا ليجعل الشياطين أكثر إثارة، وأكثر رغبةً في معرفة كل شيء عن هذه المغامرة.
قال رقم «صفر»: إننا أمام عدو عبقري. وصمت مرةً أخرى وكأنه كان يرمي من وراء ذلك أن يعطي وقتًا لكلماته حتى تفعل فعلها في الشياطين، وأضاف بعد لحظة: إنني لا أطلق عليهم أوصافًا. إنهم فعلًا عباقرة. وقد يبدو كلامي غامضًا، لكنكم بعد قليل سوف ترَون كل شيء. مرةً أخرى صمت رقم «صفر»، حتى إن الشياطين نظروا لبعضهم فقد تعدَّدت مرات الصمت.
جاء صوت رقم «صفر»: من حقكم أن تفكِّروا، وأن تندهشوا، وأن تنظروا لبعضكم. إنني مثلكم فكَّرت كثيرًا في هذه المسألة لشدة غرابتها وإثارتها. إن تفاصيل كل شيء عندي منذ أيام، لكنني كنت أريد أن أصل إلى وضوح كامل قبل أن نخطو خطوةً واحدة. والآن أنصتوا إليَّ جيدًا.
مرَّت دقيقة كان الشياطين خلالها يركِّزون أنظارهم عند النقطة التي يأتي منها صوت رقم «صفر» الذي صمت قليلًا، بينما كان صوت أوراق تقلَّب يتردَّد خافتًا. قال في النهاية: إن «سادة العالم»، عدونا الدائم، يملكون جزيرةً في المحيط الهادي هي جزيرة «ويك»، وهذه ليست مجرَّد جزيرة في المحيط، إنها عبارة عن نادٍ، وهي أيضًا ليست ناديًا عاديًّا، إنها نادٍ للعباقرة؛ فكل الذين يعيشون فوق هذه الجزيرة يتمتَّعون بدرجة عالية من الذكاء، وبعضهم يصل إلى درجة العبقرية. ولقد بدأَت المسألة باختفاء عددٍ من العلماء في أماكن متفرِّقة من العالم. لقد استطاعت عصابة «سادة العالم» أن تخطف هؤلاء العلماء، وأن تنقُلهم إلى جزيرة «ويك» التي تقع بعيدةً في المحيط.
وهناك أجريت عدة تجارب على عددٍ من الرجال، كانت نتيجتها الحصول على الإنسان العبقري. إن العلماء يحقنون خلايا مُعيَّنةً من المخ ترفع من درجة ذكائه، وهم يستطيعون التحكُّم في درجة الذكاء بالتحكُّم في المادة التي يحقنون بها الخلايا، وعدد الخلايا التي تتعرَّض للمادة، حتى إن العُمَّال الذين يعملون في الجزيرة يتمتَّعون هم أيضًا بدرجة ذكاء عالية؛ نتيجة مرورهم بتلك التجارب.
صمت رقم «صفر» قليلًا، بينما كان الشياطين يستمعون في دهشة إلى ما يقول. إن هذه أول مرة فعلًا يتعاملون فيها مع رجالٍ على هذه الصورة التي يتحدَّث عنها رقم «صفر»، ولم تستمرَّ أفكارهم فقد قطعها قائلًا: إن هذه النتيجة العظيمة تمثِّل خطوةً مدهشةً في تاريخ الإنسان … فهو عن طريقها يستطيع أن يتغلَّب على آلاف المشاكل التي يقابلها، ويستطيع أن يجد آفاقًا جديدةً يصل إليها بعبقريته. إن العلم مع كل ما توصَّل إليه ما زال في حاجة إلى انتصارات جديدة، تهزم ما يمكن أن يعوق تقدُّمه، لكن المسألة لم تقف عند هذا الحد؛ فعصابة «سادة العالم» يهمُّها في النهاية أن تسيطر على كل شيء فوق كوكبنا الأرضي، ولو استطاعت أن تُسيطر على الكواكب في الفضاء لفعلت ذلك. وهي تستخدم أكثر الطرق سوءًا وشرًّا في فرض سيطرتها. وأنتم تعرفون الصراع الذي ندخله معها في كل مرة. إن عصابة «سادة العالم» تستطيع عن طريق هؤلاء العباقرة الذين تملكهم أن تحطِّم كوكبنا الأرضي إذا أرادت. إنها في النهاية يمكن أن تؤدِّي بنا إلى كارثة.
الآن وضحت أبعاد المغامرة، وهي مغامرة شديدة الخطورة، لكن متى كان الشياطين يخشَون الخطر؟!
ثم تحدَّث رقم «صفر» بعد قليل: الآن أنتم تعرفون المسألة في خطوطها العريضة، وهي لا تحتاج إلى تفاصيل. إننا في النهاية يجب أن نصل إلى واحدة من هاتَين النتيجتَين. إمَّا أن نفجِّر الجزيرة ونضحِّي بالعلماء وبذلك الإنجاز العلمي المذهل في سبيل سلامة الأرض، أو أن نستطيع أن نحصل على العلماء، وننقُلهم بعيدًا عن «نادي العباقرة» حتى يمكن أن نستفيد منهم … إنني لا أستطيع أن أطلب منكم نتيجةً محدَّدة؛ فالمسألة تخضع للظروف … وهي التي ستحدِّد في النهاية ما يمكن أن تحقِّقوه.
سكت قليلًا. كان واضحًا أنه يقرأ تقريرًا مكتوبًا؛ فقد كان صوت الأوراق يتردَّد بعد كل لحظة وأخرى، وكان الشياطين يفكِّرون بسرعة … فها هم قد أصبحوا قريبين من لحظة الانطلاق للدخول في أكثر المغامرات إثارة. إنهم سيتعاملون الآن مع عباقرة، فمن يهزم الآخر؟
جاء صوت رقم «صفر» هادئًا وكأنه يعرف خطورة ما سوف يقوله مقدَّمًا: إن جزيرة «ويك» لا يحرسها أحد. إنها فقط تمثِّل حصنًا من الصعب قهره. إن العقليات العبقرية استطاعت أن تبني نظامًا متقدِّمًا جدًّا لحراسة الجزيرة. إنها حراسة علمية؛ فلا توجد مدفعية، ولا طيران تقليدي، ولا يوجد جنود. توجد فقط اختراعات غاية في التقدُّم، لكن متى كانت هذه الاختراعات تقف أمام الشياطين … إنني أعرف ذلك. وقبل أن تنصرفوا أنتظر أي أسئلة.
سكت رقم «صفر» وانتظر. كانت أعين الشياطين قد التقت وكأنها تبحث في أعماق بعضها عن سؤال يحتاج إلى إجابة، لكن الشياطين لا يطرحون الأسئلة إلا عندما تفرضها لحظة العمل. فجأةً أُضيئت لمبة صفراء متقطِّعة، فقال رقم «صفر»: معذرة. دقيقة واحدة. ابتعد صوت أقدامه، فعرف الشياطين أن هناك رسالةً ما.
لم يكن يدور برأس أحد منهم سؤال محدَّد. كان كل الذي يفكِّرون فيه هو لحظة الانطلاق إلى المغامرة. إنها الآن تمثِّل بالنسبة لهم أهم مغامرة يمكن أن يلتقوا بها.
بعد قليل كانت أقدام رقم «صفر» تقترب، وعندما توقَّفت تمامًا قال: كما توقعت، إن عصابة «سادة العالم» بدأت تلعب ألعابها الخطرة. صمت لحظة، ثم أضاف: لقد جاءتنا تقارير من عملائنا في أمريكا واليابان، وتايوان وأستراليا … تقول إن ماكينات المصانع في كل هذه الدول قد توقَّفت أمس في وقت واحد، وبلا سبب معروف، وإنها ظلَّت كذلك لمدة ثلاث ساعات، ثم عادت للدوران مرةً أخرى دون سبب معروف أيضًا. صمت رقم «صفر» لحظة، ثم قال: إن هذه الدول تقع كلها على شاطئ المحيط الهادي، وكلها تواجه جزيرة «ويك» من اتجاهات مختلفة. ولحظة تأمُّل سريعة تقول إن الجزيرة أرسلت شيئًا ما تسبَّب في إيقاف ماكينات المصانع في لحظة واحدة؛ أي إن عصابة «سادة العالم» تستطيع أن تحكم الأرض من «نادي العباقرة».
مرَّت لحظات قبل أن يضيف: إذا كان لديكم أسئلة فإنني في الانتظار. أتمنَّى لكم التوفيق.
انتظر لحظةً قبل أن يتحرَّك من مكانه مبتعدًا. في نفس اللحظة التي كان الشياطين فيها قد أخذوا يتحرَّكون هم الآخرون في طريقهم إلى قاعتهم الصغيرة، حيث يجري تحديد المجموعة التي سوف تنطلق في أغرب مغامرة يدخلها الشياطين اﻟ «١٣».